خطب ومحاضرات
فتاوى الحج [1]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، الذي جعل البيت مثابة للناس وأمناً، فكل شيء فيه آمن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر خليله إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج فقام إبراهيم ونادى فوصل النداء إلى من قدر الله له أن يصل، فقال سبحانه: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:27-28].
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، قال لأصحابه في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من شيء يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شيء يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أنزل الله عليه في يوم عرفة في حجة الوداع في يوم الجمعة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وأنزل الله عليه في أيام التشريق: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].
أيها الإخوة الكرام الأحباب! هنيئاً لمن قدر الله له أن يحج، سائلاً المولى عز وجل أن يكتب لمن لم يحج أن ييسر الله له حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملاً صالحاً متقبلاً؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبعد:
ففي مثل هذه المناسبات اعتدنا أن بيان الأحكام الفقهية من الأهمية بمكان، والأحكام الفقهية تزداد وضوحاً بالسؤال والجواب ومن ثم سنبدأ بحول الله وفضله وتوفيقه بيان مناسك الحج والعمرة من خلال أسئلة:
السؤال: ما الذي يجب على الحاج قبل أن يسافر لأداء هذه الفريضة العظيمة؟
الجواب: الواقع إخواني أنه يجب على الحاج قبل أن يسافر من بلده عدة أمور حتى يقبل منه الحج:
الأمر الأول: أن يصحح النية، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ولما نظر عمر رضي الله عنه إلى حجاج بيت الله قال: الركب كثير والحاج قليل.
والمعنى: أن حجاج بيت الله كثر، لكن أصحاب النية الصحيحة قليل، فمن الناس من يذهب للحج ليحصل على هذا اللقب، فتجده قبل الحج قد رسم طائرة على جدران بيته وكتب على الجدران: حج مبرور وذنب مغفور، وهذا قبل السفر، فيقطع بمغفرة الذنوب، ثم عند إقلاعه يركب السيارة وعليها العلم الأبيض يرفرف، والناس من خلفه بالسيارات تزفه! وهذا كله يدعو للرياء، فلابد أن تخرج وأنت تخلص النية لله عز وجل قاصداً بيت الله وتدعو الله أن يقبل منك.
ثانياً: أن يرد المظالم إلى أهلها، فيراجع الأوراق ويفتش في العلاقات، فإذا أغضب هذا يصالحه، وإذا أساء إلى هذا يستحله، وإذا قذف عرض هذا يدعو له بالمغفرة، فالمظالم المادية لابد أن يردها أيضاً قبل رحيله.
ثالثاً: أن يعزم على التوبة الصادقة، لا أن يرحل للحج وهو يعزم على أن يعود للمعصية بعد أن يعود، فقد سبق الإصرار على المعصية الحج، فلذلك عمله حابط؛ لأن من شروط قبول التوبة: العزم على ألا يعود إلى المعصية أبداً، فعليه أن يخلع عباءة الجاهلية؛ فإن كان مدخناً ترك التدخين وأقلع، وإن كانت زوجته متبرجة أمرها بالحجاب، ولا يصر على معصية ربه سبحانه وتعالى. هذه بعض الآداب التي ينبغي على الحاج أن يراعيها قبل سفره، والله تعالى أعلم.
السؤال: هل هناك ما يجب على الحاج تجاه من يعول سواء كان والداً أو والدة؟
الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) ومن ثم اشترط الفقهاء للحاج قبل رحيله أن يترك لأبنائه ولزوجه ما يقتاتون به إلى أن يرجع، فلا يجوز أن يتركهم بدون إنفاق، ولا يجوز أن يتركهم يسألون الناس، كذلك بالنسبة لأبيه وأمه عليه قبل أن يرحل أن يقبل يد أبيه ويد أمه ويسألهما الدعاء له، فإن عدم رضا الأب أو الأم عن الحاج قبل رحيله يعرضه لأن يحبط الله عمله، ومن ثم أقول: لابد أن يؤدي الحاج الواجبات تجاه زوجته وأبنائه وأمه وأبيه، والله تعالى أعلم.
السؤال: متى فرض الحج؟ وما حكمه الشرعي؟ وما فضله؟
الجواب: فرض الحج على النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع من الهجرة، والآراء في هذه المسألة انقسمت إلى ثلاثة أقوال: منهم من قال: في العام السادس. ومنهم من قال: في العام التاسع. ومنهم من قال: في العام العاشر.
وأرجح الأقوال: أنه في العام التاسع، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، ويترتب على قولنا: إن الحج فرض في العام التاسع أنه من آخر الفروض على نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام مات في العام الحادي عشر، فالذين يقولون: إن الحج على التراخي قالوا: إنه فرض في العام السادس والنبي صلى الله عليه وسلم حج في العام التاسع أو آخر التاسع، يعني: بعد أربع سنوات، لكننا نقول: بل الحج فرض في العام التاسع، وحج بعدها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وما أخر الحج في العام الذي يليه إلا لعلة؛ أرسل الصديق ليطهر البيت وليعلن في الناس أنه لا يطوف بعد اليوم بالبيت عريان، ومن ثم دليلهم أن الحج على التراخي دليل باطل مرجوح، ففرض الحج كان في العام التاسع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكم الحج: أنه فرض على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ويضاف إلى ذلك بالنسبة للنساء وجود المحرم، وهذا يجرنا للحديث عن سؤال ألا وهو: متى يجب الحج؟ وعلى من يجب؟ وهذا سؤال مهم لأننا إذا نظرنا في واقعنا المؤلم نجد أن الكثير يملكون القدرة على الحج ويؤخرونه بزعم أن النبي حج على التراخي، فتجد أحدهم يقول: أزوج البنات وأؤمن المستقبل ثم أحج، فيؤخر الحج إلى آخر حياته، وهذا لا يجوز أبداً.
الإمام الذهبي في كتاب الكبائر ذكر كبيرة ترك الحج مع القدرة عليه ونقل عن سعيد بن جبير أنه قال: مات لي جار موسر وسع الله عليه فلم يحج، فأبيت أن أصلي عليه صلاة الجنازة.
سعيد بن جبير أبى أن يصلي عليه لأنه ما حج مع قدرته على الحج، فربما المرء يمتلك عقارات وسيارات ويقول: أنا غير قادر على الحج. فنقول: يا عبد الله! اتق الله وحج.
وشروط الحج خمسة، وبالنسبة للنساء تزداد شرطاً:
أولاً: الإسلام، فلا يقبل الحج من كافر، قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] وعلى هذا نقول للحاج: ينبغي أن تطهر عقيدتك من الشرك، فلا تحج وتقول: المدد يا بدوي ! أو تحج وتنذر لغير الله! أو تحج وتسبح لغير الله! فإن الشرك محبط للعمل.
ثانياً: أن يكون بالغاً، فالحج لا يجب إلا على البالغ، ويصح من الصبي إن لم يبلغ ولكن لا يجب عليه، وعلامات البلوغ عند الذكور ثلاثة تزداد النساء بواحدة: أن ينبت شعر العانة، فإن نبت شعر العانة نقول: بلغ، أو الاحتلام، فإن احتلم نقول: بلغ، أو بلوغه خمس عشرة سنة، ويزداد في حق النساء الحيض، فإن حاضت المرأة في سن التاسعة فقد بلغت، فإن أدى الصبي الحج قبل بلوغه يقبل منه، لكنه لا يسقط عنه حجة الإسلام، بل لابد أن يحج بعد ذلك.
ثالثاً: الاستطاعة، قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] والاستطاعة هي: أن يملك الزاد ويملك الراحلة، بمعنى: أنه يستطيع أن يصل إلى بيت الله عز وجل، كما أنه يملك النفقة التي تعينه على الوصول، كما أنه يترك لأهله ما يكفيهم في حال سفره، فهذا البند بند الاستطاعة لو قمنا بإعداد دراسة واقعية على مجتمع المسلمين في مصر سنجد العجب العجاب، في أي شريحة، سواء شريحة الأطباء أو شريحة المحامين أو شريحة المدرسين، فإن كثيراً منهم يملكون الآلاف المؤلفة ويبخلون على ربهم عز وجل بزعم أن الحج على التراخي، وهذا كلام باطل، فحجوا قبل ألا تستطيعوا أن تحجوا.
الشرط الرابع: العقل، فالعقل مناط التكليف.
الشرط الخامس: الحرية.
الشرط السادس بالنسبة للنساء: وجود المحرم، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مع غير ذي محرم، وقد يقول قائل: حتى وإن كان مع صحبة آمنة؟ فنقول: حتى وإن كان مع صحبة آمنة. وأما قول الشافعي ومالك فمرجوح بالحديث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل أنه يريد أن يخرج للغزو وأخبره أن زوجته ذهبت للحج، فقال: (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يترك الجهاد ليحج مع امرأته، أما أن تخرج المرأة دون محرم فحجها إن كان صحيحاً فعليها هذا الإثم العظيم، والمرأة بدون محرم فتنة لا يجوز لها السفر بحال، فإن يسر الله لها الاستطاعة والقدرة ولم تجد المحرم فهي غير مكلفة، وتسقط عنها الفريضة؛ لعدم وجود المحرم، والله تعالى أعلم.
السؤال: تفضلتم بذكر بعض الشرائح من الناس التي يسر الله تبارك لها الحج ولم تحج، فهلا حفزت إخواننا الذين يسر الله تبارك وتعالى لهم الحج ولم يحجوا بذكر بعض فضائل الحج؟
الجواب: ورد الكثير من النصوص في فضل الحج، لا يتسع المجال لذكرها، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجته كيوم ولدته أمه، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، فانظر يا عبد الله إلى هذا الفضل العظيم، ترجع وقد نقاك الله عز وجل من ذنوبك، وصرت كيوم ولدتك أمك، ففضل الحج عظيم وخيره عميم، اللهم نقنا من ذنوبنا يا رب العالمين! والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم الذين يسر الله تبارك وتعالى لهم الحج ولم يحجوا تقاعساً منهم؟
الجواب: قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: من يسر الله له الحج ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً إن شاء، ثم تلا: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
وقال ابن عباس في قوله تعالى: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100] هو الحج (أعمل صالحاً) أي: أحج.
ولذلك من يسر الله له الحج ثم تقاعس عن أداء الفريضة ومات على ذلك فهو على خطر عظيم، ولم يصل عليه كبار التابعين صلاة الجنازة، وهذا يشير إلى أنه لا يصلى عليه عندهم، والله تعالى أعلم.
السؤال: هل يشترط للمرأة أن تستأذن من زوجها لأداء فريضة الحج؟ وما الحكم إن لم يأذن الزوج هل تستجيب له أم لا؟ وما الحكم إن مات الزوج هل يجوز لها أن تخرج لأداء الفريضة مع موت الزوج؟
الجواب: هذه مسائل مهمة:
المسألة الأولى: من باب حسن المعاشرة وأدب العشرة لها أن تستأذن فقط، فإن وافق فبها ونعمت، وإن أبى ورفض الزوج فلا عبرة لرفضه؛ لأن الحج فرض، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلها أن تحج شريطة أن يكون معها محرم كأخ أو أب.. أو غير ذلك.
أما إن مات الزوج وقد عزمت على الحج وقد تحركت إلى المطار وجاءها الخبر بموته فعليها أن تعود في الحال ولا تخرج للحج في زمن العدة على زوجها، فلقد أرسل أمير المؤمنين عمر إلى امرأة مات زوجها وهي في ذي الحليفة في ميقات أهل المدينة، فأمرها أن تعود لداره، وأن تعتد في بيته أربعة أشهر وعشراً، وهذا من عظم حق الزوج على زوجته، والله تعالى أعلم.
السؤال: هل تجوز الإنابة في الحج؟ وما هي شروطها؟
الجواب: الإنابة: أن تنيب غيرك ليحج عنك، ويشترط في الإنابة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون المسلم مستطيعاً للحج مادياً، أي: تكون النفقة موجودة، لكنه لا يستطيع أن يصل إلى بيت الله، كأن يكون مريضاً مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه أو لا يستوي على راحلة، بمعنى: أنه لا يستطيع أن يركب طائرة أو يركب سيارة أو يركب أي دابة لمرض أو نحوه، عند ذلك يجوز له أن ينيب غيره في الحج عنه، وهكذا من مات ولم يحج، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يحج ويطوف ويقول في طوافه: (لبيك عن
الشرط الثاني: أن يكون الذي يقوم بحج الإنابة قد حج عن نفسه.
الشرط الثالث: أن يكون الذي أنابك مستطيعاً مادياً لكنه لا يملك القدرة على السفر لمرض مزمن، وليس لمرض عارض؛ لما ورد أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي لا تستوي على راحلة، يعني: لا تستطيع أن تستقر على راحلة لأداء المناسك أو السفر، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنيب عن أمها في الحج.
أما بالنسبة للموت فقد ثبت أن امرأة خثعمية قالت: (يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج، أفأحج عنها يا رسول الله؟! قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء)، ومن هنا نقول: إذا مات رجل وترك تركة عمارات وأموال وكان يستطيع الحج في حال حياته لكنه فرط لا توزع التركة إلا بعد اقتطاع مبلغ من المال منها؛ ليقوم أحد الأولياء بالحج عنه، شريطة أن يكون قد حج عن نفسه، لكن السؤال الآن هو: إذا كنت تقيم في السعودية، وأبوك يقيم في مصر، وأنت تستطيع أن تحج عنه فهل يجوز لك أن تحج عنه مع عدم قدرته على الحج القدرة المالية؟ الجواب: لا؛ لأن الإنابة تكون في حالة عدم استطاعته الجسدية على الوصول إلى بيت الله؛ لمرض مزمن لا يرجى برؤه، أو كان قد مات فيجوز لك أن تحج عنه من باب البر، والله تعالى أعلم.
السؤال: وكلت من يحج عني بالشروط التي ذكرتها، وأنا اسمي محمد فذهب إلى الميقات ثم قال: لبيك عن محمود، ولم يقل: عن محمد، فما حكم هذا الحج؟
الجواب: حجه صحيح، لأن العبرة بنية الذي أناب، ثم إن قال: لبيك عمن أنابني، فحجه صحيح؛ فإنما الأعمال بالنيات، فلا يشترط لمن يؤدي الحج بالنيابة أن يعرف من يؤدي عنه.
ثم هل يجوز أن يأخذ مبلغاً من المال؟ الدكتور صالح الفوزان لا يجوز الإجارة على الحج، ومعنى الإجارة: أن تقول له: هذا مبلغ للحج وهذا مبلغ لك كإجارة، هذا لا يجوز، إنما لو اتفقت معه على مبلغ من المال، فحج مثلاً مقابل مبلغ عشرة آلاف وأنفق على نفسه أربعة وادخر ستة فلا بأس، أما أن تقول: هذا للإجارة وهذا للحج، فهذا لا يجوز، والله تعالى أعلم.
السؤال: متى يبدأ الحج؟ وما هي مواقيت الحج المكانية؟
الجواب: قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذه هي أشهر الحج، والمعنى: أن من نوى الحج فلابد أن يقع منه الإحرام في هذه الأشهر، فله أن ينوي عمرة في هذه الأشهر، فإذا نوى عمرة في شوال -مثلاً- واعتمر ثم بقي في مكة إلى الثامن من ذي الحجة ففي هذه الحالة يصبح متمتعاً؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، فيلزمه هدي؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
وهناك نقطة مهمة: لو أن رجلاً من مصر أوقع العمرة في شوال ثم عاد إلى مصر في شوال، ثم ذهب إلى الحج في أول ذي الحجة، وفي ميقات مصر لبى مفرداً في ذي الحجة، فهل يلزمه هدي أم لا؟
الراجح: أنه لا يلزمه؛ لأنه عاد إلى بلده وأنشأ سفراً جديداً للحج، أما المتمتع فيسافر للعمرة والحج سفرة واحدة، وعلى هذا فالميقات الزماني للحج هو شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذا رأي الجمهور.
ولكل بلد ميقات وقته لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فوقت لأهل المدينة ذا الحليفة التي يسمونها أبيار علي، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، وفي سنن أبي داود أنه وقت لأهل العراق ذات عرق، ثم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، والمعنى: أن هذه المواقيت لأهلها ولمن يمر عليها أو يوازيها، وعلى هذا فميقات أهل مصر الجحفة، والجحفة منطقة اندثرت الآن وهي توازي رابغ، فدول المغرب العربي ومصر العربية ميقاتها رابغ، فلا يجوز لمن خرج من مصر قاصداً الحج أو العمرة أن يمر على الميقات دون أن يحرم، فإن مر على الميقات دون إحرام فهي مشكلة كبيرة، وعلى هذا فقائد الطائرة يقول: نحن الآن على اقتراب من الميقات، وربان الباخرة يقول: انتبهوا فنحن الآن على مقربة من الميقات، ومعنى هذا: أنه يجب على الحاج أو المعتمر أن يتهيأ، فيمكن أن يتهيأ في بيته فيتطيب ويزيل شعر الإبط ويزيل شعر العانة ثم يغتسل ويلبس ملابس الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداء، وأما المرأة فتحرم في ملابسها شريطة ألا تكون شفافة ولا متشبهة بالرجال، فالرجل يحرم في ملابس بيضاء فلا يجوز للمرأة أن تحرم أيضاً في ملابس بيضاء إنما تحرم في ملابس صفيقة سميكة لا تشف ولا تظهر العورة، ولا يجوز لها أن تكشف الوجه للرجال؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة المحرمة)، فربما يفهم البعض من أنها لا تنتقب أنها تخلع النقاب وتظهر الوجه، وليس كذلك، بل إن خالطت الرجال فعليها أن تسدل؛ لقول عائشة .
لكن مرضى القلوب من أتباع الفكر العلماني العفن في هذا الزمن أخذوا هذا الحديث حجة على أن النقاب عادة وليس عبادة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنتقب المرأة المحرمة) ففي أشرف المناسك والفرائض منعها أن تلبس النقاب، إذاً: لا تلبسه في مكان آخر!
نحن نقول: إخواني هنا أمرها بألا تلبس النقاب ثم تأتي عائشة وتقول: (كنا إذا خالطنا الرجال أسدلنا)، فلا يجوز للمرأة المسلمة المنتقبة أن تكشف وجهها في مناسك الحج أبداً، ولا أن تلبس القفازين، وإنما تغطي يدها بالعباءة أو بما تلبس.
فلا يجوز لأحد أن يمر على ميقات من هذه المواقيت وهو يقصد الحج أو العمرة إلا محرماً، لكن ما الحل إن مر عليها دون إحرام؟ وما الحل إن كان قاصداً جدة للعمل ولم ينو حجاً ولا عمرة، ثم بدا له أن يعتمر أو أن يحج، فنقول: يحرم من مكانه من جدة ولا شيء عليه؛ لأن القصد عنده من السفر ليس الحج أو العمرة وإنما كان قصده العمل ثم بدا له أن يحج، فيحرم من المكان الذي هو فيه، فإن كان في جدة أحرم من جدة، وإن كان في مكة أحرم من مكة، هذا في الحج، وأما إن كان في مكة ويريد أن يحرم بعمرة فعليه أن يذهب إلى أدنى الحل؛ لأنه لابد أن يجمع بين حل وحرم، فالمعتمر إن كان من أهل مكة لابد أن يخرج إلى أدنى الحل وهو التنعيم، والله تعالى أعلم.
السؤال: ما هي أنواع النسك؟
الجواب: ينقسم نسك الحج إلى ثلاثة أقسام: تمتع، وقران، وإفراد. فإما أن تحج متمتعاً أو أن تحج مقرناً أو وإما أن تحج مفرداً، لكن ما الفرق بين الأنواع الثلاثة؟ وما هي أفضل أنواع النسك؟ والنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً فما معنى أنه حج قارناً؟
أولاً: حج التمتع، إن جاء إلى الميقات المكاني يحرم ثم يلبي بعمرة فقط، فيقول: لبيك عمرة، ثم يؤدي العمرة من طواف وسعي وتحلل، ويتمتع، ومعنى يتمتع: يخلع ملابس الإحرام ويجوز له كل شيء حتى جماع الزوجة؛ لأنه متحلل، ويظل على هذا إلى يوم الثامن من ذي الحجة، فيلبس الإحرام ويلبي بحج من مكانه الذي هو فيه، ثم يؤدي مناسك الحج، ويطوف للحج طواف الإفاضة، ويسعى سعي الحج، ثم بعد أن يؤدي نسك الحج يتحلل التحلل الأصغر والتحلل الأكبر، كما سنبين في الحالتين.
إذاً: المتمتع عليه سعيان: سعي العمرة وسعي الحج، وعليه ثلاثة طوافات: طواف العمرة، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، ويلزمه هدي؛ لأنه حج متمتعاً.
ثانياً: حج القران، القارن هو الذي قرن بين العمرة والحج، فيلبي من الميقات المكاني فيقول: لبيك حجاً وعمرة -والمتمتع يقول: لبيك عمرة- ثم إذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، ثم يسعى بعد الطواف، ثم يؤدي مناسك الحج، ثم يطوف للإفاضة، وليس عليه سعي مرة ثانية.
إذاً: الحاج القارن عليه سعي واحد، وعليه طواف قدوم وإفاضة ووداع، والقارن يلزمه هدي أيضاً، فالهدي على المتمتع والقارن.
ثالثاً: حج الإفراد، الحاج المفرد يقول من الميقات: لبيك حجاً، ثم يطوف للقدوم ويسعى ويؤدي نسك الحج، ثم يطوف للإفاضة، ولا يسعى مرة ثانية.
إذاً: عليه سعي واحد، وعليه ثلاثة طوافات: القدوم، والإفاضة، والوداع، ولا يلزمه هدي، فالهدي على المتمتع والقارن ولا هدي على المفرد.
وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قارناً وأمر أصحابه بالتمتع فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي من المدينة ولجعلتها عمرة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى الحج [2] | 2053 استماع |
فتاوى الحج [3] | 1944 استماع |
فتاوى رمضانية [1] | 1857 استماع |