تاريخ الإسلام


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، و إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

تطلع المسلمين إلى تحكيم الشريعة

أيها المسلمون عباد الله! ما زالت آمال المسلمين في المشارق والمغارب معلقةً على يوم يرون فيه أحكام الإسلام سائدة، وقوانينه مطبقة، وآدابه سارية، يخضع لها الصغير والكبير، والمأمور والأمير، فالناس كلهم معبدون لله رب العالمين، وآمال المسلمين هذه انطلقت من يقينهم بأن شريعة الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان، وأن شريعة الله عز وجل قد حوت الخير كله والبر كله والصلاح كله، وأن المسلمين لا يحتاجون معها إلى غيرها؛ لأن الله عز وجل خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن فقال له: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89] ، ونزل عليه في القرآن قوله: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [العنكبوت:50-52] .

شمول الشريعة الإسلامية

عباد الله! يعلم المسلمون أجمعون بأن شريعة الله عز وجل التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ليست كالشرائع السابقة، ولا هي كالقوانين الوضعية التي يخترعها الناس، فهذه وتلك محلية مقيدة بزمان، موجهة لأقوام، أما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهي للناس كافة، كبيرهم وصغيرهم، عربيهم وعجميهم، أحمرهم وأسودهم قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ، فكان رحمةً عامةً شاملةً لكل زمان ومكان.

أيها المسلمون عباد الله! كلنا يدرك أن في الإسلام نظماً اقتصادية وأخرى اجتماعية وثالثة سياسية، وكلنا يعلم أن الإسلام ينظم علاقة العبد بربه وعلاقة العبد بالناس.

المقصود بالشريعة

إذا قال المسلم اليوم: نحن نريد أن تحكم الشريعة، ماذا نقصد بالشريعة؟ هل ما يظنه بعض الناس أن الشريعة إنما هي عقوبات؟ إنما هي قوانين جنائية؟ إنما هي تنظيمات في جوانب معينة من الحياة؟ اللهم لا، شريعة الإسلام نعني بها جميع الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة، وما يتوصل إليه مجتهدو الأمة، فكل ما جاء في القرآن والسنة من أحكام وآداب وتعاليم ونظم فهو شريعة، وكل ما يستنبطه علماء الأمة وفقهاؤها ومجتهدوها فهو من شريعة الله عز وجل، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجهه إلى اليمن قاضياً ومعلماً، قال له: ( يا معاذ ! إن عرض لك قضاء فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ )، يعني: إذا جاءتك قضية ليس لها في كتاب الله حكم، ( قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو )، أي: لا أقصر، فأجتهد رأيي ليس معناه: أنه يخترع حكماً من تلقاء نفسه وفق هواه، اللهم لا! بل المعنى: أجتهد رأيي في أن ألحق الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير، وأقيس المسكوت عنه على المنطوق به، هذا هو معنى: أجتهد رأيي. ثم قال: (ولا آلو) ومعناه: أن أبذل الجهد وأستفرغ الوسع في الوصول إلى ما يوافق حكم الله عز وجل، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فضرب عليه الصلاة والسلام معاذاً في صدره مشجعاً وموجهاً، وقال: ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي الله ورسوله ) .

أنواع الأحكام الشرعية

يا أيها المسلمون يا عباد الله! شريعة الله عز وجل على نوعين:

أحكام تفصيلية ثابتة لا تتغير باختلاف الزمان والمكان والأحداث والأشخاص، مثل أحكام العبادات، وأحكام الزواج والطلاق، وحل البيع، وحرمة الربا، وشرعية الحدود والقصاص، وما جاء في أبواب المعاملات من إباحة الشركات مضاربةً وغيرها، فهذه أحكام ثابتة مفصلة.

ثم بعد ذلك هناك قواعد كلية جاءت بها الشريعة وموجهات عامة، يستنبط منها علماء الإسلام في كل زمان ومكان ما يوافق أحوالهم، وما يجابه التغيرات التي تطرأ على حياتهم، مثل: الضرورات تبيح المحظورات، ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، المشقة تجلب التيسير، الضرر يزال، العادة محكمة، الضرر لا يزال بالضرر، الأمور بمقاصدها، فهذه كلها قوانين فقهية استنبطها أهل العلم من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم يخترعوها من تلقاء أنفسهم.

تطبيق الشريعة الإسلامية عبر التاريخ

وهذه الشريعة أيها المسلمون عباد الله! لو أن الناس نظروا في التاريخ نظرةً سريعة لعلموا أنها كانت مطبقة، كان معمولاً بها، رغم الانحراف الذي طرأ على أنظمة الحكم من قديم إلا أن المسلمين جميعاً كانوا مقرين بأن السيادة للشريعة، وأن المرجعية للكتاب والسنة، وأن القول الفصل هو قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ما كان هناك مسلم يجادل مسلماً، ولا كان هناك مؤمن يخالف مؤمناً في هذه الحقائق، ثم بعد ذلك ما يعرض من الحوادث كان الناس يجتهدون فيها.

فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه وضع أسس المبادئ الدستورية في علاقة الحاكم بالرعية، وأن من حق الشعب أن يحاسب الحاكم وأن سلطته مقيدة، فحين خطب الناس أول ما ولي الخلافة، قال: أيها الناس! إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. وأرسى مبادئ الأخلاق في الحروب لما أرسل يزيد بن أبي سفيان إلى الشام غازياً، قال له: اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تقتلوا صبياً ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأةً عجوزاً، ولا تقطعوا شجراً مثمراً، ولا تخربوا عامراً، ولا تعقروا بعيراً، ولا بقرةً إلا لمأكلة، وستجدون أقواماً زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم لعبادة الله، يعني: الرهبان، ومن اعتزلوا في الصوامع والأديرة، فدعوهم وما زعموا أنهم قد تفرغوا له.

هذه مبادئ أخلاقية يضعها الصديق رضي الله عنه اجتهاداً منه بعد ما نظر في القرآن والسنة، وبما تعلم من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قاتل المرتدين، وحين قاتل مانعي الزكاة، هذا كله مما نفاخر به الدنيا، نقول: إن المسلمين أول أمة في التاريخ شنوا حرباً من أن أجل أن ينتزعوا للفقراء حقوقهم من الأغنياء.

وأبو بكر لما قاتل مانعي الزكاة، ما قاتلهم لأنهم قد تمردوا على سلطانه، أو أنهم حاولوا أن ينقلبوا عليه، ولا لأنهم طعنوا في مشروعية حكمه، بل حاربهم من أجل الزكاة والزكاة فقط، قال رضي الله عنه تلك الكلمة المدوية: (والله لو منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، أينقص الدين وأنا حي!) ، من أين أخذ أبو بكر هذا الكلام؟ أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في سنن أبي داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( في الإبل زكاة، في كل أربعين بنت لبون، لا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمةً من عزمات ربنا، لا يحل لمحمد ولا لآل محمد منها شيء )، فمن أعطاها طيبة بها نفسه فله أجره على الله، ومن منع الزكاة فإنها تؤخذ رغم أنفه عزمة من عزمات ربنا، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك ما زال حكام المسلمين وعلماؤهم يجهدون أنفسهم في تطبيق هذه الشريعة، ففي عهد عثمان رضي الله عنه أصاب الناس رخاء ورفاهية وراحة وطمأنينة، كان يقال لهم: اغدوا على عسلكم، اغدوا على سمنكم، اغدوا على بركم، فيأخذون ما يكفيهم من بيت المال.

لكن عثمان عليه من الله الرضوان -الذي شوه سيرته المنافقون ومن في قلوبهم مرض- ما اكتفى بذلك، بل كان مثلاً سامياً للجهاد في سبيل الله، ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر ، ما كان المسلمون يغزون عدوهم إلا في البر، أما عثمان عليه من الله الرضوان، فقد صنع أسطولاً إسلامياً يغزو في البحر، وكان من نتاج ذلك أن فتح الشمال الإفريقي، ومن نتاج ذلك أن غزا المسلمون القسطنطينية، ومن نتاج ذلك أن المسلمين بلغوا إلى أبواب أوروبا غرباً، وإلى أبواب الصين شرقاً، من أين أخذ عثمان ذلك؟ أخذه من نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإنه حين نام في بيت أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، ثم استيقظ وهو يتبسم، قالت: أضحك الله سنك يا رسول الله، قال: أريت في منامي هذا أناساً من أمتي يركبون ثبج هذا البحر غزاةً في سبيل الله، كالملوك على الأسرة، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم ) ، فخرجت هذه المرأة الصالحة في زمان معاوية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعقود، خرجت غازيةً في صحبة زوجها رضي الله عنه عبادة بن الصامت، فلما بلغوا قبرص ماتت تلك المرأة وهي في السفينة ودفنت هنالك، وما زال قبرها يعرف بقبر المرأة الصالحة.

يا أيها المسلمون! إن الذين يزعمون أن الشريعة لا تصلح لهذا الزمان، أو أن أحكامها لا تلائم التطبيق في هذا العصر أو في هذا العهد، إما جهلة مغرورون وإما أنهم موهومون يقولون على الله ما لا يعلمون، إن الله عز وجل لما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] ، كان جل جلاله عالماً ولا يزال بما يطرأ على الناس من تغير الزمان والمكان، ومن اتساع رقعة الإسلام وانبساط نفوذه وسلطانه، فإن الله جل جلاله لا تخفى عليه خافية، ومن أيقن أن الله عليم، أن الله حكيم، أن الله خبير، أن الله لطيف، ومن آمن بأسمائه جل جلاله وصفاته، فإنه يؤمن بأن شريعته هي خير الشرائع، وأن كتابه أكمل الكتب، وأن دينه أحسن الأديان.

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا سنة نبينا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وتوبوا إلى الله واستغفروه.

أيها المسلمون عباد الله! ما زالت آمال المسلمين في المشارق والمغارب معلقةً على يوم يرون فيه أحكام الإسلام سائدة، وقوانينه مطبقة، وآدابه سارية، يخضع لها الصغير والكبير، والمأمور والأمير، فالناس كلهم معبدون لله رب العالمين، وآمال المسلمين هذه انطلقت من يقينهم بأن شريعة الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان، وأن شريعة الله عز وجل قد حوت الخير كله والبر كله والصلاح كله، وأن المسلمين لا يحتاجون معها إلى غيرها؛ لأن الله عز وجل خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن فقال له: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89] ، ونزل عليه في القرآن قوله: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [العنكبوت:50-52] .

عباد الله! يعلم المسلمون أجمعون بأن شريعة الله عز وجل التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ليست كالشرائع السابقة، ولا هي كالقوانين الوضعية التي يخترعها الناس، فهذه وتلك محلية مقيدة بزمان، موجهة لأقوام، أما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهي للناس كافة، كبيرهم وصغيرهم، عربيهم وعجميهم، أحمرهم وأسودهم قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ، فكان رحمةً عامةً شاملةً لكل زمان ومكان.

أيها المسلمون عباد الله! كلنا يدرك أن في الإسلام نظماً اقتصادية وأخرى اجتماعية وثالثة سياسية، وكلنا يعلم أن الإسلام ينظم علاقة العبد بربه وعلاقة العبد بالناس.

إذا قال المسلم اليوم: نحن نريد أن تحكم الشريعة، ماذا نقصد بالشريعة؟ هل ما يظنه بعض الناس أن الشريعة إنما هي عقوبات؟ إنما هي قوانين جنائية؟ إنما هي تنظيمات في جوانب معينة من الحياة؟ اللهم لا، شريعة الإسلام نعني بها جميع الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة، وما يتوصل إليه مجتهدو الأمة، فكل ما جاء في القرآن والسنة من أحكام وآداب وتعاليم ونظم فهو شريعة، وكل ما يستنبطه علماء الأمة وفقهاؤها ومجتهدوها فهو من شريعة الله عز وجل، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجهه إلى اليمن قاضياً ومعلماً، قال له: ( يا معاذ ! إن عرض لك قضاء فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ )، يعني: إذا جاءتك قضية ليس لها في كتاب الله حكم، ( قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو )، أي: لا أقصر، فأجتهد رأيي ليس معناه: أنه يخترع حكماً من تلقاء نفسه وفق هواه، اللهم لا! بل المعنى: أجتهد رأيي في أن ألحق الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير، وأقيس المسكوت عنه على المنطوق به، هذا هو معنى: أجتهد رأيي. ثم قال: (ولا آلو) ومعناه: أن أبذل الجهد وأستفرغ الوسع في الوصول إلى ما يوافق حكم الله عز وجل، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فضرب عليه الصلاة والسلام معاذاً في صدره مشجعاً وموجهاً، وقال: ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي الله ورسوله ) .


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
الختان 2638 استماع
الوفاء خلق أهل الإيمان 2609 استماع
التفاؤل 2601 استماع
الإسلام دين الفطرة 2527 استماع
اتفاقية دارفور 2363 استماع
التوحيد 2312 استماع
الرياح السود 2288 استماع
اللجوء إلى الله 2211 استماع
أعداء الدين 2157 استماع
الأخوة الإسلامية 2150 استماع