العدة شرح العمدة [29]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فلا زلنا مع كتاب: (العدة شرح العمدة) للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، وكنا قد توقفنا عند زكاة الركاز.

قال رحمه الله: [ وفي الركاز الخمس ]، والركاز هو: الخارج من الأرض من نقود الجاهلية أو -إن صح التعبير- من مدافن الجاهلية، ويعرف الركاز أنه من أصول الجاهلية: بأن يكون عليه إشارة قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ويخرج الخمس منه كالغنيمة.

قال رحمه الله تعالى: [ وتجب في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك، وتجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك. ]

مصرف الركاز

ثم قال: [ ومصرفه مصرف الفيء ]، أي: أن مصرف الركاز هو مصرف الفيء، ورواية أخرى: أن مصرفه مصرف الزكاة كما سيأتي.

ومصارف الفيء جاء ذكرها في سورة الحشر، فقال تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، ثم قال الله: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7]، فالفيء هو: المال الذي حصل عليه المسلمون من المشركين والكفار بدون قتال، كما حصل ذلك في بني النظير عندما أجلاهم النبي عليه الصلاة والسلام دون قتال، قال تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ، أي: من الداخل، وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ أي: من الخارج، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]، ثم قال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7]، إذاً: يوزع الخمس بنص الآية على خمسة: الله ورسوله، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فلكل واحد من هؤلاء واحد من خمسة.

ثم قال: [ ومصرفه مصرف الفيء لذلك، ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه: أنه رد بعض خمس الركاز على واجده -باعتباره مسكيناً أو فقيراً- ولا يجوز ذلك في الزكاة ]، وكونه يرد على واجد الركاز معناه أنه اعتبره فيئاً ولم يعتبره زكاة.

قال: [ وعنه ]، أي: عن أحمد رواية أخرى: [ أنه زكاة، فمصرفه مصرفها اختاره الخرقي ، لأن علياً رضي الله عنه أمر واجد الركاز أن يتصدق به على المساكين؛ ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن ]، والراجح أن مصرف الركاز هي مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في سورة التوبة.

ملكية الركاز

قال رحمه الله تعالى: [ وباقيه لواجده، إن وجده في موات أو أرض لا يُعلم مالكها ]، ومعنى: موات: أي: أرض ميتة ليست لأحد، أو أرض صحراوية غير مزروعة.

ثم قال: [ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (في الركاز الخمس) دلالة على أن باقيه لواجده، وإنما اشترط ذلك؛ لأنه إذا وجده في أرض غير موات أو أرض يعلم مالكها آدمياً أو معصوماً أو كانت منتقلة إليه فيه روايتان ].

بمعنى: لو أن رجلاً باع أرضه من آخر، ثم وجد هذا الآخر ركازاً في هذه الأرض، والمالك البائع معلوم، فهل الركاز في هذه الحالة يكون للمالك الأول باعتباره المالك الحقيقي، أم للمالك الثاني؟ وكذلك إذا وجد الركاز في أرض غير موات، أي: أنها مزروعة، أو أرض يُعلم مالكها آدمياً أو معصوماً، أو كانت منتقلة إليه، فما الحكم؟ روايتان عن أحمد : [ إحداهما أنه يملكه أيضاً؛ لأنه لا يملكه بملك الأرض، لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد والكلأ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها ]، إذاً: الرواية الأولى عند أحمد رحمه الله تعالى: أن من عثر عليه يكون مالكاً له.

قال رحمه الله تعالى: [ وإذا ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه لثبوت يده على محلِّه ]، أي: أن من باع أرضاً لآخر، وهو يعلم أن بها ركازاً، ثم أتى بعد ذلك وقال لمشتريها: في الأرض التي بعتك ركاز، وهو ملكي، فهو له مع يمينه.

قال: [ والرواية الأخرى: هو لمالك الأرض أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به، فإن لم يعترف به فهو لأول مالك، لأنه في ملكه فكان له كحيطانه ]، أي: إن اختلفوا فهو للمالك الأول مع يمينه، فإذا لم يؤد اليمين ولم تكن له قرينة فهو لمالك الأرض التي انتقلت إليه باعتبار أنه من المباحات وجده ورزق ساقه الله إليه.

ثم قال: [ ومصرفه مصرف الفيء ]، أي: أن مصرف الركاز هو مصرف الفيء، ورواية أخرى: أن مصرفه مصرف الزكاة كما سيأتي.

ومصارف الفيء جاء ذكرها في سورة الحشر، فقال تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، ثم قال الله: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7]، فالفيء هو: المال الذي حصل عليه المسلمون من المشركين والكفار بدون قتال، كما حصل ذلك في بني النظير عندما أجلاهم النبي عليه الصلاة والسلام دون قتال، قال تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ، أي: من الداخل، وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ أي: من الخارج، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]، ثم قال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7]، إذاً: يوزع الخمس بنص الآية على خمسة: الله ورسوله، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فلكل واحد من هؤلاء واحد من خمسة.

ثم قال: [ ومصرفه مصرف الفيء لذلك، ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه: أنه رد بعض خمس الركاز على واجده -باعتباره مسكيناً أو فقيراً- ولا يجوز ذلك في الزكاة ]، وكونه يرد على واجد الركاز معناه أنه اعتبره فيئاً ولم يعتبره زكاة.

قال: [ وعنه ]، أي: عن أحمد رواية أخرى: [ أنه زكاة، فمصرفه مصرفها اختاره الخرقي ، لأن علياً رضي الله عنه أمر واجد الركاز أن يتصدق به على المساكين؛ ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن ]، والراجح أن مصرف الركاز هي مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في سورة التوبة.

قال رحمه الله تعالى: [ وباقيه لواجده، إن وجده في موات أو أرض لا يُعلم مالكها ]، ومعنى: موات: أي: أرض ميتة ليست لأحد، أو أرض صحراوية غير مزروعة.

ثم قال: [ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (في الركاز الخمس) دلالة على أن باقيه لواجده، وإنما اشترط ذلك؛ لأنه إذا وجده في أرض غير موات أو أرض يعلم مالكها آدمياً أو معصوماً أو كانت منتقلة إليه فيه روايتان ].

بمعنى: لو أن رجلاً باع أرضه من آخر، ثم وجد هذا الآخر ركازاً في هذه الأرض، والمالك البائع معلوم، فهل الركاز في هذه الحالة يكون للمالك الأول باعتباره المالك الحقيقي، أم للمالك الثاني؟ وكذلك إذا وجد الركاز في أرض غير موات، أي: أنها مزروعة، أو أرض يُعلم مالكها آدمياً أو معصوماً، أو كانت منتقلة إليه، فما الحكم؟ روايتان عن أحمد : [ إحداهما أنه يملكه أيضاً؛ لأنه لا يملكه بملك الأرض، لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد والكلأ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها ]، إذاً: الرواية الأولى عند أحمد رحمه الله تعالى: أن من عثر عليه يكون مالكاً له.

قال رحمه الله تعالى: [ وإذا ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه لثبوت يده على محلِّه ]، أي: أن من باع أرضاً لآخر، وهو يعلم أن بها ركازاً، ثم أتى بعد ذلك وقال لمشتريها: في الأرض التي بعتك ركاز، وهو ملكي، فهو له مع يمينه.

قال: [ والرواية الأخرى: هو لمالك الأرض أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به، فإن لم يعترف به فهو لأول مالك، لأنه في ملكه فكان له كحيطانه ]، أي: إن اختلفوا فهو للمالك الأول مع يمينه، فإذا لم يؤد اليمين ولم تكن له قرينة فهو لمالك الأرض التي انتقلت إليه باعتبار أنه من المباحات وجده ورزق ساقه الله إليه.

نصاب الفضة والذهب

قال رحمه الله: [ باب زكاة الأثمان، وهي نوعان: ذهب، وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم ]، أي: ما يعادل 595 جراماً، إذ الدرهم الواحد يساوي ثلاثة جرامات، والنصاب بالجنيه المصري تقريباً أكثر من 900 جنيه مصري، إذ سعر الجرام من الفضة جنيه ونصف، فنضرب جنيه ونصف في 595 .

ثم قال: [ ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً فيجب فيها نصف مثقال ]، والعشرون المثقال 85 جراماً، وسعر المثقال الواحد عيار 24: 4.25 جنيه مصري، والعشرون المثقال بسبعين جنيه مصري، والخمسة والثمانون الجرام بخمسة آلاف وستمائة جنيه، وعليه فمن ملك هذا النصاب من المال فعليه زكاة.

قال: [ لما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة) ]، أي: إن ملك أقل من 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة فلا زكاة عليه.

ثم قال: والواجب ربع العشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) رواه البخاري ، وروى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس عليك في ذهبك شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال) ]، يعني: ربع العشر.

قال: [ والرقة الدراهم المضروبة وهي دراهم الإسلام التي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل بغير خلاف ].

حكم ما إذا وجد الغش في أحد النقدين

قال: [ فإن كان فيها غش ] أي: في الذهب أو الفضة، [ فلا زكاة فيها حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً ]، أي: لا بد أن يكون ذهباً خالصاً وفضة خالصة، ثم قال: [ فإن شك في ذلك خُيّر بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك ]، قوله: (سبكهما)، أي: يدخلها النار حتى ينفى الخبث، ثم يزن الذهب الخالص أو الفضة الخالصة، [ أو يستظهره يخرج ليسقط الفرض بيقين ].

قال رحمه الله: [ باب زكاة الأثمان، وهي نوعان: ذهب، وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم ]، أي: ما يعادل 595 جراماً، إذ الدرهم الواحد يساوي ثلاثة جرامات، والنصاب بالجنيه المصري تقريباً أكثر من 900 جنيه مصري، إذ سعر الجرام من الفضة جنيه ونصف، فنضرب جنيه ونصف في 595 .

ثم قال: [ ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً فيجب فيها نصف مثقال ]، والعشرون المثقال 85 جراماً، وسعر المثقال الواحد عيار 24: 4.25 جنيه مصري، والعشرون المثقال بسبعين جنيه مصري، والخمسة والثمانون الجرام بخمسة آلاف وستمائة جنيه، وعليه فمن ملك هذا النصاب من المال فعليه زكاة.

قال: [ لما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة) ]، أي: إن ملك أقل من 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة فلا زكاة عليه.

ثم قال: والواجب ربع العشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) رواه البخاري ، وروى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس عليك في ذهبك شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال) ]، يعني: ربع العشر.

قال: [ والرقة الدراهم المضروبة وهي دراهم الإسلام التي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل بغير خلاف ].

قال: [ فإن كان فيها غش ] أي: في الذهب أو الفضة، [ فلا زكاة فيها حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً ]، أي: لا بد أن يكون ذهباً خالصاً وفضة خالصة، ثم قال: [ فإن شك في ذلك خُيّر بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك ]، قوله: (سبكهما)، أي: يدخلها النار حتى ينفى الخبث، ثم يزن الذهب الخالص أو الفضة الخالصة، [ أو يستظهره يخرج ليسقط الفرض بيقين ].

ثم قال: [ ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية ]، والحلي: هو الذهب أو الفضة الذي أُعد لزينة المرأة، ففي المذهب أنه لا زكاة فيه، وهو رأي مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، وخالف في ذلك الأحناف وهو الراجح، فقالوا: بزكاة الحلي إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، والشيخ محمد بن صالح في كتاب: (الشرح الممتع) قد أعد بحثاً ممتعاً في أكثر من عشر ورقات رجح فيه وجوب زكاة الحلي، وساق الأدلة على ذلك، رغم أنه حنبلي المذهب في الدراسة؛ لكن النصوص واضحة، فحينما دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تلبس في يديها سبيكة من ذهب سألها: (أتؤدين زكاة هذه؟ فقالت: لا، فقال: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة؟)، ولم يسألها: هل تلبسيه للزينة أم لا؟ فالنص كان عاماً، والحديث المطلق كما عند البخاري : (ما من صاحب ذهب ولا فضة)، ولم يبين أنه حلي أو غير حلي، وعليه فالراجح من أقوال العلماء أن الحلي فيه زكاة، وانتصر لهذا الرأي ابن باز رحمه الله تعالى، وكثير جداً من علمائنا المعاصرين انتصروا لهذا الرأي.

قوله: (والعارية)، أي: الذهب المستعار التي تعيره المرأة، ثم قال: [ في ظاهر المذهب؛ لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ليس في الحلي زكاة) -وهو حديث ضعيف- ولأنه مصروف عن جهة النماء ]، أي: أنه لا نماء فيه، فهو لم يلبس للنماء، وإنما: [ إلى استعمال مباح تجب فيه زكاة كثياب البدن، وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة لعموم الأخبار ]، وأقول: إن الذهب المستخدم كالثياب الذي أستخدمه، وقال من لم يوجب الزكاة في الحلي، وهم الجمهور: لو أن رجلاً اقتنى سيارة بمليون جنيه لاستعماله الشخصي، فهل عليه زكاة؟ لا، إذاً فكيف توجبون الزكاة على امرأة تلبس ذهباً قيمته بعض آلاف، وتعفون من الزكاة من اقتنى سيارة قيمتها المليون؟! فنقول لهم: إن النص قد جاء في الذهب دون غيره.

ثم قال: [ ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه من الذهب والفضة ]، أي: أن بعض الآراء الفقهية ميّزت فقالت: إن كان الذهب الذي تتحلى به المرأة خارج عن مألوف بنات جنسها، ففيه الزكاة، وإلا فلا، كأن تضع المرأة في يدها نصف كيلو ذهب، فهذا خارج عن مألوف بنات جنسها، فنوجب عليها الزكاة، بينما أخرى لا تملك إلا مائة جرام من الذهب، فلا نوجب عليها الزكاة، لأنها لا تملك زيادة على بنات جنسها، وعليه فيباح للمرأة أن تلبس ما يباح لبنات جنسها من الذهب، وذلك قول الله: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، أي: البنت عندما تنشأ في الحلية، فتخرق أذناها وتوضع بها الذهب، بعكس الصبية الصغار فلا يجوز أن نأتي لهم بالذهب.

قال: [ ويباح للرجال من الفضة الخاتم ]، أي: أن للرجل أن يلبس خاتماً من فضة، وهل هذا على سبيل الاستحباب أم الوجوب أم الإباحة؟ يقول الشيخ ابن عثيمين كلاماً بديعاً في ذلك: لو أنك في مجتمع لم يتعودوا على لبس الفضة فلا تلبسه؛ لأنه يعد في حقك لباس شهرة، لذا فبعض المباحات تترك حتى لا تكون شهرة بين الناس، والأمر المباح قد يُترك أحياناً، وهذا الكلام لا بد أن نقيم له اعتباراً؛ لأن البعض الآن قد يأتي بأمور مباحة ويوجبها على نفسه، فيشذ عن مجتمعه حتى يشار إليه بالبنان.

يقول الشيخ ابن عثيمين : لو أنه لبس خاتم الفضة في مجتمع من مجتمعات المسلمين لم يتعودوا على لبسه، ولو لبسه لأصبح شاذاً بين بني جنسه، لزمه عدم اللبس، ثم تحدث عن لبس الساعة -لأن بعض الإخوة يقول: البس الساعة في اليمين- فقال: ولبس الساعة في اليد اليمين ليست من الأمور المشروعة؛ لأنها من أمور العادات وليست من العبادات، أيضاً: أن غير المسلمين لا يميزوا بها، وإنما في مجتمع المسلمين أن لبس الساعة في اليسرى، فحينما تقابل رجلاً يلبس ساعة في اليسرى فلا تقل: هذا غير مسلم، كذلك: العمل يكون باليد اليمنى، فإذا كان الذي يلبس الساعة في اليد اليمنى فإنه سوف يؤذي الساعة، لكن قد يقول البعض: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن. فنقول له: لكن جرت العادة على أمر ليس فيه تعبد، فلا تحجّر واسعاً.

ثم قال: [ وحلية السيف والمنطقة ونحوها ]، أي: قد يحلَّى السيف، كأن يكون رأسه من فضة، والمنطقة تكون حول الخاصر، قال: [ فأما المعد للكراء -أي: للاستئجار- أو للادخار ففيه الزكاة، إذا بلغ نصاباً، لأنه معد للنماء فهو كالمضروب ]،

أي: أن الذهب والفضة المعد للإيجار أو للادخار فيه زكاة، أما المعد للاستعمال فليس فيه زكاة، وهذا كلام المذهب.

قال: [ وأما المحرم: الذي يتخذه الرجل لنفسه من الطوق وخاتم الذهب ففيه الزكاة؛ لأنه فعل محرم فلم يخرج به عن أصله ]، أي: أن الرجل إذا لبس ذهباً وزنه أكثر من 85 جراماً، ففيه زكاة، رغم أن لبس الذهب محرم عليه، وهنا ننبه على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس الدبلة من الفضة فضلاً عن الذهب، لما فيه من التشبه باليهود والنصارى، لكن يقول لي بعض الرجال: يا شيخ! أنا لا أستطيع أن أخلعها، لأن الزوجة ستغضب من ذلك وتقول: لماذا تخلع حبي من قلبك؟! فتربط بين الحب والدبلة، فقل لها: أأستجيب لأمرك أم لأمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟! فلا أريد أن أرى رجلاً مسلماً يلبس دبلة من فضة أو ذهب، ولذلك يحرم بيع الذهب للرجال، وكم أحزن من بعض المحلات الإسلامية التي تبيع الذهب للرجال، وتدّعي أنها إسلامية وتبيع الذهب للرجال! فالله إذا حرّم شيئاً حرّم بيعه وشرائه وثمنه، فلا يجوز أن تبيع الذهب للرجال بحال من الأحوال، وإن جاءك رجل شاب يريد أن يخطب امرأة ويريد منك أن تصنع لها دبلة، وتسجل عليهما اسمهما، فقل له: الذهب حرام عليك، وليس عندي ذهب للرجال، وعليه فلا بد أن يكون عملك مشروعاً يا عبد الله، واتق الله فيما تدخله في جوفك، ولا تقل: كل الناس هكذا، فهذا أمر لا نقبله بحال من الأحوال.

قال رحمه الله: [ باب حكم الدين ومن كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود الذي له بينة والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى ]، ومعنى ذلك: لو أن رجلاً له عند آخر مال من سنة، وهذا المال عند مليء، أي: صاحب مال كثير، أو له مال عند آخر يمكن الحصول عليه، كالمجحود الذي له بينة على دعواه في هذا المال، أو له مال عند آخر مغصوب يمكنه أن يحصل عليه، ففي هذه الحالة إذا قبض هذا المال فيلزمه أن يزكي عن السنوات الماضية كلها، وهذا إذا كان نصاباً، وبعض الفقهاء يقولون: يخرج الزكاة عن كل سنة، رغم أن المال غير موجود، لكن الراجح أن يخرج الزكاة متى ما قبض هذا المال، ومثل هذا: مؤخر الصداق بالنسبة للزوجة، فيجب المؤخر إما بموت الزوج، أو بالطلاق، أو بالمطالبة؛ لأنه دين، وعند حصول المرأة على هذا المؤخر يلزمها الزكاة عن كل السنوات الماضية، فهذا رأي بعض الفقهاء وهو المذهب، وبعضهم يقول: تؤدي الزكاة عن السنة التي قبضت فيها المال، وهذا مرجوح.

قال: [ وإن كان متعذراً كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه؛ لأن ملكه فيه غير تام، لأنه غير مقدور عليه ]. أي: لو أن رجلاً من الناس له عند فلان مبلغ من المال، وفلان هذا مفلس أو جاحد ولا بينة للطرف الآخر، أو المال مغصوب أو ضال لا يرجى وجوده، ففي هذه الحالة لا زكاة على صاحبه، لأنه ملكه فيه غير تام.

قال رحمه الله تعالى: [ وحكم الصداق حكم الدين كذلك ]، أي: أنه يأخذ نفس الحكم، فلو أن امرأة سمى لها زوجها صداقاً مؤخراً، لكن لم يتم التوثيق، أو جحده، ولم تستطع الحصول عليه، ففي هذه الحالة لا زكاة عليها فيه.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2696 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2619 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2594 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2517 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2474 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2373 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2336 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2332 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2301 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2236 استماع