تفسير سورة المعارج [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فنشرع في تفسير سورة المعارج.

حمق الكفار بسؤالهم عن العذاب وعدم استجابتهم للدلائل والبراهين

قال تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ[المعارج:1]، هذه من حماقات المشركين حين قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الأنفال:32]، والإنسان العاقل إذا رأى دلائل الحق وبراهين الهدى فإنه يتبع ما دلت عليه، مثل ما فعل السحرة رضي الله عنهم حين رأوا موسى عليه السلام ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، هنالك السحرة علموا أن ما يفعله موسى عليه السلام معجزة حقة، وليس من السحر في قبيل أو دبير، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:120-122]، ولما تهددهم فرعون بالتقتيل والتصليب والتنكيل قالوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[طه:72].

لكن هؤلاء الكفار الحمقى، وكان من بينهم رجل يقال له النضر بن الحارث بن كلدة قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الأنفال:32]، وهذا مثل قوله تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ[ص:16]، أي: عجل لنا نصيبنا من العذاب، فكانوا يستهزئون بما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يخوفهم بأن عذاباً سينزل بهم.

سَأَلَ سَائِلٌ[المعارج:1]، بمعنى: دعا داع، وفي قراءة نافع رحمه الله في رواية ورش : سال سائل بعذاب واقع، قال ابن جرير رحمه الله: هو واد من أودية جهنم يسيل بالعذاب، وقال بعض المفسرين: بل هو مخفف: سأل.

وقوع العذاب على الكافرين

بِعَذَابٍ وَاقِعٍ[المعارج:1]، أي: بعذاب حاصل نازل لا بد منه، كما قال سبحانه: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ[النحل:1].

ثم قال: لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ[المعارج:2]، أي: هذا العذاب الذي قدره الله عز وجل على من أشرك وكفر، من الذي يدفعه عن الكفار؟ من الذي يمنعه من أن ينزل بهم؟ ليس له مانع وليس له دافع، كما قال سبحانه:

بسم الله الرحمن الرحيم.

وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ[الطور:1-8]، وكما قال عز وجل: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد:11].

قال تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ[المعارج:1]، هذه من حماقات المشركين حين قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الأنفال:32]، والإنسان العاقل إذا رأى دلائل الحق وبراهين الهدى فإنه يتبع ما دلت عليه، مثل ما فعل السحرة رضي الله عنهم حين رأوا موسى عليه السلام ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، هنالك السحرة علموا أن ما يفعله موسى عليه السلام معجزة حقة، وليس من السحر في قبيل أو دبير، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:120-122]، ولما تهددهم فرعون بالتقتيل والتصليب والتنكيل قالوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[طه:72].

لكن هؤلاء الكفار الحمقى، وكان من بينهم رجل يقال له النضر بن الحارث بن كلدة قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الأنفال:32]، وهذا مثل قوله تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ[ص:16]، أي: عجل لنا نصيبنا من العذاب، فكانوا يستهزئون بما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يخوفهم بأن عذاباً سينزل بهم.

سَأَلَ سَائِلٌ[المعارج:1]، بمعنى: دعا داع، وفي قراءة نافع رحمه الله في رواية ورش : سال سائل بعذاب واقع، قال ابن جرير رحمه الله: هو واد من أودية جهنم يسيل بالعذاب، وقال بعض المفسرين: بل هو مخفف: سأل.

بِعَذَابٍ وَاقِعٍ[المعارج:1]، أي: بعذاب حاصل نازل لا بد منه، كما قال سبحانه: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ[النحل:1].

ثم قال: لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ[المعارج:2]، أي: هذا العذاب الذي قدره الله عز وجل على من أشرك وكفر، من الذي يدفعه عن الكفار؟ من الذي يمنعه من أن ينزل بهم؟ ليس له مانع وليس له دافع، كما قال سبحانه:

بسم الله الرحمن الرحيم.

وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ[الطور:1-8]، وكما قال عز وجل: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد:11].

معنى العروج

قوله تعالى: مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ[المعارج:3] أي: هذا العذاب مقدر وحاصل من الرب العليم القدير الخبير، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

وهو ذو المعارج، قيل: المعارج هي: السموات، وقيل: المعارج هي: الدرجات، وقيل: المعارج أي: الفواضل والنعم، وكل هذه معان صحيحة، فالله عز وجل هو الذي خلق السموات وهو مدبرها وهو مالكها جل جلاله، وهو سبحانه ذو الدرجات، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وهو سبحانه وتعالى ذو الفواضل والنعم.

قال عز وجل: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[المعارج:4]، (تعرج) بمعنى: تصعد، تصعد الملائكة، والملائكة هم: ذلك العالم الغيبي الذي لا نراه بأعيننا لكننا نؤمن به، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يصعدون وينزلون، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: يا ربنا! أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون )، فهؤلاء الملائكة يصعدون إلى هذه السموات العلى.

المراد بالروح في القرآن

(والروح) قيل: هو جبريل عليه السلام، ويشهد لهذا قول ربنا جل جلاله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ[الشعراء:193-194]، وقول ربنا جل جلاله: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ[القدر:4]، وقوله جل جلاله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا[النحل:102]، فجبريل عليه السلام يسمى: روحاً، وقيل: المراد بالروح: أرواح بني آدم.

الجمع بين قوله تعالى: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة...) وقوله: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة ...) وغيرها

وقوله: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ[المعارج:4]، أي: إلى الله عز وجل.

وقوله: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[المعارج:4]، قال بعض المفسرين: المراد بذلك أن الملائكة يعرجون إلى الله عز وجل في لمح البصر، فيما لو أراد غيرهم أن يصعد تلك المسافة لاستغرق خمسين ألف سنة، وقيل: المراد بقوله تعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[المعارج:4] هو: يوم القيامة، وعندنا في القرآن ثلاث آيات هذه الآية، والآية التي في سورة الحج: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[الحج:47]، والآية التي في صدر سورة السجدة: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[السجدة:5].

فهذان اليومان: اليوم الذي هو خمسون ألف سنة، واليوم الذي هو ألف سنة، سئل عنهما عبد الله بن عباس و سعيد بن المسيب رضوان الله عليهما، فقال كلاهما: لا أدري، يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما.

وبعض المفسرين في الجمع بين هذه المواضع سلكوا في ذلك سبيلين:

السبيل الأول: أن الآيات التي فيها ذكر الألف سنة المراد به: اليوم من أيام الآخرة، والآية التي فيها ذكر خمسين ألف سنة المراد به: اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، وهو: يوم القيامة، يعني: يوم القيامة بخمسين ألف سنة، واليوم من أيام الآخرة بألف سنة.

وقال بعضهم: بل المراد بذلك: أيام الآخرة جميعها، لكنها على المؤمن كألف سنة، وعلى الكافر كخمسين ألف سنة، واستدلوا بقوله تعالى: فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ[المدثر:9-10]، بمعنى: أن اليوم من أيام الآخرة بالنسبة للمؤمن يسير خفيف، وبالنسبة للكافر عسير ثقيل، ويشهد لهذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف عالم البرزخ بالنسبة للمؤمن قال: ( وتمر عليه فترة البرزخ كصلاة ظهر أو كصلاة عصر )، يعني: منذ أن يدفن في قبره إلى أن تقوم القيامة، هذه المدة الطويلة تمر عليه وكأنها صلاة ظهر أو كصلاة عصر؛ لأنه في روضة من رياض الجنة، أما الكافر -والعياذ بالله-، فكما قال ربنا: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[غافر:46].

قوله تعالى: مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ[المعارج:3] أي: هذا العذاب مقدر وحاصل من الرب العليم القدير الخبير، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

وهو ذو المعارج، قيل: المعارج هي: السموات، وقيل: المعارج هي: الدرجات، وقيل: المعارج أي: الفواضل والنعم، وكل هذه معان صحيحة، فالله عز وجل هو الذي خلق السموات وهو مدبرها وهو مالكها جل جلاله، وهو سبحانه ذو الدرجات، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وهو سبحانه وتعالى ذو الفواضل والنعم.

قال عز وجل: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[المعارج:4]، (تعرج) بمعنى: تصعد، تصعد الملائكة، والملائكة هم: ذلك العالم الغيبي الذي لا نراه بأعيننا لكننا نؤمن به، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يصعدون وينزلون، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: يا ربنا! أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون )، فهؤلاء الملائكة يصعدون إلى هذه السموات العلى.