خطب ومحاضرات
جبريل عليه السلام
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
فهذه الدروس التي تكون بعد الركعات الأربع من صلاة التهجد نجتهد في أن تكون مرتبطة بالقرآن؛ لأن رمضان هو شهر القرآن، وقد كان من عادة الأسلاف عليهم من الله الرضوان أنهم إذا دخل رمضان فإنهم يتفرغون للقرآن، وكان قائلهم يقول: إذا دخل رمضان إنما هما خصلتان: إطعام الطعام، وقراءة القرآن.
وعنوان هذه الدروس في هذا الشهر إن شاء الله: شخصيات من القرآن.
بمعنى أننا نتناول في كل ليلة شخصية ورد ذكرها في القرآن، وليس بالضرورة أن تكون من أهل الإيمان، فلربما يكون الحديث في ليلة عن موسى عليه السلام وفي ليلة أخرى عن فرعون، ولربما يكون الحديث في هذه الليلة عن جبريل وفي ليلة أخرى عن إبليس، وهكذا.
فبدلاً من أن نقول: شخصيات قرآنية، وننسبها إلى القرآن، نقول: شخصيات في القرآن، أو شخصيات ورد ذكرها في القرآن.
وفي الجزء الأول من كتاب ربنا جل جلاله ورد ذكر جبريل عليه السلام، في قوله سبحانه: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة:97].
وجبريل عليه السلام يذكر في القرآن تارة باسمه، كما في هذه الآية، وفي الآية التي بعدها: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98]، وتارة يذكر باسم الروح، كما في قول ربنا جل جلاله: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً [مريم:17]، وفي قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ [الشعراء:192-194]، وفي قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، وفي قوله سبحانه: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ[النبأ:38]، وفي قوله سبحانه: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا[القدر:4].
بإجماع المفسرين أن الروح في هذه المواضع كلها مقصود به جبريل عليه السلام.
وهذا الملك الكريم، قد ورد في القرآن الكريم ذكر بعض صفاته، وأكملت السنة ما بقي من صفاته صلوات ربي وسلامه عليه ومنها: أنه قوي، وأنه جميل، كما في قوله جل جلاله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]، أي: جبريل عليه السلام، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:6]، ذو مرة، قالوا: المعنى: ذو خلق حسن، وقيل: المعنى: بأنه جميل، وقد استقر في عرف الناس جميعاً، أن الملائكة عليهم السلام موصوفون بالجمال؛ ولذلك لما رأى النسوة الكافرات يوسف عليه السلام قلن: حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31].
واستقر عند الناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم أن الشيطان قبيح؛ ولذلك ربنا جل جلاله لما وصف شجرة الزقوم، قال: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:65]، فالشيطان عند الناس مستقر أنه قبيح، والملك مستقر بأنه جميل، وكذلك من صفات الملائكة أنهم ذووا أجنحة، كما قال ربنا جل جلاله: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ[فاطر:1]، يعني: من الملائكة من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة أجنحة، أما جبريل عليه السلام فهو أكثرهم في هذا الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رأيته على الصورة التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح، ما بين الجناح والجناح كما بين المشرق والمغرب، ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض ).
وأيضاً من صفاته صلوات الله وسلامه عليه: أنه كان يتنزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو السفير بين الله وبين رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وأحياناً قد ينزل بالوحي غيره، على قلة، كما في الحديث: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع جبريل ، فسمع نقيضاً من فوقه )، أي: سمع صوتاً من فوقه، ( فرفع رأسه، ثم قال له جبريل عليه السلام: يا محمد! هذا ملك قد نزل من السماء لم ينزل قبل اليوم قط )، نزل هذا الملك على النبي عليه الصلاة والسلام، ( وقال له: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لا تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته ).
ومن الصفات أيضاً: أنه عليه السلام كان يتشكل، ما كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم على صورة واحدة، أحياناً كان يأتيه بصورة بشرية، مثل ما حصل مع مريم عليها السلام، فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً [مريم:17].
وأحياناً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، أو يأتيه في صورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، وأحياناً كان يأتيه كصلصلة الجرس، وهو أشده عليه، فيفصم عنه في اليوم الشديد البرد، وإنه صلى الله عليه وسلم ليتفصد عرقاً، وأحياناً كان يأتيه كدوي النحل، وأحياناً كان يأتيه مناماً، وأحياناً كان يأتيه إلهاماً، وما رآه في الصورة التي خلقه الله عليها إلا مرتين مذكورتين في صدر سورة النجم، في قول ربنا جل جلاله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:13-15]، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ( كنت أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال: ذاك جبريل ما رأيته على الصورة التي خلقه الله عليها إلا مرتين ) الحديث.
وجبريل عليه السلام كان يشارك في القتال أحياناً مع المؤمنين، ففي غزوة بدر نزل صلوات الله وسلامه عليه قائداً لفرقة من الملائكة، كان لها مهمتان:
المهمة الأول: تثبيت قلوب المؤمنين، والمهمة الثانية: ضرب أعناق الكافرين، قال سبحانه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12]، قال الصحابة رضي الله عنهم: كنا نعرف قتلى الملائكة من المشركين، يعني: من قتلتهم الملائكة من المشركين كان هناك خضرة في أطرافهم، فيعرفون أن هذا القتيل ما قتل بيد عباد الله المؤمنين من البشر وإنما قتلته الملائكة.
والسؤال: هل تموت الملائكة؟ الجواب: نعم.
فالملائكة كغيرهم من خلق الله، يندرجون تحت قوله سبحانه: هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
وهؤلاء الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم مخلوقون من نور، كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم من حديث أمنا عائشة : ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
وكذلك الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم لهم قدرة على سرعة الحركة والانتقال، فـجبريل عليه السلام كان الرجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال، فما يلبث أن يأتي بالجواب في لمح البصر، والله على كل شيء قدير.
والملائكة صلوات الله وسلامه عليهم ليسوا مثلنا معشر البشر، نأكل الطعام، ونتناول من الماء، وننكح النساء، ونتكاثر ونتناسل، الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتناسلون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38].
وهم كذلك مطبوعون على الطاعة، ليسوا مثلنا، نطيع ونعصي، نهتدي ونضل، نخطئ ونصيب، بل الملائكة عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهذه شخصية هذه الليلة، وإن شاء الله في الجزء الثاني من القرآن نتناول شخصية أخرى، وهي شخصية داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
أسأل الله أن يجمعنا على الخير مرة بعد مرة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ذو القرنين | 2756 استماع |
فرعون | 2321 استماع |
يوسف عليه السلام | 2278 استماع |
قارون | 2031 استماع |
زيد بن حارثة | 1995 استماع |
عيسى بن مريم عليه السلام | 1910 استماع |
أبو بكر الصديق | 1802 استماع |
خولة بنت ثعلبة وأم كلثوم بنت عقبة وحفصة بنت عمر وآسيا بنت مزاحم | 1711 استماع |
أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط | 1709 استماع |
يونس عليه السلام | 1645 استماع |