خطب ومحاضرات
تفسير سورة المعارج [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
وصف الإنسان بصفات النقص
ففي هذه الآيات المباركات ربنا جل جلاله يتكلم عن جنس الإنسان، وهو سبحانه وتعالى خالقه وهو أعلم به، أخبر ربنا جل جلاله في القرآن عن صفات هذا الإنسان، بأنه ظلوم كفار وأنه ظلوم جهول، وأنه مجبول على النسيان، قال سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، وقال سبحانه: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، وقال سبحانه: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:115]، فالإنسان مجبول على هذه الصفات المتضمنة لصفات النقص: الظلم، الجهل، كفر النعمة، النسيان، الضعف.
ثم بعد ذلك هو مجبول على الهلع: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19]، يقال: هلع يهلع هلعاً، فهو هلع وهلوع، صيغة مبالغة من الهلع، بمعنى: الجزع والفزع، أو كما فسرها الزمخشري رحمه الله بأن قول الله عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19]، قال: الهلع: شدة السرعة عند نزول المكروه، يسرع إليه الجزع إذا نزل به ما يكره، ثم بعد ذلك سرعة المنع إذا أصابه ما يحب، فيكون المعنى: أن الله عز وجل خلق الإنسان وهو مجبول على أنه يحب ما يرضيه ويفرحه، ويكره ما يؤذيه ويسخطه، ثم ابتلاه الله عز وجل ببذل ما يحب والصبر على ما يكره، والإنسان قد جبله الله عز وجل على أنه يحب الشيء الذي يرضيه ويسره ويفرحه، ويبغض الشيء الذي يكرهه ويسخطه، ثم بعد ذلك ربنا جل جلاله ابتلاه ببذل هذا المحبوب أياً كان، وابتلاه الله عز وجل بالصبر على المكروه أياً كان.
فهنا يخبر ربنا جل جلاله عن هذه الصفة بأن الإنسان هلوع، فقال: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19].
ثم قال تعالى: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً [المعارج:20]، أي: قليل صبره، ضيق صدره، يصيبه الهلع، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:21]، إذا آتاه الله عز وجل خيراً فإنه جماع طماع مناع، لا يريد أن يبذل من هذا الخير لغيره ولا أن يعطي سواه.
صفات أهل الإيمان
ثم استثنى ربنا جل جلاله عباده الطيبين، فعلم بأن المراد بهذا الإنسان في هذه الآيات من لم يتحل بالإيمان، مثل ما قال سبحانه: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2]، ثم قال: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:3]، هنا أيضاً استثنى ربنا جل جلاله الطيبين الذين اتصفوا بتسع صفات:
الصفة الأولى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23].
الصفة الثانية: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25].
الصفة الثالثة: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26].
الصفة الرابعة: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:27-28].
الصفة الخامسة: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج:29-31].
الصفة السادسة: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ[المعارج:32].
الصفة السابعة: وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، أي: والذين هم لأماناتهم راعون، ولعهدهم راعون.
الصفة الثامنة: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33].
الصفة التاسعة: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، فبدأ ربنا بالصلاة وختم بالصلاة، مثل ما قال هناك في سورة المؤمنون: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، ثم في ختام الصفات قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]؛ فبدأ بالصلاة وختم بالصلاة؛ لأنها آكد أركان الإسلام، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ).
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( شر ما أصيب به رجل: شح هالع، وجبن خالع )، (شح هالع): يحمله على الهلع، أن يكون دائماً مسارعاً في جمع هذا المال من حله وحرامه، (وجبن خالع): يخلع قلبه، فمتى ما رأى ما يخاف منه فإن قلبه ينخلع، وهاتان الصفتان نفاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، قال: ( ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً )، عليه الصلاة والسلام، فالجبن والبخل نفاهما النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه: (ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً).
فالإنسان لا بد أن يتخلص من هذه الصفات البغيضة: الجزع، والهلع باتصافه بهذه الصفات التسع:
ففي هذه الآيات المباركات ربنا جل جلاله يتكلم عن جنس الإنسان، وهو سبحانه وتعالى خالقه وهو أعلم به، أخبر ربنا جل جلاله في القرآن عن صفات هذا الإنسان، بأنه ظلوم كفار وأنه ظلوم جهول، وأنه مجبول على النسيان، قال سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، وقال سبحانه: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، وقال سبحانه: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:115]، فالإنسان مجبول على هذه الصفات المتضمنة لصفات النقص: الظلم، الجهل، كفر النعمة، النسيان، الضعف.
ثم بعد ذلك هو مجبول على الهلع: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19]، يقال: هلع يهلع هلعاً، فهو هلع وهلوع، صيغة مبالغة من الهلع، بمعنى: الجزع والفزع، أو كما فسرها الزمخشري رحمه الله بأن قول الله عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19]، قال: الهلع: شدة السرعة عند نزول المكروه، يسرع إليه الجزع إذا نزل به ما يكره، ثم بعد ذلك سرعة المنع إذا أصابه ما يحب، فيكون المعنى: أن الله عز وجل خلق الإنسان وهو مجبول على أنه يحب ما يرضيه ويفرحه، ويكره ما يؤذيه ويسخطه، ثم ابتلاه الله عز وجل ببذل ما يحب والصبر على ما يكره، والإنسان قد جبله الله عز وجل على أنه يحب الشيء الذي يرضيه ويسره ويفرحه، ويبغض الشيء الذي يكرهه ويسخطه، ثم بعد ذلك ربنا جل جلاله ابتلاه ببذل هذا المحبوب أياً كان، وابتلاه الله عز وجل بالصبر على المكروه أياً كان.
فهنا يخبر ربنا جل جلاله عن هذه الصفة بأن الإنسان هلوع، فقال: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19].
ثم قال تعالى: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً [المعارج:20]، أي: قليل صبره، ضيق صدره، يصيبه الهلع، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:21]، إذا آتاه الله عز وجل خيراً فإنه جماع طماع مناع، لا يريد أن يبذل من هذا الخير لغيره ولا أن يعطي سواه.
ثم استثنى ربنا جل جلاله عباده الطيبين، فعلم بأن المراد بهذا الإنسان في هذه الآيات من لم يتحل بالإيمان، مثل ما قال سبحانه: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2]، ثم قال: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:3]، هنا أيضاً استثنى ربنا جل جلاله الطيبين الذين اتصفوا بتسع صفات:
الصفة الأولى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23].
الصفة الثانية: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25].
الصفة الثالثة: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26].
الصفة الرابعة: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:27-28].
الصفة الخامسة: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج:29-31].
الصفة السادسة: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ[المعارج:32].
الصفة السابعة: وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، أي: والذين هم لأماناتهم راعون، ولعهدهم راعون.
الصفة الثامنة: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33].
الصفة التاسعة: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، فبدأ ربنا بالصلاة وختم بالصلاة، مثل ما قال هناك في سورة المؤمنون: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، ثم في ختام الصفات قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]؛ فبدأ بالصلاة وختم بالصلاة؛ لأنها آكد أركان الإسلام، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ).
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( شر ما أصيب به رجل: شح هالع، وجبن خالع )، (شح هالع): يحمله على الهلع، أن يكون دائماً مسارعاً في جمع هذا المال من حله وحرامه، (وجبن خالع): يخلع قلبه، فمتى ما رأى ما يخاف منه فإن قلبه ينخلع، وهاتان الصفتان نفاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، قال: ( ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً )، عليه الصلاة والسلام، فالجبن والبخل نفاهما النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه: (ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً).
فالإنسان لا بد أن يتخلص من هذه الصفات البغيضة: الجزع، والهلع باتصافه بهذه الصفات التسع:
الصفة الأولى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]، أي: ليست الصلاة عندهم تبعاً للظروف، إذا وجد فراغاً صلى، وإذا شغل عنها بأمر من أمور الدنيا خلا، وليست الصلاة عندهم تابعة للمزاج وللجو أو لأحوال المناخ والطقس، وإنما هم دائمون على الصلاة، في السراء والضراء، والشدة والرخاء، والعسر واليسر، والغنى والفقر، والصحة والسقم، والخوف والأمن، والحرب والسلم.. على كل الأحوال يصلون، ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة )، وكان صلى الله عليه وسلم في الحرب يصلي صلاة تسمى: صلاة الخوف، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حُبس المطر صلى صلاة تسمى: الاستسقاء، وإذا كسفت الشمس صلى صلاة تسمى: صلاة الكسوف، وكذلك علمنا صلى الله عليه وسلم صلاة الحاجة، وعلمنا صلاة الاستخارة، وأمرنا ربنا جل جلاله يوم الجمعة بأن نسعى إلى ذكر الله، كذلك في ختام الصيام علمنا صلاة العيد، وكذلك في يوم النحر علمنا صلاة العيد.. وهكذا، دائماً هو في صلاة عليه الصلاة والسلام.
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]، قال قتادة رحمه الله: بلغنا أن دانيال عليه السلام نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، ولو صلاها قوم عاد ما أصابهم الريح العقيم، ولو صلاها قوم ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها للمؤمن ذكر حسن، فالإنسان المؤمن الطيب صلاته دائمة، يواظب عليها، ويحرص على أدائها.
وقيل: المراد بقوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]، الدوام هنا المقصود به: الخشوع، أي: أنهم لا يلتفتون في صلاتهم، قالوا: الدوام أصله السكون، ومنه الحديث: ( نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم الذي لا يجري )، الماء الدائم معناه: الماء الساكن، وهنا أيضاً قالوا: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]، أي: خاشعون، لا يلتفتون، لا يتحركون، تخشع جوارحهم في صلاتهم، إذا كبر أحدهم رمى ببصره نحو موضع سجوده، فهذا هو حالهم في صلاتهم، فهذه هي الصفة الأولى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23].
الصفة الثانية: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، بعدما ذكر ربنا جل جلاله العبادة البدنية أتبعها بذكر العبادة المالية تنويهاً إلى أن الدين ليس وفق ما نشتهي، وإنما الدين كما فرضه رب العالمين، فقد ابتلانا ربنا بأن نعبده بأبداننا وأن نعبده بأموالنا، وأن نعبده بقلوبنا وأن نعبده بأخلاقنا؛ ولذلك ربنا يذكر العبادة البدنية التي هي الصلاة، ثم يذكر العبادة المالية التي هي الزكاة، ثم يذكر ربنا العبادة القلبية: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، ثم يذكر العبادات الأخلاقية: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، ثم يرجع إلى العبادة البدنية ثانية: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، فبعدما ذكر الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين عرج على ذكر الزكاة، فقال: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ[المعارج:24]، والمال هنا ينسب إليهم على اعتبار أنه في أيديهم، وإلا فإن الأصل في المال أنه مال الله جل جلاله، قال سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[الحديد:7]، فالمال مال الله وأنت خليفة، وكيل عن الله عز وجل في هذا المال.
الفرق بين السائل والمحروم
قوله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، أي: ثابت، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25]، السائل هو: الذي يتعرض للناس، ويذكر حاجته ويبين حالته، ويطلب من الناس مساعدته، أما المحروم فهو: الذي ليس عنده ما يكفيه لكنه لا يتعرض للناس ولا يسأل، فهذا هو الفرق بين السائل والمحروم، مثل ما ذكر ربنا جل جلاله هناك في سورة الحج قال: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ[الحج:36]، فالمعتر: الذي يتعرض للناس، والقانع هو: الذي لا يتعرض للناس، فهنا أيضاً السائل والمحروم.
المراد من قوله تعالى: (حق معلوم) وقوله: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)
المقصود هنا في هذه الآية الزكاة المفروضة، أما صدقة التطوع فذكرت في سورة الذاريات، قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ[الذاريات:15-19]، لم يقل: معلوم؛ بل قال: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وهذه هي: صدقة التطوع، أما هنا فقال: حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، أي مقدر من الله عز وجل.
أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة
وهذا الحق المعلوم في أربعة أنواع من المال:
النوع الأول: الذهب والفضة، والنقود الورقية التي نتعامل بها.
النوع الثاني مما تجب فيه الزكاة: عروض التجارة؛ وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع، كما في حديث سمرة رضي الله عنه، وهناك سؤال يطرحه كثير من الناس، يقول: أنا اشتريت أرضاً على نية أن أبيعها متى ما غلى سعرها؟
نقول: فيها الزكاة؛ لأنك اشتريتها بنية البيع، أما لو اشترى الإنسان أرضاً من أجل أن يبتنيها بيتاً فليس فيها زكاة؛ لأنه شيء للاستعمال الشخصي، أما هذا الذي يعد للنماء ففيه الزكاة.
بعض الناس يسأل يقول: أنا اشتريت أرضاً لأبني عليها بيتاً، لكن لو دهمني ظرف أو نزلت بي نازلة فسأبيعها؟
نقول: ليس فيها زكاة؛ لأن الإنسان أصلاً لو نزلت به نازلة -عافانا الله!- قد يبيع ثيابه التي يلبسها! وقد يبيع أثاثه الذي ينام عليه في البيت، وقد يبيع كتبه التي يقرأ فيها، فمثل هذا لا يوجب زكاة.
لكن المقصود: أن الإنسان يخرج الزكاة من الشيء الذي اشتراه وفي نيته أن يبيعه من أجل أن يزيد في ماله، هذا هو الضابط.
إذاً: النوع الثاني هو: عروض التجارة، وفي عروض التجارة والنقود الورقية ربع العشر، وهذا شيء بسيط، اثنين ونصف بالمائة، وهذه سنة ربنا في العبادات كلها، حيث إنها شيء خفيف، فالصلاة خمس صلوات، وكلها لا تستغرق ساعة، كذلك الزكاة شيء بسيط، والصيام شهر من اثني عشر شهراً، والحج في العمر كله مرة واحدة، أيام معدودة افترض الله عليك أن تذهب إلى ذلك المكان المخصوص وتأتي بالعبادات المعروفة من الطواف والسعي... إلى آخره، فما زاد على ذلك فهو تطوع منك.
النوع الثالث من الأموال التي تجب فيها الزكاة: بهيمة الأنعام، التي هي الأزواج الثمانية في الإبل والبقر والغنم، والغنم بنوعيها الذي هو الضأن والماعز، ولا يجب فيها الزكاة إلا إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، والزكاة في أصلها ونتاجها، ولا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت سائمة، يعني: تأكل من الخلا، أما هذه المعلوفة التي يتكلف الإنسان إطعامها فليس فيها زكاة.
أما إذا كانت بهيمة الأنعام في بعض الأيام سائمة وفي بعضها معلوفة فالعبرة بالأغلب، فمثلاً: الناس الذين يرعون البهائم في الخلا، قد تأتي عليهم أيام في السنة يضطرون إلى الشراء، يشترون لها القصب أو يشترون لها القش، نقول: إذا كانت هذه الأيام أياماً قليلة فهذا لا يخرجها عن كونها سائمة.
إذاً: النوع الثالث من المال الذي تجب فيه الزكاة هو: بهيمة الأنعام، وبهيمة الأنعام ثمانية أزواج، التي هي من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين، هذه ثمانية أزواج.
وفي الخيل خلاف؛ فالإمام أبو حنيفة ذهب إلى وجوب الزكاة في الخيل، أما جمهور العلماء على أنه ليس في الخيل زكاة.
النوع الرابع من الأموال التي تجب فيها الزكاة: الزروع والثمار، قال الله عز وجل: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ[الأنعام:141]، وهذا هو الذي لا يشترط له الحول، بل مجرد ما يحصل الجذاذ، ومجرد ما تجني التمر أو الخضار فإنها تجب الزكاة.
وتكون في كل خارج من الأرض على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله؛ لعموم قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ[البقرة:267]، فيدخل في ذلك: الحبوب: كالقمح، والشعير، والأرز وما أشبه ذلك.. ويدخل في ذلك أيضاً الخضر والفاكهة، ويدخل في ذلك أيضاً: القطن والمطاط وغير ذلك مما يزرعه الناس.
قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ[المعارج:24]، أي: مقدر ومحدد من الشرع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( في كل أربعين شاة شاة، وفي كل ثلاثين بقرة تبيع، وليس فيما دون خمس ذود صدقة )، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأنه ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وخمسة أوسق تساوي: ثلاثمائة صاع، وتعادل حوالي: ستمائة وأربعة وخمسين كيلو، يعني: لو أنك زرعت قمحاً وهذا القمح بلغ هذا المقدار الذي هو: ستمائة وأربعة وخمسين كيلو فما زاد فإنك تخرج منه العشر أو نصف العشر، فإذا كان مسقياً بماء السماء فإنك تخرج منه العشر، وكذلك ما كان عثرياً، يعثر على الماء بنفسه، أما ما كان مسقياً بالنواضح وبالآلات وبالمئونة فإنك تخرج منه نصف عشره.
قال الله سبحانه في هذه الصفة الثانية: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[المعارج:24-25]، وهم يخرجون هذا الحق طيبة نفوسهم، لا يتبعونه مناً ولا أذى، يعني: لا يمنون بحيث يقول أحدهم: أنا أعطيتك وأنا أنفقت عليك.. ولا يؤذون، ولا يشتمون السائل ولا يدعون عليه، وإنما يبذلون هذا المال ونفوسهم طيبة؛ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى[البقرة:264]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسدل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ).
قوله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، أي: ثابت، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25]، السائل هو: الذي يتعرض للناس، ويذكر حاجته ويبين حالته، ويطلب من الناس مساعدته، أما المحروم فهو: الذي ليس عنده ما يكفيه لكنه لا يتعرض للناس ولا يسأل، فهذا هو الفرق بين السائل والمحروم، مثل ما ذكر ربنا جل جلاله هناك في سورة الحج قال: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ[الحج:36]، فالمعتر: الذي يتعرض للناس، والقانع هو: الذي لا يتعرض للناس، فهنا أيضاً السائل والمحروم.
المقصود هنا في هذه الآية الزكاة المفروضة، أما صدقة التطوع فذكرت في سورة الذاريات، قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ[الذاريات:15-19]، لم يقل: معلوم؛ بل قال: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وهذه هي: صدقة التطوع، أما هنا فقال: حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، أي مقدر من الله عز وجل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث | 2769 استماع |
تفسير سورة نوح [3] | 2766 استماع |
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع | 2665 استماع |
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول | 2652 استماع |
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] | 2534 استماع |
تفسير سورة يس [8] | 2523 استماع |
تفسير سورة يس [4] | 2477 استماع |
تفسير سورة يس [6] | 2468 استماع |
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] | 2236 استماع |
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع | 2224 استماع |