دع التميع وابدأ طريق التميز
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
العقل مفتاح تفرد الإنسان، واستثمار الطاقات وضبط الحاجات طريقان لمواجهة التميعمن أين أتيت ؟ إلى أين المصير ؟ ماذا يجب علي ؟ تساؤلات إجابتها تكشف مدى تميز الشخصية
طريقة إشباع المسلم لاحتياجاته تكشف: هل هو إمعة أو ذو استقلالية ؟
«لا يكن أحدكم إمعة» قالها (صلى الله عليه وسلم)، دعوة بليغة مباشرة إلى التميز والتفرد، فشخصية المسلم يجب أن تكون لها سماتها الخاصة، المستمدة من قواعد الإسلام ومبادئه.
ويبحث كثيرون عن التميز الشكلي، والمادي، فلا يرتدون ما ارتداه غيرهم، ولا يأكلون ما أكله الآخرون، ولكننا نبحث عن تميز النفس ، عما يجعل المسلم حقا من "الأوائل"، وتلك أيضا دعوة من الرسول صلى الله عليه وسلم علينا أن نلبيها، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال لصحابي جليل قبل إسلامه يدعوه إلى الإسلام:" ألك أن تكون من الأوائل ؟ ".
كيف تكون وتكونين شخصية متميزة؛ إسلاما يسير على قدمين ؟ الأستاذة أناهيد السميري – الباحثة التربوية السعودية – تجيب فتقول: للصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قول مأثور: " لكل إنسان نفسان، إحداهما نفس العقل التي يكون بها التميز، والأخرى نفس الروح التي تكون بها الحياة ".
فيسأل كل واحد نفسه: بماذا أتميز ؟ وليحاول أن يجيب الآن.
ففي أحيان كثيرة لا يعرف الإنسان نفسه، ولا بماذا يتميز ؟ فالناظر لعالم البشر يجد أخلاطا متباينة، واتجاهات مختلفة وأنماطا متفاوتة، وكلهم واقعون في التميع؛ برغم أنهم باحثون عن التميز..
فالفرد واحد من أربعة:
- أعمى: لا يعرف نفسه ولا نقطة تميزه..
ويعرفه الآخرون.
- غير معروف: لا يعرف نفسه ولا نقطة تميزه ولا يعرفه الآخرون.
- واضح: يعرف نفسه ونقطة تميزه..
ويعرفه الآخرون.
مختبيء: يعرف نفسه ونقطة تميزه..
ولا يعرفه الآخرون.
فما طريق الوصول إلى هذا التميز المأمول ؟
إن أهل الطب لم يصلوا إلى التقدم في طبهم إلا عندما عرفوا تركيب جسم الإنسان، كذلك طالب التميز لن يصل إلى تميزه إلا إذا تعرف على طبيعة تكوينه، وتركيب هذا التكوين {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} فعندما يعرف الإنسان نفسه، يعرف نقطة تميزه، والإنسان: جسد وروح وعقل، والعقل هو مفتاح تميز الإنسان.
فطريقة التميز تعتمد على طريقة تغذية العقل، التي تتحدد بدورها من خلال الإجابة عن أسئلة ثلاثة:
من أين أتيت ؟ إلى أين المصير ؟ وماذا يجب علي أن أفعل؟
فإذا تيقن من الإجابة فقد تميز في استخدام طاقاته.
وإذا احتار في الإجابة فقد تميع في استخدام طاقاته.
ثم تعقد الباحثة أناهيد السميري مقارنة بين شخصية المتميز والمتميع؛ من خلال تعريف فكر كل منهما فتقول:
المتميز واثق، ويعلم: أن الله تبارك وتعالى خالقه {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين} [ ص:71 ].
يوقن: أنه راجع إلى ربه {إن إلى ربك الرجعى} [العلق:8].
إما إلى جنة {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية} [القارعة:6-7].
وإما إلى نار {وأما من خفت موازينه فأمه هاوية.
وما أدراك ماهية.
نار حامية}.
يقبل: المنهج ويأخذه من مصادره ( القرآن والسنة ).
يعمل: وفق المنهج في مسار واضح، ونظام منضبط شامل منذ ولادته وحتى وفاته.
المتميع....
متردد
لا يدري: هل الطبيعة خلقته أم الصدفة أوجدته أو ربما هو نتاج تطور !!
يشك: هل بعد الموت بعث أو أن الموت فناء نهائي أو ربما تناسخ للأرواح !!
محتار: ينتقل من منهج إلى منهج.
يتخبط: في مسار غير واضح، ونظام غير ثابت أو شامل.
وترشد الأستاذة ناهد السميري الإنسان الذي يريد أن يقف على عتبة التميز إلى أن يتبع المسار أولا من خلال:
اعرف الطريق: وتعلم عن الله تعالى وعن النبي صلى الله عليه وسلم وعن دين الإسلام {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد:19].
كمل نفسك: اعمل بإخلاص ودون زيادة ( لاتبتدع ) ودون نقصان ( لا تعص ) {يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} [الصف:2].
كمل غيرك: ادع إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة. {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل:125].
افتح لسواك طريق التميز: فاصبر على الإيذاء في دعوتهم، وتذكر الأنبياء والمرسلين وعلماء هذه الأمة المميزين. {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} [الأحقاف:35].
نقاط ابتلاء:
وبعد أن وقفت على عتبة التميز ابدأ الآن بخطوات ثابتة، واعلم أن الله ميزك على غيرك من المخلوقات بحاجات وطاقات.
فاستثمر طاقاتك {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} [النحل:78].
واضبط حاجاتك {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة...} [آل عمران:14].
وبهذا تتميز تصرفاتك وانفعالاتك، فالطاقات والحاجات نقاط ابتلاء، وعلى قدر طاقتك تكلف {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:268]، وعلى قدر الطاقات تبتلي، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي الناس أشد بلاء ؟ فقال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل..
يبتلى العبد حسب دينه» " (رواه ابن حبان).
وتضيف الأستاذة أناهيد: أن الفرد مزود بطاقات قابلة للاستثمار والإنتاج؛ فهو - على سبيل المثال - يملك طاقة التعلم، ويملك إرادة ضابطة، ويملك القدرة على الإنتاج والابتكار، والقدرة على الارتفاع، فلو سقط لا ينتهي، بل يبدأ من جديد، ولكن حاجاته نقاط ضعف ه.
فما هذه الحاجات؟
للإنسان حاجات متعددة وضعها بعض علماء النفس بشكل هرمي، واعتبروا أن الإنسان إذا ما أشبع رغباته واحتياجاته الدنيا – العضوية – فإنه يرتقي إلى احتياجاته العليا، وقاعدة الهرم تشمل: الاحتياجات الجسدية ( الأكل – الشرب – النوم – إشباع الرغبات )، فإذا تحققت شعر الإنسان بالأمان، الذي يترتب عليه الحب والتآلف الاجتماعي، وإذا تحقق ذلك كان الاحترام والتقدير، الذي من خلاله يصل لقمة الهرم وهي تحقيق الذات.
ولطريقة إشباع الحاجات تميز..
فحاجات الإنسان تتميز عن حاجات الحيوان.
فالإنسان: قادر على تأجيل إشباع حاجاته إلى اللحظة المناسبة.
يفرق بين المصادر ولا يقبل أي مصدر للإشباع.
حاجاته لها مبدأ، ولا منتهى لها، ولا يوقفها إلا العقل.
والحيوان: لا يسكن حتى تشبع حاجاته، ولا يستطيع تأجيلها.
يشبعها من أي مصدر وبأي طريقة.
حاجاته لها مبتدأ، ولها منتهى، إذا شبع توقف.
سلاح ضد العولمة
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يكون التميز في الإشباع؟
تجيبنا أ.
أناهيد السميري من خلال مقارنة تعقدها بين شخص المتميز والمتميع في طريقة الإشباع لدي كل منهما فتقول:
بالنسبة للمتميز:
الحاجات الجسدية: ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه..
{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [الأعراف:31].
يقوم الليل طالبا رضا مولاه {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا} [الإنسان:26].
الأمان: يتعلق بالله طالبا الأمان {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام:82].
الحالة الاجتماعية: بالولاء والبراء على أساس عقيدة أصلية ومبادئ ثابتة «يد الله مع الجماعة» سنن الترمذي.
الحاجة للاحترام والتقدير: بالتقوى؛ فهي المقياس الوحيد للتقدير والاحترام «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» [الحجرات:13].
تحقيق الذات: يعلم أن الدنيا دار ممر، وليست دار مستقر فيحقق ذاته بالعمل الصالح لينعم في دار المستقر {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران:195].
وبالنسبة للمتميع: يأكل ويشرب فوق حد الشبع، ثم يبحث عن مخرج.
ينام ملء جنونه: {يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} [محمد:12].
الأمان: يتعلق بمن لا يستحق التعلق به يعظم من لا يستحق التعظيم، وفي الأزمات تظهر الحقائق الهشة لما ومن تعلق بهم.
الحالة الاجتماعية: تتقلب المبادئ فتتغير الانتماءات ... {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء:143].
الحاجة للاحترام والتقدير: تختلف المقاييس، فربما يحترم الشخص لماله أو جاهه؛ فإذا سلب المال، أو ضاع الجاه احتقر ( تعس عبد الدرهم..
تعس عبد الدينار ).
تحقيق الذات: يلهث وراء الدنيا، معتقدا أنها دار مستقر ظانا أنه محقق لذاته، فلا يجد إلا سرابا {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} [النور:39].
وتختتم أناهيد السميري موضحة أن التميز سلاح ضد أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام، وأسوأ مؤامرة على الأمة الإسلامية ألا وهي العولمة التي تبناهاالنظام العالمي الجديد في إطار نظرية الخلط بين الحق والباطل والصالح والطالح والسني والبدعي.
والتميز رد على أنكى مكيدة لتذويب الدين في نفوس المؤمنين وتحويل جماعة المسلمين إلى سوائم تسام، وقطيع مهزوز اعتقاده، غارق في شهواته، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
فالتميز طريق الفلاح، والتميع طريق الخيبة.
قال تعالى: {ونفس وما سواها.
فألهمها فجورها وتقواها.
قد أفلح من زكاها.
وقد خاب من دساها} [الشمس:7-10].