شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [20]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

السؤال: هذا يقول: كان يقرأ ما بين الستين إلى المائة كيف تعد الآيات، الآيات القصيرة كالمفصل أم الطويلة؟

الجواب: أن ذلك إنما هو بالسور، ومن المعلوم أن المفصل ليس فيه مثل هذا العدد، فالمكي أطول ما فيه الطوليان وهما الأنعام والأعراف، والمفصل ليس فيه أصلًا هذا الطول؛ ولذلك المقصود هنا: أنه كان يصلي بالسورتين الطويلتين، تارة تصلان إلى المائة، وتارة ما دون ذلك، فمثلًا سورة الفرقان التي قرأ الإمام بعض آياتها في صلاة المغرب مثلًا طولها ثمانية وسبعون آية، وسورة الأحزاب طولها ثلاثة وسبعون آية وهكذا، فهذا النوع هو ما بين الستين إلى المائة، وقد يزيد على المائة كبعض السور التي بها مائة وعشر أو تسع كالإسراء والكهف مثلًا مائة وتسع آيات ومائة وعشر آيات ونحو ذلك، فهذه تعتبر من المئين.

المقصود هذا العدد، السورة من هذا القبيل، تارة يصلي بأطول من ذلك، وتارة بأقصر، وثبت عن أبي بكر أنه كان يصلي بالبقرة وآل عمران قراءة بطيئة فقيل: يا خليفة رسول الله، كادت الشمس تطلع! فيقول: لو طلعت ما وجدتنا غافلين، وأخرج مالك في الموطأ عن الفرافصة قال: ما حفظت سورة يوسف إلا من كثرة قراءة عثمان لها في الصبح.

السؤال: يسأل أيضًا عن القيام بألف آية بما يكون كذلك؟

الجواب: قد تكون الآيات قصيرة كسورة الشعراء مثلًا، فهي مائتان وخمس وعشرون آية تقريبًا، لكن آياتها قصيرة جدًا، وإذا نظرت إلى ما يقابلها مثلًا سورة الأعراف مائتان وست آيات، وهي أطول بكثير من سورة الشعراء، وكذلك سورة آل عمران، وهي مائتا آية فقط، وهي أطول من سورة الشعراء بكثير، فقد تكون الآيات قصيرة والسورة فيها عدد كبير من الآيات، وذلك في سورتين: سورة الشعراء، وهي أكثر السور القصيرة الآيات عددًا؛ لأنها مائتان وخمس وعشرون تقريبًا. أو سبع وعشرون، يوجد خلاف في العد، تليها كذلك سورة الصافات مثلًا، فآياتها قصيرة، وعددها كبير.

السؤال: هل الأفضل ختان البنات؟ وفي أي عمر؟

الجواب: إن البنات ليس لهن ختان، وإنما لهن الخفاض، وهو مكرمة ليس مطلوبًا، ولكن قد يكون فيه مصلحة في بعض الأحيان، والمرجع في ذلك إلى الطب وما يرى فيه مصلحة، وليس في ذلك شيء توقيفي لا بد منه، وليس فيه سن أيضًا محددة.

السؤال: هذا يقول: من ترك بعض الصلوات تكاسلًا ثم استقام، هل الأفضل له الاشتغال بقضاء ما فات، أم يكثر من النوافل؟

الجواب: أن الاحتياط أن يقضي ما ترك، إلا إذا كان لم يترك، ولكنه كان يفرط في هيئاتها وفي طهارتها، فيكون كالمسيء في صلاته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء شيء مما مضى، أما من ترك فالاحتياط أن يقضي ما ترك.

السؤال: هذا يقول: لو عينت لنا كتابًا واحدًا في التفسير، وآخر في العقيدة يكون عمدتنا، وإن كان الكتاب كبيرًا؟

الجواب: أن على الطالب المجد أن يعلم أن الكتب جميعًا فيها نفع، ولا يخلو كتاب منها من أخطاء، والذي يريد كتابًا لا خطأ فيه عليه بكتاب الله فقط، كل ما سواه من الكتب يقع فيه الخطأ، وقد قال البويطي رحمه الله: (لما ألف الشافعي كتابه ناولنيه فقال: خذ هذا الكتاب على خطأ كثير فيه، قلت: يا أبا عبد الله، أصلحه لنا، قال: كيف وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، أبى الله العصمة إلا لكتابه)؛ ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يكون دني الهمة وأن يقتصر على كتاب واحد، ومن المعلوم أن كتب التفسير هي بحسب أزمنة الناس، ولا يمكن أن يغني منها كتاب عن غيره، فأهل كل زمان مطالبون بأن يؤلفوا في التفسير؛ لأنه يبدو لهم كثير من المعاني التي لم يصل إليها من قبلهم، وهذا من إعجاز القرآن، فكل عصر من العصور تجدون فيه تفاسير جاءت بجديد، ويبقى القرآن على ذلك لا تنفد عجائبه ولا تفنى، ولو كان الناس يكتفون من التفسير لاكتفوا مثلًا بتفسير السابقين، فـمحمد بن جرير الطبري أبو جعفر توفي سنة ثلاثمائة وعشرة، وكتابه موجود مروي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي تفسيره موجود أيضًا مطبوع، وقد توفي سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة، وكذلك أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وتفسيره موجود، وقد توفي سنة ثلاثمائة وسبع وعشرين من الهجرة، ومع ذلك لم يغنوا من سواهم، بل بقي التفسير مطلوبًا في كل عصر، وفي كل عصر يوفق الإنسان لما لم يوفق له من سبقه.

السؤال: هذا يقول: كيف يحصل العبد التقوى فيخشى الله كأنه يراه؟

الجواب: إنما يتم ذلك بزيادة الإيمان والعمل الصالح، فكلما تقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وداوم على طاعته واجتنب معاصيه، فإن الله سبحانه وتعالى ينزل السكينة في قلبه، فيطمئن إلى الطاعة، ويستوحش من المعصية، وتزداد خشية الله سبحانه وتعالى لديه.

السؤال: هذا يقول: هل يجوز دفع زكاة المال لإخوتي الصغار وخالتي الذين هم تحت كفالة أبي، علمًا بأنني أنا الذي أنفق عليهم طول العام، وهم فقراء، بل ربما أفقر أناس في منطقتهم؟

الجواب: لا؛ فالزكاة لا يصان بها العرض ولا العرض، وليست ملكًا للإنسان، وكون هؤلاء الفقراء أقرب إليك في النسب لا يجعلهم ذلك أولى بالمال العام، والزكاة انتزع الله ملكك عنها، ولا ينبغي للإنسان أن يباشر هو إخراجها، بل ينبغي أن يوكل عليها من يخرجها، فلم يخرج أحد زكاة ماله في العهد النبوي بالمباشرة، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، وإنما كانوا يؤدون الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى خلفائه الراشدين وهم يتصرفون فيها فيوزعونها، وذلك أمنع لحصول المداراة فيها، وأن يداري الإنسان أقاربه أو أن يحابيهم بها؛ فلذلك من تنفق عليه ليس لك أن تخرج الزكاة عليه، وإذا وصلت إليه عن طريق الموزع فإنها تكون ملكًا له، وكذلك الصدقة غير الواجبة إذا أخرجتها إلى المصدق، ثم أعطاها هو لأولادك أو لذويك فهي ملك لهم، فأنت لم تفعل ذلك ولم تقصده، وقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، ومن هنا فإن لهم حقًا آخر وهو حق صلة الرحم، وهي حق واجب كالزكاة، كثير من الناس يفرط فيها، فصلة الرحم حق واجب في المال كالزكاة، وقد بالغت النصوص في الحض عليه، وقد قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

السؤال: [تفسير السلف هل يقصد به حصر المعنى]

الجواب: بالنسبة لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة وتفسير الصحابة وتفسير التابعين لا يقصد به حصر المعنى فإنما يقصد به المثال فقط كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير السلف هو تفسير بجزء المعنى كمن سألك عن الخبز ما هو؟ فرفعت له خبزة قلت: هذا الخبز، فليس معنى ذلك أنك تزعم أن ما في علم الله من الخبز محصور فيما رفعت فالمقصود أنه هو فهم المقصود من الخبز حين رأى خبزة واحدة، فكذلك هذه التفاسير لا يقصد بها الحصر.

السؤال: ماذا تقولون في التفسير العلمي لظاهرة الحر والبرد بالتغيرات المناخية؟ وهل يتعارض مع ما ذكرتم من تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم من نفس جنهم؟

الجواب: لا، لا تعارض بين هذا وذاك، لكن لا بد أن يُعرف أن العلم التجريبي قاصر، وأن مداره إلى الأمر القريب؛ ولذلك العلم التجريبي الحديث الآن لم تكتشف فيه السماء، لا يعرفون شيئًا اسمه السماء، فكل دراساتهم وأمورهم إنما هي حول الأرض، ولا تجدون أي ذكر للسماء في أي دراسة من الدراسات العلمية، مما يدل على قرب مدارك هذا العلم وقصوره؛ ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أدرى وأعلم، وقد أخبرنا أن شدة الحر وشدة البرد من فيح جهنم، وأن ذلك من تنفسها في الشتاء والصيف، وقد ذكرنا أنه قد لا يكون نفس الوقت الذي يصل إلينا فيه هو نفس التنفس، قد تكون جنهم تنفست قبل آلاف السنين بهذا البرد الذي جاء هذا العام أو بهذا الحر الذي جاء هذا العام، لكن ما وصل إلى الأرض إلا في هذه المدة، ووصوله للكواكب الأخرى، وأيضًا حتى إصابته لبعض أجزاء الأرض دون بعض، كل ذلك ممكن، كما أن الإصابة تقع في المطر كما قال الله تعالى: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43]، فكل ذلك ممكن.

السؤال: هذا يسأل عن مدى الاعتماد في الصلاة على مواقيت الصلاة الموجودة في الشبكة الإسلامية، ومثل التقييد بالتقاويم المنتشرة للصلاة في الدول الإسلامية؟

الجواب: أظن أن أهل الشبكة يمكن أن يجيبوا عن هذا، وعمومًا هذا من الاعتماد على الحساب، والاعتماد على الحساب قد اختلف فيه المعاصرون اختلافًا كثيرًا؛ فتجدون الاختلاف ظاهرًا فيما يتعلق بإثبات رمضان والأهلة بالحساب، ومنهم من يبالغ في النكير في ذلك، ويرى أنه معصية كبرى أن نربط الهلال بالحساب، ويعتمدون على قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )، ولكن مع ذلك الحساب لم يقع به التكليف لصعوبته وندرته؛ لأنه ليس تخصصًا سهلًا ليكون كل الناس على علم به ودراية، فمن كان على علم به ومعرفة فهو قرينة لا محالة، ويمكن الاعتماد عليها في كثير من الأمور، وكل هذه الأمور لها قرائن، فأوقات الصلاة مثلًا لها قرائن أربعة منها وجودية وواحد عدمي، فوقت صلاة الصبح بطلوع الفجر، وهذا وجودي، ووقت صلاة الظهر بزوال الشمس عن كبد السماء، وهذا وجودي يظهر في الظل وفي غيره، ووقت صلاة المغرب بغروب الشمس، وهذا وجودي، ووقت صلاة العشاء بغروب الشفق، وهذا وجودي، لكن وقت العصر بالخصوص هو أدق هذه الأوقات؛ لأنه في الدلوك، ومسافته مساحته طويلة، فيمكن الرجوع فيه إلى أهل الحساب؛ لأنهم يحددون فيرون مثلًا أن طلوع الفجر يقع والشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة، وأن الزوال هو إذا زالت عن كبد السماء بدرجة واحدة، وأن العصر إذا كانت تحت كبد السماء بحوالي ثماني عشرة درجة أيضًا أو أكثر من ذلك بحسب البلدان، والمغرب إذا كانت تحت الأفق بدرجة واحدة، والعشاء إذا كانت تحت الأفق بثماني عشرة درجة وهكذا، وعمومًا فكثير من البلدان الإسلامية الآن أصبح الأخذ فيها بالتقويم، ويحصل فيه بعض الإشكالات؛ لأن بعض الذين يعتمد عليهم في التقويم ليسوا من أهل الفقه، وقد جرب أن بعضهم لا يفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب، وهم ممن يعتمد عليهم في التقاويم المطبوعة المنتشرة الموجودة، وهذا إشكال قائم.

وعمومًا الذي أراه أن التقويم يعتمد عليه في الدفع لا في الاستحقاق؛ أي: إن الحساب يعتمد عليه بالدفع لا في الاستحقاق كما قال الحنفية في الاستصحاب، الحنفية قالوا: الاستصحاب دليل في الدفع لا في الاستحقاق، فكذلك التقويم إذا أثبت أهل الحساب أن الهلال لم يولد، أو أن الشمس لم تزل، فيعتبر قولهم في النفي، أما إذا أثبتوا أن الهلال قد ولد فلا يقتضي ذلك رؤية حتى نراه؛ لاحتمال أن يولد ولم ير، وكذلك إذا أثبتوا أن الشمس زالت ولم يظهر أثر الزوال على الأرض فلا عبرة بذلك، وهكذا.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [15] 3606 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [2] 3526 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [13] 3461 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [3] 3348 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [18] 3198 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [19] 3183 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [1] 3132 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [14] 3069 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [16] 2915 استماع
شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [17] 2876 استماع