أختاه هل تريدين السعادة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأسأل الله الذي جمعنا وإياكم في هذه الروضة أن يجعلنا ممن تتنزل عليه الرحمة، وتغشاه السكينة، وتحفُّه الملائكة، ويذكره الله عز وجل فيمن عنده.

اللهم إنا نسألك ألا تصرفنا -رجالنا والنساء- من هذا المسجد إلا وقد غفرت لنا ما تقدم من ذنوبنا، اللهم لا تعذب جمعاً الْتقى فيك ولك، اللهم لا تعذب ألسنة تخبر عنك، اللهم لا تعذب أعيناً ترجو لذة النظر إلى وجهك، اللهم لا تعذب قلوباً تشتاق إلى لقائك.

ما أجمل أن تلتقي الأسر المسلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما أجمل أن نتذاكر الله عز وجل جميعاً ليعم النفع للرجل والمرأة، والصغير والكبير، والذكر والأنثى! إنها لَنعمة عظيمة كان صلى الله عليه وسلم يفعلها، وذاك من هديِه، وخير الهدي هديُه صلى الله عليه وسلم.

وعذراً لكم أيها الرجال! سيكون الخطاب هذه المرة من بين مرات كثيرة وكثيرة -لطالما خوطبتم أنتم- للنساء، فعذراً وعفواً، وما يُقال للرجل يُقال للمرأة، وما يُقال للمرأة يُقال للرجل إلا فيما اختص به كل جنس عن جنس آخر، والذي خصَّه به شرعنا المطهر الذي أُنِزَل على محمد صلى الله عليه وسلم.

أيتها الأخوات.. أيتها الأمهات! هل تُردْن السعادة؟ هل تُردْن السكينة؟ هل تُردْن الأمن والطمأنينة؟ هل تُردْن ذلك في الدنيا والآخرة؟ أم تُردْنها في وقت غير وقت من هذه الأوقات؟

السعادة الدنيوية

إنني لأقول لَكنَّ: إن السعادة سعادتان: دنيوية مؤقَّتة بعمر قصير محدود: من طلبها مجردة وحدها فسينسى ذلك في غمسة واحدة يُغمسها في جهنم، يُؤتَى بأَنعَم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مرَّ بك خير قط؟

هل مرَّ بك نعيم قط؟

فيقول: لا والله يا رب! فينسى كل نعيم ولذة في الحياة بغمسة واحدة يُغمسها في النار، نعوذ بالله من النار.

السعادة الأخروية

أما السعادة الثانية: فهي سعادةٌ أخروية دائمة لا انقطاع لها أبداً: وهذه هي المطلوبة، فلو حصل للإنسان في حياته ما حصل من التعاسة والشقاء لم يكن بعد ذلك نادماً أبداً؛ لأن غمسة واحدة في الجنة تُنسيه تلك الآلام، وتُنسيه ذلك الشقاء وتلك التعاسة.

ويا أيها الأحبة! إن سعادة الدنيا مقرونة بسعادة الآخرة، وإنما السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، للصالحين والصالحات، للطيبين والطيبات، للقانتين والقانتات، للعابدين والعابدات، للمتقين والمتقيات؛ اسمع إلى ربك يوم يقول سبحانه وبحمده: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فالسعادة كلها في طاعة الله، والسعادة كلها في السير على منهج الله وعلى طريقة محمد بن عبد الله صلى وسلم عليه الله، يقول الله جل وعلا: وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71] والشقاوة كلها في معصية الله، والتعاسة كلها في منهجٍ غير منهج الله وغير منهج محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِيناً [الأحزاب:36].

فيا أيتها الأخوات المسلمات! هل تُردْن السعادة؟ إن كنتن كذلك، وما أظنكن إلا كذلك.

فلتسمعن مني      النصيحة والعتاب

من مخلصٍ في نصحِكن يرجو      لَكُنْ حُسن الثواب

يخشى على هذه الوجوه      من الحميم من العذاب

أخواتنا لا تغضبن      فالحق أولى أن يُجاب

أيتها الأخت المسلمة! بصوتِ المحب المشفق، وكلام الناصح المنذر، أدعوكِ وأدعو الكل وأدعو نفسي إلى تقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفر تم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ [آل عمران:106-107] تبيضُّ وجوهنا يوم أن نلقى الله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30] ألا هل تُردْن النجاة؟

إن النجاة لفي تقوى الله -جل وعلا- لا غير: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61].

إنني لأقول لَكنَّ: إن السعادة سعادتان: دنيوية مؤقَّتة بعمر قصير محدود: من طلبها مجردة وحدها فسينسى ذلك في غمسة واحدة يُغمسها في جهنم، يُؤتَى بأَنعَم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مرَّ بك خير قط؟

هل مرَّ بك نعيم قط؟

فيقول: لا والله يا رب! فينسى كل نعيم ولذة في الحياة بغمسة واحدة يُغمسها في النار، نعوذ بالله من النار.

أما السعادة الثانية: فهي سعادةٌ أخروية دائمة لا انقطاع لها أبداً: وهذه هي المطلوبة، فلو حصل للإنسان في حياته ما حصل من التعاسة والشقاء لم يكن بعد ذلك نادماً أبداً؛ لأن غمسة واحدة في الجنة تُنسيه تلك الآلام، وتُنسيه ذلك الشقاء وتلك التعاسة.

ويا أيها الأحبة! إن سعادة الدنيا مقرونة بسعادة الآخرة، وإنما السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، للصالحين والصالحات، للطيبين والطيبات، للقانتين والقانتات، للعابدين والعابدات، للمتقين والمتقيات؛ اسمع إلى ربك يوم يقول سبحانه وبحمده: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فالسعادة كلها في طاعة الله، والسعادة كلها في السير على منهج الله وعلى طريقة محمد بن عبد الله صلى وسلم عليه الله، يقول الله جل وعلا: وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71] والشقاوة كلها في معصية الله، والتعاسة كلها في منهجٍ غير منهج الله وغير منهج محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِيناً [الأحزاب:36].

فيا أيتها الأخوات المسلمات! هل تُردْن السعادة؟ إن كنتن كذلك، وما أظنكن إلا كذلك.

فلتسمعن مني      النصيحة والعتاب

من مخلصٍ في نصحِكن يرجو      لَكُنْ حُسن الثواب

يخشى على هذه الوجوه      من الحميم من العذاب

أخواتنا لا تغضبن      فالحق أولى أن يُجاب

أيتها الأخت المسلمة! بصوتِ المحب المشفق، وكلام الناصح المنذر، أدعوكِ وأدعو الكل وأدعو نفسي إلى تقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفر تم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ [آل عمران:106-107] تبيضُّ وجوهنا يوم أن نلقى الله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30] ألا هل تُردْن النجاة؟

إن النجاة لفي تقوى الله -جل وعلا- لا غير: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61].

ثم إني أدعوكِ أخرى -يا أخت الإسلام- إلى أن تحمدي الله عز وجل الذي أنعم عليك بنعمة الإيمان، ونعمة القرآن، وكرَّمكِ، وطهَّركِ، ورفع منزلتك أيَّ رفعة، ولم تُرفَع منزلة المرأة تحت أي مظلة مثلما رُفعَت تحت مظلة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس هذا فحسب؛ بل أنزل الله فيك وفي أخواتك سورةً كاملة في قرآنه باسم (سورة النساء)، وسورة أخرى باسم (سورة مريم)، وسورةً ثالثة باسم (سورة المجادلة).

ليس هذا فحسب؛ بل خصَّك بأحكام عديدة في كتابه الكريم، في حين كانت المرأة قبل هذا الدين سلعة رخيصة.. سلعة ممتهنه كسقط المتاع، عار على وليها، وعار على أهلها، وعار على مجتمعها الذي تعيش فيه؛ ولذلك تعامل أحياناً كالحشرة، بل تُفضَّل البهائم عليها.

لم تنالِ عِزَّكِ إلا في وسط هذا الدين يا أَمَة الله؛ فاستمسكي به، واسمعي إلى قول الله -عز وجل- يوم يحكي ماضياً لابد أن تتذكريه؛ فتحمدي الله أولاً وأخراً وظاهراً وباطناً على ما أنتِ فيه: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59] بشر أحدهم! لا إله إلا الله، إنه ليئدُها ويقتلها ويدفنها حية أحياناً، فاسمعي يا أمة الله.

يُذكر أن صحابياً اسمه عبد الله بن مغفل -رضى الله عنه وأرضاه- كان إذا جلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر على وجهه حزن وكآبة -حزن عظيم وكآبة عظيمة- فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب حزنه ذلك الذي لا ينقطع أبداً.

فقال: يا رسول الله! كنت في الجاهلية، وخرجت من عند زوجي وهي حامل، وذهبت في سفرٍ طويل لم أعُدْ إلا بعد سنوات، وجئت وإذا بها قد أنجبت لي طفلة تلعب بين الصبيان كأجمل ما يكون الأطفال، قال: فأخذتها، وقلت لأمها: زيِّنيها زيِّنيها! وهي تعلم أني سأئدها وأقتلها، فقامت أمها تزينها وبها من الهمِّ ما بها، زينتها وتقول لأبيها: يا رجل! لا تضيِّع الأمانة، يا رجل! لا تضيِّع الأمانة، قال: ثم أخذتها كأجمل ما يكون الأطفال براءة وجمالاً، فخرجت بها إلى شِعْب من الشعاب، قال: وبقيت في ذلك الشعب أبحث عن بئر أعرفها هناك، فجئت إلى بئر طوية دوية، ليس فيها قطرة ماء، قال: فوقفت على شفير البئر، أنظر إلى تلك الصغيرة، فيرقُّ قلبي لما بها من البراءة وليس لها من ذنب، ثم أتذكر نكاحها وسفاحها؛ فيقسو قلبي عليها، بين هاتين العاطفتين أعيش، قال: ثم استجمعت قواي، فأخذتها، فنكبتها على رأسها في وسط تلك البئر. قال: وبقيت أنتظر هل ماتت؟ وإذا بها تقول: يا أبتاه! ضيعت الأمانة، يا أبتاه! ضيعت الأمانة. ترددها وترددها حتى انقطع صوتها؛ فوالله يا رسول الله! ما ذكرت تلك الحادثة إلا وعلاني الحزن والهم، وتمنيت أن لو كنت نسياً منسياً لو كان ذلك في الإسلام، ثم نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا دموعه تهراق على لحيته صلى الله عليه وسلم، وإذ به يقول -فيما رُوي- (يا عبد الله! والله لو كنت مقيماً الحد على رجل فَعَل فعلاً في الجاهلية لأقمته عليك، لكن الإسلام يَجبُّ ما قبله) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

العمل بطاعة الله سبحانه

ألا فاحمدي الله -يا أخت الإسلام- الذي هداك لهذا الدين، وشرَّفكِ وأكرمكِ ورفع قدركِ بهذا الدين يوم ضلَّ غيرُك من نساء العالمين، ثم استمسكي بحبل الله جل وعلا، واعتصمي بدين الله عز وجل؛ فإنه الركن إن خانتكِ أركان، ثم أنقذي نفسك من النار، يا أَمَة الله! والله لستِ خيراً من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال لها أبوها يوماً من الأيام كما في صحيح مسلم : {يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أُغني عنكِ من الله شيئاً} وهذا إخطار لكِ -أمة الله- وإنذار منه صلى الله عليه وسلم، يوم عُرضت عليه النار فرأى أكثرها النساء.

ألا فاعلمي أنكِ عرضة لعذاب الله إن لم تخضعي لأوامر الله.. إن لم تطيعي الله.. إن لم تقفي عند أوامره وحدوده وتجتنبي نواهيَه.

ألا فأنقذي نفسك من النار، واعملي بطاعة الله، ولا تجعلي لكِ رقيباً غير الله -جل وعلا- الذي مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7].

إنك -والله- لأعجز من أن تطيقي عذاب النار، إن الجبال لو سُيِّرت في النار لذابت من شدة حرِّها؛ فأين أنتِ -أيتها الضعيفة- من الجبال الشمِّ الراسيات قل مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] ، لا مهرب من الله إلا إليه، ولا ملجأ منه إلا إليه الكل راجع إليه.. الكل مسئول بين يديه.. الكل موقوف بين يديه، الكل سيُسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92] فماذا عسى يكون الجواب؟!

ماذا عسى يكون الجواب يا أخا الإسلام ويا أخت الإسلام؟!

ألا فأعدي وأعدَّ للسؤال جواباً، ثم أعدي للجواب صواباً.

أطيعي الله يا أمة الله! وأطيعي رسوله صلى الله عليه وسلم، خذي من أوامر الله ما استطعتِ، واجتنبي نواهيَه، وقفي عند حدوده، وتمسكي بدين الله.

الشعور بالمسئولية

ثم تمسكي بحيائك -والحياء من الإيمان- ما استطعتِ إلى ذلك سبيلا؛ فإنكِ إمَّا قدوة اليوم، وإما قدوة الغد، وكلٌ سيُسأل؛ فماذا سيكون الجواب؟

أنت راعية في بيتك أَمَة الله، وأنت راعية إن كنتِ معلمة في مدرسة، ومسئولة عن رعيتك أيّاً كانت تلك الرعية -يا أَمَة الله- ألا فلتكوني قدوة حسنة في تربية الجيل، ألا ولتقومي بهذه المسئولية؛ فإن الله سائلكِ عمَّن استرعيت ماذا فعلتِ؟ أَقُمتِ بالأمانة فيهم أم ضيعت الأمانة؛ ليكون لك مثل أجور من اتبعك إن عملت بالحق لا يُنقَص من أجورهم شيء، وإياك ثم إياك! أن تكوني قدوة السوء للأخرى؛ فتأتين يوم القيامة تحملين أوزارك وأوزار من أضللت كاملة، ألا ساء ما تزرين.

ألم تسمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} ثم خصَّك -أيتها المرأة- فقال: {المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها} وفي الحديث الصحيح الآخر: {وما من راعٍ استرعاه الله رعية فبات غاشّاً لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة}.

أنت راعية في مدرستك.. في بيتك؛ فاللهَ اللهَ لا يأتي يوم القيامة ولكل ابن من أبنائك عليكِ مظلمة، ولكل بنت من بناتك عليكِ مظلمة؛ لم تأمريهم ولم تنهيهم، ولم تربيهم على قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إياكِ أن يأتي يوم القيامة، ولكل طالبة -إن كنت معلمة- عليكِ مظلمة؛ لأنكِ لم تربيهم على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، عندها التعامل بالحسنات والسيئات، يأخذون حسناتكِ، ثم تحملين من سيئاتهم، ثم تُطرَحين في النار، أجارَكِ الله من النار ومن غضب الجبار وكل مسلمة ومسلم.

اسمعي يوم يقف الناس في عرصات القيامة، يوم يقول الله -كما في الأثر-: {وعزتي وجلالي! لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي! لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم} [[يؤخذ بِيَدِ العبد ويؤخذ بِيدِ الأَمَة يوم القيامة -كما يقول ابن مسعود - فيُنادَى على رءوس الخلائق: هذا فلان أو فلانة من كان عليه حق فليأتِ إلى حقِّه، فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها أو أمها.] فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون:101]، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

فاللهَ اللهَ لا يكون أبناؤك وبناتك خُصماءكِ عند الله فتهلكي، أجاركِ الله من الهلاك يا أَمَة الله! يا أيتها الأخت المسلمة.

الاقتداء بالمرأة الصالحة

هل تريدين السعادة؟

اقتدي بالصالحات تفوزي في الحياة وفي الممات، واعملي صالحاً ثم اخلصي العمل لله -جل وعلا- تتخلصي، وبلغي العلم إن كنتِ تعلمين شيئاً، بلِّغيه لأنكِ ستُسألين عنه بين يدَي الله عز وجل ماذا عملتِ في ذلك العلم، وإن لم تكوني قد تعلَّمت من العلم شيئاً، فعليكِ أن تتعلمي ما يجب عليكِ؛ لتعبدي الله -عز وجل- على بصيرة وعلى هدى؛ فهذا واجب وفرض عين لا يسقط عن أي إنسان كائناً من كان.

يا أمة الله! إن الإنسان ليَأْلَم يوم يسمع عن عجائز في البيوت لا يُجِدْن قراءة الفاتحة، بل لا يعرفن كيف يصلين، بل لا يعرفن بعض أحكام النساء.

أحد الرجال -كما يذكر أحد الدعاة إلى الله- يعود إلى أهله في البيت في يوم من الأيام، ويُجلس أسرته ليربيهم، ويعرف ماذا وراء هذه الأسرة؟ فجلس معهم، وقال لأمه العجوز اقرئي لي الفاتحة، يريد أن يعرف هل هي تعرف قراءة الفاتحة التي لا تتم الصلاة إلا بها أم لا؟ قالت: وما الفاتحة يا بني؟ قال: إذا كبرتِ ماذا تقولين في صلاتكِ؟ قالت: أقول: لا جريت كتاباً، ولا حسبت حساباً، فلا تعذبني يوم العذاب.

عمرها سبعون سنة، وأنا أقول: ربما أنه يخرج من بيتها من يذهب إلى المتوسطة، وقد حفظ من القرآن ما حفظ، ويخرج من بيتها ويذهب إلى الثانوية، وقد حفظ ما حفظ، وتخرج من بيتها المعلمة وقد حفظت من كتاب الله ما حفظت، لكننا تعلمنا العلم لا لنعمل به، ولكن لتنال شهادة، حاشاكِ -أختي المسلمة- أن يكون هذا ديدنك، إنكِ مسئولة عن هذا {لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟} فماذا سيكون الجواب يا أمهات المستقبل! ويا معلمات الجيل! ويا مربيات الأمة! اقتدي بالصالحات -كما قلت- وتشبهي بهم، واعملي بما عملوا به، وامشي على أثرهم ليلحقك الله عز وجل بهن.

ألا فاحمدي الله -يا أخت الإسلام- الذي هداك لهذا الدين، وشرَّفكِ وأكرمكِ ورفع قدركِ بهذا الدين يوم ضلَّ غيرُك من نساء العالمين، ثم استمسكي بحبل الله جل وعلا، واعتصمي بدين الله عز وجل؛ فإنه الركن إن خانتكِ أركان، ثم أنقذي نفسك من النار، يا أَمَة الله! والله لستِ خيراً من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال لها أبوها يوماً من الأيام كما في صحيح مسلم : {يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أُغني عنكِ من الله شيئاً} وهذا إخطار لكِ -أمة الله- وإنذار منه صلى الله عليه وسلم، يوم عُرضت عليه النار فرأى أكثرها النساء.

ألا فاعلمي أنكِ عرضة لعذاب الله إن لم تخضعي لأوامر الله.. إن لم تطيعي الله.. إن لم تقفي عند أوامره وحدوده وتجتنبي نواهيَه.

ألا فأنقذي نفسك من النار، واعملي بطاعة الله، ولا تجعلي لكِ رقيباً غير الله -جل وعلا- الذي مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7].

إنك -والله- لأعجز من أن تطيقي عذاب النار، إن الجبال لو سُيِّرت في النار لذابت من شدة حرِّها؛ فأين أنتِ -أيتها الضعيفة- من الجبال الشمِّ الراسيات قل مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] ، لا مهرب من الله إلا إليه، ولا ملجأ منه إلا إليه الكل راجع إليه.. الكل مسئول بين يديه.. الكل موقوف بين يديه، الكل سيُسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92] فماذا عسى يكون الجواب؟!

ماذا عسى يكون الجواب يا أخا الإسلام ويا أخت الإسلام؟!

ألا فأعدي وأعدَّ للسؤال جواباً، ثم أعدي للجواب صواباً.

أطيعي الله يا أمة الله! وأطيعي رسوله صلى الله عليه وسلم، خذي من أوامر الله ما استطعتِ، واجتنبي نواهيَه، وقفي عند حدوده، وتمسكي بدين الله.

ثم تمسكي بحيائك -والحياء من الإيمان- ما استطعتِ إلى ذلك سبيلا؛ فإنكِ إمَّا قدوة اليوم، وإما قدوة الغد، وكلٌ سيُسأل؛ فماذا سيكون الجواب؟

أنت راعية في بيتك أَمَة الله، وأنت راعية إن كنتِ معلمة في مدرسة، ومسئولة عن رعيتك أيّاً كانت تلك الرعية -يا أَمَة الله- ألا فلتكوني قدوة حسنة في تربية الجيل، ألا ولتقومي بهذه المسئولية؛ فإن الله سائلكِ عمَّن استرعيت ماذا فعلتِ؟ أَقُمتِ بالأمانة فيهم أم ضيعت الأمانة؛ ليكون لك مثل أجور من اتبعك إن عملت بالحق لا يُنقَص من أجورهم شيء، وإياك ثم إياك! أن تكوني قدوة السوء للأخرى؛ فتأتين يوم القيامة تحملين أوزارك وأوزار من أضللت كاملة، ألا ساء ما تزرين.

ألم تسمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} ثم خصَّك -أيتها المرأة- فقال: {المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها} وفي الحديث الصحيح الآخر: {وما من راعٍ استرعاه الله رعية فبات غاشّاً لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة}.

أنت راعية في مدرستك.. في بيتك؛ فاللهَ اللهَ لا يأتي يوم القيامة ولكل ابن من أبنائك عليكِ مظلمة، ولكل بنت من بناتك عليكِ مظلمة؛ لم تأمريهم ولم تنهيهم، ولم تربيهم على قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إياكِ أن يأتي يوم القيامة، ولكل طالبة -إن كنت معلمة- عليكِ مظلمة؛ لأنكِ لم تربيهم على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، عندها التعامل بالحسنات والسيئات، يأخذون حسناتكِ، ثم تحملين من سيئاتهم، ثم تُطرَحين في النار، أجارَكِ الله من النار ومن غضب الجبار وكل مسلمة ومسلم.

اسمعي يوم يقف الناس في عرصات القيامة، يوم يقول الله -كما في الأثر-: {وعزتي وجلالي! لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي! لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم} [[يؤخذ بِيَدِ العبد ويؤخذ بِيدِ الأَمَة يوم القيامة -كما يقول ابن مسعود - فيُنادَى على رءوس الخلائق: هذا فلان أو فلانة من كان عليه حق فليأتِ إلى حقِّه، فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها أو أمها.] فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون:101]، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

فاللهَ اللهَ لا يكون أبناؤك وبناتك خُصماءكِ عند الله فتهلكي، أجاركِ الله من الهلاك يا أَمَة الله! يا أيتها الأخت المسلمة.

هل تريدين السعادة؟

اقتدي بالصالحات تفوزي في الحياة وفي الممات، واعملي صالحاً ثم اخلصي العمل لله -جل وعلا- تتخلصي، وبلغي العلم إن كنتِ تعلمين شيئاً، بلِّغيه لأنكِ ستُسألين عنه بين يدَي الله عز وجل ماذا عملتِ في ذلك العلم، وإن لم تكوني قد تعلَّمت من العلم شيئاً، فعليكِ أن تتعلمي ما يجب عليكِ؛ لتعبدي الله -عز وجل- على بصيرة وعلى هدى؛ فهذا واجب وفرض عين لا يسقط عن أي إنسان كائناً من كان.

يا أمة الله! إن الإنسان ليَأْلَم يوم يسمع عن عجائز في البيوت لا يُجِدْن قراءة الفاتحة، بل لا يعرفن كيف يصلين، بل لا يعرفن بعض أحكام النساء.

أحد الرجال -كما يذكر أحد الدعاة إلى الله- يعود إلى أهله في البيت في يوم من الأيام، ويُجلس أسرته ليربيهم، ويعرف ماذا وراء هذه الأسرة؟ فجلس معهم، وقال لأمه العجوز اقرئي لي الفاتحة، يريد أن يعرف هل هي تعرف قراءة الفاتحة التي لا تتم الصلاة إلا بها أم لا؟ قالت: وما الفاتحة يا بني؟ قال: إذا كبرتِ ماذا تقولين في صلاتكِ؟ قالت: أقول: لا جريت كتاباً، ولا حسبت حساباً، فلا تعذبني يوم العذاب.

عمرها سبعون سنة، وأنا أقول: ربما أنه يخرج من بيتها من يذهب إلى المتوسطة، وقد حفظ من القرآن ما حفظ، ويخرج من بيتها ويذهب إلى الثانوية، وقد حفظ ما حفظ، وتخرج من بيتها المعلمة وقد حفظت من كتاب الله ما حفظت، لكننا تعلمنا العلم لا لنعمل به، ولكن لتنال شهادة، حاشاكِ -أختي المسلمة- أن يكون هذا ديدنك، إنكِ مسئولة عن هذا {لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟} فماذا سيكون الجواب يا أمهات المستقبل! ويا معلمات الجيل! ويا مربيات الأمة! اقتدي بالصالحات -كما قلت- وتشبهي بهم، واعملي بما عملوا به، وامشي على أثرهم ليلحقك الله عز وجل بهن.

موقف سارة زوج الخليل عليه السلام من طاغية مصر

ها هي سارة زوج الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، اعتصمت بالله عز وجل، والْتجأت إلى الله عز وجل، وحفظت الله في الرخاء فحفظها الله عز وجل في الشدة، أُخذت من بيتها بالقوة من قِبَل زبانية طاغية مصر آنذاك، وقام إليها يريد فعل الفاحشة بها.

امرأة ضعيفة لكنها عزيزة قوية يوم تستمسك بحبل العزيز القوي سبحانه وبحمده.

قامت وتوضأت وقامت لتصلي، واتصلت بربها -سبحانه وبحمده- مباشرة، لا وسائط بين أحدٍ وبين الله سبحانه وتعالى قائلة: "اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي؛ فلا تسلط عليَّ هذا الكافر، اللهم اكفنيه بما شئت"، فجَمُد الكافر هذا مكانه لا يستطيع أن يتحرك منه شيء، يوم لجأت إلى الله وقد حفظته في وقت الرخاء، فحفظها الله عز وجل في وقت الشدة، جمُدَ في مكانه ولم يتحرك ولم يتزحزح، ثم يُطلق بعد ذلك، فيمدُّ يدَه مرة أخرى على زوج الخليل، فتتجمد أعضاؤه مرة أخرى، ويبقى على ما كان عليه في المرة الأولى، ثم يمد الثالثة، ثم يمد الرابعة، ثم في الأخيرة يقول لهم: ما جئتموني إلا بشيطان، أرجعوها إلى إبراهيم، وأخدموها هاجر .

لم ترجع سليمة محفوظة بحفظ الله فقط؛ بل رجعت ومعها مملوكة لها وهي هاجر عليها رضوان الله، رجعت إلى إبراهيم عليه السلام وهي محفوظة بحفظ الله؛ لأن الله عز وجل قد قال : وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه [الطلاق:2-3] وقد قال رسوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك}.

فالعز في كنف العزيز ومن     عبد العبيد أذلَّه الله

فهلاَّ ائتسيتنَّ بها أيتها المسلمات! هلَّا لجأتُنَّ إلى الله وتركتنَّ ما يُبعدكنَّ عن الله، وعكفتُنَّ على كتاب الله وسنة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فتعلمتُنَّ كتاب الله وعلمتنه وبلغتنه فكنتنَّ فيمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.

بعض مواقف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ليس هذا فحسب، هل كانت أسوتكِ -أختي المسلمة- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك التي تربَّت في بيت النبوة، وذاقت ما ذاقه ذاك البيت من أذى في سبيل الله عز وجل، ترى أباها صلى الله عليه وسلم وهو يقوم بالدعوة يقف صفاً واحداً، والبشرية كلها صفٌّ ضده.

تراه وهو يصلي، فيقول أحدهم: أيكم يُمهل هذا المرائي حتى يسجد، فيأخذ سَلى جَزور بني فلان، فيضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم؟

رأت المنظر وهي طفلةٌ صغيرة تتربى على "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، يسجد أبوها، والسَّلى -والفرث والدم- على ظهره صلى الله عليه وسلم ولم يجد نصيراً له في تلك اللحظة بعد الله إلا ابنته فاطمة ، وهي جارية صغيرة لتمتد إليه وتأخذه من على ظهره، وتدعو عليهم وتسبهم وتشتمهم، عاشت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام كان في مكة ، ويوم هاجر إلى المدينة ، ويوم استقرَّ هناك.

انظر إليها في تمسُّكها بدينها، وتمسكها بعفتها وحيائها وصبرها العظيم، تلك المرأة التي تزوجت بـعلي رضي الله عنه وأرضاه، فما حملت معها الجواهر ولا الفساتين، وما دخلت القصور ولا الدُّور، وإنما دخلت بيتاً من طين.

أما جهازها -يا أمة الله- فهو وسادة محشوة بليف، وسقاء وجرتين، ورَحَى تطحن الحبَّ عليها، وهي سيدة نساء العالمين -رضي الله عنها- وأرضاها ما ضرَّها ذلك وما أنقص من قدرها ذلك.

انظر إليها يوم يتحدث عنها زوجها في آخر حياته، يتحدث عنها علي -رضي الله عنه وأرضاه- فيقول: [[كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانت أكرم أهله عليه- جرت بالرحى تطحن الحب حتى أثَّر الجر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّر الحبل في نحرِها رضي الله عنها وأرضاها، وقَمَّت البيت حتى تغيَّرت هيئتها رضي الله عنها وأرضاها، وأوقدت النار حتى تغيرت هيئتها، وأصابها من ذلك ضرٌ أيَّما ضر]]. اسمعي إليها يوم تقول -يوماً من الأيام-: [[خيرٌ للنساء ألا يَرَيْنَ الرجال، ولا يراهنَّ الرجال]].

بضعة منه صلى الله عليه وسلم أخذت من علمه وفقهه وحكمته صلى الله عليه وسلم.

انظري إليها يوم تَقمُّ البيت، وتوقد النار، وتجرُّ بالرَّحى، وتطحن الحب، وتصبر، ولم تتشكي، أو تسخط من قضاء الله عز وجل، ثم فوق ذلك تُربي أبناءها تربيةً عظيمة؛ تُربيهم على كتاب الله، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألَّا يُراقبوا أحداً غير الله عز وجل، فمن كان من أبنائها؟

كان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضى الله عنهم أجمعين.

هي بنت مَنْ؟ هي أمُّ مَنْ؟ هي زوج مَنْ؟     من ذا يساوي في الأنام علاها

أمَّا أبوها فهو أكرم مرسل     جبريل بالتوحيد قد رباها

وعليٌّ زوج لا تسل عنه سوى     سيف غدا بيمينه تيَّاها

طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخدمها مملوكة من المماليك؛ فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: {لا والله! ما دام على الصفة فقير يحتاج إلى لقمة أو إلى كسرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى بيتها وقد تعبت من أعمال البيت، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها ليدخل بيتها وهي وزوجها في فراش واحد، ثم قال لهما صلى الله عليه وسلم: {أولا أدلكما على خير لكما من خادم} من الذي قال هذا؟ إنه من لا ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، قال: {إذا أويتما إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين؛ فذلكما خير لكما من خادم}.

هل فعلنا ذلك يا أيها الأحبة؟

بل هل علمنا نساءنا أن يذكروا هذا الذكر قبل أن يناموا؟

إنه من المعين على خدمة البيت.

يقول علي : [[والله ما تركته من بعد ذلك اليوم حتى لقيت الله -جل وعلا- قالوا: حتى ولا ليلة صفين قال: ولا ليلة صفين]] في وسط المعركة وفي وسط ما حصل ما نسيه رضي الله عنه وأرضاه.

إني أقول لكنَّ أيتها الأخوات: عليكنَّ بهذا فذلكنَّ خيرٌ لكنَّ من خادم.. هل تعلمين يا أَمَةَ الله! أن في بيوت المسلمين -الآن- سبعمائة وخمسين ألف خادم في هذه الجزيرة، ما بين مسلمة وبوذية ونصرانية ومجوسية، تولَّى هؤلاء، فماذا تولوا؟

تولوا تربية فلذات الأكباد، والله إن هذا لأعظمُ الغش، وأعظم ما تغشين به أطفالك ومجتمعك وأُمتك وبلادك - الجزيرة - التي لا يجوز دخول كافر إليها أبداً.

يا أيها الأحبة! عليكم بهذا الدعاء فذلكما خير لكما من خادم، اذكري فاطمة يا أيتها الأخت المؤمنة! ثم اذكري ما عليه بعض أخواتك في الرغبة الملحة من النظر إلى الرجال، والحديث مع الرجال، والاختلاط بهم، وتشبههن بالكافرات في لباسهن ومشيتهن.

وبالله يا أختي المسلمة! أنت قمَّة، وأنت فضيلة، وأنت طهر.. قمة بالقرآن.. فضيلة بالإيمان.. طهر بتمسكك بهذا الدين؛ فكيف تتشبه القمة بالسافلة؟ وكيف تتشبه الفضيلة بالرذيلة؟ وكيف يتشبه الطهر بالنجس؟

يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ     ويبقى العود ما بقيَ اللِّحاء

فلا والله ما في العيش خيرٌ     ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

إني لأذكركِ مرات ومرات بتلك المؤمنة الطاهرة التي يذكرها أهل السِيَر، بأنها قد قُتل لها ولد في إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة ومتحجبة، فقيل لها: كيف تبحثين عنه وأنت متنقبة ومتحجبة قد لا تعرفينه؟! فأجابت إجابة المؤمنة، إجابة من أطاعت الله: [[لأَن أفقد -والله- ولدي خيرٌ من أن أفقد حيائي وديني! إن الله خاطب رسوله قائلاً: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] والله ما أنا بخير من أمهات المؤمنين ولا من نساء المؤمنين ولا من بناته صلى الله عليه وسلم]].

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم     إن التشبه بالكرام فلاح

بنت من بنات الأنصار واستجابتها لأمر رسول الله

وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رجلاً لخطبة بنت من بنات الأنصار له، ويأتي ويقول: رسول الله يطلب ابنتكم لي -وكان رجلاً فقيراً ودميماً- فما كان من الرجل إلا أن تردد، وما كان من الأم بعد ذلك إلا أن ترددت؛ فما كان من هذه المرأة التي تربت على الإيمان إلا أن خرجت، وقالت: أترُدَّان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين تذهبان من قول الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِيناً [الأحزاب:36] ادفعوني إليه فإن الله لا يضيعني.

أرأيتم -يا أيتها الأخوات- الاستجابة لله عز وجل إذا قضى أمراً هو أو رسوله صلى الله عليه وسلم فهلا كانت هذه أُسوة لكِ.

سمية أول شهيدة في الإسلام

سمية : تعتنق الإسلام، وتُضَرب وتُؤذَى، يريدون أن يردُّوها عن دينها، وما نقموا منها إلا أن آمنت بالله الذي لا إله إلا هو فأبَتْ؛ لأنها علمت أنها على الحق؛ فماذا كان منها؟ تقدم إليها الشقي بحربته ليطعنها في موطن عِفّتها، ولسانُ حالها يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] فكانت أول شهيدة في الإسلام بإذن الله سبحانه وبحمده.

موقف آسية بنت مزاحم مع فرعون

ومن قبل هؤلاء: امرأة فرعون آسية التي آمنت في وسط بيت من يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى [النازعات:24] لم يصدها جبروته، ولم يصدها قوته، ولم يصدها طغيانه.

لما تبين إسلامها طلب فرعون منها أن ترجع عن دينها، فأَبَتْ وأنَّى لمسلم يعرف هذا الدين ثم يعود عنه وينكص على أعقابه؛ فماذا كان منه؟

أوْتدَ رجليها، وأوْتدَ يديها بأربعة أوتاد، ثم ربطها وألقاها في الشمس، ومنع عنها الطعام والشراب، وضربها ضرباً مبرحاً، وآذاها ووكَّل من يؤذيها، فقالت؛ ماذا قالت؟ وإلى من لجأت؟ لجأت إلى فاطر السماوات والأرض: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] روي أنها لما قالت ذلك رُفعت دونها الحُجُبُ حتى رأت بيتها في الجنة من دُرة بيضاء مُجوَّفة، فضحكت وهي تُعذَّب حتى قالوا: هذه مجنونة، تُعذَّب وتضحك؟!

يقول الضحَّاك : [[ فأمر فرعون بعد ذلك بحجر يُلقى عليها، وهي في أوتادها؛ فما وصل الحجر إليها حتى أخذ الله روحها قبل ذلك، فصارت مثلاً للذين آمنوا ]].

أرأيتم -يا أيها الأحبة.. ويا أيتها الأخوات- كيف تكون المؤمنة متعلقة بالله عز وجل فيحفظها سبحانه وبحمده؟

امرأة تموت وهي ساجدة لله

قد تقولون: هؤلاء في عصر مضى، فسأذكر لكم نموذجاً من هذا العصر.

عجوز جالست النساء وهي تخشى الله عز وجل، وتعلم أن هذا اللسان لطالما أردى الكثير من الناس في حفرةٍ من حفر النار، وأوقعهم في أعراض المسلمين -وأعراض المسلمين حفرةٍ من حفر النار- ما كان من هذه المرأة يوم أن جالستهم؛ فلم تجد فائدة إلا أن اعتزلت بيتها؛ فهي تذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وتقرأ القرآن، واعتزلت النساء ولم تجلس معهن، وكان لها ولد بارٌ بها، وفي ليلةٍ من الليالي، قد كانت تقوم أكثر ليلها يوم أصبح قيامنا وقيام أهل بيتنا -إلا من رحم الله- على التمثيليات والمسلسلات، ونسأل الله أن يعصم قلوبنا أن نلقى الله على ذلك.

يا أيها الأحبة! كانت تقوم ليلها، وفي ليلةٍ من الليالي، وإذا بها تنادي ابنها في ثلث الليل الآخر، وتقول: يا بني! ها أنا على وضع سجودي لا يتحرك مني عضو واحد.

فما كان منه إلا أن أخذها وذهب بها إلى المستشفى، وهو بارٌ بها، يريد أن تعود إلى صحتها، نورٌ في البيت تذكر الله ليلاً ونهاراً، وذهب بها إلى الأطباء، وفعلوا ما فعلوا، وأنَّى لبشر أن ينجي من قدر؟ وأنَّى لِحَذَرٍ أن ينجي من قدَر، سألته بالله أن يعيدها إلى بيتها، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ووضَّأها، ثم قالت: أعِدني على وضع السجود كما كنت على سجادتي في آخر الليل، وإذا بها بعد فترة ليست بالطويلة تنادي ابنها، وتقول: يا بني! أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

لتلقى الله -عز وجل- وهي ساجدة؛ يغسلونها وهي ساجدة؛ ويكفنونها وهي ساجدة؛ ويذهبون ليصلوا عليها وهي ساجدة، تُحمل إلى المقبرة وهي ساجدة، وتدخل القبر وهي ساجدة، ومن مات على شيءٍ بُعث عليه، تُبعث بإذن الله ساجدة.

يا أيها الأحبة رجالاً ونساءً!

امرأة تقوم من الليل ما تقوم، وبعضنا لا يقوم من ليله ولو لساعة أو لنصف ساعة أو لدقائق أو لركعتين أو ثلاث يرجو بها رحمة الله، يرجو بها نفحة من نفحات الله عز وجل.

إني أقول: تشبهوا بهذه العجوز وقد منحكم الله ما لم يمنحها من الصحة والقوة.

ابنة سعيد بن المسيب وغزارة علمها

وهاهي ابنة سعيد بن المسيب -عليه رحمة الله- وهذه مثل للأخوات المتعلمات؛ لما دخل عليها زوجها -وكان من طلبة العلم- أصبح في الصباح فأخذ رداءه يريد أن يذهب ليُثنيَ ركبته في مجلس سعيد بن المسيب أبيها. فقالت: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس أبيكِ سعيد أتعلمُ العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد؟ فوجد ما كان يتعلمه من سعيد عند ابنته.

هكذا تكون المرأة المسلمة، وهكذا تكون المعلمة الفاضلة، تصبح نوراً يَشِعُّ على زوجها وعلى بيتها؛ فلا يخرجون من البيت إلا طيبين وصالحين بإذن الله.

عائشة رضي الله عنها العالمة الفاضلة

وإن نسينا فلا ننسى عائشة -رضى الله عنها- تلكم العالمة التي ماتت ولم تَخْطُ بعد إلى التاسعة عشر، وملأت الأرض علماً حتى قال فيها الزهري : "لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وأكثر وأفيد".

طلبت العلم ولم تعزف عن الزواج، كما يفعل بعض أخواتنا في هذه الأيام، يطلبون العلم فيعزفون عن الزواج.

تزوجت -يا أيها الأحبة- وهي في التاسعة أو أقل من ذلك، ولم تتعلم إلا قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، لم تتعلم قصص الغرام والحب أو الأدب الإنجليزي، ولم تصرف وقتها إلا فيما ينجيها؛ كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عنها وأرضاها، ووفق أخواتنا لتكون هي وأمثالها قدوة لهن.

امرأة تشارك في الجهاد بضفائرها

وهاهو أبو قدامة الشامي يقف خطيباً في يوم من الأيام على المنبر يَعِظ الناس، ويذكرهم بفضيلة الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

ماذا كان من هذا الرجل؟

خرج من المسجد، وقد اشْرَأَبَّتْ الأعناق للذهاب إلى القتال في سبيل الله، وخرج يمشي في شارع من شوارع مدينته، وإذا بهذه المرأة تقول: يا أبا قدامة ! السلام عليك، فلم يرد عليها السلام؛ لأنه خشي أن تفتنه؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم يقول: {فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء} فلم يرد عليها في الأولى، ولا في الثانية، وفي الثالثة قالت: السلام عليك يا أبا قدامة ! ما هكذا يفعل الصالحون. قال: فتوقفت فتقدمت إليّ، وقالت: سمعتك وأنت تشحذ الهمم للجهاد في سبيل الله، وفتشت، فلم أجد -والله- أغلى عندي من ضفيرتَيْ شعري، فقصصتهما، فخذهما، واجعلهما لجاماً لفَرَسِك في سبيل الله؛ علَّ الله أن يكتبني من المجاهدات في سبيله.

ولا إله إلا الله تقصُّ ضفائرها لجاماً لخيل الله ولجند الله، وأخرى تقصُّ ضفائرها لتكون أشبه بالبغايا العاهرات، شتان بين مشرق ومغرب! شتان بين الفريقين!

يا أيها الأحبة! {من تشبَّه بقوم فهو منهم}. أرأيتم هذه المرأة في اليوم الذي بعده؟ يقول أبو قدامة : وقد انطلقنا نريد الجهاد في سبيل الله، قال وإذا بطفل يأتي ويلحق بنا، ويقول: يا أبا قدامة ! سألتك بالله أن تجيزني في القتال في سبيل الله. قال: تطؤك الخيل بحوافرها. قال: سألتك بالله إلا أخذتني. قال: إن قُتلت تشفع لي عند الله شرط؟ قال: نعم.

فأخذه معه على فرسه، وانطلقوا حتى قابلوا الروم، وحينما قابلوهم قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم. قال: تضيعها إذاً. قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم، فأعطاه، فأخذ سهماً، وقال: السلام عليك يا أبا قدامة ! باسم الله، ثم أطلقه، فقتل رومياً، ثم أطلق الثاني فقتل رومياً، ثم أطلق الثالث فقتل رومياً ثالثاً، ثم جاءه سهم فضربه في لُبته، فأرداه من فوق الفرس وهو يقول: السلام عليك يا أبا قدامة ! سلام مودع، ثم سقط فسقط وراءه أبو قدامة ، وقال: لا تنسَ الوصية، لا تنسَ الوصية. فما كان منه بعد ذلك إلا أن قال: خذ هذا وأعطِه أمي. قال: ومن أمك؟ قال: أمي صاحبة الضفيرتين التي أعطتك إياها بالأمس.

أرأيتم إلى البيوت المسلمة يوم تُربَّى على لا إله إلا الله محمد رسول الله ، المرأة مربية الأجيال.

والأم مدرسة إذا أعددتها     أعدت شعباً طيِّب الأعراق

صفية بنت عبد المطلب الصابرة المجاهدة

هاهي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تِلْكُم المرأة الحازمة التي ربَّتْ للأمة أول فارس سلَّ سيفاً في سبيل الله، توفي عنها زوجها وترك لها الزبير -وهو طفل صغير- فنشَّأته على الخشونة والبأس، وربَّتْه على الفروسية، لم تُنشِّئْه على التنعُّم والترفُّه والميوعة حتى أصبح الأطفال والرجال -الآن- أشباه رجال ولا رجال، جعلت لعبَه في برْيِ السهام وإصلاح القسي، لم تجعل لعبه في لعب الكرة، وفي مطاردة الدراجات في الشوارع يميناً وشمالاً؛ يتسكعون.

كانت تقدمه في كل مخوفة، وكانت ترميه في كل خطر؛ تريد أن يكون لَبِنَة صالحة في هذا المجتمع؛ فإذا تردد عنها ضربته وأوجعته، حتى إنَّ أحد أعمامه يوماً من الأيام قال لها: إنكِ تضربينه ضربَ مبغضةٍ لا ضرب أم، فارتجزت قائلة:

من قال قد أبغضته فقد كذب     وإنما أضربه لكي يَلُبَّ

ويختم الجيش ويأتي بالسلب.

هاجرت إلى المدينة النبوية، وهي تقفو إلى الستين من عمرها، تركت مدارج الشباب، وتركت مكة، وهاجرت بدينها فارَّةً إلى الله -جل وعلا- في المدينة ، شاركت في يوم أحد لما رأت ما حل بالمسلمين، وهي تسقيهم بالماء، هبَّت كاللبؤة، وانتزعت رمحاً من أَحَد المنهزمين، ومضَتْ تشق الصفوف به، وتزأر وتقول: [[ويحكم أتنهزمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]] فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم خشيَ أن ترى أخاها حمزة وقد مثَّل به المشركون؛ فما كان منه إلا أن أشار إلى ابنها الزبير ، وقال: {دونك أمك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فقال الزبير : [[يا أماه! إليكِ.. يا أماه إليكِ. قالت: تنحَّ عني، لا أمَّ لك. فقال: إن رسول الله يأمركِ أن ترجعي. قالت: الأمر أمر الله وأمر رسوله]] فتوقفت.

ثم قالت: [[والله لقد بلغني أنه مُثِّلَ بأخي حمزة ولأصبرنَّ، وذلك في ذات الله وفي سبيل الله]] ثم انتهت المعركة، وما كان منها إلا أن وقفت على أخيها وقد بُقرَ بطنُه، وأُخرِجت كبدُه، وجُدِع أنفه وأُذناه، وشُوِّهَ وجهُه، فاستغفرت الله له، وجعلت تقول: [[في ذات الله، لقد رضيت بقضاء الله لقد رضيت بقضاء الله]]. لم تلطم خدّاً، ولم تُشق جيباً، ولم تنُحْ، وما كان لها أن تكون كذلك.

وها هي في يوم الخندق يوم وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساء في حصن حسان -وهو حصن من أمنع الحصون- ولم يترك معهن من الرجال، فذهب الجيش إلى الخندق، وما كان منها إلا أن رأت يهودياً يتسلل إلى القصر، وإلى هذا الحصن يريد أن ينظر هل في الحصن رجال أم يستخلي اليهود بهذا الحصن؛ ليسلبوا النساء والذراري؟

لما رأته أخذت عموداً من الحصن، ثم هجمت عليه حتى قتلته، ثم لم تكتف بذلك فاحتزت رأسه واقتطعته، وأخذته وخرجت إلى أعلى الحصن، ثم رمَتْ برأسه على اليهود يتدحرج بينهم، فقالوا: قد علمنا أن محمداً لن يترك النساء بلا رجال.

رضي الله عن صفية ، ربَّت وحيدها أحسن تربية، وأُصيبَتْ في شقيقها، فاحتسبت ذلك، وعملت لهذا الدين، وحملت همَّ هذا الدين، وهكذا يكون نساء المسلمين أيتها الأخوات.

أم الإمام أحمد وتربيتها له

إن النماذج لكثيرة كثيرة.. لكني أقف مع نموذج أخير أو قبل الأخير، وهو مع أم الإمام أحمد الذي يموت أبوه عنه وهو صغير، فتكفله أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة، تقوم بتربيته ،وهذا دور المرأة يوم تكون صالحة. تنتج اللَّبِنات الصالحة، نشَّأت ابنها على حب الله ورسوله، وعلى حب كتاب الله، يقول أحمد : "حفَّظتني القرآن وعمري عشر سنوات"، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيْه.

يقول: كانت توقظني قبل صلاة الفجر بوقت ليس بالقصير، وتدفئ لي الماء؛ لأن الجو كان بارداً في بغداد ، وتُلبسُني اللباس، ثم نصلي أنا وإياها ما شئنا، ثم ننطلق إلى المسجد وهي مختمرة؛ لأن الطريق كان بعيداً مظلماً موحشاً لتصلي معه صلاة الفجر في المسجد -وعمره عشر سنوات- وتبقى معه حتى منتصف النهار لتعلمه العلم، ولتربيه التربية؛ ليكون لَبِنَةً صالحة ينفعها يوم تقْدمُ على الله جل وعلا.

يقول: فلما بلغت السادسة عشرة قالت: يا بُني! سافِرْ في طلب الحديث؛ فإن طلب الحديث هجرة في سبيل الله.

أعدت له بعض متاع السفر من أرغفة الشعير، ومن صُرَّة ملح، ومن بعض مستلْزَمَات السفر، ثم قالت: إن الله إذا استُودِع شيئاً حفظه، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

ذهب من عندها إلى المدينة، وإلى مكة، وإلى صنعاء ليعود الإمام أحمد ، وقد قدَّم للأمة ما قدَّم ولأمه -إن شاء الله- من الحسنات مثلما عمل أحمد ، ومثل من يعمل بعمل أحمد إلى أن يلقى الله بمنِّه وكرمه، والخير في الأمة كثير وكثير.

فلو كان النساء كمن ذكرنا     لفَضلت النساء على الرجال

وما التأنيث لاسم الشمس عيب     وما التذكير فخر للهلال

هل أعجبتكِ خصال هؤلاء النساء؟

إذا أعجبتك خصال امرئ     فكنه يكن ما يعجبك

فليس على الجود والمكرمات     إذا جئتها حاجب يمنعك




استمع المزيد من الشيخ علي بن عبد الخالق القرني - عنوان الحلقة اسٌتمع
صور وعبر 2807 استماع
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا 2676 استماع
الإكليل في حق الخليل 2500 استماع
هلموا إلى القرآن 2498 استماع
أرعد وأبرق يا سخيف 2413 استماع
هكذا علمتني الحياة [2] 2411 استماع
أين المفر 2334 استماع
اسألوا التاريخ 2281 استماع
حقيقة الكلمة 2245 استماع
الأمر بالمعروف 2205 استماع