رمضان شهر الدعاء


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-16].

وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

ثم أما بعد.

أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم يحمل عنوان: (رمضان شهر الدعاء)، وقد تحدثنا في اللقاء السابق أن رمضان شهر القرآن، وهو أيضاً شهر الدعاء، ودليلنا لذلك أن آية الدعاء جاءت بين آيات الصيام، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وهذه الآية جاءت في وسط آيات الصيام؛ لتبين حقيقة وهي: أن العبد في هذا الشهر الكريم ينبغي أن يلح في الدعاء على ربه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) أي: أنها من الدعوات المستجابات.

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بروايات مختلفة، فرواية البخاري : (إن الله سبحانه لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء) وهذه رواية البخاري. أما رواية أحمد : (لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله). ورواية أحمد في مسنده: (إن الله لم يضع داء إلا وأنزل له شفاء إلا الهرم) والهرم: كبر السن والشيخوخة، فليس لها دواء، فالله سبحانه وتعالى حينما أنزل الداء أنزل معه الدواء، فالجهل داء ولا شك في هذا، ودواء الجهل هو العلم وسؤال العلماء.

وفي الحديث الذي في سنن أبي داود أن رجلاً أصابه حجر في رأسه وقد أصابته الجنابة، فسأل بعض الصحابة: هل عليه من غسل؟ فقالوا: لا نرى لك إلا الغسل، فاغتسل فدخل الماء في رأسه فوقع ميتاً، فوصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما دواء العي السؤال) فجعل الجهل داء، وجعل له دواء وهو سؤال أهل العلم، وربنا قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

والإمام البخاري بوب في صحيحه: (لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح)، فالذي يتكبر على طلب العلم لا يتعلم، وكذلك الذي يستحي من طلب العلم لا يتعلم.

والقرآن شفاء من كل داء حتى الأمراض الحسية؛ لأن (من) هنا ليست للتبعيض وإنما لبيان الجنس في قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82].

يقول ابن القيم رحمه الله: مكثت في مكة تنتابني بعض الأمراض الجسدية، فكنت أستخدم الفاتحة في الرقية فأجد لها مفعولاً في شفائي لا يعلمه إلا الله.

وفي صحيح البخاري أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا على حي، وقد لُدغ سيده -أي: لدغه ثعبان- فطلبوا له الطب فلم يجدوا له سبيلاً، وعجز الطب عن علاجه، فجاءوا إلى ذلك الرهط من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وسألوهم: هل عندكم من شيء لسيدنا؟ قالوا: نعم، إلا أننا أردنا منكم الضيافة فلم تفعلوا، لن نرقيه حتى تجعلوا لنا جُعلاً -أي: مقابلاً- ثم تقدم أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرجل وأتى بمكان الجرح، وتفل عليه، ثم قرأ عليه فاتحة الكتاب، وما إن انتهى من قراءة الفاتحة إلا وقام الرجل صحيحاً معافى كأنه انفك من عقال بعير. إذاً: الفاتحة لها تأثير مباشر على الأمراض العضوية..

وهذا الكلام ربما لا يفهمه أحد أو يقول: هذا كلام لا يمكن أن يصدق، لكن ابن القيم يقول: ولتأثر الدعاء على كل مكروه وبلاء شروطاً؛ لأن البلاء الذي ينزل بالعبد داء، والمكروه الذي ينزل به داء يحتاج إلى دواء، ودواء المكروه والبلاء هو الدعاء. ورمضان هو شهر الدعاء.

والدعاء هو العبادة، كما قال ربنا سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فسمى الدعاء عبادة، والله يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء، ومن تعود طرق الباب يوشك أن يُفتح له، والسيف بحده وضاربه، وإذا أردت أن تصيب هدفاً فلا بد من شروط لإصابة الهدف، وهي:

أولاً: أن يكون السلاح المستخدم قوياً.

ثانياً: أن يكون الرامي ماهراً في إصابة الهدف.

ثالثاً: ألا يكون هناك مانع من موانع إصابة الهدف.

وهكذا الدعاء حتى يحقق الإجابة له شروط:

الشرط الأول: أن يكون الدعاء في ذاته مقبولاً، فلا تدعو بقطيعة رحم ولا تتعدى في الدعاء.

الشرط الثاني: أن يكون القلب في حالة يقين أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ وغافل، وإنما أن تدعو وأنت موقن بالإجابة.

الشرط الثالث: ألا يكون هناك مانع من موانع الإجابة، فأكل الحرام مانع من موانع الإجابة، وانصراف القلب مانع، وارتكاب الذنوب والمعاصي مانع من موانع الإجابة.

وللدعاء مع البلاء أحوال ثلاثة، فأي بلاء ينزل بالعبد علاجه الدعاء، والأحوال هي ما يلي:

الحال الأول للدعاء مع البلاء: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه، ويمنعه من النزول.

الحال الثاني: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء، فينزل البلاء لكن ينزل مخففاً.

الحال الثالث: أن يتصارع الدعاء مع البلاء إلى يوم القيامة.

وللدعاء آداب ينبغي أن نراعيها:

أولاً: أن نلتمس أوقات الإجابة في الدعاء، وأوقات الإجابة عدها بعض العلماء ست:

1- عند النداء.

2- بين النداء والإقامة.

3- في الثلث الأخير من الليل.

4- عند صعود الإمام إلى المنبر في يوم الجمعة حتى نزوله وحتى انقضاء الصلاة.

5- آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن يوم الجمعة فيه ساعة إجابة.

6- أدبار الصلوات المكتوبة.

ثانياً: الذل والخضوع والانحناء والانكسار بين يدي الله عز وجل.

ثالثاً: الطهارة واستقبال القبلة.

رابعاً: حمد الله والثناء عليه.

خامساً: الصلاة على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فهو مفتاح قبول الدعاء.

سادساً: البدء بدعاء المكروب والملهوف والمهموم.

فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل به كرب يقول: (لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم) فيستجير بالله عز وجل، وكذلك كان دعاء يونس: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].

قالوا: (يا رسول الله! أهي ليونس خاصة أم لنا عامة؟ قال: اقرءوا قول الله: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]). وفي الحديث: (ما أصاب أحد من هم) فكلنا لنا هموم، كلنا عندنا بلاءات متعددة على اختلاف أنواعها، فإذا نزل بك الهم قل: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علمته أحداً من عبادك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي، ونور صدري.. فمن قال ذلك الدعاء فرّج الله همه)، ثم ادع باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. ومن حكمة الله ورحمته بنا أن أخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى، حتى ندعوه بكل أسمائه، والأحاديث متعددة في بيان ما هو اسم الله الأعظم، فحديث يقول: الرحمن الرحيم. وآخر يقول: لا إله إلا هو رب العرش العظيم. وآخر يقول: اسم الله الأعظم في ثلاث آيات من القرآن: البقرة، وآل عمران، وطه كما رواه الحاكم ، قال القاسم راوي الحديث: فنظرت في البقرة فوجدته في قول الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، وفي طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه:111]، وفي آل عمران: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).

ثم تجمع القلب على الدعاء، وبعد ذلك تختم بالاستغفار والتوبة والإنابة، فلا يمكن أن يتخلف الدعاء عن الإجابة إلا إذا كان لحكمة يعلمها الله.

قصة زكريا عليه السلام

حال الصالحين وكيف كان الدعاء معهم؟

زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتياً، واشتعل رأسه شيباً، وكانت امرأته عاقراً، فهذه المقدمات والمعطيات لو طرحت لأساتذة طب النساء والعقم في عالمنا اليوم لاستبعدوا إيجاد الولد؛ لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء، فاحذر أن تستبعد أمراً على الله، فقام زكريا يصلي لربه في المحراب، يقول ربنا سبحانه: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:2-3] والدعاء كلما كان خفياً كان أدعى للإجابة، وليس الدعاء مظاهرة رمضانية، فأشرطة الدعاء تباع على السيارات العامة، وفيها الدعاء برفع الصوت والصياح والتهليل، وكلما كان العبد متضرعاً خاشعاً إلى ربه كان أدعى للإجابة، فنرى الآن العجب العجاب في واقعنا، وهذه المخالفات الرمضانية التي سأتحدث عنها في الخطبة الثانية قد تصل إلى المائة مخالفة، منها هذا الدعاء الذي في القنوت فإن بعض الأئمة يطوّلون به ويرهقون الناس، بل يتعدون في الدعاء أحياناً، ويعددون أسماء الله: يا نافع يا ألله.. يا رحمن يا ألله.. يا رحيم يا ألله، وهذا ليس دعاء وإنما مظاهرة، وهذا ليس من آداب الدعاء بل هو تعدٍ في الدعاء.

ودعا زكريا ربه، قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4] أي: لم أشق يا رب وأنا أدعوك أبداً، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم:5] أي: أريد ولداً ذكراً صالحاً؛ يَرِثُنِي [مريم:6] فطلب الذكر لا بأس به، لأنه يرث العلم والنبوة وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:6] أي: ولداً صالحاً لا عاصياً.

وكانت النتيجة كما قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39].

وقال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مريم:8-9].

يقول السائل الكريم: طفت على أساتذة الطب فقالوا لي: حيواناتك المنوية ميتة، وأنابيب الزوجة مغلقة، عندك ضعف لا يمكن معه الإنجاب..، فاعلم أن لك إلهاً يجيب المضطر إذا دعاه.

قصة يونس بن متى

وكان يونس عليه السلام يكثر في دعائه لربه، وهذا هو السلاح الذي نغفل عنه كثيراً، ادع ربك في اليوم والليلة، ادع ربك وأنت صائم وبعد الفجر وعند الظهر وفي العصر وقبل تناول الفطور، وعند القيام إلى السحور، وبعد التراويح، وفي دبر الصلوات، أكثر من الدعاء بكل ما تحتاج إليه.

خرج يونس عليه السلام من بين قومه غضبان؛ لأنهم لم يستجيبوا له، فأعرض عنهم وخرج قبل أن يأذن له الله، فركب سفينة، فبينما هم في وسط البحر جاءها الموج من كل مكان، عند ذلك تعلم علم اليقين أن الناس لا تقول إلا يا رب، فلا ملجأ من الله إلا إلى الله، يشعر بهذا من قطع مسافة العمرة أو الحج في الباخرة، حينما يعلو الموج لا ملجأ من الله إلا إلى الله، فعند ذلك قرر من في السفينة أن يتخلصوا من واحد حتى يخففوا الحمولة فوقعت القرعة على يونس ثم الثانية ثم الثالثة، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت في ظلمة الليل، وفي ظلام البحر وفي ظلمة بطن الحوت، وما احتمال النجاة إلا صفر % ، فهو في قاع البحر وبطن الحوت وفي سواد الليل، ولا يمكن أن يكون هناك احتمال للخروج، فنادى من بطن الحوت في ظلام الليل: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، فقالت الملائكة: يا رب! صوت معروف من عبد معروف، إنه عبدك يونس بن متى، فأوحى الله إلى الحوت: لا تكسر له عظماً، ولا تأكل له لحماً. يقول ربنا: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ومن الناس من لا يدعو ربه إلا في حال الكرب والضيق!

قال تعالى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ [الصافات:145]، أي: نبذه الحوت على شاطئ البحر وخرج ضعيفاً متعباً مريضاً منهكاً، لكن الله إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب، فقد أنبت عليه شجرة من يقطين، واليقطين نبات يزحف لا ثقل له على الأرض، واراه وغطاه حتى لا يصاب بأذى، حتى أصبح معافى سليماً، فأوحى الله إلى يونس أن يرجع إلى قومه، يقول ربنا: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:147-148].

قصة أيوب عليه السلام

وأيوب عليه السلام مرض (18) سنة، كما أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه، والمرض كفارة للذنوب ورفع للدرجات، فالله يريد منك أن تدعوه، فأيوب عليه السلام لما مرض تركه البعيد والقريب، والكل تخلى عنه، فمن الناس من يعرفك في حال الصحة، وأول ما تشعر بمرض طويل وابتعدوا عنك، لكن -يا عبد الله!- كن مع ربك عز وجل.

خرج أيوب يوماً يقضي حاجته، فجلس مع زوجته الصابرة التقية المحتسبة، فسمع رجلاً يقول لأخيه: إن أيوب قد أذنب ذنباً، ولو لم يذنب لما ابتلاه الله، فحزن أيوب فرفع يده إلى السماء قائلاً: (رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب)، يقول ربنا سبحانه في سورة الأنبياء: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ [الأنبياء:83-84] تقول الروايات: إن أيوب ضرب بقدمه الأرض، فانبثقت منه عينان، قال له الله: هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42] فشرب من الأول واغتسل من الآخر، فعاد صحيحاً معافى بإذن الله.

فإذا كانت عليك ديون، أو عليك هموم وكروب، أو أن الزوجة لا تطيع، والابن عاق.. فعلاج كل ذلك الدعاء، فلا تيأس ولا تحزن.

قصة الرجل التاجر وقاطع الطريق

روى ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء المستجاب أن رجلاً يكنى أبا معلق من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كان تاجراً في ماله ومال غيره، وكان يقطع المسافات ويتاجر، وفي يوم انطلق بقافلته في صحراء، فلقيه قاطع طريق يريد أن يأخذ ما معه من مال ويقتله، فأعطاه المال وقال: لا بد من قتلك قبل المال. وانظروا إلى حال الصالحين مع الدعاء.. فقال: أما وقد عزمت على قتلي، فدعني أصلي لربي أربع ركعات، فقال: صل. فدخل الرجل في صلاته ولما سجد دعا ربه قائلاً: يا ودود يا ودود، يا فعال لما تريد، يا ذا العرش المجيد، أسألك بملكك الذي لا يضام، وبعزك الذي لا يرام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تفرّج عني ما أنا فيه.. يا مغيث أغثني.. يا مغيث أغثني. فلما أن أنهى الصلاة مباشرة أتاه الفرج من الله عز وجل، إذ جاء رجل يركب جواداً وسيفه بين أذني جواده، وتقدم إلى اللص وضربه ضربة أطاح بها عنقه، فقال له: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ ومن أي البلاد أنت؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، حينما قلت: يا مغيث أغثني قلت: يا رب عبد مكروب فوكلني به.

فلا تيأس ولا تحزن، فرمضان شهر الدعاء، فهلموا إلى ربكم عز وجل، وألحوا عليه في الدعاء.

أسأل الله سبحانه أن يبلغنا رمضان، وأن يفرج لنا فيه الكروب.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

حال الصالحين وكيف كان الدعاء معهم؟

زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتياً، واشتعل رأسه شيباً، وكانت امرأته عاقراً، فهذه المقدمات والمعطيات لو طرحت لأساتذة طب النساء والعقم في عالمنا اليوم لاستبعدوا إيجاد الولد؛ لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء، فاحذر أن تستبعد أمراً على الله، فقام زكريا يصلي لربه في المحراب، يقول ربنا سبحانه: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:2-3] والدعاء كلما كان خفياً كان أدعى للإجابة، وليس الدعاء مظاهرة رمضانية، فأشرطة الدعاء تباع على السيارات العامة، وفيها الدعاء برفع الصوت والصياح والتهليل، وكلما كان العبد متضرعاً خاشعاً إلى ربه كان أدعى للإجابة، فنرى الآن العجب العجاب في واقعنا، وهذه المخالفات الرمضانية التي سأتحدث عنها في الخطبة الثانية قد تصل إلى المائة مخالفة، منها هذا الدعاء الذي في القنوت فإن بعض الأئمة يطوّلون به ويرهقون الناس، بل يتعدون في الدعاء أحياناً، ويعددون أسماء الله: يا نافع يا ألله.. يا رحمن يا ألله.. يا رحيم يا ألله، وهذا ليس دعاء وإنما مظاهرة، وهذا ليس من آداب الدعاء بل هو تعدٍ في الدعاء.

ودعا زكريا ربه، قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4] أي: لم أشق يا رب وأنا أدعوك أبداً، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم:5] أي: أريد ولداً ذكراً صالحاً؛ يَرِثُنِي [مريم:6] فطلب الذكر لا بأس به، لأنه يرث العلم والنبوة وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:6] أي: ولداً صالحاً لا عاصياً.

وكانت النتيجة كما قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39].

وقال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مريم:8-9].

يقول السائل الكريم: طفت على أساتذة الطب فقالوا لي: حيواناتك المنوية ميتة، وأنابيب الزوجة مغلقة، عندك ضعف لا يمكن معه الإنجاب..، فاعلم أن لك إلهاً يجيب المضطر إذا دعاه.




استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
التاريخ الأسود لليهود 2408 استماع
الوقت وحرص الصالحين عليه 2395 استماع
اللحوم المسمومة 2346 استماع
الرحلة في طلب العلم 2337 استماع
فاصبر صبراً جميلاً 2275 استماع
وثيقة حرمات لا حدود 2255 استماع
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 2225 استماع
وقفة مع سورة الإنسان 2217 استماع
إنا بلوناهم 2094 استماع
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث 2057 استماع