كل يغدو


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته. وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غلفاً. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

يقول المولى -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

ويقول تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. ويقول تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وأسأل الله الذي جمعني وإياكم في هذه الروضة، أن يجمعنا وإياكم في روضات الجنان، إنه سميع مجيب وعلى كل شيء قدير.إني مُسَائِل مساءلة:

إلى كم ذا التراخي والتمادي     وحادي الموتِ بالأَرْوَاح حادي

فلو كنا جماداً لاتعظنا     ولكنا أشد من الجمادِ

تنادينا المنيةُ كلَ وقتٍ     وما نصغي إلى قولِ المُنادِي

وأنفاسُ النفوسِ إلى انتقاصٍ     ولكن الذنوبَ إلى ازديادِ

إذا ما الزرعُ قارنه اصفرار     فليس دواؤه غير الحصادِ

كأنك بالمَشِيبِ وقد تَبَّدى     وبالأُخرى مُناديها ينادي

وقالوا قد قضى فاقْرُوا عليه     سلامَكم إلى يومِ التَنَادي

إخوة الدين والعقيدة: لم خلقنا؟ لم أُوجدنا؟ ما الهدف وما الغاية؟ آلهدف أن نأكل؟ آلهدف أن نشرب، أن نلبس، أن نتمتع؟

لا والذي رفع السماء بلا عمد ما خُلِقنا إلا لعبادة الله جل وعلا القائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:57-58]، والقائل تبارك وتعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].

أما والله لو عَلِمَ الأنامُ      لما خُلِقوا لما هَجَعُوا وناموا

مماتٌ ثم حشرٌ ثم نشرُ     وتوبيخٌ وأهوالٌ عظامُ

ليومِ الحشرِ قد عملت أناسٌ     فصلوا من مخافته وصاموا

ونحن إذا أُمِرنا أو نُهِينا     كأهلِ الكهفِ أيقاظٌ نِيامُ

جعل الله لنا طريقًا مستقيماً فقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [الأنعام:153] وأنزل لنا القرآن، حجة لنا أو علينا، وأرسل إلينا رسولا شاهداً علينا ومبشراً ونذيراً صلى الله عليه وسلم جاءنا بالآيات الباهرات، وبالآيات البينات، وبالمعجزات الظاهرات، هاكم بعض هذه المعجزات قبل أن نبدأ فيما نحن نريد أن نبدأ فيه.

أعظم معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم

أول معجزة جاءنا بها المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا القرآن الذي بين أيدينا، والذي هجرناه وتركناه؛ فكان لنا ما كان، حبل الله المتين، من تمسك به هُدِي، ومن ابتعدَ عنه ضلَّ وانحرف وإلى النار وبئس القرار، وجاءت معه الآيات الأخرى؛ لتقيم الحُجَج على الذين يريدون أن يتنكبوا الطريق.

الذئب يشهد بالرسالة

روى الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده: أن أعرابياً خرج بغنمه على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ليرعى الغنم، وبينما هو مع غنمه إذ بذئب يعدو على شاة، فيتقدم فيأخذ الشاة من فم هذا الذئب، فيكون من هذا الذئب أن يُقعِي عنه بعيداً، ويقول له -ويتكلم كلام الإنس-: أما تتق الله؟! تأخذ رزقًا ساقه الله إليَّ. فقال: يا عجبي! ذئب يتكلم كلام الإنس.

قال الذئب: وأعجب من ذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بشر يخبركم بأنباء من سبق.

فلم يملك الأعرابي نفسه، وأخذ غنمه وسار بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فيدخل بها المسجد، ويضعها في زاوية من زوايا المسجد؛ ليدخل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويخبره الخبر، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن نادى في الناس: الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس كلهم، فقال للراعي: قل لهم ما رأيت، وما سمعت، فقام فذكر قصته مع الذئب، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: {صدق والذي نفسي بيده! لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس} ولقد حصل هذا على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذه آية حصلت على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فانقسم الناس أمامها إلى فريقين؛ فريق آمن وصدق، وفريق آخر تنكب الطريق، والفريقان مقتسمان إلى قيام الساعة.

حادثة انشقاق القمر

روى مسلم: أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ليؤمنوا به، فطلب من الله جل وعلا أن يريهم آية، فانفلق القمر في تمامه نصفين، نصف على جبل أبي قبيص ونصف على الجبل المقابل له، فماذا كان منهم؟ هل صدقوا وآمنوا كما وعدوا؟ ما كان منهم إلا أن تنكبوا، وقالوا: هذا سحر، سحر أعيننا محمد. وقال المنصف منهم: نذهب إلى أهل البادية، ونرى هل رأوه في تلك الليلة قد انفلق فلقتين على الجبلين؟ فذهبوا إلى أهل البادية وسألوهم، فأخبروهم بأنهم قد رأوه قد انفلق فلقتين على الجبلين في تلك الليلة، فقالوا: سحر مستمر، عم الحاضرة والبادية!

نسأل الله العافية! إذا طمست البصيرة فلا تنفع آية، ولكنها حجج تقذف عليهم لتقام عليهم أمام الله جل وعلا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:1-2] سحر عمَّ الحاضرة والبادية.

مخاطبة الحجر والشجر للرسول صلى الله عليه وسلم

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث: أنه كان يمر على الشجر فيقول: السلام عليك يا رسول الله! ويمر على الحجر فيقول: السلام عليك يا رسول الله! روى مسلم في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والله! إني لأعلم حجراً كان يسلِّم عليَّ بـمكة قبل أن أبعث} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

شكوى الظبية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم

والآيات كثيرة، وأكتفي بآية أخيرة ذكرها أبو نعيم في دلائل النبوة، يقول: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ذات يوم خارج المدينة ، وإذ بفسطاط -خيمة- ومشدود بهذا الفسطاط ظبية -غزالة- وإذ بها لما رأت المصطفى صلى الله عليه وسلم ذرفت عيونها الدموع، فتقدم إليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! إن لي خشفين صغيرين -وليدين صغيرين- وأمسكوا بي ولم أرضعهما منذ الصباح، فأذن لي لأذهب لأرضعهما وأعود. فقال: من صاحب الظبية؟ من صاحب الغزالة؟ قالوا: نحن يا رسول الله! قال: ائذنوا لها لتذهب وتعود. قالوا: من يضمن ذلك يا رسول الله؟ قال: أنا.

فأطلقوها، فذهبت وأرضعت خشفيها، وعادت إليهم؛ وفاءً بالعهد -يوم ضاع الوفاء بين كثير من الناس- فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أتبيعونها؟ قالوا: هي لك يا رسول الله! بلا بيع؛ فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الضب يشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة

آيات وآيات .. الضب يأتي به الأعرابي، ويرفعه في يده، ويقول: لا أومن حتى يشهد أنك رسول الله. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم للضب: {أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: أشهد أنك رسول الله}.

والآيات كثيرة وكثيرة. لكن مع هذه الآيات، ومع أعظمها؛ وهو القرآن وجدت عقول جامدة، وقلوب فارغة ساهية لاهية غافلة، لا تقبل الحق ولا تؤمن به، كالكوز مُجَخِّياً، لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً.

أرأيتم لو أن كوباً وضع على وجهه، وأدخلنا فيه من المياه، وهو منصوب على ظهره لن يدخل فيه قطرة واحدة، وهم يستحقون أن يوصفوا بهذا الوصف: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

أول معجزة جاءنا بها المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا القرآن الذي بين أيدينا، والذي هجرناه وتركناه؛ فكان لنا ما كان، حبل الله المتين، من تمسك به هُدِي، ومن ابتعدَ عنه ضلَّ وانحرف وإلى النار وبئس القرار، وجاءت معه الآيات الأخرى؛ لتقيم الحُجَج على الذين يريدون أن يتنكبوا الطريق.

روى الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده: أن أعرابياً خرج بغنمه على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ليرعى الغنم، وبينما هو مع غنمه إذ بذئب يعدو على شاة، فيتقدم فيأخذ الشاة من فم هذا الذئب، فيكون من هذا الذئب أن يُقعِي عنه بعيداً، ويقول له -ويتكلم كلام الإنس-: أما تتق الله؟! تأخذ رزقًا ساقه الله إليَّ. فقال: يا عجبي! ذئب يتكلم كلام الإنس.

قال الذئب: وأعجب من ذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بشر يخبركم بأنباء من سبق.

فلم يملك الأعرابي نفسه، وأخذ غنمه وسار بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فيدخل بها المسجد، ويضعها في زاوية من زوايا المسجد؛ ليدخل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويخبره الخبر، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن نادى في الناس: الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس كلهم، فقال للراعي: قل لهم ما رأيت، وما سمعت، فقام فذكر قصته مع الذئب، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: {صدق والذي نفسي بيده! لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس} ولقد حصل هذا على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذه آية حصلت على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فانقسم الناس أمامها إلى فريقين؛ فريق آمن وصدق، وفريق آخر تنكب الطريق، والفريقان مقتسمان إلى قيام الساعة.




استمع المزيد من الشيخ علي بن عبد الخالق القرني - عنوان الحلقة اسٌتمع
صور وعبر 2800 استماع
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا 2672 استماع
الإكليل في حق الخليل 2494 استماع
هلموا إلى القرآن 2491 استماع
أرعد وأبرق يا سخيف 2405 استماع
هكذا علمتني الحياة [2] 2403 استماع
أين المفر 2324 استماع
اسألوا التاريخ 2264 استماع
حقيقة الكلمة 2240 استماع
الأمر بالمعروف 2200 استماع