شرح الفتوى الحموية [30]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أما بعد:

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة: [ وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة: قسمان يقولان: تجرى على ظواهرها. وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها. وقسمان يسكتون.

أما الأولون فقسمان: أحدهما من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف، وإليه توجه الرد بالحق.

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله كما يجري ظاهر اسم العليم، والقدير، والرب، والإله، والموجود، والذات، ونحو ذلك، على ظاهرها اللائق بجلال الله، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث وإما عرض قائم به، فالعلم، والقدرة، والكلام، والمشيئة، والرحمة، والرضا، والغضب، ونحو ذلك في حق العبد أعراض، والوجه، واليد، والعين، في حقه أجسام، فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرة وكلاماً ومشيئة -وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين- جاز أن يكون وجه الله، ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين. وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح ].

من يجعل ظاهر الصفات من جنس صفات المخلوقين

في ختام هذه الرسالة أجمل الشيخ رحمه الله الفرق في باب الأسماء والصفات, فقال: (وجماع الأمر أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة) أي: من أهل الإسلام الذين ينتسبون إليه، الذين يتوجهون إلى القبلة، وهذه من أوسع الألفاظ التي تشمل الفرق المنتسبة إلى الإسلام (أهل القبلة) كل من توجه للقبلة بغض النظر عما اعتقده في باب الأسماء والصفات، وغيرها من العقائد.

(قسمان يقولان: تجرى على ظواهرها) أي: تجرى الأسماء والصفات وآياتها وأحاديثها على ظواهرها، (وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها, وقسمان يسكتون) ويأتي تفصيل ذلك فيما سمعنا بعضه، (أما الأولون فقسمان: أحدهما من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة) أي: هؤلاء الممثلة الذين يقولون: صفات الله جل وعلا كصفات خلقه لا فرق بينها، فالسمع الذي أثبته الله لنفسه كالسمع الذي ثبت للمخلوقين وسائر الصفات، كذلك البصر وغير ذلك من الصفات، وهؤلاء قلة لنفور النفوس عن تشبيه الخالق بالمخلوق، فإن النفوس مفطورة على إجلال الله وتقديره وتعظيمه، وأنه ليس كخلقه، فلما كان الأمر كذلك كان القائلون بهذا القول قلة لا يذكرون، وقد انقرض مذهبهم، فلا ممثل بعد انقراض مذهب الكرامية.

من يجري الصفات على ظاهرها اللائق بجلال الله

ثم قال: (ومذهبهم باطل أنكره السلف وإليه توجه الرد بالحق، أما الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم، والقدير، والرب، والإله، والموجود، والذات) فالعليم والقدير والرب والإله كل هذه من أسماء الله سبحانه وتعالى، وأما الموجود والذات فهذه ليست أسماء لله؛ لأن الأسماء مبناها على التوقيف، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن الله يسمى بهذين الاسمين، وإنما ذكرهما الشيخ رحمه الله تبعاً، وليس مراده أن الله سبحانه وتعالى يسمى بالموجود أو أنه يسمى بالذات.

قال: (ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث) جوهر تقدم لنا تفسيره في الدرس السابق وهو حقيقة الشيء، ويفسره المتكلمون بالمتحيز (إما جوهر محدث وإما عرض قائم به) يعني: قائماً بذلك الجوهر المحدث.

هذا بالنسبة للمخلوق، فإثبات هذه الصفات بالنسبة للمخلوق إما جوهر محدث، وإما أعراض تقوم بهذا الجوهر، وأما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فهي ليست كالتي تثبت للمخلوق، بل الذي له سبحانه وتعالى يليق به، ولا يلزم عليه هذه اللوازم التي يذكرونها, قال: (فالعلم والقدرة والكلام والمشيئة والرحمة والرضا والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراض، والوجه واليد والعين في حقه -يعني: في حق المخلوق- أجسام، -أي: جوهر- فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرةً وكلاماً ومشيئةً، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين, جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوق) وهذا إلزامهم ببعض ما قالوه، فلما قالوا بجواز وصف الله سبحانه وتعالى بالعلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والمشيئة وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية التي يثبتونها؛ جاز وصفه بذلك، ولم يلزم من هذا الإثبات مشابهتها لما اتصف به المخلوق، وكذلك في الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين وما أشبه ذلك، فلا تلازم بين إثبات هذه وبين التمثيل، بل نثبتها على الوجه الذي يليق بالله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

قال: (فإن كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرة وكلاماً ومشيئة، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين؛ جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين، وهذا) أي: ما تقدم (من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، هذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف رحمهم الله، وعليه) أي: على هذا (يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه) وهذا من دقة الشيخ رحمه الله وإنصافه، يدل عليه كلام جمهورهم، يعني: من نقل عنه الكلام في هذا الباب منهم أي: من السلف فإنه يدل عليه، ومن لم ينقل عنه النص على هذا فإن عموم كلامه يدل على صحة هذا المذهب، وهذا أمر واضح.

في ختام هذه الرسالة أجمل الشيخ رحمه الله الفرق في باب الأسماء والصفات, فقال: (وجماع الأمر أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة) أي: من أهل الإسلام الذين ينتسبون إليه، الذين يتوجهون إلى القبلة، وهذه من أوسع الألفاظ التي تشمل الفرق المنتسبة إلى الإسلام (أهل القبلة) كل من توجه للقبلة بغض النظر عما اعتقده في باب الأسماء والصفات، وغيرها من العقائد.

(قسمان يقولان: تجرى على ظواهرها) أي: تجرى الأسماء والصفات وآياتها وأحاديثها على ظواهرها، (وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها, وقسمان يسكتون) ويأتي تفصيل ذلك فيما سمعنا بعضه، (أما الأولون فقسمان: أحدهما من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة) أي: هؤلاء الممثلة الذين يقولون: صفات الله جل وعلا كصفات خلقه لا فرق بينها، فالسمع الذي أثبته الله لنفسه كالسمع الذي ثبت للمخلوقين وسائر الصفات، كذلك البصر وغير ذلك من الصفات، وهؤلاء قلة لنفور النفوس عن تشبيه الخالق بالمخلوق، فإن النفوس مفطورة على إجلال الله وتقديره وتعظيمه، وأنه ليس كخلقه، فلما كان الأمر كذلك كان القائلون بهذا القول قلة لا يذكرون، وقد انقرض مذهبهم، فلا ممثل بعد انقراض مذهب الكرامية.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الفتوى الحموية [23] 2840 استماع
شرح الفتوى الحموية [8] 2296 استماع
شرح الفتوى الحموية [17] 2168 استماع
شرح الفتوى الحموية [27] 2166 استماع
شرح الفتوى الحموية [15] 1975 استماع
شرح الفتوى الحموية [10] 1873 استماع
شرح الفتوى الحموية [2] 1857 استماع
شرح الفتوى الحموية [3] 1849 استماع
شرح الفتوى الحموية [6] 1848 استماع
شرح الفتوى الحموية [20] 1799 استماع