علامات الساعة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعــد:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون: معنا في هذه الخطبة عشر علامات من علامات الساعة، وهذه العلامات من العلامات الصغرى، وقد كان عليه الصلاة والسلام ينبه أصحابه ويحذرهم من اقتراب الساعة، فقد كان يقول يوماً: (اعدد ستاً بين يدي الساعة) وكان يقول لغيره: إن بين يدي الساعة كذا وكذا، ويذكر لهم علامات وأشراط وأمارات تدل وتنبئ بقرب قيام الساعة.

الساعة وما أدراك ما الساعة؟! إنها الحاقة، إنها القارعة، إنها الطامة الكبرى، إنها الصاخة، إنها يوم الفصل الذي يفصل الله عز وجل فيه بين الناس.

اسمع يا عبد الله إلى هذه العشر، الأمارات والعلامات من علامات الساعة، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم عن وقت قيام الساعة، بل كان يُسأل عنها فيقول: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) وسأله أحدهم فقال: (متى الساعة؟ فقال: ما أعددتَ لها؟) أي: كيف تجهزتَ لها؟! وهل استعددتَ لها بالأعمال الصالحة أم أنك تريد أن تعرف وقتها فقط؟! فالعبرة بالاستعداد لا بمعرفة الميعاد.

يا عبد الله اسمع إلى هذه العشر، ثم وأنت تسمع إلى هذه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم حاوِل أن تطبقها على واقعنا، ثم احكم يا عبد الله: هل هذه العشر قد وقعت؟ فإن وقعت منها علامة واحدة فاعلم أن الساعة قد اقتربت، وإن وقعت علامتان فهي أقرب، وإن كانت أكثر فالساعة قريبة يا عبد الله، فأعدد لها واستعد.

العلامة الأولى: ذهاب الصالحين

العلامة الثانية: ارتفاع الأسافل

تجد أسافل الناس وأراذلهم، وأقلهم ديناً يرتفعون فيملكون زمام الأمور، ويسيطرون على الناس، ويتأمَّرون عليهم، وهم في مقياس الشريعة من أراذل الناس، اسمع إلى هذا الحديث؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة، يصَدَّق فيها الكاذب، ويكَذَّب فيها الصادق، يؤتَمَن فيها الخائن، ويخَوَّن فيها الأمين، وينطِقُ فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة) سفيه لا دين له ولا عقل، ولا حكمة عنده، ولكنه يُمَلَّك زمام الأمور فيتكلم في أمر العامة، ويحكمهم ويسيطر عليهم، ويدير شئونهم. هو في دين الله سفيه، وفي شرع الله لا بد أن يُقام عليه الحد، وفي كتاب الله المفروض أنه لا يتكلم، ولكن سنون خدَّاعات، نعم والله، إنها سنون خدَّاعات يتكلم فيها الرويبضة، بل جاء في الحديث الآخر أن الناس يقولون عنه: ما أجلده -أي أنه قوي- ما أظرفه -ما شاء الله مضحك- ما أعقله -ذو حكمة وعقل- قال: وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

الرويبضة -يا عبد الله- إذا نطقوا فانتظر الساعة.

وقال في هذه العلامة عليه الصلاة والسلام: (لا تذهب الدنيا حتى تصِير لِلُكَع بن لُكَع) أي: أحمق وسفيه ومن الأراذل يملك الدنيا ويملك الناس ويدير شئونهم، وهو -كما وصفه عليه الصلاة والسلام- لُكَع بن لُكَع. والحديث رواه أحمد، وهو في صحيح الجامع.

العلامة الثالثة: لبس النساء للباس غير الساتر

نعم. محتشمات وغير محتشمات، كاسيات لكنهن عاريات، اسمع إلى هذا الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السرج -والسرج: جمع سَرْج، ما يُرْكَب به على الحصان والدابة- قال: كأشباه الرحال، ليسوا على رحال -أي: ليسوا على إبل وليسوا على فرس- يركبون رحالاً كأشباه الرحال -قال بعض العلماء: لعلها السيارات في هذا الزمان- قال: ينزلون على أبواب المساجد أي يصلون- قال: نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف...) أي: رأسها -إذا شبهته- كرأس البخت، أي: الإبل العجاف الهزيلة الضعيفة، عُنُق طويل ورأس كبير، وانظر إلى شعورهن كيف ينفشنها، انظر إليهن يذهبن إلى بعض الكوافيرات وبعض الصالونات لينفشن شعورهن ليظهرن عند الرجال وفي المجتمعات عاريات، بل بعضهن لا ترضى بشعرها حتى تضع شعراً على شعرها، تسميه الباروكة، وانظر إلى كثير من الرجال، حتى جاء في بعض الألفاظ: (كأشباه الرجال) وليس كأشباه الرجال، أي: رجال وليسو برجال، قال: (... كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات ...) ليس من قولي يا عبد الله، هذا قول رسولك عليه الصلاة والسلام، قال: (...العنوهن فإنهن ملعونات) أي: العنوهن على العموم، على قول بعض أهل العلم: ولا تعيِّن اللعنة، قال: (... العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدَمْن نساؤكم نساءهم، كما يخدِمَنَّكم نساءُ الأمم قبلكم) رواه أحمد، والحديث صحيح .

العلامة الرابعة: ظهور الأخلاء ذوو الوجهين

تجد في الناس إخواناً في العلانية، يصافح بعضُهم بعضاً، ويوَدُّ بعضُهم بعضاً، فإذا خلا كل منهم إلى صاحبه وإلى نفسه لَعَن أخاه وسبه واغتابه وشتمه:-

هم على صراط واحد، وعلى عقيدة واحدة، إخوان لكن في العلانية، فإذا كانوا في السريرة رأيتهم أعداء متباغضين متلاعنين يحذر بعضُهم من بعض.

اسمع إلى هذا الحديث الموقوف، هذا الكلام الذي يرويه أمين هذه الأمة: أبو عبيدة عامر بن الجراح، روى الطبراني عن محمد بن سوقة قال: أتيتُ نعيم بن أبي هند فأخرج إلي صحيفة -رسالة- فإذا فيها: [من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب سلام عليك -وجاء في هذه الصحيفة- وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة في آخر زمانها سيرجع إلى أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة] سوف يكونون في آخر الزمان إخواناً في العلانية أمام الناس، وإذا أتيتَ إليهم منفردين فإنهم أعداء، فرد عمر بن الخطاب على هذه الرسالة يؤكد ما قالا ويصَدِّقهم على ما قالا- ولكنه يقول: [سوف يكون هذا الأمر إذا ظهر في الناس الرغبة والرهبة] أي: إذا أخذوا يرغبون في الدنيا ويرهبون منها، وأصبحت أخوتهم لأجل مصالح الدنيا.

يقول الله جل وعلا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] اقتربت فهي قريبة، إن كان من العلامات علامة قد وقعت فهي قريبة، ما بالكم وأكثر هذه العلامات نراها بأم أعيننا قد انتشرت في هذا الزمان؟!

العلامة الخامسة: انتشار الشرط إخوان الظلمة

سيكون في الناس أمراء وحكام، وانظروا إلى صفحات عالمنا، وانظروا إلى سلسلة تاريخنا لتروا الظالمين كيف حكموا الناس، ويكثُر عند هؤلاء الظلمة أعوان وشُرَط وخادمون، وهذه من علامة الساعة، قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان شُرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله -أي: يخرج أحدهم من أول النهار وهو في غضب الله، ويرجع آخر النهار وهو في سخط الله- قال: فإياك أن تكون من بطانتهم) والحديث في صحيح الجامع .

وقال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لَمْ أَرَهُما: ... وذكر منهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) .

اسمع إلى أحد علماء أحد هذه الأمة، وهو النووي عليه رحمة الله لَمَّا ذَكَر هذا الحديث قال: وهذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وذلك قبل قرون عدة، فأما أصحاب السياط قال: فهم غلمان والي الشرطة -أي: رئيس الشرطة- غلمانه وحرسه هم الذين ذكرهم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي يقول عنه الإمام النووي: إنه وقع في ذلك الزمان قبل قرون عديدة.

العلامة السادسة: انتشار الزنا في الناس

أن ينتشر الزنا، ويتنتشر أسبابه، وتنتشر دواعيه في الناس، حتى يصبح أمراً عادياً، وحتى يصبح الأمر معتاداً، أنك تفتح جريدة فتسمع عن اكتشاف شقة للدعارة، وتقرأ خبراً في اغتصاب امرأة، وتسمع إلى حديث عن فلانة كيف فُضِح أمرُها، حتى يصبح الأمر عادياً وهذه من علامات الساعة.

قال عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة... وذكر منها: ويظهر الزنا) ويظهر، أي: ينتشر في الناس الزنا، وتشيع الفاحشة.

كيف لا يا عبد الله؟! كيف لا ينتشر وهانحن نجد في بعض الجرائد مقابلات مع ممثلات داعرات؟! فلانة كيف أصبحت نجمة؟! لأنها ظهرت عارية كما خلقها الله في أكثر من فيلم ينتشر بين الناس، أصبحت نجمة، وأصبحت بطلة.

عبد الله! هذا يُنْشَر في جرائدنا وفي صحفنا التي نشتريها ونرميها في البيت.

كيف لا ينتشر الزنا ولا يظهر وبعض الناس -هداهم الله- يأتي بعمالة من النساء يرميهن في الطرقات، يقبض عليهن الأموال للتجول والتكسب من البغاء؟! وكيف لا ينتشر الزنا يا عبد الله وصور النساء العاريات على صفحات المجلات، وعلى جدران بعض المحلات.

عبد الله! كيف لا ينتشر الزنا وهذه بعض أحوالنا؟!

قال القرطبي وهو شيخ القرطبي المفسر، قال: هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع.

يقول القرطبي : فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان، أتعرف أي أزمان؟ في القرن السابع للهجرة، ونحن الآن في القرن الخامس عشر، هذه العلامة التي قال عنها القرطبي عليه رحمة الله: إنها وقعت.. كيف به لو يعيش أزماننا هذه؟! كيف به لو يتجول في أسواقنا؟! كيف به لو يمشي في مجتمعاتنا وهو ينظر إلى هذه الأحوال؟!

عباد الله! إن الله عز وجل يقول عن الساعة واقترابها: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:57-58] نعم -يا عباد الله- اقتربت وأزفت؛ ولكن هل من مستعد لها؟! وهل من متجهز لها؟!

أقول هذا القول، وأستغفر الله.