آيات الله الكونية بين الابتلاء والتسليم والتمرد ونذر بدء الملاحم الكبرى
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
آيات الله الكونية بين الابتلاء والتسليم والتمرُّد ونُذُر بَدْء الملاحم الكُبرَى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن آيات الله عز وجل في الكون متعددة ومتنوعة، توضِّح لنا مدى قدرة الله في كونه، سواء كانت هذه الآيات جالبات للنِّعَمِ، أو جالبات للنِّقَمِ، فإن العقل المسلم يتلقى مثل هذه القضايا بالإذعان والتسليم لها، بل يتعدى ذلك إلى استثمارها بإصلاح جوانب الخطأ التي مُنِيَ بها المجتمع؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام: 43]، فالمسلمون في أمثال هذه الكوارث يلجؤون إلى ربهم منيبين إليه، آملين أن تدركهم رحمته في تلك الْمِحَنِ، محاولين إصلاح الخلل في نفوسهم، وتدارُك الأمور الجالبة للعذاب والنِّقَمِ بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل، وهذا أساس كافة القضايا، بخلاف المتذمرين من قضاء الله في كونه، المتمردين على أوامر الله عز وجل، المجابهين للكوارث بالكِبْرِ والإعراض، وهذا نموذج سطَّره الله في كتابه؛ عندما قال: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في مَعرِض الحديث عن الأمم السابقة؛ فقال: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
وآيات الله عز وجل لن تتوقف إلى قيام الساعة، حتى نرى الآيات الكبرى التي تسبق قيام الساعة؛ فقد قال الله عنها: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82].
كما أن آيات الله من قبيل الثوابت والقواطع العقلية والشرعية التي لا يمكن أن تتخلف، سواء كانت في هيئة الزلازل والبراكين، أو الأعاصير، أو غيرها من جنود الله عز وجل، فهذه جنود الله التي يُعاقِب بها البشرية في حالة الإعراض عن أوامره، والتمرد على أحكامه، تكون في حق المؤمنين من قبيل الابتلاء والتمحيص، ورفعة في الدرجات؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر، فكان خيرًا له))[1].
فلا يمكن للعلم الحديث الوقوفُ أمامها أو الحيلولة دون وقوعها – أي آيات الله الكونية - فلا يمكن للنِّسْبِيِّ وهو عِلْمُ البشر، أن يستطيع مواجهة المطلق وهو علم الله عز وجل وقدرته، "فكل الحقائق كما خلقها الله ثابتة لا تخضع لنظرية النسبية، ولكن العلم والإدراك البشري بتلك الحقائق نسبي، ومغالطات البعض ممن نَقَلَ العلم من الكفار، وتَرْجَمَ بعض مراجعهم، عكس النظرية لمرض في القلوب، وهوًى، وأغراض دنيئة، فجَعْلُ الحقائق نسبية، والعلم والإدراك البشري قطعيًّا، مغالطةٌ فجَّة، مع أن معارفهم للحقائق ونظرياتهم في كل فن وعلم تتغير بتغير الأجيال بعدهم، فمنهم من ينقلب عليها، أو يضيف لها، أو يحذف منها".
وأنا هنا أفرِّق بين دراسة الظواهر الكونية من منظور علميٍّ حقيقي يسعى إلى الالتزام بالنتائج التي تبلغها المعرفة الحقيقية، وبين المغالطات المعرفية القائمة على التحيُّزات الثقافية والحضارية، يصاحبها عدم الانحياز إلى الحقيقة، وهذا سواء كان يتعلق بالآيات الكونية التي يُحدِثها الله في كونه كالبراكين والزلازل والفيضانات، والأمراض والأوبئة، وغيرها؛ ولهذا فأنا عندما أتناول قضية كالمناخ، "فأنا أتكلم بجدٍّ، نحن في حاجة للفت الْمَعْنِيين، وأصحاب الاختصاص، وأهل البر والإحسان في الشروع للاستعداد، لدورة مناخ مغايرة للقديم، ونحتاج جماعات أهلية تتدرب وتتعلم، وتكتسب خبرات في مواجهة الطوارئ والكوارث المناخية، وتهتم بالإنقاذ إن لم نستطع تغيير طبيعة البنية الموجودة في تنظيم المدن والقرى والنجوع، وطرق المواصلات، وخاصة للسكان الذين ترتبط معايشهم وسكنهم بمناطق أشد عرضة للقادم من موجات متقلبة للمناخ، وعواصف ستكون متتالية".
فهذه قضية واحدة من القضايا التي ننبِّه، ونشير إليها، وإلى طريقة التعامل معها من منظور إسلامي، بعيدًا عن التنظيرات البشرية المعاندة والمحادة لله ولرسوله، فإن الفلسفة التي تحكم العالم اليوم من علاماتها التمالؤ على كلمة الله ورسالته الأخيرة والخاتمة لهم، وهي حرب بلا هوادة، مغبَّتها الفشل والخراب والبوار، ولكلمة الله ألسنة كثيرة، ولله جند لا يعلمهم إلا هو سبحانه وتعالى، فتمالؤ جبابرة الأرض على منع الناس من سماع كلمة الله وأمره ونهيه، وإمضاء مشيئته فيهم، أو التشويش واللغو في كلمة الله للناس؛ لتقطع الطريق على الناس، وتَحُول دون الاستجابة له على الوجه المراد منه، والْمُرضِي له - محاولة بائسة، وستتولى كل الألسنة للسماء والمحيطات، والبحار والأرضين، وكافة المخلوقات التي سُخِّرت أو لم تُسخَّر، وبأصوات صارخة تكاد تصم الآذان من هولها، لتبلغ الناس كلمة الله، وتقيم عليهم حجته البالغة، أنهم فقراء إليه، ولا سبيل لهم إلا بالخضوع والذل لكلمته، والاستقامة على مشيئته وصراطه المستقيم، ثم إذا لم يستجيبوا، خرجت لهم دابة الأرض لتختم على جباههم، ويختم على قلوبهم".
فإذا كان هذا موقفنا كمسلمين من آيات الله الكونية، وفلسفة التعامل معها وفق منظور حضاري إسلامي، فإن علينا أن نتنبه لمجموعة من الآيات التي وقعت مؤخرًا كالأمراض – ككورونا – والزلازل والفيضانات وغيرها، ثم تلا ذلك انفتاح صراعات كبيرة وحروب في الأراضي المقدسة، فالسؤال الذي نريد أن نؤسس له: هل هذه بداية الملاحم أو الحروب الكبرى التي جاء الحديث عنها في أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، أم أن ذلك أمر لا يستطيع أحدٌ تحديده بدقة كاملة؟
في الحقيقة أنا أرى أن الموقف من أحاديث الملاحم والفتن الصحيحة التي ثبت صحتها ونسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم يسير على نسقين:
النسق الأول: هو الإيمان والاعتقاد بأنها واقعة لا محالة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا من عقيدتنا.
النسق الثاني: وهو التساؤل عن موعد وقوع تلك الملاحم، وهذا أمر لا يمكن لنا التكهُّن به أو تحديد موعد وقوعه، فهذا من الغيب الذي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمه.
[1] رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير.