شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب الأذان - حديث 199-202


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

أما اليوم فعندنا أربعة أحاديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعجبه صوته فعلمه الأذان ) . ‏

تخريج الحديث

الحديث نسبه المصنف رحمه الله لـابن خزيمة، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه، وكذلك رواه الدارمي، ورواه النسائي والترمذي والبيهقي والطيالسي وغيرهم مطولاً، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة

فعلمه الأذان: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله
)، قال: ( وعلمه الإقامة مثنى ) هذا لفظ الحديث عند ابن خزيمة وغيره ممن ذكرت.

ومما يلاحظ أن هذا الحديث هو طرف من الحديث السابق الذي رواه مسلم عن أبي محذورة رضي الله عنه، وهو على شرط مسلم من حيث الإسناد، فهو صحيح على شرط مسلم، وقد صححه ابن دقيق العيد وغيره، لكن لم يذكر في هذا الحديث الترجيع، هو كالحديث الأول إلا أنه لم يذكر فيه الترجيع، ولعل هذا سقط من بعض الرواة، أو أنهم تركوه على سبيل الاختصار.

فوائد الحديث

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة نذكر بعضاً منها: فمن فوائد الحديث: اختيار المؤذن حسن الصوت رفيع الصوت؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعجبه صوت أبي محذورة

فعلمه الأذان وألقاه عليه، ثم عهد إليه أن يكون مؤذناً بـمكة، فظل الأذان بـمكة فيه، ثم في بنيه من بعده، وقد ورد ما يدل على فضيلة اختيار المؤذن رفيع الصوت حسن الصوت، وردت نصوص كثيرة: منها حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه

، وهو أول أحاديث الباب؛ فإن فيه: ( أنه لما جاء بالرؤيا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن زيد

: اذهب فألقه على بلال

فإنه أندى منك صوتاً ) يعني: أرفع وأجهر منك صوتاً، هذا المعنى، ففيه دليل على فضيلة اختيار المؤذن حسن الصوت. ومما يدل أيضاً على اختيار المؤذن حسن الصوت رفيع الصوت ما رواه البخاري

عن أبي سعيد الخدري

أنه قال له: ( إذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالأذان؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة )، وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز

رحمه الله ما قد يفهم منه أنه يخالف هذا، وهو ما ذكره ابن أبي شيبة

وغيره: (أن عمر بن عبد العزيز

كان له مؤذن يطرِّب في الأذان -بتشديد الراء، وقال أهل العلم: التطريب: هو مد الصوت وتحسينه- فقال له عمر بن عبد العزيز

: إما أن تؤذن أذاناً سمحاً سهلاً وإلا فاعتزلنا)، والحديث رواه -كما ذكرت- ابن أبي شيبة

عن عمر بن عبد العزيز

وسنده صحيح، وقد ذكره البخاري

رحمه الله تعليقاً في صحيحه : (باب: رفع الصوت بالنداء)، فقال: وقال عمر بن عبد العزيز

: (أذن أذاناً سمحاً)، فذكره البخاري تعليقاً في هذا الباب، ثم ساق بعده حديث أبي سعيد الخدري

السابق. وقد ورد الأثر هذا المأثور عن ابن عبد العزيز

ورد عند الدارقطني

مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سنده ضعيف جداً، فيه إسحاق بن يحيى الكعبي

، وهو ضعيف جداً لا يحتج به، فلا يصح مرفوعاً، إنما الصحيح أنه من قول عمر بن عبد العزيز

، ويحمل هذا القول من عمر بن عبد العزيز

رضي الله عنه على أن هذا المؤذن بالغ في مد صوته وتحسينه حتى خرج عن الاعتدال، وغلا في ذلك فنهره عمر بن عبد العزيز

، أما رفع الصوت وتحسينه بالأذان فالأصل أنه مشروع للأدلة السابقة. ومن فوائد الحديث: استحباب رفع الصوت بالأذان، فيستحب للمؤذن أن يرفع صوته بالأذان؛ للأدلة السابقة، فرفع الصوت بالأذان أفضل؛ لأن حديث أبي سعيد

يقول: ( لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس )، وفى حديث أبي هريرة

: ( إن المؤذن يغفر له مدى صوته )، فدل على أنه كلما رفع المؤذن صوته كان ذلك أفضل، ما لم يكن في ذلك جهد أو مشقة أو كلفة عليه. ومنها أيضاً: أنه لا بأس باختبار المؤذنين لاختيار أكفئهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر هؤلاء العشرين من أصحاب أبي محذورة

أن يؤذنوا كلهم، حتى يختار الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم من يكون أجدر بالأذان وأحسن صوتاً وأندى صوتاً. ومن فوائد الحديث أيضاً: جواز أذان من ليس له فقه ولا فضل ولا علم ما دام مسلماً عدلاً، وإنما تؤخذ هذه الفائدة من رواية الحديث عند النسائي

وغيره، فإن فيها: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انصرف من حنين كان أبو محذورة

في نفر من أصحابه فسمعوا الأذان، فطفقوا يقلدون صوته يهزءون به -يسخرون به- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أسمع هنا صوت إنسان حسن الصوت؟ فأتوا بهم فأذنوا بين يديه، فعرف الرسول عليه السلام صوت أبي محذورة

فدعاه، ووضع يده -كما في بعض الروايات- على رأسه، ثم على صدره وثندونه، ثم على بطنه إلى سرته ودعا له عليه الصلاة والسلام حتى ذهب ما يجد من بغض النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى عليه الأذان فأذن به )، ولم يكن لـأبي محذورة

آنذاك -حيث كان حديث العهد بالإسلام، هو من مسلمة الفتح، يعني: أسلم بعد فتح مكة - فلم يكن له كبير فقه أو فضل أو علم، ومع ذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم للأذان. وفي الحديث جواز اتخاذ أكثر من مؤذن في المسجد الواحد، وهذا قد يؤخذ من كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمر العشرين كلهم أن يؤذنوا، وأصرح من هذا الحديث بالدلالة على هذه الفائدة حديث ابن عمر

المتفق عليه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بلالاً

يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم

. قال الراوي: وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت )، فكان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بلال

ويؤذن بعده ابن أم مكتوم

، فدل على جواز اتخاذ أكثر من مؤذن في المسجد الواحد. وهذه بعض فوائد الحديث.

الحديث نسبه المصنف رحمه الله لـابن خزيمة، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه، وكذلك رواه الدارمي، ورواه النسائي والترمذي والبيهقي والطيالسي وغيرهم مطولاً، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة

فعلمه الأذان: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله )، قال: ( وعلمه الإقامة مثنى ) هذا لفظ الحديث عند ابن خزيمة وغيره ممن ذكرت.

ومما يلاحظ أن هذا الحديث هو طرف من الحديث السابق الذي رواه مسلم عن أبي محذورة رضي الله عنه، وهو على شرط مسلم من حيث الإسناد، فهو صحيح على شرط مسلم، وقد صححه ابن دقيق العيد وغيره، لكن لم يذكر في هذا الحديث الترجيع، هو كالحديث الأول إلا أنه لم يذكر فيه الترجيع، ولعل هذا سقط من بعض الرواة، أو أنهم تركوه على سبيل الاختصار.

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة نذكر بعضاً منها: فمن فوائد الحديث: اختيار المؤذن حسن الصوت رفيع الصوت؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعجبه صوت أبي محذورة

بعد ذلك ننتقل إلى الحديث الذي يليه، وهو حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة ). ‏

تخريج الحديث

والحديث رواه مسلم في أول كتاب العيدين، ورواه أبو داود في (باب: من ترك الأذان لصلاة العيد)، ورواه الترمذي وغيره.

شواهد الحديث

والحديث دليل على أن صلاة العيد -سواء الفطر أو الأضحى- ليس لها أذان ولا إقامة، وقد جاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة جداً عن الصحابة رضي الله عنهم تحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم:

منها حديث ابن عمر الذي رواه النسائي قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة ).

ومنها حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود بسند صحيح -كما يقول الحافظ ابن حجر في الفتح - قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بغير أذان ولا إقامة ) .

ومنها ما رواه الشيخان من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : ( أنه بعث إلى ابن الزبير

أول يوم بويع بالخلافة، وكان ذلك في يوم عيد الفطر، فبعث إليه ابن عباس

: إنه لم يكن يؤذن للصلاة في يوم العيد فلا تؤذن لها، وإنما كانت الخطبة بعد الصلاة
) هذه الرواية المتفق عليها، وزاد مسلم في صحيحه : ( أن ابن عباس

قال لـابن الزبير

: إنه لم يكن يؤذن للصلاة في يوم العيد فلا تؤذن للصلاة. قال: فترك ابن الزبير

الأذان يومه ذلك، وإنما كانت الخطبة بعد الصلاة، قال: فأخر ابن الزبير

الخطبة
) هذه رواية مسلم، ففيها: أن ابن الزبير استجاب لطلب ابن عباس فلم يؤذن لصلاة العيد، وقدم الصلاة على الخطبة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث -كما أسلفت- أصله في الصحيحين من حديث ابن عباس، وقد روى البخاري ومسلم أيضاً من رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: ( لم يكن يؤذن في الفطر ولا في الأضحى )، هذه رواية الشيخين من حديث عطاء عن ابن عباس وجابر .

وزاد مسلم من قول جابر أنه قال: ( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يؤذن في الفطر ولا في الأضحى ).

مجموع هذه النصوص يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن للصلاة -صلاة العيد- ولا أحد من أصحابه، ولذلك قال الإمام مالك في الموطأ : (سمعت غير واحد من علمائنا يقول: إن صلاة العيد لم يكن لها أذان منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا) لم يكن لها أذان، قال مالك رحمه الله: (ولا اختلاف في هذه السنة عندنا)، يعني: أن العيد ليس لها أذان ولا إقامة، وهذه سنة لا اختلاف فيها، والإمام مالك يحكي هذا من عمل أهل المدينة كما هو معروف، وأنه لا اختلاف في هذا عندهم.

حكم الأذان لصلاة العيد وغيرها من النوافل

المسألة المتعلقة بهذا الحديث -حديث جابر بن سمرة - مسألة: هل يؤذن لصلاة العيد وما كان في معناها من النوافل أم لا يؤذن لها؟

يقول الإمام النووي رحمه الله في المجموع : إنه لا أذان لغير الصلوات الخمس المفروضة بلا خلاف بين أهل العلم، سواء المنذورة أو الجنازة أو النافلة، وسواء ما يسن لها الاجتماع كصلاة الكسوفين، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، أو ما لا يسن لها الاجتماع كصلاة الضحى، هذا كلام النووي ؛ حكى الإجماع على أن الأذان لا يشرع إلا للصلوات الخمس المكتوبة، ولكن وجد الأذان في الواقع لصلاة العيدين ونحوهما؛ وجد منذ زمن متقدم، ولكن على نطاق ضيق، فيقال: إن أول من أحدث الأذان لصلاة العيد: هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وقد جاء هذا عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب: (أن أول من أذن للعيدين معاوية رضي الله عنه)، ونقل نحو هذا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكذلك نقل عن ابن زياد وابن الزبير والحجاج وغيرهم: أنهم أذنوا لصلاة العيد، وحين نقول: أذنوا لصلاة العيد ماذا نعني بالأذان؟ ماذا نعني بأنهم أذنوا لصلاة العيد؟ كيف أذنوا؟

أنهم نادوا لصلاة العيد بالألفاظ المعروفة: الله أكبر.. الله أكبر.. إلى آخره، هذا المقصود؛ أنهم أذنوا لصلاة العيد، وهذا ثابت عن جماعة منهم، والعذر لهم في ذلك -والله تبارك وتعالى أعلم- أنه لم تبلغهم السنة بهذا الأمر، وإلا فلو بلغتهم لم يكن لأحد منهم أن يختار أو يقترح أو يخالف ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على عدم شرعيتها، فقد ذكرت لكم قبل قليل كلام النووي في المجموع، وكذلك قال الإمام ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي : بلا أذان ولا إقامة، قال: ونقل عن ابن الزبير وعن ابن زياد أنهما أذنا، وهذا دليل على أن الإجماع منعقد قبلهما، يعني: على أنه لا يؤذن لصلاة العيد.

وقال الصنعاني في سبل السلام : هو كالإجماع، وكلام الصنعاني هو الأدق، قال: هو كالإجماع، يعني: ليس في المسألة إجماع قطعي ثابت، إنما هو كالإجماع، وإلا فقد خالف في ذلك صحابة أجلة كـمعاوية رضي الله عنه، وكذلك ابن الزبير أذن، وخالف فيه من التابعين عمر بن عبد العزيز، وأذن ابن زياد، وإن كان مثل ابن زياد ومثل الحجاج ليسوا ممن ينقل قولهم أو يعتد بهم، فهم أمراء وظلمة جورة لا يؤخذ بهم، وهم مجرد مقلدين في هذا الأمر، ولا يذكر قولهم في الإجماع ولا في الخلاف، لكن مثل معاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز هؤلاء يعتد بأقوالهم، ولكنه خلاف يسير ضعيف جداً، والنصوص الصريحة متظافرة على غيره، فلذلك لا إشكال في أن القول الصحيح في هذا الأمر: أنه لا يشرع للعيد نداء، يعني: بألفاظ الأذان.

حكم النداء لصلاة العيد ونحوها بغير ألفاظ الأذان

لكن هل يشرع أن ينادى للعيد بغير ذلك مثلاً، هل يشرع أن ينادى للعيد بأن يقال: الصلاة الصلاة الصلاة رحمكم الله، الصلاة جامعة؟ هل يشرع هذا؟

هذه مسألة أخرى، المهم أن تفهموا أن هذه مسألة أخرى غير الأولى، الكلام الأول في النداء بألفاظ الأذان: الله أكبر الله أكبر. أما مسألة: هل ينادى للعيد بألفاظ أخرى كما يوجد في بعض الأمصار: الصلاة الصلاة الصلاة رحمكم الله، الصلاة جامعة؟ فهذه مسألة أخرى، والخلاف فيها أوسع؛ فإن الإمام الشافعي رحمه الله نص في أول كتاب الأذان في كتابه الأم على أنه يستحب أن ينادى لصلاة العيد بمثل قول: الصلاة الصلاة، الصلاة جامعة، وإن كان -رحمه الله- يكره أن ينادى لها بمثل (حي على الصلاة)، لأن هذا من ألفاظ الأذان، نص الشافعي على ذلك، وهذا مذهب الشافعية: أنهم يرون استحباب النداء لصلاة العيد ونحوها من الصلوات -كصلاة الاستسقاء مثلاً، والصلوات التي يشرع فيها الاجتماع- أن ينادى لها بألفاظ، كلفظ: (الصلاة جامعة)، وهذا أيضاً قال به بعض فقهاء الحنابلة كما نقلة ابن قدامة في المغني وغيره، قال: وقال بعض أصحابنا: يستحب أن ينادى لها بلفظ: الصلاة جامعة. قال ابن قدامة : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.

وكذلك قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة بغير أذان ولا إقامة ولا قول: (الصلاة جامعة) ولا غير ذلك، والسنة ألا يُفعل شيء من ذلك، هذا كلام ابن القيم يقول: السنة ألا يُفعل شيء من ذلك، ووافقه على ذلك أكثر العلماء المحققين: أنه لا يشرع للعيد نداء أي نداء، أما من زعم بأنه يستحب أن ينادى للعيد بلفظ: (الصلاة جامعة)، قياساً على صلاة الكسوف فهذا القياس باطل:

أولاً: لأنه قياس في مواجهة النص، فهو قياس فاسد الاعتبار كما يقول الأصوليون، الأصوليون يقولون في القياس الذي يخالف النص: هذا قياس فاسد الاعتبار.

وثانياً: لأن عندنا مجموعة نصوص -كما سبق- عن جابر وابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة كلهم يشهدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينادِ للصلاة.

وثانياً: لأن عندنا قاعدة مفيدة تقول: إن الأمر الذي انعقد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ففعله بعده بدعة، الأمر الذي انعقد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ففعله بعده يعتبر بدعة، فمثلاً: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد أم لم يصل؟ صلى قطعاً لا شك فيه، وهل كان الناس بحاجة إلى تنبيههم إلى الصلاة أم لم يكونوا؟ كانوا بحاجة، لا شك أنهم كانوا بحاجة، بل ربما كانوا -خاصة أول ما شرعت صلاة العيد- أحوج من غيرهم؛ لمعرفة وقت الصلاة، وقد يكون في البيوت من لم يتفطن لهذا الأمر، وقد يكون هناك أناس ليسوا في وسط المدينة، بل في أطرافها وفي مزارعها يحتاجون إلى أن يسمعوا النداء، كما أنهم يحتاجون إلى ذلك في النداء لصلاة الفريضة، ومع أنهم محتاجون إلى ذلك فالسبب منعقد، ومع هذا فإن الرسول عليه السلام لم يناد لصلاة العيد، فعلم أن السبب وجد ولم يفعله صلى الله عليه وسلم، فالفعل بعده يعتبر بدعة، والقياس هنا قياس غير صحيح.

بالغ الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى فأنكر الأذان لجميع الصلوات غير المفروضة، وقال: إن النداء دعاء إلى الصلاة وأمر بالخروج إليها، وهو لا يكون إلا في صلاة فريضة، أما صلاة العيد والكسوف وغيرها فلا أذان لها، لا يقال لها: (الصلاة جامعة) ولا غير ذلك، والصحيح: أن النداء لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) -كما سيأتي، يجوز فيها الوجهان: الصلاةُ جامعة، أو الصلاةَ جامعة- النداء لصلاة الكسوف بهذا ثابت في الصحيحين: أنه نودي لها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا النداء، فإنكار ابن حزم له إنكار في غير محله.

والحديث رواه مسلم في أول كتاب العيدين، ورواه أبو داود في (باب: من ترك الأذان لصلاة العيد)، ورواه الترمذي وغيره.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4764 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4399 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4214 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4046 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4022 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3972 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3918 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3898 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3878 استماع