من سورة البقرة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل: وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ [إبراهيم:45]، ويقول سبحانه: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر:27]، ويقول سبحانه: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35].

خصائص أمثال القرآن

المثل يضربه الله عز وجل؛ ليقرب المعنى إلى الأفهام، وأمثال القرآن - كما قال أهل التفسير- تجمع خصالاً ثلاثة:

أولها: وجازة الألفاظ، أي أن ألفاظها قليلة.

وثانيها: وضوح المعاني.

وثالثها: بلاغة التشبيه، أي أن المشبه والمشبه به في غاية من الوضوح والإتقان.

وهذه الأمثال إنما يضربها الله عز وجل للمخلوقات، أما هو سبحانه، فكما قال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، لا تقل: الله عز وجل كمثل كذا، أو مثل الله عز وجل كمثل كذا، معاذ الله! فهو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].

أنواع الأمثال في القرآن

أمثال القرآن على نوعين:

أمثال ظاهرة واضحة، وأمثال خفية كامنة.

فالأمثال الظاهرة هي التي يذكر الله فيها المثل صراحةً، كقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ[إبراهيم:24] إلى أن قال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:26]، هذه أمثلة ظاهرة.

لكن هناك أمثال كامنة، يغوص فيها من فتح الله عليهم، كما قال سبحانه: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]؛ ولذلك فقد أورد الإمام الماوردي رحمه الله جملة من هذه الأمثال الكامنة فيما رواه عن الحسين بن فضل لما قيل له: أنت تعرف أمثال القرآن، فهل تجد في القرآن خير الأمور أوساطها -وهذا مثل يتكلم به الناس يقولون: خير الأمور أوساطها أو وسطها- قال: نعم أجده في أربعة مواضع، في قول الله عز وجل: لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ[البقرة:68]، وفي قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، وفي قول الله عز وجل: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29]، وفي قوله سبحانه: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110]، هذه الآيات كلها تدل على هذا المعنى: أن خير الأمور أوساطها.

قيل له: فهل تجد في القرآن: من جهل شيئاً عاداه؟ قال: نعم أجده في قول الله عز وجل: بَلَ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ[يونس:39]، وفي قوله سبحانه: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11].

قيل له: هل تجد في القرآن: لا تلد الحية إلا حية؟ قال: نعم أجده في قوله سبحانه: وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27].

قيل له: فهل تجد في القرآن: للحيطان آذان؟ قال: نعم أجده في قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ[التوبة:47].

قيل له: فهل تجد في القرآن: اتق شر من أحسنت إليه؟ قال: نعم أجده في قوله سبحانه: وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ[التوبة:74]، إلى آخر هذه الأمثلة الكامنة الموجودة في القرآن.

المثل يضربه الله عز وجل؛ ليقرب المعنى إلى الأفهام، وأمثال القرآن - كما قال أهل التفسير- تجمع خصالاً ثلاثة:

أولها: وجازة الألفاظ، أي أن ألفاظها قليلة.

وثانيها: وضوح المعاني.

وثالثها: بلاغة التشبيه، أي أن المشبه والمشبه به في غاية من الوضوح والإتقان.

وهذه الأمثال إنما يضربها الله عز وجل للمخلوقات، أما هو سبحانه، فكما قال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، لا تقل: الله عز وجل كمثل كذا، أو مثل الله عز وجل كمثل كذا، معاذ الله! فهو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].

أمثال القرآن على نوعين:

أمثال ظاهرة واضحة، وأمثال خفية كامنة.

فالأمثال الظاهرة هي التي يذكر الله فيها المثل صراحةً، كقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ[إبراهيم:24] إلى أن قال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:26]، هذه أمثلة ظاهرة.

لكن هناك أمثال كامنة، يغوص فيها من فتح الله عليهم، كما قال سبحانه: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]؛ ولذلك فقد أورد الإمام الماوردي رحمه الله جملة من هذه الأمثال الكامنة فيما رواه عن الحسين بن فضل لما قيل له: أنت تعرف أمثال القرآن، فهل تجد في القرآن خير الأمور أوساطها -وهذا مثل يتكلم به الناس يقولون: خير الأمور أوساطها أو وسطها- قال: نعم أجده في أربعة مواضع، في قول الله عز وجل: لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ[البقرة:68]، وفي قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، وفي قول الله عز وجل: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29]، وفي قوله سبحانه: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110]، هذه الآيات كلها تدل على هذا المعنى: أن خير الأمور أوساطها.

قيل له: فهل تجد في القرآن: من جهل شيئاً عاداه؟ قال: نعم أجده في قول الله عز وجل: بَلَ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ[يونس:39]، وفي قوله سبحانه: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف:11].

قيل له: هل تجد في القرآن: لا تلد الحية إلا حية؟ قال: نعم أجده في قوله سبحانه: وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27].

قيل له: فهل تجد في القرآن: للحيطان آذان؟ قال: نعم أجده في قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ[التوبة:47].

قيل له: فهل تجد في القرآن: اتق شر من أحسنت إليه؟ قال: نعم أجده في قوله سبحانه: وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ[التوبة:74]، إلى آخر هذه الأمثلة الكامنة الموجودة في القرآن.

إذا أردنا أن نتتبع أمثال القرآن مثلاً، مثلاً، فأول ما يقابلنا في سورة البقرة قول الله عز وجل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ[البقرة:17]، هذا أول مثل في سورة البقرة، ضربه الله عز وجل للمنافقين؛ لأن السياق فيها هو في الحديث عن المنافقين، فالله عز وجل يشبه المنافق بأنه كإنسان أوقد ناراً في فلاة من الأرض، وقد ضربت الظلمة وغشيت المكان من كل ناحية، وهذه النار بينما هو ينتفع بضوئها ويستدفئ بحرارتها فجأة انطفأت، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ.

قال مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي وغيره من أهل التفسير: إن هذا مثل المنافق، نطق بلا إله إلا الله، فخالط المسلمين وناكحهم ووارثهم وشاركهم مجالسهم حتى إذا نزل به الموت بحث عن: لا إله إلا الله، فلم يجدها، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17]، ثم وصفهم الله عز وجل بثلاث صفات كريهة: بأنهم صم، بكم، عمي.

صم عن سماع الحق، بكم عن النطق به، عمي عن رؤية آثاره؛ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
من سورة النور [1] 2426 استماع
من سورة الرعد [2] 2192 استماع
تدبر القرآن 2098 استماع
من سورة النحل [1] 1874 استماع
من سورة البقرة [3] 1798 استماع
من سورة البقرة [2] 1543 استماع
من سورة الأعراف 1523 استماع
من سورة النور [2] 1432 استماع
من سورة آل عمران 1422 استماع
من سورة النحل [2] 1421 استماع