التقوى وحسن الخلق


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاطر الأرض والسماوات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه، وآتاه الآيات البينات والحجج الواضحات، صلى الله عليه وعلى آله، ومن سار على نهجه ومنواله إلى يوم تتفطر فيه الأرض والسماوات.

أما بعد:

فخير ما يوصى به المسلم تقوى الله عز وجل، وهي الوصية التي وصى الله بها الأولين والآخرين، وخص بها عباده الأخيار من الأنبياء والمرسلين، فقال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ وَصيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

وتقوى الله نورٌ يقذفه الله في القلوب، وسرٌ بين العبد وربه لا يعلمه إلا الله علَّام الغيوب، الله أعلم بمن اتقى، وأعلم بمن صلح وتزكى، ولذلك قال سبحانه وتعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].

وتقوى الله أن تعبد الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وتخشى عذاب الله، وهذا النور يحمل العبد على أمرين عظيمين ما كانا في عبد إلا أحبه الله:

أولهما: أداؤه لفرائض الله على الوجه الذي يرضي الله.

وثانيهما: خوفه وخشيته من حدود الله ومحارمه، وكلما كمل تقوى العبد كلما وجدته أسبق إلى الخيرات، وأعف عن الحدود والفواحش والمنكرات، وكلما كمل هذا النور في القلوب كلما كان هذا العبد متعلقاً بربه، قريباً من طاعته، بعيداً عن حدوده ومعصيته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بهذه الوصية العظيمة تأسياً بكتاب الله، وسَيراً على نهج رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم إلى يوم الدين، ولذلك لما جاءه الرجل وهو يريد السفر، قال: (يا رسول الله! إني أريد السفر فزودني، قال: زودك الله التقوى) فما وجد النبي صلى الله عليه وسلم زاداً يقذفه في سمع ذلك المؤمن إلا أن يدعو له أن يزوده الله التقوى، وأي زاد ذلك الزاد الذي شهد الله عز وجل أنه خير زاد، كما قال سبحانه وتعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197].

قال بعض العلماء: قوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] فيه دليل على أنه ما خرج عبد بخصلة بعد الإيمان أحب إلى الله من تقوى الله عز وجل، وتقوى الله يربيها المسلم في قلبه بقراءة كتاب الله جل وعلا، وتدبر تلك الآيات، والنظر في تلك الكلمات العظيمات، والمواعظ البالغات، التي تقرب القلوب إلى ربها، وتحببها في طاعة خالقها، وتجعلها أعف ما تكون عن حدود الله جل وعلا ومحارمه.

وما كمل تدبر العبد للقرآن إلا كمّل الله تقواه، ولذلك صدّر الله كتابه بقول: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] فأخبر أن هذا القرآن والكتاب يهتدي به المتقون، وينتفع به الصالحون جعلنا الله وإياكم منهم، فخير ما يتواصى به الأخيار تقوى الله جل وعلا.

وتقوى الله تكون مع الإنسان وهو بين الناس، وتكون مع الإنسان وهو وحيد وفريد، وبين أهله وولده، ومع الأزواج والزوجات، ومع الأبناء والبنات.

التقوى تكون مع الإنسان خالياً، فلربما ملكت قلبه ففاضت عيناه من الدمع، فحرم الله تلك العين على النار، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل العيون باكية أو دامعة يوم القيامة إلا ثلاثة أعين -وذكر منها- عين بكت من خشية الله) فتكون التقوى مع العبد فريداً وحيداً، ولربما انفرد في ليلة لكي ينام، وأضجع شقه لكي يرتاح، حتى إذا أراد أن ينام تذكر حدود الله وحقوقه، فأشفق على نفسه من تقوى الله جل وعلا، ودمعت عيناه وهو لا يشعر، فأظله الله بتلك الدموع في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

قال بعض العلماء: وقلَّ أن يكون لعبد إلا إذا كان فيه تقوى لله جل وعلا، وتكون تقوى الله مع الإنسان وهو بين أهله وأولاده، يأمرهم بطاعة الله، ويحببهم في مرضاة الله، ويأخذ بتلك القلوب البريئة إلى محبة الله ومرضاته، ويجعلها على خير ما يكون عليه الابن وعلى خير ما تكون عليه البنت، يتقي الله وهو بين أهله وأولاده، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنه جاءه النعمان وقال: يا رسول الله! إني نحلت بعض ولدي نحلة، وقالت أم فلان: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته ذلك؟ قال: لا، يا رسول الله! قال: اذهب فأشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وفي رواية: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم).

فتقوى الله تكون مع المسلم حتى وهو مع أولاده، في حركاته معهم وسكناته، وتفضيله لبعضهم على بعض، فيتقي الله فيهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم، وفي إدخال السرور عليهم، وفي تأمينهم، وغير ذلك من الحقوق التي فرضها الله عز وجل عليه، والتي إذا أداها على أتم الوجوه جعله الله على منبر من نور يغبطه عليه الأنبياء والشهداء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، الذين يعدلون في أهليهم وما ولُّوا).

كذلك تكون تقوى الله عز وجل مع المسلم وهو في تجارته، في بيعه وشرائه، وأخذه وعطائه، لا يمكن أن تقبض يده على مال، إلا وقد اتقى الله جل وعلا حين يأخذه، ولا يمكن أن تبذل يده شيئاً من المال إلا وقد اتقى الله جل وعلا وهو يبذله، يتقي الله جل وعلا؛ لأنه يعلم أن الله يحاسبه على كل شيء جنته يداه، وعلى كل شيء أعطته يداه، فتقوى الله تدخل مع العبد في جميع شئونه وأحواله.

ولذلك قالوا: من أوصى بتقوى الله فقد أوصى بالدين، بل أوصى بجامعة الخير، كما قال الإمام الحافظ ابن عبد البر : جماع الخير كله تقوى الله، وما وصَّى نبي ولا عالم إلا استفتح وصيته بقوله: أوصيك بتقوى الله جل وعلا.

ولذلك هي الوصية العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يستشعرها في جميع شأنه وأحواله.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من عباده المتقين، اللهم إنا نسألك أن تقذف في قلوبنا نورها، وأن تجعلنا من أهلها إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

حكم خروج المعتدة للضرورة

السؤال: هل يجوز للمعتدة الخروج للطبيب لإجراء عملية ونحو ذلك؟

الجواب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

إذا توفى زوج المرأة عنها فإنه يجب عليها أن تبقى في بيتها أربعة أشهر وعشراً، إلا أن تكون امرأةً حاملاً، فإذا كانت امرأةً حاملاً فإنها إذا وضعت حملها يجوز لها الخروج، وتخرج من عدتها وحدادها، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم في قصة أبي السنابل بن بعكك، وإقراره عليه الصلاة والسلام للمرأة الحامل بخروجها من عدتها بذلك.

أما وجوب بقاء المرأة المحد في بيت زوجها فلما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـفريعة بنت مالك بن سنان ، لما أخبرته أن زوجها توفي عنها، قال لها عليه الصلاة والسلام: (امكثي في بيت زوجك الذي جاءك فيه نعيه حتى يبلغ الكتاب أجله) فدل هذا على أنه لا يجوز لها الخروج.

أما إذا وجدت ضرورة فإنه يحل لها حينئذ الخروج، فإن كانت العملية التي ذكرت يترتب على تركها إلى حين خروجها من عدتها ضرر أو تؤدي إلى هلاكها أو تلف عضو من أعضائها، فإنه يجوز لها الخروج بشرط ألا يتأتى فعل العملية في بيتها، وذلك لمكان الاضطرار، وقد قال الله جل وعلا: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] فحينئذ يجوز لها الخروج، والله تعالى أعلم.

حدود عورة المرأة أمام محارمها

السؤال: سائل يقول: ما الذي يجوز للمرأة إظهاره من جسدها أمام محارمها؟

الجواب: هذه المسألة -وهي عورة المرأة مع محارمها- كان بعض السلف رحمة الله عليهم يتورعون فيها، حتى أن الإمام أحمد رحمة الله عليه -وهو ذلك الإمام العظيم من أئمة السلف علماً وورعاً- لما سئل: أتكشف المرأة عن صدرها وساقيها لمحرمها كأخيها؟ فقال رحمه الله: لا، إني أخشى عليه الفتنة، فالاحتياط والورع أن المرأة لا تكشف عن صدرها أو عن ساقيها لأخيها، إلا ما كان لحاجة، أو كان عفواً دون قصد، فهذا لا حرج فيه، وأما الكشف عن الصدر وإبداء المحاسن والمفاتن، فإنه ينبغي التورع عن ذلك والبعد عنه؛ لأنه قد يفضي إلى الوقوع في المحظور، والله تعالى أعلم.

فضل حسن الخلق

السؤال: معلومٌ لديكم فضل حسن الخلق، ولين الجانب والتواضع، ولكن نرى من حال بعضنا عكس هذا الأمر، فهل من نصيحة حفظكم الله؟

الجواب: إن الله جل وعلا إذا رزق المؤمن الإيمان كمّل خصاله، وجمّل خلاله، وجعله من عباده الموصوفين بالفضائل، المترفعين عن الرذائل، فمكارم الأخلاق، ومحاسن الأخلاق خصلةٌ من خصال المؤمنين، وخلة من خلال الصالحين، ولذلك أثنى الله بها على نبيه في كتابه المبين، فقال سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فأثنى على نبيه عليه الصلاة والسلام بالخلق، وما أعظم الخلق وما أجله عند الله وعند عباده! حتى ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن أثقل شيء في الميزان قال: (تقوى الله وحسن الخلق) وقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) قال: خيركم، أي: أكثركم خيراً وأرفعكم عند الله قدراً؛ لأن الأخيار هم أرفع الناس قدراً عند الله جل وعلا.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله الصحابة وقد سمت أرواحهم إلى الجنة، واشتاقت إلى رحمة الله جل وعلا عن أعظم ما يدخل المؤمن الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: (تقوى الله وحسن الخلق) فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله جل وعلا وحسن الخلق، أما تقوى الله فبينك وبين الله، وهو غيب لا يعلمه إلا الله، وأما حسن الخلق فبينك وبين الناس، ولذلك من أجل نعم الله عز وجل على العبد حسن الخلق.

وقال بعض السلف: إنما أدرك من أدرك لا بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن ببذل الندى وكف الأذى.

والمراد بهذه العبارة أن هذا العالم من السلف يقول: إنما أدرك من أدرك، أي: أن الأخيار والصالحين والفضلاء والنبلاء وأهل الخير من سلفنا الصالح ما وصلوا إلى الدرجات العلا بعد الإيمان، إلا ببذل الندى وكف الأذى، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أثقل ما يكون في الميزان، وبذل الندى: الجود والسخاء، وكف الأذى: أساسه الحياء والمروءة الفاضلة التي تمنع الإنسان من أذية إخوانه.

فإذا كمل إيمان العبد كمل خلقه، وإذا كمل نبله وفضله كملت آدابه، وأصبح ممن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أقرب الناس منه مجلساً يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة) هل قال: العالم أو العابد أو المجاهد؟ لا، قال عليه الصلاة والسلام: (أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون) أحاسنكم أخلاقا، أي: أنك لن تنظر إليه إلا وجدته قد أخذ من حسن الخلق بحظ وافر، إن وجدته في السماحة وجدته بلغ منها أعلى مراتبها، وإن وجدته في الجود والسخاء وحسن العشرة وبذل المعروف، وجدته في أعلى مراتبها.

ولذلك لن تقرأ سيرة عالم من علماء السلف إلا وجدت حسن الخلق سمة من سماتهم رحمة الله عليهم، يقول عليه الصلاة والسلام: (أحاسنكم أخلاقاً) ما قال: أحسنكم، أي: الذين كثرت منهم الأخلاق الطيبة، وقال بعض العلماء: قلَّ أن تجد إنساناً كريم الخلق إلا وجدته نقي الصدر؛ لأن مكارم الأخلاق لا تكون إلا بسلامة الصدور، وقلَّ أن تجد إنساناً فظاً غليظاً كثير الجفاء للناس، وكثير الأذية لهم، إلا وجدت في قلبه من الضغينة والبغضاء ما يحمله على ذلك -نسأل الله السلامة والعافية- لأن الأخلاق ما هي إلا نتيجة عما في السرائر والقلوب.

والله جل وعلا إذا اطلع على سريرة الإنسان، ووجدها سريرة صالحة فيها الخير والفضل والنبل، أظهر هذه السريرة لعباده في الأخلاق الطيبة، ولذلك قال: (أحاسنكم أخلاقا) إن آذاه أحدٌ عفا عن أذيته، وإن أحسن إليه رد له الإحسان أضعاف إحسانه، فإن عاشر الناس، إن أحسنوا إليه أحسن إليهم أكثر من إحسانهم، وإن أساءوا إليه اجتنب إساءتهم، وإن نظر إلى عوراتهم سترها، وإن نظر إلى خلاتهم وما هم فيه من الحوائج قضاها وقام بها.

وقد أُثر عن علي زين العابدين -ذلك الإمام الجليل من أئمة السلف الصالح علماً وفضلاًونبلاً رحمة الله عليه- أنه كان إذا جَنَّ عليه الليل وضع اللثام على وجهه، ثم حمل على ظهره أكياس الطعام، ومضى إلى بيوت يعرفها للأيتام والأرامل -رحمة الله عليه- ثم أطعم وسقى واقتحم العقبة، ففك الرقبة، وأطعم ذا المسغبة، يتيماً ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة، رحمة الله على تلك الروح الطيبة، فلما توفي فقد أكثر من عشرين بيتاً -ممن يقرع عليهم في جوف الليل أبوابهم بذلك الطعام- فعلموا أنه ذلك العالم وذلك العابد، وكان في زمانه آيةً في العلم والصلاح مع ماله من النسب؛ لأنه ابن ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الله له بين هذه الخيرات والفضائل، يقول في مدحه الفرزدق:

ما قـال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

أي: ما جاءه أحد يسأله شيئاً فقال له: لا. وهذا من كمال خلقه وزينها رضي الله عنه ورحمه برحمته الواسعة.

فلما أرادوا أن يغسلوه ويكفنوه؛ خلعوا ثيابه فنظروا فإذا ظهره متشحط من الدم؛ بسبب أكياس الدقيق التي كان يحملها رحمة الله عليه.

فسلامٌ على تلك القلوب الرحيمة، وسلام على تلك الأخلاق الكريمة، وتلك المعادن الأبية الصالحة التي كانت ترجو ما عند الله، وتريد رحمة الله جل وعلا، كان السلف الصالح رحمة الله عليهم لهم من الأخلاق والفضائل والنوائل ما تضرب به الأمثال.

واقرأ في سير الرجال، قد تجد العلم في العالم سمة من سماته، ولكن ما إن يبدأ باب الأخلاق، ويذكر أنه ذلك الرجل المتواضع الكريم السمح، إلا وينفتح قلبك لتلك الخصال، وينشرح صدرك لتلك الخلال وقلت: سبحان الله الكبير المتعال! سبحان من يقسم الأرزاق! ولذلك ورد في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم) وإن الله لا يعطي الأخلاق إلا لمن أحب، أما الدنيا فيعطيها لمن أحب ومن كره، أما الأخلاق والفضل والنبل والصلاح، وهذه الخصال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً) ما معنى الموطئون أكنافا؟ توطئة الكنف في التواضع، بمعنى أنه سهل أن تبلغ حاجتك منه، ويسير عليك أن تأخذ بغيتك من يده الطيبة، ما تجده صعباً بمجرد أن تأتيه، حتى إن بعض الأخيار كان من خيره أنه إذا جاءه الفقير ورأى في وجهه الفقر، عاجله بالعطية قبل أن يسأله الفقير المال، وهذا الكرم والفضل والنبل، وكان بعضهم يستحي أن يذكر الفقير حاجته قبل أن يعاجله بذلك العطاء، فكان الناس على خير كثير.

وقال بعض العلماء: لا تكون محاسن الأخلاق إلا برحمة من الله جل وعلا، وأول ما تكون محاسن الأخلاق وكريم الخلال للإنسان برحمة يقذفها الله في القلوب، ومصداق ذلك في قوله تعالى يخاطب نبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159].. فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران:159] يعني: أن الإسلام ليس فيه إلا السماحة والعفو ولين الجانب، ولذلك وصف الله المؤمنين مع بعضهم فقال: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54] فإذا كمل إيمان العبد أصبح لا يستطيع أن يؤذي أحداً من إخوانه المسلمين، لا ترى منه إلا خيراً، بمجرد أن تلقاه أول ما ترى كريم الخصال وطيب الخلال.

ولذلك يقول جرير رضي الله عنه وأرضاه: [ما لقيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي] وكان صلى الله عليه وسلم لا يعبس في وجوه الناس، ولا يقهرهم، ولا يعرض عنهم، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين، وهذه الخصلة في قوله: (الموطئون أكنافا) توطئة الكنف: القرب من الناس. فإذا كنت طالب علم فاقترب من الناس بتوجيهك وإرشادك ولا تتعال بعلمك، ولا تفتخر على الناس بما حباك الله جل وعلا من العلم، بل تكون كما مثَّل العلماء كريم الأصل بالغصن الطيب، فإن الأغصان الطيبة إذا ملئت من الخير والثمرات تدلت للناس.

وهكذا كريم الأصل والعبد الصالح، الذي يريد الله به خيري الدنيا والآخرة كلما امتلأ علماً وفضلاً ونبلاً؛ كلما وجدته تدلى للناس، وزاده علمه قرباً من الناس، وأذكر علماءنا ومشايخنا -رحمة الله عليهم- كانوا من ذلك على حظ وافر، وأذكر عن بعض مشايخنا رحمة الله عليه -أكاد أجزم- أن كل إنسان يجالسه يحس كأن هذا الشيخ له وحده، وأعرف أناساً من عامة الناس بعضهم يعتبر ممن يتعاطى الحرف الدنيئة ومن ضعفة المسلمين، ربما جاء إلى ذلك الشيخ وجلس يمازحه ويضاحكه ويجالسه، كأنه جليسٌ من كبراء القوم، وما ذلك والله إلا لصلاحٍ في القلوب، وكلما وجدت الإنسان يتقي الله جل وعلا ويرجو رحمة الله، كلما وجدته يشتري هذه الرحمات بالأخلاق الكريمة خاصة مع ضعفاء المسلمين.

ولذلك قال بعض السلف رحمة الله عليهم في سفيان الثوري ما كان أعز الفقراء في مجلس سفيان ، سفيان هذا ديوان من دواوين العلم والعمل والصلاح والفقه والحديث، كان إذا دخل الفقراء في مجلسه عزوا وأُكرموا، ورفعوا على الأغنياء والأثرياء والوجهاء، وهذا من كرم سفيان رحمة الله عليه.

فهكذا أهل الفضل أكنافهم موطأة. (ألا أنبئكم) أي: أخبركم (بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون) إذا جئت بين الناس يألفك الغني والفقير، الجليل والحقير، يألفك الناس على اختلاف طبقاتهم، الجاهل يألفك والعالم يألفك، من كريم الخصال وكريم الخلال، إذا رأيت الرجل تبسمت في وجهه ثم سألته عن حاله، وتعطي هذه الابتسامة خاصةً لضعفاء المسلمين، فإن الابتسامة لضعفاء المسلمين ابتسامة صدق وحق ورحمة تدل على صلاح صاحبها.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) وأعرف بعض المهمومين يقول لبعض المشايخ: والله إني كنت مهموماً فلما تبسمت في وجهي ذهب عني همي. بعض الناس يكون منكسر الخاطر مهموماً ومغموماً، إما صديقك في عملك، أو رفيق لك في وظيفتك، ويأتيك مهموماً من بيته، مهموماً من إخوانه وأخواته، فلما تلقاه بذلك الوجه الطليق، وبتلك النفس المنشرحة، وبذلك الكلام الطيب، تسأله عن حاله وأهله وأولاده، حتى ولو كان منغص العيش بينهم إذا بالبشر يعلو ذلك الوجه، وإذا بذلك الهم يتبدد بإذن الله عن ذلك القلب.

فينبغي على المؤمن دائماً أن يضرب من هذه الأخلاق بحظ وافر، وكلما كملت أخلاق المؤمن كلما كمل إيمانه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا -أكملهم خلقاً أو- أحسنهم خلقاً) صلوات الله وسلامه عليه، فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على هذه الخصلة.

لا خير في العلم إذا لم يترجم بالعمل، ومن العمل بالعلم أن طالب العلم كلما تعلم صار موطأ الكنف قريباً من الناس، فأحق من يتخلق بهذه الخصال وهذه الخلال طلاب العلم.

ولذلك انظر إلى العلماء والفضلاء والنبلاء؛ لو وجدت الإنسان مشهوراً في مشارق الأرض ومغاربها لكنه مسلوب الخلق، لن تجد له في قلوب الناس مكانةً إلا الذكر فقط على اللسان، أما إذا وجدته طيب الأخلاق كريم الخصال والخلال وجدت الكل يذكره بخير.

من جاد ساد وأحيا العالمون له بديع حمد بمدح الفعل متصلا

وكم من أناس طوتهم القبور واللحود، وهم بين الناس أحياء، وكم من أناس أحياء بين الناس وهم أمواتٌ، ولذلك -إلى عهد قريب- كان الأغنياء والأثرياء يعطفون على الفقراء، فتجد الناس يتحدثون دائماً فلان فعل، وفلان فعل، وفلان فعل، حتى أبقى الله لهم المآثر الحميدة، ولربما يموت الميت من سنوات بل من قرون وهو يذكر من الجميل، فينبغي للمسلم أن يبقي له من الذكر الجميل، والعمل الصالح الجليل، بالإحسان إلى المؤمنين والأخلاق الطيبة.

قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن سعوهم بأخلاقكم) سعوهم بالأخلاق الطيبة، ومن الأخلاق الطيبة العفو عمن أساء، ولذلك جعل الله للنبي عليه الصلاة والسلام أعظم مراتب العفو، فإن قريشاً لما آذته وقف عليهم -عليه الصلاة والسلام- يوم فتح مكة وقال: (ما تظنون أني فاعل بكم) وقد أوذي عليه الصلاة والسلام وحوصر هو وأهله، وقتل أصحابه وقتل قرابته، وبقرت بطن عمه -رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين- ومع هذا كله لما حانت ساعة الانتقام قالوا له: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ. قال بعض العلماء: والله لو لم يُعلم من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كريم ما خاطبوه بهذا الكلام، لكن لما يعلمون من رحمته وشفقته صلوات الله وسلامه عليه وحلمه، فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) بكلمة واحدة طويت صفحة ماضٍ مليءٍ بالجراح والآلام والهموم والغموم، طويت بكلمة واحدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فكان أجره على الله جل وعلا.

ثم كذلك مع اليهود آذوه عليه الصلاة والسلام وذمُّوه وعابوه، يقول الله له: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13] يعني: وهذه الآية في اليهود! يقول الله لنبيه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13] إذا كان هذا مع اليهود فكيف مع المؤمنين، يقول سبحانه وتعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96] فمن أحسن ما تدفع به الإساءة الحسنة، ولذلك ساد أهل الفضل بالعفو عمن ظلم، وعمن أساء، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه ينادي مناد يوم القيامة من كان أجره على الله فليقم، يقول عليه الصلاة والسلام: فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب).

كذلك الوصية الأخيرة التي أوصي بها في حسن الخلق، قد يكون الإنسان لا يملك مالاً يجود به، ولا يملك أمراً يحسن به إلى الغير، فليكن واسطة خيرٍ وداعيةً إلى الخير، فإنك لا تزال عاملاً بالخير ما دعوت إليه، ونويت ذلك الخير، حتى قال الإمام أحمد لابنه عبد الله حين قال له عبد الله: يا أبتاه! أوصني! قال: يا بني! انوِ الخير فإنك لا تزال عاملاً بالخير ما نويته.

فمن الليلة تحاول دائماً أن تجعل في نفسك شوقاً إلى الإحسان إلى المسلمين، والعطف عليهم والشفقة عليهم، وأن تحوز هذه الأخلاق الطيبة، ومكارم الأخلاق التي قرأتها في كتاب ربك، وعلمتها من سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وتحدث نفسك أن تكون من أهلها، فلعل الله أن يبلغك مراتبها، فإن عجزت عن أن تبذل المال فاذهب إلى غني أو ثري وحببه أن يقرض الله قرضاً حسنا، فإنك إن فعلت ذلك أجرت كأجره، وكان لك مثل ثوابه، قال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].

جعلني الله وإياكم مفاتيح الخيرات، وأغلق بنا وبكم أبواب الشرور والمنكرات، والله تعالى أعلم.

حكم الاستشهاد بآيات القرآن على مواقف محدودة

السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم القذف بالآيات؟ مثلاً: يكذب إنسان على آخر، فيقال له: قال تعالى: أَلا لَعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] فما حكم ذلك أثابكم الله؟

الجواب: أما بالنسبة للعنة الله لمن كذب، فإن المراد به ما بعد الآية: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً [الأعراف:45] ولذلك المراد به الكذب على الله بأن له صاحباً وشريكاً؛ أي: الكذب بالكفر، ولذلك الكافرون هم الكاذبون؛ لأنهم ادعوا أن مع الله آلهة، وأن مع الله شريكاً، تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً. فاللعنة للكاذبين مبنية على هذا الوجه، أما إنسان زلت به الكلمة، ويقول له الإنسان: ألا لعنة الله على الكاذبين، فهذا لا يجوز؛ لأنه فيه تعجل وتسرع في أذية المؤمنين باللعن.

والسبب في ذلك أنه ربما أخبرك أخوك بأمر يظنه أنه كما أخبر، ثم يتبين أن ظنه خاطئٌ وليس بصواب، فإذا عاجلته باللعنة رجعت إليك اللعنة والعياذ بالله، ولذلك ورد أنّ اللعنة إذا خرجت من فم صاحبها صعدت إلى السماء فغلقت دونها، ثم إلى الأرض فغلقت دونها، ثم ذهبت إلى من لُعن فإن كان مستحقاً للعن أصابته والعياذ بالله، وإن كان غير مستحق رجعت إلى صاحبها الذي ذكرها والعياذ بالله، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).

فلا ينبغي للمسلم أن يكثر من اللعن، وأشد من ذلك أن يعرض بالآيات الكريمة، إلا في مواضع مخصوصة، إذا كان يستشهد فيها بالقرآن بلعن الذين كفروا، أو ذكر بعض مثالبهم ومعايبهم فلا حرج، وهذا شأن العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صدق الله وكذب بطن أخيك) فلا حرج أن الإنسان يستشهد ببعض الآيات عند وجود ما يقتضيها أو يتناسب معها، والله تعالى أعلم.

وصايا للدعاة إلى الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السؤال: فضيلة الشيخ! لو ذكرت لنا القواعد التي يجب أن يعلمها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أثابكم الله؟

الجواب: ما أهون السؤال! وما أعظم الجواب! الاستفتاء سهل، ولكن لو يعلم المستفتي أي مسئولية يتحملها المسئول والمفتي لأشفق والله عليه، هذا السؤال يحتاج إلى دروس ويحتاج إلى مجالس، وتريد من مثل الحقير في خمس دقائق أو في عشر دقائق أن يذكر لك ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إذا ذكرتها وانتقصت منها شيئاً وتعلقت بي بين يدي الله فمن ينجينا؟ -الله المستعان- فيا أيها الأحبة أشفقوا على أخيكم وأشفقوا على السائل، قال الإمام مالك رحمة الله عليه: لوددت أني جلدت على كل فتوى أفتيتها وخرجت من الدنيا كفافاً لا لي ولا علي.

بعض طلاب العلم جزاهم الله خيراً حرصاً منهم على الخير والفائدة قد يبالغون ببعض الأمور، فحبذا لو قلت: ما هي الوصايا التي توصي بها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ ما هي الأمور التي وردت في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك ينبغي أن يُنظر في جوهر السؤال، وليس في مظاهر السؤال: الضوابط والقيود، هذا والله لو عرض على واحد من أئمة السلف، يمكن أن يسقط على الأرض مغشياً عليه من هيبة الله جل وعلا.

الضوابط والقيود هذه تحتاج إلى إنسان يجلس على الأقل ثلاثة أيام يختم كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حتى يمر على القرآن ويعرف ما هي ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كاملة في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإلى الله المشتكى، وأنتم تحسنون بنا الظن كثيراً.

فيا أيها الأحبة: أوصيكم عند السؤال أن تشفقوا على المسئول، وألا يكون هناك مبالغة؛ لو أني ذكرت ثلاثة ضوابط أو أربعة، ربما بالغ بعض طلاب العلم وظن أن هذه هي ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخرج وهو يظن أنه قد حاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قل: ما هي الوصايا أو ما هو الذي يوصى به الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؟ وهكذا حال السلف رحمة الله عليهم في السؤال، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فما هي وصيتك؟ كيف الطريق إلى أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، هذا ربما يكون أخف، ولو أن المسئولية والتبعة موجودة، نسأل الله أن يلطف بنا وبكم.

الله أكبر! من يوم تسير فيه الجبال، وتشيب فيه ذوائب الأطفال، ويعرض على الإنسان فيه حصائل الأعمال والأقوال، لا إله إلا الله! لقد كنا حينما نجالس العلماء الكبار رحمة الله عليهم كانوا ينهونا عن مثل هذه الأسئلة التي فيها القواعد والضوابط، فهذه تحتاج إلى إنسان يدرس ويجلس فترة، مهما كان عالماً وعنده العلم والإدراك، ينبغي أن يحتاط لدين الله ولعامة المسلمين ولطلاب العلم.

فالذي أوصيك به ما يلي:

أولاً: الإخلاص: فلا تدع إلا وأنت مخلص، والكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، ويأبى الله أن تتكلم وأنت مخلص لوجهه أن تذهب كلمتك هدراً أبداً، لن تجد إنساناً ينصح بصدق وإخلاص وهو يرجو رحمة الله تعالى، إلا وقعت النصيحة في قلب المخاطب بها، لكن من الناس من ختم الله على قلبه والعياذ بالله، فلا ينفع فيه موعظة، كالأرض الميتة، ومنهم من تحركه الموعظة فتقلب حياته من شقاءٍ إلى سعادةٍ، ومن شرٍ إلى خيرٍ، وهذه هي الأرض الطيبة التي تمسك الماء وتنبت العشب، ومنهم من تهزه الموعظة، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر يهزه، بمعنى أنه يقلل شره، وربما يحدث نفسه بالقرب من الخير، فهذه ثلاثة أحوال.

فإذا كنت مخلصاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تعدل عن إحدى ثلاثة أمورٍ: إما أن تستجاب نصيحتك، وهذا غالب حال المؤمنين، فإنك لن تقف على إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر، وتصدق في نصيحتك أو محاضرتك أو موعظتك أو كلمتك، إلا دخلت إلى شغاف قلبه شاء أم أبى، هذا إذا كان مؤمناً، كما قال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] قال بعض العلماء: كلما كمل إيمان العبد، كمل انتفاعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولذلك تجد بعض الناس ينسى ويقع في المنكر، وبمجرد أن تذكره أو تأتيه بأول الذكرى، تجده ينتفض كالعصفور من خشية الله جل جلاله، وهذا ما ذكروه عن بعض السلف أنهم كانوا إذا قيل لأحدهم: اتق الله جلس يبكي! فهذه أكمل ما يكون من عاقبة المخلص لله في الأمر بالمعروف، أو تنال أقل المراتب وهي أن تقيم حجة الله على العباد.

الأمر الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: العلم بما تأمر به وتنهى عنه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] فإذا كان هناك علم فإنك على المحجة وعلى الطريق، وأنت صاحب الحجة بإذن الله جل وعلا، فإذا وقع الإخلاص في القلب وجاء العلم الذي هو النور والبصيرة، جاءت خطواتك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أماكنها، فرضي الله عز وجل عن أمرين منك: رضي عن نيتك؛ لأنك تريد وجهه، ورضي عن كلماتك لأنها حق، والله يحب الحق ويدعو إليه.

والأمر الثالث: أن يكون هناك الأسلوب، وهي الواسطة، إخلاص، ثم حق يقال، ثم أسلوب يحبب ويقرب، وهذا عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا) وبقوله: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).

ويستلزم الأسلوب الرحمة والرفق بالناس، فكلما كملت رحمة الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمن يأمره وينهاه، كان أقرب الناس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول عن نبيه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فإذا كملت رحمة الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فإنه قد أصاب من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حظاً وافراً، ولذلك قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فوصفه بكونه بالمؤمنين رءوف رحيم.

فإذا رحمت المؤمن بأسلوبك وبكلماتك الطيبة، أحبك وأحب الكلام الذي تقوله والذي تدعو إليه، قال بعض العلماء: من لازم الرحمة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يقدم أسلوب الترغيب والترهيب وهي الجنة والنار، ويستفتح دعوته بما استفتح به النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الجنة والنار، ولذلك بالمثال يتضح المقال، لو جئت إلى إنسان يشرب حراماً، أو ينظر إلى حرام، أو يفعل أمراً محرماً، فجئت إليه وقلت له مباشرة: يا أخي! هذا حرام، قال الله تعالى، قال رسوله، وهو إنسان -مثلاً- جدلي، أو إنسانٌ عقلانيٌ، كلما ذكرت له أمراً أخذ يسألك ما هي العلة؟ وهذا الحديث من الذي ذكره؟ ولربما يعنت عليك بالأسئلة، فتتعب وتعيي نفسك، ولربما ازداد إصراراً على منكره.

لكن تعال إليه، ثم قل له: يا أخي! أما علمت أن وراءك جنة وناراً، أما علمت أن وراءك قبراً، وأن وراءك سكرات الموت، وحساباً، وديواناً تعرض فيه أقوالك وأفعالك، أيسرك وأنت واقفٌ بين يدي الله حسيراً كسيراً أسيراً فقيراً ذليلاً حقيراً عاري الجسد بين يدي الله عز وجل، أنك على هذه المعصية، ماذا يقول؟ لا يستطيع أن يقول لك شيئاً، هل يستطيع أن يُكذب بالآخرة؟ هل يستطيع أن يرد عليك عذاب القبر؟ مباشرة يقول لك: جزاك الله خيراً، ولربما سكت فدخلت الموعظة -على قدر إيمانه- إلى قلبه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح قوله بهذا كما قالت عائشة : [كان أول ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات فيها ذكر الجنة والنار. ولو نزل لا تسرقوا لا تشربوا الخمر ما آمن أحد] لأن النفوس ضعيفة، فأول شيء تبدأ به أن تغرس الإيمان بذكر الجنة والنار، وترقيق القلوب لربها، فإذا استجابت القلوب استجابت من بعدها القوالب: (ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).

فإذا وفق الله للإخلاص والعلم كان الذي يريد أن يدعو الناس عنده علم، ثم جاء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة والأسلوب الطيب والأسلوب المقنع، فإن الله سبحانه وتعالى إما أن يجعل للإنسان استجابة ويعظم أجره، وإما أن يكون أقل درجاته أن يقيم حجة الله على عباد الله، فيوم القيامة إذا أوقف الله هذا العبد وسأله عن منكره، قال: ألم تبلغك حجتي؟ قد يكابر؛ لأن الله أخبر أن الذين ظلموا يكابرون، فيقيم الله حجته عليه بك، وهذا من أعظم ما يكون من الشرف والفضل، ولذلك رفع الله قدر الرسل بإقامة الحجة على العباد: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] فكملت حجة الله على العباد بالرسل، ثم يقوم مقام الرسل العلماء، ثم يتشبه بالعلماء طلاب العلم، ثم يتشبه بهما صالحو عباد الله المؤمنون الصالحون الأخيار، فهذا أمرٌ ينبغي للذي يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون على إلمامٍ به.

والعوامل المساعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: صبرٌ على الدعوة، فإذا جئت إلى قومك أو قريتك أو حيك، أو حارتك تريد أن تنصح أو تذكر أخاك أو زميلك في العمل أو جارك، فلا تحسب أنك بمجرد أن تجلس مجلساً واحداً أو تقول كلمتين أنه يستجاب لك، بل ضع في ذهنك أنك ستبقى إلى أقصى أمد (حتى لو تقول عمر نوح) لا تقدر أنه بمجرد أن تقول له كلمة يستجيب؛ لأن الشيطان يريد أن يمكر بالعبد، فيجعل في قلبك بعد أن يكون عندك العلم والإلمام أنك بمجرد أن تقول يسمع منك، لا أبداً، بل ضع في قلبك الصبر.

ولذلك لما أمر لقمان ابنه بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] فالصبر يشمل الصبر باستدامة الدعوة، والصبر بتحمل الأذى، فإذا تحلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالصبر كسب النتيجة، ويظهر الصبر في عدة مواقف منها: أنه ربما تأتي وتقول: يا فلان! اتق الله! أمامك جنة ونار .. اتق الله عز وجل، فربما يعاجلك بكلمة استهزاءٍ وسخريةٍ، من الصبر أن تقول له: مثلك عاقل وحكيم... ولا تيئس، ولا تظهر في كلامك أثناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يدل على يأسك، إذا جاء بكلمة جافة لا تقابله بما هو جاف، لا؛ ولكن قل له: مثلك عاقل وحكيم إن شاء الله، يقدر الأمور ويزنها، وإن شاء الله مهما تقول لي فأنا لا أيئس أنك ستعيد النظر وتتأمل، وأنك وأنك.. سبحان الله! ربما يستجيب بهذه الكلمة؛ لأن الشيطان يغريه، ويقول له: فلان! يعاديك، فإذا جاء يقول الكلمة الجافة، وتقابله بالجافة صدقت ظن الشيطان في قلبه، ولذلك في شارب الخمر، قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما قالوا: تباً له، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم إنه يحب الله ورسوله).

ربما ترى إنساناً صاحب منكرٍ وظاهره ومظهره على منكر، لكن في قلبه خير، وقد يكون في قلبه محبةٌ لله ولرسوله، لكن ابتلي، وقد يكون ابتلي بسبب عقوقه لوالديه، أو جاءته دعوة ولعنة بسبب مظلمة، فالله ابتلاه، فإذا أنت بذلت له جميع الأسباب التي تعينه على القرب منك؛ فإنه يستجيب، ولاشك أن الله سبحانه وتعالى سيجعل له الاستجابة ولو بعد حين؛ لأن الخير الموجود فيه لابد يوماً من الأيام أن يكثر ويغلب حتى يقوى إيمانه ويبعد عن منكره ومعصيته.

الأمر الخامس الذي ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون ملماً به في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: هو أن يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي في الرفق بالناس، وهذا الرفق يستلزم من الإنسان عدة أمور:

أولها: أن يتدرج معهم في النهي ما احتمل المنكر التدرج، أما إذا لم يحتمل فلا يجوز، وإنما ينبغي أن يبادر بحكم الله جل وعلا، كما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفصيل ذلك يطول بالنسبة للأحاديث والأمثلة، لكن نقول: هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ربما تدرج وربما عاجل، فإن كانت الحكمة تقتضي أن تتدرج فتدرج، وإن كانت الحكمة أن تعاجل فعاجل، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، وقد ينفع التعجل في الجماعة ولا ينفع في الأفراد، وقد يكون العكس.

الأمر الثاني من الرفق بالناس كما يقول العلماء: إحسان ظنهم بالله، بمعنى أنك إذا وقفت أمام منكر عظيم فضع نصب عينك عظمة الله جل وعلا، وأنه أكبر من الذنوب وأكبر من المعاصي، مثال ذلك: لما يدخل الإنسان على إنسان فاعلاً لمنكر عظيم؛ إذا دخلت وأنت تريد الإنكار هذا شيء، وإذا دخلت وأنت تريد التوجيه والإرشاد والدلالة على الخير فهذا شيءٌ آخر، توضيح ذلك أنه بمجرد أن تأتيه وتقول له: كيف تشرب الخمر؟! كيف تزني؟! كيف تسرق؟! كيف تضرب الناس؟! كيف تفعل كذا وكذا؟! هو فعل ووقع، فلا ينتظر منك التوبيخ، فإذا قلت له التوبيخ زاده الأمر سوء ظن بالله، وقنوطاً من رحمة الله، ويأساً من روح الله جل وعلا فنفر نفوراً كاملاً، حتى يقول بعضهم: افعل ما تشاء. أي: هذا وقع وحصل فافعل ما تشاء .

لكن إذا جئت وقلت له: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا هذا! أي شيء خسرته من دينك! يا هذا! كسرت دينك أسأل الله أن يجبر كسر دينك، يا أخي! أي شيء فعلته هذه عورة من عورات المسلمين، أترضى لأمك؟ أترضى لأختك؟ أترضى لابنتك؟ يا أخي! ما الذي دعاك لهذا وأنت تؤمن بالله واليوم الآخر؟ لكن مع هذا يا أخي تب إلى الله جل وعلا، وخف الله جل وعلا في نفسك، هذه الكلمات تعطيه أملاً ورجاء بأنه ما زال فيه خير، وأنه بالإمكان أن يصحح وضعه وبالإمكان أن يتوب إلى الله، ويرجع.

فإذا وفق الإنسان عند أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أن يقرب الناس إلى الخير، وأن ينظر إلى أن الله أكبر من الذنوب وأعظم منها؛ فإن ذلك يدعوه إلى تقريب الناس إلى الله جل وعلا، والموفق من وفقه الله، والسعيد من أسعده الله جل وعلا وأسعد به، وفي طلاب العلم وفي الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من هو موفق.

ولكن كما يقول العلماء: الغالب أن الأمر يرد إلى الإخلاص. وهذا شيء بين العبد وبين ربه، كلما أخلص الإنسان نفع الله بدعوته، نسأل الله أن يملأ قلوبنا وقلوبكم بالإخلاص، وأن يعمرها بتقوى الله جل وعلا.

الوصية الأخيرة التي أحب أن أوصي بها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: أن يعلم أن تلبسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي منه أن يطَّلع على عورات المسلمين وأن يطَّلع على ثلماتهم، وعلى ما يكون منهم من الأخطاء والزلات، وكان كثير من العلماء رحمة الله عليهم من مشايخنا ممن أدركناهم، غالباً ما ينبهون طلاب العلم على قضية ستر عورات المسلمين، فإذا أردت أن تدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فجند نفسك على الستر، وهذا واضح من دلالة الكتاب والسنة، النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ماعز يقول له: (يا رسول الله! إني أصبت حداً فطهرني، قال له: ويحك! ارجع فاستغفر الله ثم تب إليه) ارجع إلى رحمة الله استر نفسك.

ولما أقيم الحد على ماعز قال لـهزال : (هلاّ سترته بثوبك) هلا سترت عليه.

ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : (قال:يا رسول الله! إني أصبت حداً فطهرني. فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأقيمت الصلاة؛ فصلى، فلما صلى جاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فطهرني، قال: هل صليت معنا؟ قال: نعم، قال: قد غفر لك).

فالإنسان عندما يكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يقنِّط الناس من رحمة الله، ولا يجعلهم يأمنون من مكر الله جل وعلا، لكن آمل ستر العورات، وأذكر أن رجلاً كان مبتلى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أي: على ثغرة من ثغور المسلمين، فجيء بشارب خمر، وكان بالإمكان أن يعمل مع هذا الشارب ما ينتهي إلى العقوبة، قال: فأخذته وذكرته بالله ونصحته وخوفته بالله، ثم سترت عليه وأمرته أن ينصرف، قال: فإذا به بعد ثلاثة أشهر وقد جاءني قد أطلق لحيته وتغير وجهه وحاله، وإذا به غير الرجل الذي أعرفه، ولكني عرفته من ملامح وجهه، فسلم عليَّ وعينه تكاد تدمع، وقال: يا فلان! سترتني وأسأل الله أن يسترك في الدنيا والآخرة، ولكن لك علي ألا ترى وجهي بعد اليوم في منكر، يقول: وفعلاً كان في منطقته الذي هو فيها، يقول: ولله الحمد استقام على طاعة الله جل وعلا، يقول: سبحان الله! أنا يغلب على ظني أنني لو وضعته في ذلك الطريق ربما وقع على أشرار، وربما استدرج إلى عواقب وخيمة.

فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن يضع في ذهنه أن المسألة مسألة توجيه، وليست مسألة ضرب وإهانة وقسر، فبعض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر -بغض النظر عن كونه محتسباً أو غير محتسب- يأتي بالقوة والفضاضة والأذية، حتى إنه ربما يكون عند الشخص الذي يفعل المنكر بواعث خير، لكن بهذا الأسلوب ينفر من أهل الخير كليةً، وربما يصبح شيطاناً مريداً يكره أهل الحق كلما رآهم، بسبب ماذا؟ بسبب سوء المعالجة للمنكرات.

فينبغي على الإنسان أن يعالج مثل هذه المنكرات بهذا الأسلوب، وكما أعود وأكرر أنه إذا وفق الله الإنسان