شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب الديات [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الديات].

(الديات): جمع دية، وهي المال الذي يعطى للمجني عليه أو لوليه بسبب الجناية، وبناء على ذلك تكون الدية عوضاً عن الجناية، وهذا في حالة العفو عن القصاص، وكذلك أيضاً في حال الخطأ وشبه العمد، وذكر المصنف رحمه الله هذا الموضع بقوله: (كتاب الديات) وذلك لكثرة أبوابه وتعدد مسائله واختلاف أحكامه، ولذلك يعبر العلماء رحمهم الله بالكتب في المادة الكثيرة، ونظراً لأن الديات منها ما يتعلق بالأنفس، ومنها ما يتعلق بالأعضاء، وهناك أمر مستتبع من أروش الجنايات التي تقدر فيها الجناية، ولا يكون هناك تقدير من الشرع للجناية، وكل هذا يذكره العلماء رحمهم الله في كتاب الديات، وقول العلماء: إن الدية هي المال الذي يعطى للمجني عليه أو وليه. وهذا استحقاق شرعي جعله الله ضماناً للتلف الحاصل بسبب الجناية، وقد جعل الله عز وجل العوض عن الجنايات: إما أن يكون بالقود، فيفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، وهذا يختص بالعمد كما تقدم معنا، وإما أن يعفو المجني عليه، وحينئذ يكون هناك الضمان بالأموال، وقد يعفو بدون مال.

وقول العلماء رحمهم الله في الدية: إنها المال الذي يعطى للمجني عليه أو وليه؛ لأنه إذا جني على شخص ومات لا يمكن إعطاء المال والدية للمقتول، وإنما يعطى لوليه وهم ورثته من بعده، وقوله رحمه الله: (كتاب الديات) أي: في هذا الموضع سأذكر لك من الأحكام والمسائل التي تتعلق بديات الأنفس والأعضاء، وما يلحق بذلك من أروش الجنايات، والأصل في هذا الباب كتاب الله عز وجل.

إن الله سبحانه وتعالى أوجب الدية في القتل، قال سبحانه وتعالى في قتل الخطأ: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92] فنص الله عز وجل على لزوم الدية، وهذا النص يدل على لزومها في الأنفس، وأما بالنسبة للأعضاء، فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأعضاء والأطراف حديث يعتبره العلماء رحمهم الله أصلاً في ديات الأعضاء والأطراف، وهو حديث عمرو بن حزم في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان عاملاً له رضي الله عنه وأرضاه، فكتب له مقادير الديات في بعض الأعضاء والأطراف، وأجمع العلماء رحمهم الله أيضاً على اعتبار هذا الأصل -وهو الدية- في الأنفس وفي الأعضاء.

وأما بالنسبة لتقدير هذه الدية، وبيان ما يجب في النفس وفي الأعضاء والأطراف، فالعلماء رحمهم الله يبحثونه في أبواب متفرقة من هذا الموضع وهو كتاب الديات، فيبدءون بالأنفس أولاً؛ لأن دياتها تختلف على حسب نوعية النفس المجني عليها، سواء كانت الجناية جناية عمد أو كانت الجناية جناية شبه عمد، أو كانت خطأ أو جارية مجرى الخطأ عند من يقولون به.

وعلى هذا سيبدأ المصنف رحمه الله -أولاً- في بيان لزوم الدية وتقرير هذه الدية، ثم بعد ذلك يفصل في أنواعها وعلى من تجب، والأحوال التي يتحمل فيها الجاني الدية بنفسه، والأحوال التي تتحمل فيها العاقلة عنه جنايته.

وجوب الدية على القاتل

قال رحمه الله: [كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته].

(كل): من ألفاظ العموم.

وقوله: (كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته) هذا الحكم فيه عموم، وبناء على ذلك كل من جنى جناية، أوجبت هذه الجناية زهوق النفس وقتل النفس المحرمة، فإنه يجب عليه أن يضمن الدية، سواء كانت الجناية بالسببية أو كانت بالمباشرة، وبينا أن القاتل إما أن يقتل مباشرة كمن أضجع شخصاً فذبحه بالسكين، أو أطلق عليه النار فقتله، هذه مباشرة، أو سببية -مثلما ذكرنا- كما لو دفعه في بئر أو دفع حائطاً عليه فقتله أو نحو ذلك من صور السببية التي ذكرناها.

(كل من أتلف إنساناً).

يشترط في هذا الإنسان أن يكون له حرمة على الضوابط التي ذكرناها.

(بمباشرة) كما ذكرنا في الصور التي يحكم فيها بأن القتل قتل مباشرة أو سببية بحيث فعل فعلاً أفضى إلى القتل لا على سبيل المباشرة، وإنما كان موصلاً إلى القتل، كما ذكرنا في الإلقاء من شاهق، والحبس في زريبة فيها أسد أو أنهشه حية.. ونحو ذلك من الصور التي ذكرنا فيها قتل السببية.

(لزمته ديته) الضمير عائد على الجاني القاتل، ولما قال: (كل) يشمل العاقل والمجنون، فلو أن مجنوناً قتل فإننا نجعل قتله خطأً، ونلزم أولياء المجنون الدية على التفصيل الذي يأتينا في عمد الصبي والمجنون، فإن عمد الصبي والمجنون خطأ ويجب فيه الضمان كما سنبين إن شاء الله تعالى.

بين المصنف رحمه الله عظمة هذه الشريعة في صيانة الأرواح والأنفس أن يجنى عليها، حيث أوجبت ضمان الجناية والتلف الحاصل، يستوي أن يكون القتل عمداً أو يكون خطأً، فلو أن إنساناً ساق سيارةً فدهس شخصاً خطأً لزمته ديته، ولو أنه ركب معه شخص ثم انقلبت السيارة وكان هناك سببية في انقلابها بإهمال ونحو ذلك لزمته الدية؛ فإذاً: كل من أتلف بمباشرة أو سببية، فإنه يلزم بضمان ما أتلفه.

وجوب الدية حالة في قتل العمد المحض

قال رحمه الله: [فإن كانت عمداً محضاً ففي مال الجاني حالَّةً].

(الفاء) للتفريع.

وقوله: (فإن كانت الجناية عمداً محضاً ففي مال الجاني حالّة) أي تجب الدية، فهناك ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: أن من تعمد القتل وعفا أولياء المقتول عن القصاص لزمه أن يدفع الدية.

الحكم الثاني: أن تكون هذه الدية حالة نقداً.

الحكم الثالث: أنها في مال الجاني دون عاقلته.

فإذاً: عندنا ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: لزوم الدية في قتل العمد، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يقادَ، وإما أن يودى)، فبين عليه الصلاة والسلام أن القاتل المتعمد إما أن يقتص منه أو يدفع دية المقتول، وهذا محل إجماع بين العلماء رحمهم الله.

الحكم الثاني: أن هذه الدية حالة، يعني يجب عليه أن يدفع فوراً، وهذا الإلزام مبني على أن الأصل في الجنايات والإتلافات أنها تكون حالّة، فلو أن شخصاً كسر زجاج بيت أو كسر نافذة بيتٍ، فإننا نقول له: اضمن هذا الزجاج واضمن هذه النافذة فوراً ليس هناك تأجيل، فالأصل في الضمان أنه يكون فوراً؛ لأن حقوق الناس مضمونة، والتأخير والمماطلة ظلمٌ لأصحاب الحقوق وتعطيل لمصالحهم، ولذلك يلزم بدفعها فوراً، وهو معنى قوله: (حالة)، لكن سيأتي إن شاء الله أن دية الخطأ مؤجلة وفيها قضاء الخلفاء رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا مما تفترق فيه دية العمد ودية الخطأ، أن دية العمد: حالة، ودية الخطأ: مؤجلة.

ثم هذه الدية الحالة تكون في مال الجاني ولا نلزم عاقلته بدفعها، وأما في الخطأ فإننا نجعلها على العاقلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقد بين المصنف رحمه الله ما يترتب على قتل العمد، فإذا عفا أولياء المقتول يجب أن يدفع الدية، والأصل في ذلك النصوص التي بيناها في الكتاب والسنة.

الحكم الثالث: أن تكون في مال الجاني وليس في مال العاقلة.

لزوم الدية على العاقلة في شبه العمد والخطأ

قال رحمه الله: [وشبه العمد والخطأ على عاقلته].

وقتل شبه العمد وشبه الخطأ الدية فيهما على عاقلة المخطئ؛ وذلك لأن شبه العمد والخطأ قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنين بغرة؛ وليدة أو عبد، ثم قضى بديتها -يعني دية المرأة- على عاقلتها) أي: على عاقلة المرأة الجانية. وهذا يدل على أن من قتل خطأ فعاقلته تحمل عنه، فمثلاً: لو أن رجلاً أركب معه أشخاصاً في سيارته ثم حصل حادث، وكان متحملاً لجميع ما في هذا الحادث من خطأ دون اشتراكٍ مع غيره وأزهق ثلاثة أنفس، فنقول: إن هذه الثلاث ديات على عاقلته. وعاقلته تحمل عنه هذه الديات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم عاقلة المخطئ بتحمل الدية، وهذا فيه حكمة من الشريعة؛ لأن المخطئ ليس كالمتعمد؛ ولأن العاقلة وهم القرابة يرثون، فالإنسان إذا لم يكن له قريبٌ وارث فإن العصبة ترث جميع المال، ولذلك : الغُنم بالغرم، فهم يغرمون كما يغنمون، ويغنمون كما يغرمون، ولذلك قال الله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]وقد تقدم معنا هذا في مسائل عديدة بينا فيها لماذا تلزم الشريعة الأقرباء بضمان بعض الأشياء لقراباتهم. وهنا نلزم العاقلة بدفع دية الخطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها على العاقلة، وسيأتي إن شاء الله ضابط العاقلة وكيف تقسط هذه الدية عليهم.

ثم بين المصنف رحمه الله أن هذه الدية على العاقلة معاً.

قوله رحمه الله: (وشبه العمد والخطأ على عاقلته).

المفروض أن يُضاف مؤجلة؛ لأنه نص في العمد على أنها حالة، وسكت عن كونها حالة في الخطأ وشبه العمد من أجل أن طالب العلم يدرك أنها لو كانت حالة لنص على ذلك، لكن لما كان هذا قد يوهم، كان الأولى أن يقال: مؤجلةً، فهي على العاقلة مؤجلة ثلاث سنوات وقيل أكثر من ذلك، والذي قضى به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولم يخالف ذلك أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الدية إذا أُلزمت بها العاقلة تقسط على ثلاث سنوات، وبناء على ذلك تخالف دية العمد، فدية الخطأ مؤجلة، ودية العمد معجلة.

حكم من كان سبباً في القتل

قال رحمه الله: [وإن غصب حراً صغيراً، فنهشته حية، أو أصابته صاعقة، أو مات بمرض، أو غل حراً مكلفاً وقيده؛ فمات بالصاعقة أو الحية، وجبت له الدية].

قوله: (وإن غصب حراً صغيراً فنهشته حية).

تقدم معنا في الغصب أن العلماء رحمهم الله يقولون: (يد الغاصب يد ضمان) وبينا وجه ذلك؛ لأنه باعتدائه على المغصوب يتحمل جميع ما يحصل لهذا المغصوب من ضرر، فإن حصل هذا الضرر بفعله لا إشكال، وإن حصل بآفةٍ سماوية أو نحو ذلك فهو ضامن؛ لأن يده يد ضمان؛ كان المفروض أن يرده إلى صاحبه حتى يصبح صاحبه ضامناً له، فمثلاً: من غصب منك سيارة فإن هذه السيارة مدة بقائها تحت يدك تأخذ منفعتها وتتحمل ضررها، لكن إذا أخذها منك أصبحت يده يد ضمانٍ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فجعل يد الغاصبِ يد ضمان، وبينا ذلك ووجهناه وذكرنا له صوراً وأمثلة.

قوله: (وإن غصب حراً صغيراً فنهشته حية) الصغير لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا يستطيع أن يقاتل، ولذلك لا يتحمل مسئولية نفسه، ولا يكون هناك تحمل من النفس المقتولة للجناية، ويصبح الغاصب متحملاً لدية هذا المقتول. (نهشته حية) الموت حصل بنهش الحية، لكن لولا الله ثم كونه جاء به إلى هذا الموضع وغصبه إلى هذا الموضع ما حصل الموت، فيتحمل التبعة وما يترتب على هذا الفعل وعلى هذه الجناية فيكون ضامناً لهذه النفس.

قال: [أو أصابته صاعقة].

يعني: الإتلاف قد يكون بالعوارض التي لا دخل للمكلف فيها، أو بالعوارض التي يكون فيها دخل على جهة السببية بالحيات والعقارب ونحو ذلك، فإذا نزلت عليه صاعقة فمات، فإن الذي قتله هي الصاعقة في الأصل، لكن كونه حمله إلى هذا الموضع الذي أصابته فيه الصاعقة فإنه غاصب ومتحمل لما يترتب على غصبه، وبهذا الحمل وقع هذا الضرر على الصبي فيتحمل مسئوليته.

قال: [أو مات بمرض].

أو مات هذا الصبي بمرض؛ لأنه بحمله أصبح ضامناً له حتى يؤديه، فإذا لم يؤده ولم يرجع فإنه ضامنٌ له، وبعض العلماء يفرق بين موته بالأسباب الإلهية التي لا دخل فيها للمكلف، وهي الموت بالشيء الطبيعي، وبين موته بأسباب يكون للغصب فيها تأثير، ولكن من أهل العلم من لم يفرق، والسبب في هذا أنه يجعل مرد المسألة إلى أن يده يد ضمان، فلا يزال ضامناً حتى يرد المغصوب، وهذا أصل قرره العلماء في مسائل الغصب، وينبغي أن يكون مطرداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذا فقال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فهو ضامن له حتى يرده كما أخذه.

قوله: [أو غل حراً مكلفاً وقيده، فمات بالصاعقة أو الحية].

الأول كان صغيراً وهذا مكلف، فإنه لما وضع الحر في الأغلال ومنعه من الحركة، أصبح هذا المكلف والكبير في حكم الصغير، وحينئذٍ لولا الله ثم هذا الغل لما مات؛ لأنه مقيد ولا يستطيع الحركة، والغل في جسده يمنعه من الحركة، فإذا كان الأمر كذلك فإنه لو نزلت عليه صاعقة فمن الذي جاء به في هذا الموضع، ومن الذي حبسه في هذا الموضع؟ ولولا الله ثم هذا الحبس وهذا المجيء لما حصل الزهوق، ولذلك يتحمل المسئولية عنه ويضمنه، ولو قال قائل: إنه كبير وإنه مسئول عن نفسه، نقول: إنه لما قيده وغله أصبح في حكم المشلول العاجز. وحينئذ كونه كبيراً ومكلفاً لا تأثير له؛ لأنه لا يستطيع أن ينقذ نفسه، ولا أن يبذل الأسباب لنجاة نفسه فيكون ضامناً لها.

قال: [وجبت الدية فيهما].

وجبت الدية على الغاصبِ، ويده يد ضمان لما ذكرنا. هذا بالنسبة للنفس، فإنها تجب الدية إن مات كما ذكرنا، وإن أتلفت هذه العوارض ففيه بعض الدية، فإن أتلف عضواً كيده أو رجله وجب عليه أن يدفع نصف الدية، وهكذا لو عورت عينه أو فقد إحدى أذنيه، أو أصابه ضرر في لسانه فأصبح لا يتكلم، وجبت عليه دية اللسان.. وهكذا.

إذاً: كما يجب ضمان النفس كاملةً يجب ضمان الأعضاء، فمثلاً: لو أنه قيده ثم وضعه على حالة انكسرت يده فيها، أو وضعه على حالة جرحت فيها أصبعه، ثم سرى هذا الجرح حتى شلت يده، فحينئذ نوجب عليه ضمانه بنصف ديته. فكما يجب ضمان النفس كاملة يجب ضمان الأعضاء والأطراف وما يحصل من هذا الغصب من ضرر، فوجبت الدية إن كان زهوقاً للنفس كاملة، ووجبت أيضاً دية الأعضاء على حسب ما ترتب من هذه الجناية.

قال رحمه الله: [كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته].

(كل): من ألفاظ العموم.

وقوله: (كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته) هذا الحكم فيه عموم، وبناء على ذلك كل من جنى جناية، أوجبت هذه الجناية زهوق النفس وقتل النفس المحرمة، فإنه يجب عليه أن يضمن الدية، سواء كانت الجناية بالسببية أو كانت بالمباشرة، وبينا أن القاتل إما أن يقتل مباشرة كمن أضجع شخصاً فذبحه بالسكين، أو أطلق عليه النار فقتله، هذه مباشرة، أو سببية -مثلما ذكرنا- كما لو دفعه في بئر أو دفع حائطاً عليه فقتله أو نحو ذلك من صور السببية التي ذكرناها.

(كل من أتلف إنساناً).

يشترط في هذا الإنسان أن يكون له حرمة على الضوابط التي ذكرناها.

(بمباشرة) كما ذكرنا في الصور التي يحكم فيها بأن القتل قتل مباشرة أو سببية بحيث فعل فعلاً أفضى إلى القتل لا على سبيل المباشرة، وإنما كان موصلاً إلى القتل، كما ذكرنا في الإلقاء من شاهق، والحبس في زريبة فيها أسد أو أنهشه حية.. ونحو ذلك من الصور التي ذكرنا فيها قتل السببية.

(لزمته ديته) الضمير عائد على الجاني القاتل، ولما قال: (كل) يشمل العاقل والمجنون، فلو أن مجنوناً قتل فإننا نجعل قتله خطأً، ونلزم أولياء المجنون الدية على التفصيل الذي يأتينا في عمد الصبي والمجنون، فإن عمد الصبي والمجنون خطأ ويجب فيه الضمان كما سنبين إن شاء الله تعالى.

بين المصنف رحمه الله عظمة هذه الشريعة في صيانة الأرواح والأنفس أن يجنى عليها، حيث أوجبت ضمان الجناية والتلف الحاصل، يستوي أن يكون القتل عمداً أو يكون خطأً، فلو أن إنساناً ساق سيارةً فدهس شخصاً خطأً لزمته ديته، ولو أنه ركب معه شخص ثم انقلبت السيارة وكان هناك سببية في انقلابها بإهمال ونحو ذلك لزمته الدية؛ فإذاً: كل من أتلف بمباشرة أو سببية، فإنه يلزم بضمان ما أتلفه.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع