أسماء الله الحسنى - الغافر والغفار والغفور


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

من أسماء ربنا جل جلاله: (الغافر والغفار والغفور).

واسمه جل جلاله (الغافر) لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة مضافاً في قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ[غافر:3].

أما اسمه جل جلاله (الغفار) فقد ورد في القرآن ست مرات, كما في قول الله عز وجل: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ[الزمر:5], وقوله عز وجل: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ[ص:66], وقول الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا[نوح:10].

وأما (الغفور) فقد ورد في إحدى وتسعين آية, تارة مضافاً إلى الرحيم, وهذا في أكثر المواضع, كما في قوله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الحجر:49], وقوله تعالى: أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الشورى:5] وتارة مع الودود، كما في قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ[البروج:14] وتارة مع الشكور، كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ[الشورى:23]، وتارة مع الحليم، كما قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا[فاطر:41].

هذه الأسماء المباركة الثلاثة (الغافر والغفور والغفار) نؤمن بها وندعو الله عز وجل بها, وللإيمان بها آثار:

محبة الله تعالى محبة عظيمة

أولاً: أن تحب ربك جل جلاله محبة عظيمة, فلو أن واحداً من الناس رآك على معصية, ثم بعد ذلك كتم عليك ولم يهتك سترك, ولم يكشف سرك, ولم يحدثك بهذه المعصية التي رآها منك, فكيف تكون مكانته عندك؟ ما حدث بهذا أحداً من الناس , وإنما كأنه لم ير شيئاً, فالله جل جلاله -وله المثل الأعلى- يراك وأنت على معصيته, يسمعك ويعرف مكانك, وأنت تعصيه تحت سمائه, وفوق أرضه, وهو جل جلاله يغذوك بنعمه, ومع ذلك يستر عليك، فهذا موجب لمحبته جل جلاله, وشكره على رحمته, والثناء عليه بما هو أهله.

فتح باب الرجاء في الله تعالى

إيقان المسلم بمغفرة الله ورحمته الواسعة

ثالثاً: يجب أن توقن أيها المسلم! أنه مهما بلغت ذنوبك كثرة, فإن مغفرة الله ورحمته أوسع من ذنوبك, قال الله عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ[النجم:32], وقد وعد بالمغفرة من تاب وآمن: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[طه:82].

ولذلك حكى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة من قتل مائة نفس, ثم بعد ذلك لما أقبل تائباً تاب الله عليه وأدخله في رحمته, وكذلك نفر من المشركين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهروه بالعداوة وسبوه وقاتلوه وألبوا عليه الناس, وصدوا عن سبيل الله, ثم بعد ذلك لما جاءوا مسلمين تائبين قبلهم الله عز وجل, حتى ( إن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما مد النبي صلى الله عليه وسلم يده ليبايعه كف عمرو بن العاص يده وقال: يا رسول الله! أشترط على ربي أن يغفر لي! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك يا عمرو ! أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها ).

وقد قال الله عز وجل: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ[الفرقان:70], يعني: ما يكتفي جل جلاله بأن يغفر ذنوبهم وأن يكفر سيئاتهم, بل بفضله وبمنه وكرمه يبدل تلك السيئات حسنات.

عدم إسراف المسلم في الذنوب والمعاصي بحجة أن الله غفار غفور رحيم

رابعاً: لا يجوز للمسلم أن يسرف في الذنوب والمعاصي بحجة أن الله غفار غفور رحيم, بل واجب عليك أن تعلم أن المغفرة تكون للتوابين الأوابين الرجاعين, قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ[آل عمران:135], وقال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[الأعراف:201], يرجعون إلى الله عز وجل؛ ولذلك قال سبحانه: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ[النمل:11], فلا بد من الأخذ بالأسباب المؤدية إلى مغفرة الله عز وجل.

اتصاف الله تعالى بالمغفرة تفضلاً منه وغنى عن العالمين

خامساً: اتصافه بالمغفرة جل جلاله إنما هو محض فضل منه؛ لأنه غني عن العالمين, أما في حق غيره فربما يعفو شخص عن شخص رجاء أمر آخر, لكن الله عز وجل يغفر ويعفو ويصفح فضلاً منه ورحمة, لا لأنه محتاج إليك, بل كما قال سبحانه في الحديث القدسي: ( لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ), فالله عز وجل لا تنفعه طاعة, ولا تضره معصية.

الله تعالى وحده من يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك والنفاق الاعتقادي

سادساً: عقيدتنا نحن -المسلمين- أنه لا يملك المغفرة إلا الله, قال الله عز وجل: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ[آل عمران:135], وليس عندنا في ديننا أن الإنسان يذنب فيذهب فيجلس عند رجل دين -كما يسمونه- على كرسي الاعتراف, ويقول له: أنا فعلت كذا وكذا وكذا, فيرفع رجل الدين -كما زعموا- الصليب علامة على أن هذه المعاصي قد غفرت وذهبت, فهذا كله هراء ودجل, وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق, ( يأتيه رجل من الناس يقول: يا رسول الله! أذنبت ذنباً ), فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا صنعت؟ أو احك لي عن ذنبك, وإنما قال له عليه الصلاة والسلام: ( ألك أم؟ قال: لا. قال: ألك خالة؟ قال: نعم قال: برها ), ولم يسأله عن الذنب.

فمعتقدنا أن الحسنات يذهبن السيئات, فلو أن الإنسان وقع في معصية أو خطيئة أو سيئة فعليه أن يردفها بحسنة مكفرة, كما قال عليه الصلاة والسلام: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن ).

ومما ينبغي أن يستقر في أذهاننا أن الله جل جلاله وإن كان غفاراً غفوراً, إلا أنه لا يغفر الشرك, فلو أن إنساناً لقي الله مشركاً فلا أمل له في مغفرة الله، قال تعالى: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا[النساء:48] وقال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا[النساء:116], وقال تعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

وكذلك من مات على نفاق اعتقادي, فلو أن إنساناً مات وهو -والعياذ بالله- يظهر الإسلام ويبطن الكفر, فإنه لا أمل له في المغفرة؛ ولذلك الله عز وجل أيأس نبيه صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يستغفر للمنافقين، فقال تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة:80] أي: للمنافقين أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهمْ[التوبة:80], يقول المفسرون: السبعون ها هنا للتكثير لا للحصر, يعني: لو أنه استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين إلى ما لا نهاية, فلن يغفر الله لهم.

وقال الله عز وجل: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[المنافقون:6], بل أكثر من ذلك أن عبد الله ابن سلول -لعنه الله- أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعطه لغيره, (فعندما توفي جاء ولده وقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله! إن أبي قد مات -وكان ولده صالحاً رضي الله عنه-, فأعطني قميصك أكفنه فيه, لعل الله يرحمه, فالنبي عليه الصلاة والسلام من رحمته ورأفته ما اكتفى بأن يعطيه القميص, بل ذهب معه, وأخرج الرجل من لحده, وكانوا سيغلقون اللحد, لكن أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من لحده, وتفل في فمه من ريقه الشريف عليه الصلاة والسلام, وكفنه في قميصه, ثم صلى عليه صلاة الجنازة, فأنزل الله عز وجل قوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ[التوبة:84]). حتى صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي يتمناها كل مسلم, والتي قال عليه الصلاة والسلام عنها: ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها, وإن الله ينورها بصلاتي عليهم ), مع ذلك لم تنفع ذلك الشقي, نسأل الله السلامة والعافية.

دعاء الله تعالى بالمأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام كسيد الاستغفار ونحوه

مجاهدة النفس على التخلق بخلق الصفح والمغفرة

ثامناً: مجاهدة النفس على التخلق بخلق الصفح, فلو أن إنساناً أساء إليك, أو تعدى عليك, خاصة إذا كان من أهل السابقة والفضل والجهاد ومن صالحي المؤمنين, فاصفح عنه لعل الله يصفح عنك. فهذا مسطح بن أثاثة رضي الله عنه رجل مهاجر بدري, تكلم في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, ثم لما نزلت براءتها من السماء, أقسم أبو بكر بالله ألا ينفق عليه أبداً, ولا يعطيه شيئاً, وكان أبو بكر يحسن إليه وينفق عليه, فأنزل الله عز وجل: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ[النور:22], قال أبو بكر : بلى! إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع يعطي مسطحاً ضعف ما كان يعطيه وقال: إرضاء للرحمن وإرغاماً للشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي حملني على هذه اليمين ألا أعطي مسطحاً شيئاً.

أسأل الله أن يغفر ذنوبنا! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أولاً: أن تحب ربك جل جلاله محبة عظيمة, فلو أن واحداً من الناس رآك على معصية, ثم بعد ذلك كتم عليك ولم يهتك سترك, ولم يكشف سرك, ولم يحدثك بهذه المعصية التي رآها منك, فكيف تكون مكانته عندك؟ ما حدث بهذا أحداً من الناس , وإنما كأنه لم ير شيئاً, فالله جل جلاله -وله المثل الأعلى- يراك وأنت على معصيته, يسمعك ويعرف مكانك, وأنت تعصيه تحت سمائه, وفوق أرضه, وهو جل جلاله يغذوك بنعمه, ومع ذلك يستر عليك، فهذا موجب لمحبته جل جلاله, وشكره على رحمته, والثناء عليه بما هو أهله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسماء الله الحسنى - الفتاح 2428 استماع
أسماء الله الحسنى - القاهر والقهار 2144 استماع
أسماء الله الحسنى - الرحمن الرحيم 2121 استماع
أسماء الله الحسنى - العزيز 2025 استماع
أسماء الله الحسنى - الاسم العلم الله 1997 استماع
أسماء الله الحسنى - الحكم والحاكم والحكيم 1989 استماع
أسماء الله الحسنى - السميع 1981 استماع
أسماء الله الحسنى - اللطيف 1959 استماع
أسماء الله الحسنى - القدوس 1935 استماع
أسماء الله الحسنى - الرازق والرزاق 1747 استماع