خطب ومحاضرات
مجتمعاتنا والصيف
الحلقة مفرغة
الحمد لله، الحمد لله الموصوف بصفات الكمال، المتفرد بالعزة والجلال، منه المبتدى وإليه المرجع والمآل، حبب إلينا الإيمان ودعانا إلى صالح الأعمال، وكره إلينا الكفر وحذرنا من سوء الفعال، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد على كل حال، وفي كل آن، وله الحمد في الأولى والآخرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه كافةً إلى الناس أجمعين، وجعله رحمةً للعالمين.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم اتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون!
على أبواب الصيف يتجدد الحديث عن مجتمعاتنا والصيف، ذلك أن أموراً وأحوالاً وأوضاعاً كثيرة ربما يقع فيها كثيرون وهي مما ينبغي أن ينتبه له المسلم، وأن يحذر منه المؤمن، لأنه لا يليق به ولا يتناسب مع غاياته وأهدافه، ومع سماته وصفاته.
وكثير من الإخوة قد أشار إلى التنبيه على بعض هذه الأمور لأهميتها، وحرصاً على أن نكون -بإذن الله عز وجل- في موضع طاعته سبحانه وتعالى، وفي أسباب طلب العز والنصر والقوة لهذه الأمة التي لحق بها كثير من الضعف، وتمزقت أوصالها، واختلفت آراؤها، وحل بها كثير من غضب الله سبحانه وتعالى؛ بسبب تفريطها في طاعته، وتقصيرها في التزام منهجه.
إن هناك ظواهر كثيرة أحب أن أقف على بعض منها بشيء من الوضوح والصراحة، وبتسليط الضوء على الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظواهر، ومن خلال رؤية إلى بعض صور العلاج لها.
إدمان السهر والانشغال باللهو
السهر والعبث: فنحن نرى كثيرين في هذه الأوقات لا ينامون إلا بعد الفجر، أو ربما بعد انبثاق النور وبداية النهار، وذلك ليناموا بعد ذلك سائر يومهم، ونجد هذا السهر عابثاً ليس فيه شيء ينفع ويفيد في غالب الأحوال، بل فيه لغو باطل، وكلام لا نفع فيه، وربما وقع فيه اجتماع على بعض صور وأعمال من معاصي الله عز وجل، وربما يكون فيه كثير من أسباب الأذى؛ ولذلك نجد هذه الصورة تبرز لنا لتدلنا على هذا التعطل والبطالة.
وصورة أخرى نراها أيضاً تابعة لها، وهي النوم والكسل: فلا انشغال بعمل، ولا ارتباط بهدف، ولا سعي لإنجاز مهمة، بل لو كان هناك وقت غير النوم فإنه يقضى في الفراغ الذي لا جدوى فيه ولا نفع.
ونجد أيضاً صورةً ثالثة: وهي التفاهة والأذى التي نجد فيها كثيراً من الشباب والشابات، رغم سهرهم وعبثهم، ورغم نومهم وكسلهم، يفيض الوقت لكثرته، فلا يقضونه إلا في أمور تافهة، يفكر أحدهم في ملابسه أو سيارته، وتفكر الأخرى في زينتها أو أسواقها، أو غير ذلك، ويقع من وراء ذلك ما يقع من الأذى للناس، أو من التجريح لهم، أو ما يقع من آثار الاجتماعات والتجمعات التي يقضون فيها أوقاتهم، فنجد حينئذ تجسداً لهذه الصورة التي لا تليق بالمسلم، فضلاً عن شباب الأمة الذين هم أملها المرتقب.
أسباب التهاون في إجازة الصيف
وكذلك نجد أمراً آخر يساعد على ذلك، وهو البيئة الاجتماعية -الدائرة الأوسع من دائرة البيئة الأسرية- فنحن نرى حديث الناس في الصيف عن قضاء الأوقات أو قتلها في اللهو والعبث، أو غير ذلك من الصور التي تكرس هذا المعنى.
وأمر ثالث أيضاً: وهو الدعاية الإعلامية التي تعمق هذا المفهوم، فهناك دعوة للسياحة، ولقضاء أوقات الفراغ، وللتنزه، وغير ذلك من الأمور التي قد يكون أصلها ليس محظوراً ولا محرماً، لكن تعميقها وجعلها غايةً، وصرف الأوقات والأموال فيها؛ هو الأمر الذي ينبغي أن يترفع عنه المسلم.
إننا حينما نجسد هذه الصورة نقف على خطر عظيم، ذلك أن هناك وقتاً طويلاً يمتد إلى أشهر، وشبابنا وشاباتنا وطلابنا وطالباتنا تصل أعدادهم إلى الملايين، وهناك أوضاع متنوعة متعددة تضيع بلا جدوى ولا ثمرة.
ونحن أمة نحتاج إلى مزيد من مضاعفة الجهد والعمل وتحصيل الثقافة والعلم؛ لندرك من سبقنا في أبواب كثيرة من أبواب التقدم والعلم، ولنحصل كثيراً مما فاتنا وسبقتنا إليه أمم أخرى، ومع ذلك نجد الأمر على هذا النحو.
بل إننا نجد شكوى مزعومةً من بعض الشباب في أوقات الدراسة، هذا وهم يأملون ويؤجلون كل آمالهم وطموحاتهم إلى هذه الفترة؛ فتجد أحدهم لا يجد فرصةً للعبادة والطاعة بحجة انشغاله بالدراسة، وآخر لا يجد متسعاً من الوقت للثقافة والاطلاع وزيادة المعلومات بسبب الانشغال بالتحصيل والاختبارات، وثالث لا يرى فرصةً لتنمية المهارات، أو ممارسة الهوايات، فأين هذا كله في هذه الفترة؟
التهاون بالعبادات والطاعات وإهمالها
أين قول الله عز وجل: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]؟
أين أنت أخي الشاب المسلم من قول الله عز وجل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]؟
أفلا تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصغار الصحابة، وتذكر الشباب الغض الطري كيف كان يقضي ليله، وهو في النهار من المجاهدين ومن العاملين، لا من النائمين والكسالى الذين تتاح لهم فرصة للراحة، مع ذلك كان دأبهم على ما نعلمه ويعلمه كثير منا لكنه لا يؤثر في واقعنا؛ فكلنا نعلم قصة ربيعة بن كعب رضي الله عنه لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمنيته ليدعو له بها، فقال: (أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: ليس إلا هو، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، فلم يكن رضي الله عنه يدع قيام الليل بعد ذلك وهو في الرابعة عشرة من عمره.
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح البخاري جاء إليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: (ألم أخبر أنك تصلي فلا تنام، وتصوم فلا تفطر، وتقرأ القرآن في كل ليلة؟ قال: نعم يا رسول الله)، هذا الخير بلغ النبي عليه الصلاة والسلام عن حال عبد الله بن عمرو وهو الشاب الذي كان في مقتبل العمر، فكان يصلي فلا ينام، يصوم فلا يفطر، ويقرأ القرآن في كل يوم، حتى رده النبي عليه الصلاة والسلام إلى الاعتدال، وذكر له صيام يوم وإفطار يوم، وأن ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه الأخير، وأن يختم القرآن في خمس، أو في سبع كما في بعض الروايات.
نحن نقول لإخواننا ولأنفسنا ولآبائنا: إن هذا الوقت الذي يفرغ فيه الإنسان أو الشاب من هذا الارتباط بالدارسة أو التحصيل وغير ذلك، ينبغي أن يقابله هذا الاستثمار في العبادة والطاعة.
أين الذكر والتلاوة؟ كثير من الشباب لا يجدون -كما يقولون- وقتاً لتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل في أوقات الدراسة، أفليس جديراً بهم أن يقرءوا جزءاً من القرآن في أول نهارهم، وجزءاً في آخر يومهم، أو أكثر من ذلك كما كان شباب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون؟
أين المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى المساجد والصلوات؟ أين هذا الذي كان يُترك بعضه أو كثير منه بحجة الانشغال بالدارسة والتفرغ لها؟
فما بالنا نشكو هذه الشكاوى المزعومة، وندعي هذه الدعاوى الموهومة، ثم إذا جاء الوقت وحانت الفرصة لم نجد الصورة الصادقة لهذه الدعوى.
إهمال الثقافة والاطلاع في أوقات الفراغ
نجد كأن الإنسان إنما جعل له هذا الوقت ليبدده من غير فائدة، ونحن نعلم ما كان من سلفنا رضوان الله عليهم كيف نقلوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف نقلوا لنا القرآن الكريم، كيف نقلوا لنا هذه الثروة الهائلة من العلوم الإسلامية، والمؤلفات الضخمة، حيث لم يكن أحدهم ينام ملء عينيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويطمئن إلى الدنيا، وينشغل باللهو والعبث، بل كانوا على جد وعمل.
فهذا ابن عقيل الحنبلي يقول: إنه لا يترك لحظةً إلا وهو ينشغل بقراءة، فإن لم يكن فبكتابة، فإن تعب تمدد وشغل فكره في مسألة من المسائل، وكان بعض السلف وبعض علماء الأمة من أمثال إمام الحرمين الجويني لا ينام إلا مغلوباً، فليس له وقت في النوم، وإنما يقرأ ويطالع ويدرس ويعمل، حتى يرهق فينام، فإذا نام نومةً قصيرةً كانت أو طويلة استيقظ وواصل عمله.
جد ودأب واستثمار واستغلال، فما بالنا نحن في هذه الظروف اليسيرة التي هيأ الله فيها أسباباً من النعم كثيرة، نفرط مثل هذا التفريط، وندع مثل هذه الفرص دون اغتنام.
التقصير في التوجيه للشباب
لا نجد أيضاً التوجيه الإعلامي المناسب الذي يعمق هذا التوسع الفكري والاطلاع الثقافي لدى شبابنا، حتى إننا نجد أحياناً صوراً ممسوخةً لا يعرف فيها أحدهم ما درسه من المناهج، بل لا يعرف أحدهم أن يجيد كتابة اسمه فضلاً عن أن يكون صاحب علم ومعرفة.
كثيراً ما يرتبط بالأذهان أن إجازة الصيف هي خلو عن أي عمل، وترك لأي طلب أو أخذ أو زيادة في العلم، وهذا يظهر أكثر في صفوف طلاب المدارس والجامعات الذين تتوقف دراستهم؛ فيرى أحدهم أن نظره في كتاب، أو مطالعته في مسألة، أو مراجعته لمنهج من المناهج كبيرة من الكبائر، وعظيمة من العظائم، وتسلط في أذهان كثير من أبنائنا وشبابنا أن هذه الفترة رغم امتدادها وطولها، ورغم وجود الفراغ فيها، ورغم تهيؤ كثير من الأسباب النافعة خلالها: أنه ينبغي لهم أن يكونوا عطلاً من كل علم وعمل، ونجد ذلك يتمثل في صور عمليه، وظواهر اجتماعية كثيرة: منها:
السهر والعبث: فنحن نرى كثيرين في هذه الأوقات لا ينامون إلا بعد الفجر، أو ربما بعد انبثاق النور وبداية النهار، وذلك ليناموا بعد ذلك سائر يومهم، ونجد هذا السهر عابثاً ليس فيه شيء ينفع ويفيد في غالب الأحوال، بل فيه لغو باطل، وكلام لا نفع فيه، وربما وقع فيه اجتماع على بعض صور وأعمال من معاصي الله عز وجل، وربما يكون فيه كثير من أسباب الأذى؛ ولذلك نجد هذه الصورة تبرز لنا لتدلنا على هذا التعطل والبطالة.
وصورة أخرى نراها أيضاً تابعة لها، وهي النوم والكسل: فلا انشغال بعمل، ولا ارتباط بهدف، ولا سعي لإنجاز مهمة، بل لو كان هناك وقت غير النوم فإنه يقضى في الفراغ الذي لا جدوى فيه ولا نفع.
ونجد أيضاً صورةً ثالثة: وهي التفاهة والأذى التي نجد فيها كثيراً من الشباب والشابات، رغم سهرهم وعبثهم، ورغم نومهم وكسلهم، يفيض الوقت لكثرته، فلا يقضونه إلا في أمور تافهة، يفكر أحدهم في ملابسه أو سيارته، وتفكر الأخرى في زينتها أو أسواقها، أو غير ذلك، ويقع من وراء ذلك ما يقع من الأذى للناس، أو من التجريح لهم، أو ما يقع من آثار الاجتماعات والتجمعات التي يقضون فيها أوقاتهم، فنجد حينئذ تجسداً لهذه الصورة التي لا تليق بالمسلم، فضلاً عن شباب الأمة الذين هم أملها المرتقب.
نحن نرى أن تلك المظاهر تدفعها أسباب، وتهيئها أوضاع، ذلك أن هناك تربية أسرية تكرس هذه المعاني، فنجد كثيراً من الآباء والأمهات يغرسون في نفوس أبنائهم أنه لا ينبغي له أن يقرأ، ولا أن يتعلم ولا أن يعمل شيئاً، ولا أن تسند إليه مهمة، ولا أن يقوم بأي شيء.
وكذلك نجد أمراً آخر يساعد على ذلك، وهو البيئة الاجتماعية -الدائرة الأوسع من دائرة البيئة الأسرية- فنحن نرى حديث الناس في الصيف عن قضاء الأوقات أو قتلها في اللهو والعبث، أو غير ذلك من الصور التي تكرس هذا المعنى.
وأمر ثالث أيضاً: وهو الدعاية الإعلامية التي تعمق هذا المفهوم، فهناك دعوة للسياحة، ولقضاء أوقات الفراغ، وللتنزه، وغير ذلك من الأمور التي قد يكون أصلها ليس محظوراً ولا محرماً، لكن تعميقها وجعلها غايةً، وصرف الأوقات والأموال فيها؛ هو الأمر الذي ينبغي أن يترفع عنه المسلم.
إننا حينما نجسد هذه الصورة نقف على خطر عظيم، ذلك أن هناك وقتاً طويلاً يمتد إلى أشهر، وشبابنا وشاباتنا وطلابنا وطالباتنا تصل أعدادهم إلى الملايين، وهناك أوضاع متنوعة متعددة تضيع بلا جدوى ولا ثمرة.
ونحن أمة نحتاج إلى مزيد من مضاعفة الجهد والعمل وتحصيل الثقافة والعلم؛ لندرك من سبقنا في أبواب كثيرة من أبواب التقدم والعلم، ولنحصل كثيراً مما فاتنا وسبقتنا إليه أمم أخرى، ومع ذلك نجد الأمر على هذا النحو.
بل إننا نجد شكوى مزعومةً من بعض الشباب في أوقات الدراسة، هذا وهم يأملون ويؤجلون كل آمالهم وطموحاتهم إلى هذه الفترة؛ فتجد أحدهم لا يجد فرصةً للعبادة والطاعة بحجة انشغاله بالدراسة، وآخر لا يجد متسعاً من الوقت للثقافة والاطلاع وزيادة المعلومات بسبب الانشغال بالتحصيل والاختبارات، وثالث لا يرى فرصةً لتنمية المهارات، أو ممارسة الهوايات، فأين هذا كله في هذه الفترة؟
نحن نسأل عن الليل، أين قيام الليل من هذا السهر العابث واللهو التافه الذي تقضى فيه كثير من الأوقات؟
أين قول الله عز وجل: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]؟
أين أنت أخي الشاب المسلم من قول الله عز وجل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]؟
أفلا تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصغار الصحابة، وتذكر الشباب الغض الطري كيف كان يقضي ليله، وهو في النهار من المجاهدين ومن العاملين، لا من النائمين والكسالى الذين تتاح لهم فرصة للراحة، مع ذلك كان دأبهم على ما نعلمه ويعلمه كثير منا لكنه لا يؤثر في واقعنا؛ فكلنا نعلم قصة ربيعة بن كعب رضي الله عنه لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمنيته ليدعو له بها، فقال: (أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: ليس إلا هو، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، فلم يكن رضي الله عنه يدع قيام الليل بعد ذلك وهو في الرابعة عشرة من عمره.
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح البخاري جاء إليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: (ألم أخبر أنك تصلي فلا تنام، وتصوم فلا تفطر، وتقرأ القرآن في كل ليلة؟ قال: نعم يا رسول الله)، هذا الخير بلغ النبي عليه الصلاة والسلام عن حال عبد الله بن عمرو وهو الشاب الذي كان في مقتبل العمر، فكان يصلي فلا ينام، يصوم فلا يفطر، ويقرأ القرآن في كل يوم، حتى رده النبي عليه الصلاة والسلام إلى الاعتدال، وذكر له صيام يوم وإفطار يوم، وأن ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه الأخير، وأن يختم القرآن في خمس، أو في سبع كما في بعض الروايات.
نحن نقول لإخواننا ولأنفسنا ولآبائنا: إن هذا الوقت الذي يفرغ فيه الإنسان أو الشاب من هذا الارتباط بالدارسة أو التحصيل وغير ذلك، ينبغي أن يقابله هذا الاستثمار في العبادة والطاعة.
أين الذكر والتلاوة؟ كثير من الشباب لا يجدون -كما يقولون- وقتاً لتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل في أوقات الدراسة، أفليس جديراً بهم أن يقرءوا جزءاً من القرآن في أول نهارهم، وجزءاً في آخر يومهم، أو أكثر من ذلك كما كان شباب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون؟
أين المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى المساجد والصلوات؟ أين هذا الذي كان يُترك بعضه أو كثير منه بحجة الانشغال بالدارسة والتفرغ لها؟
فما بالنا نشكو هذه الشكاوى المزعومة، وندعي هذه الدعاوى الموهومة، ثم إذا جاء الوقت وحانت الفرصة لم نجد الصورة الصادقة لهذه الدعوى.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2910 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2732 استماع |
فاطمة الزهراء | 2699 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2630 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2544 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2537 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2536 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2488 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2470 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2454 استماع |