خطب ومحاضرات
تفسير سورة المؤمنون [45-50]
الحلقة مفرغة
قال الله جلت قدرته: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [المؤمنون:45-48].
بعد أن قص الله علينا قصص أمم وقرون مضت وأجمل القول في ذكر أنبيائهم ورسلهم ورسالاتهم والكتب المنزلة عليهم، فقد أبوا جميعاً إلا الكفر وتكذيب كتاب ربهم وتكذيب رسله، وكانت حجتهم التي يكادون يتواطئون عليها: كيف يؤمنون ببشر مثلهم؟ فلم لا يكون الرسل ملائكة يمشون على الأرض؟ ولو كانوا ملائكة لكانوا بشراً، ثم لكذبوهم ولما آمنوا بهم.
ثم قص الله جل جلاله علينا باختصار سبق تفصيله وبيانه وسبقت جزئياته: قصة إرسال موسى وأخيه هارون إلى فرعون وقومه وقومهم من بني إسرائيل.
فقال تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ثم أرسل الله موسى وجعله رسولاً مبلغاً عنه لرسالته، ومبلغاً لكتابه، وعززه وجعل معه أخاه هارون وزيراً، وقد طلبه موسى للكنة كانت في لسانه، إذ كان هارون أفصح منه بياناً، وأقدر على التعبير عما في نفسه وما يريد قوله بفصيح العبارة وبليغها، فاستجاب الله له، وكانت أخوة موسى لهارون لم يسبق ولم يأت بعدها مثلها، فقد دعا لأخيه بأن يكون رسولاً، فاستجاب الله له، فارتفع هارون من كونه بشراً عادياً إلى رسول ونبي كريم.
فأرسل الله موسى وهارون معاً بآياته لبيان الذي يمكن أن يقبله كل من وفق للخير وألهم الإيمان، ولكن فرعون الذي أرسل إليه هذان النبيان الكريمان كان من الكفر هو وقومه ومن الإصرار عليه بما تندى له الجباه، ولم يؤمنوا على كثرة ما رأوا من الآيات البينات والمعجزات الواضحات مما أتى به موسى وهارون، فقد أتيا بالآيات بقدرة الله جل جلاله على ما لم يقدر عليه سواه، مما أكد صدقهما، وأنهما الرسولان الصادقان الكريمان، وأنهما أتيا من الله رسولين بآيات واضحات، وسلطان مبين، ودليل وبرهان واضح بين ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولمن فتح أذنه، وشرح صدره لقبول الهداية والرسالة.
وقد أرسلهما الله إلى فرعون المتأله الذي أبى إلا أن يستخف قومه ويدعي الألوهية عجزاً وسفهاً، محتجاً بأن له ملك مصر، وأن الأنهار تجري من تحته.
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [المؤمنون:45-46].
أي: أرسلهما ليقولا لفرعون: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ [طه:47]، وإذا به يأبى هو وقومه، واستعبد هو وقومه بني إسرائيل، فقتلوا الشباب واستحيوا النساء، واستخدموهن فيما لا يكاد يطيقه الحيوان الأعجم على ما له من قدرة ومن قوة، ومع هذا أبى فرعون وملؤه أن يستجيبوا لموسى وهارون.
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا أي: تعالوا على الحق، واستكبروا على موسى، وظنوا أن لهم شأناً وأن لهم قدراً وأن لهم مكانة، واغتروا بما معهم من سلطان زائل ومال ونشب غير باق، وهكذا غروا، وغر بعضهم بعضاً إلى أن عاقبهم الله، فدمرهم وأغرقهم، وملّك ديارهم وسلطانهم لموسى وهارون وملئهما.
فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ استكبر فرعون وقومه وتعاظموا وتعالوا واستنكفوا (وكانوا قوماً عالين) طغاة جبابرة يأبون الحق والخضوع له، ويأبون قبول الهداية بدليلها وبسلطانها وببرهانها، وكانت حجتهم هي حجة من سبقهم من الأمم السابقة الكافرة المشركة التي أبت إلا كفوراً وأبت إلا عصياناً، فقال فرعون وملؤه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ أي: كيف يتصور -وهذا في عقولهم الزائفة السخيفة- أن يرسل لهم بشراً مثلهم؟! ولو كان موسى أول رسول ولو كان هارون أول نبي لقلنا إن القوم جهلوا ولم يروا هذا في سابق الدهور والأزمان، ولكن الأمر ليس كذلك فقد أرسل الله قبلهم رسلاً وأرسل نبيئين، فبلغوا الرسالة، وهدوا القوم منذ آدم إلى إدريس فنوح فإبراهيم فسلالته من إسماعيل وإسحاق إلى موسى وهارون، فلم يكونا بدعاً من الرسل ولا بدعاً من الأنبياء.
ولقد كان الكل بشراً يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج النساء، ويولدهن الذراري والأسباط والأولاد، فما العجب هنا أن يكونا بشرين؟ ولكنهم مع ذلك أصروا على هذا، وظنوه دليلاً وبرهاناً فقالوا: (أنؤمن)؟ فهم يستنكرون باستفهام استنكاري يعود عليهم وباله، ويعود عليهم جهله، ويعود عليهم ذله.
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا أي: يأكلون كما نأكل، ويتناكحون كما نتناكح، ويتوالدون كما نتوالد، أيمكن أن يكون هذا؟ واطمأنوا لهذا الدليل السخيف الذي يدل على أنهم عطلوا عقولهم عن الفهم والإدراك والوعي.
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ، وزادوا هنا على قولهم السابق: أن هؤلاء هم من عشيرة ومن قوم هم لنا عبيد، فزادوا واحتجوا بما ظلموا به القوم فاستعبدوهم وجعلوا منهم السراري، وجعلوا منهم العبيد، ولم يكونوا قبل كذلك، وهذا من طغيان الفراعنة، ومن طغيان القبط، وهو من طغيان الكفرة المشركين، وموسى وهارون يتحملان ذلك منهم، والله يعززهم ويؤيدهم بالمعجزة بعد المعجزة، وبالقدرة بعد القدرة، وما يزدادون بذلك إلا عتواً وفساداً في الأرض.
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47].
أي: مستخدمون مستعبدون، فَكَذَّبُوهُمَا بسبب الحجة الباطلة من كونهما بشرين، ومن كون قومهما لهم عابدين مستعبدين، فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ كذبوا موسى أن يكون نبياً رسولاً، وكذبوا هارون أن يكون نبياً ورسولاً، فكانوا بذلك مكذبين لرسالة إلههم وللكتاب المنزل عليهم، فازدادوا بذلك إثماً وعتواً وفساداً في الأرض، فحلت عليهم العقوبة وحلت عليهم النقمة، فدمرهم الله وأغرقهم وأصبحوا كأمس الدابر، وملك الله موسى وهارون وقومهما ديارهم، وملكهم جنانهم وخيراتهم وكنوزهم وما اشتغلوا له وعملوا من أجله قروناً تتبعها قرون.
والله حين يعرض علينا هذا يعرضه على من عاصر النبوءة المحمدية، وعلى من جاء بعدهم، وفي معناه الإنذار والتهديد والوعيد، أي: إذا لم تؤمنوا ولم تصدقوا ولم تقبلوا الآيات البينات التي أتى بها محمد صلى الله عليه وعلى آله، فما عوقب له الأولون سيعاقب به الآخرون، فهو نذير ووعيد، وقد كان ذلك ولا يزال لكل أمة ولكل شعب إذا أبى الإيمان وأبى الهداية، وكذب الرسالة، وكذب الرسول فالله جل جلاله يدمره في الدنيا.
ووقف تدمير الناس بعد خروج نبينا صلى الله عليه وسلم عن أن يمسخوا قردة، وعن أن يمسخوا خنازير، وعن أن يضربوا بما ضرب الله به من سبقهم من الصيحة والزلزلة والزعازع التي نزلت من السماء وقامت من الأرض، فكانوا كأن لم يعيشوا يوماً ولم ينبسوا ببنت شفة يوماً، فهذا لا يحدث بعد؛ تكرمة للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يمنع من أن يستعبدوا أصلاً، ومن أن تؤخذ منهم نساؤهم وأموالهم غنائم، وهكذا حصل فقد عذب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منهم ولم يؤمن، وزلزلوا في غزوات وخاصة في غزوة بدر، وفي فتح مكة، فقتل من قتل، وأسر من أسر، وأخذت أموال من أخذت منه، واستعبد من استعبد، ولعذاب الله أشد وأنكى لمن أصر على كفره ولم يؤمن قبل أن يموت، ولم يقل يوماً: ربي الله.
وهكذا رأينا الأمم بعد فقد أصاب الله الناس بالحروب الماضية من لدن الصليبيين، إلى التتر، إلى الاستعمار الأوربي، إلى الاستعمار الأمريكي إلى الاستعمار الصيني والروسي، إلى الاستعمار اليهودي، وإذا بقي المسلمون على عصيانهم والكافرون على شركهم فعند الله من أنواع العذاب والنكال ما تتزحزح له النفوس، وتزلزل له الأرواح، ولعذاب الله بعد ذلك أشد وأنكى.
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ فكانوا من المهلكين بالغرق، مهلكين في النيل بالخنق وبالإذلال وبالضياع وبالبوار بما ضاعت فيه ألوهيتهم الزائفة، وزعامتهم الكاذبة، وملكهم الفاني، وهكذا الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [المؤمنون:49].
بعد أن أنهي القول مختصراً ومضى قبل مفصلاً بتمام القصة بياناً منذ البداية إلى النهاية، فهنا أعاد الله ذلك لتذكير هؤلاء المصرين من قريش ومن العرب ومن الفرس والروم بعد ذلك، وجميع ملل الأرض وشعوبها على الإطلاق ممن أرسل لهم جميعاً محمد العربي صلوات الله وسلامه عليه.
ذكر الله تعالى بعد هلاك فرعون وملئه أنه أرسل لبني إسرائيل الكتاب: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ، فأنزل عليه التوراة ليبلغه إلى قومه من بني إسرائيل هادياً وداعياً إلى الله وتوحيده وعبادته، وإلى تصديق موسى وهارون في كل ما يبلغانه عن الله، وكانت النتيجة أيضاً أن بني إسرائيل على ما لقي منهم موسى، ولقي منهم هارون من عنت، وعلى ما ذاقوه من ذل واستعباد فرعون لهم، وقهر ملئه إلا أنهم أخذوهم وذهبوا بهم إلى القدس إلى فلسطين، فما كادوا يعبرون النهر ويتجاوزون النيل حتى أخذوا يصنعون الأصنام ويعبدون العجل، فعوقبوا به أربعين عاماً يتيهون في الأرض، فلم يصلوا إلى القدس إلا وهم في ذل، وأبوا الدخول على عادتهم قديماً وحديثاً، فقالوا لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24]، وأرادوا كما أرادوا اليوم أن تأتي دول الكفر على كل أشكالها ويعطوهم أرضاً بعد فراغها من سكانها وشعوبها، فيعطوها لهؤلاء الضائعين الذين لعنهم الله ومسخهم قردة وخنازير، ولعنوا لعنة الآباد، وإنما يستدرجهم الله بما هو أشد بلاء وأعظم جزاء، وهكذا إلى أن أخذوا الأرض كما أخذت قبل، فلم يحسنوا سابقاً ولم يحسنوا لاحقاً، وكانوا المصدر للفساد، وكانوا الأس لنشر الظلم، وسفك الدماء، وهتك الأعراض قبل وبعد.
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أنزل عليه التوراة فيها الهداية والنور، فأول ما صنعوا أنهم أخذوا يتلاعبون بكتاب ربهم، فبدلوه وغيروه وحرفوه، ونقلوه من كتاب يدعو إلى الله الواحد إلى عبادة العزير وإلى عبادة العجل، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، وكفر اليهود إذ قالوا: العزير ابن الله، كما قال ذلك النصارى عن عيسى ابن مريم، فهم أمم كلما جاءت أمة لعنت أختها، وزادت وتبرت إياها كفراً وشركاً وطغياً وظلماً وعدواناً، وهكذا دمر الله الكل وأصبحوا أحاديث وقصصاً تتلى وعبراً؛ لعل الآتين بعدهم يتعظون بها، ويأخذون منها الحكمة والعبرة، فلا يفعلون فعلهم، ولكنهم مع هذا أبوا إلا أن يفعلوا فعلهم، فعوقبوا عقوبتهم، بل سلط عليهم هؤلاء الأذلون أنفسهم.
أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83]، والكل بعد ذلك إلى جنهم وبئس المصير.
قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50].
ثم لخص الله جل جلاله أيضاً لنا قصة مريم وقصة ابنها عيسى، وأنه جعلهما آيتين معجزتين يدلان على قدرته وعلى عظيم إرادته، وأنه يفعل ما شاء كيف شاء جل جلاله وعز ومقامه، وقد مضت القصة كذلك مفصلة في غير ما سورة، كما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون وملئه وإلى بني إسرائيل، وكذلك جعل في الكون للنصارى وغير النصارى، لبني إسرائيل وغير بني إسرائيل، جعل ابن مريم وأمه آية. وما هي هذه الآية؟
العادة بعد آدم وحواء أن يولد الرجل من نطفة تختلط من ماء الرجل من صلبه، وماء المرأة من صدرها، فيختلط ذلك فينشأ عنه بشر سوي، فخلق الإنسان من تراب ثم من نطفة ثم سواه رجلاً، فخلق آدم من تراب بلا أب ولا أم، وخلق حواء من رجل بلا أم، وذلك من ضلع آدم، ثم بعد ذلك خلق عيسى من أم بلا أب، والقادر على خلق الإنسان من تراب هو قادر على أن يخلقه من أم بلا أب، كما خلق آدم بلا أبوين وحواء بلا أم خلق بعد ذلك عيسى ابن مريم بلا أب، خلقه من نفخة أمر بها جبريل رسول الملائكة إلى البشر، فنفخ في جيبها فحملت فولدت، فأتت به قومها تحمله، فأخذوا يسألونها ويتهمونها: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:28-29]، وإذا بالطفل الرضيع ينطق ويقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30]، وإذا به يظهر لهم المعجزة منذ كان طفلاً رضيعاً، وهكذا آمن من آمن من بني إسرائيل، وأصر على الكفر من أصر، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وكانت معجزة عيسى وأمه مريم في كونهما آيتين، فهي ولدت بلا فحل، وهو ولد بلا أب.
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ أي: عيسى ابن مريم وأمه مريم آية، ولم يقل: آيتين؛ إذ إنه عندما ينطق بها: (آية) فالمعنى: جعلنا عيسى آية وجعلنا أمه آية، أو جعلنا النشأة والشأن آية في كونها بلا فحل وبلا رجل ولدت عيسى.
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ آواهما الله وأسكنهما وأنزلهما إلى ربوة، والربوة هي المكان المرتفع من الأرض.
ذَاتِ قَرَارٍ أي: ليست بادية تحتاج إلى التنقل من مكان إلى مكان للكلأ وللخصب وللماء، ولكنها ربوة قارة لما فيها من خصب وخيرات وثمار وأرزاق وماء معين.
ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ أي: ماء جار، وأنهر جارية متدفقة، وهكذا كان، فبعد أن اتهم مريم قومها بما اتهموها به أكرمها الله تعالى وآواها وأسكنها في مكان مرتفع ذي أشجار وثمار وخصوبة ومياه جارية دافقة.
واختلف المفسرون أين هذه الربوة وأين مكانها، فيقول الدجال غلام القادياني هذا الجاسوس الإنجليزي الذي تبعه الكثيرون: إن الربوة في أرض الهند، وادعى أنه هو عيسى الذي سينزل وأنه قد نزل، وقد كان دعياً وكان دجالاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً) ولا عبرة بالعدد، فهو أحد الدجاجلة.
وزعموا أن الربوة في أرض الهند، وأتوا إلى ربوة مرتفعة ذات خصوبة ومياه فعمروها وسكنوها، ولا تزال قائمة إلى اليوم، وهم يفجرون ويكذبون على الله، ولم يقل أحد من المفسرين بأن هذه الربوة في الهند، ولكنها من جملة أكاذيب الدعي الدجال.
وأما المفسرون فقال بعضهم: الربوة هي دمشق، وقالوا: هي غوطة دمشق، وقالوا: في مصر، وقالوا: الرملة من أرض فلسطين، وقالوا: بيت المقدس، وقالوا: فلسطين، ولكن الآي يفسر بعضها بعضاً، فالربوة كانت على أميال من بيت المقدس، وقد ذكرت في القرآن وأنها ذات مياه وذات خصب، وأن الله قال لـمريم عندما ولدت عيسى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:25]، فالربوة قد ذكرت في القرآن، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فكون في الشام أو في الغوطة قرية اسمها الربوة هذا لا يزيد ولا ينقص، وأما مصر فلم يذكر أن عيسى وصلها، وأما الشام ففلسطين ولبنان والأردن وما يسمى اليوم سوريا، فهي في أرض الشام ولكن على أميال من بيت المقدس، وقد ذكرت غير مرة.
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً أي: جعلناهما آيتين؛ جعلنا عيسى آية وجعلنا مريم آية، أو جعلنا الشأن فيهما آية دالة على القدرة الإلهية، وعلى المعجزة النبوية لعيسى ومريم، وآواهما وأسكنهما وأنزلهما في ربوة في أرض مرتفعة ذات مياه دافقة، وثمار وأشجار وخيرات متتابعة.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة المؤمنون [12-16] | 2458 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [68-76] | 1986 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [99-118] | 1983 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [8-12] | 1981 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [51-62] | 1907 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [1-7] | 1868 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [76-80] | 1454 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [17-23] | 1323 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [81-95] | 1249 استماع |
تفسير سورة المؤمنون [96-98] | 1151 استماع |