تفسير سورة المؤمنون [1-7]


الحلقة مفرغة

سورة المؤمنون سميت بهذا الاسم لما في بدايتها ونهايتها وخلالها من صفات المؤمنين حقاً، وأن الإيمان ليس قولاً يقال فقط، بل هو قول باللسان، وعقد بالجنان، وعمل بالأركان، فإن خلا عن الجنان كان نفاقاً، وإن خلا عن الأركان كان فسقاً، وإن خلا عن اللسان كان كفراً، والقلوب الله أعلم بها.

ولا يتم إيمان المؤمن حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يقولها لسانه، ويعتقدها بجنانه، ويصدق القلب اللسان واللسان القلب، وتعمل الجوارح بما يدل على صدقه ويقينه.

وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:1-3]، وكثيراً ما وصف الله المؤمنين أنهم يعملون الصالحات، وهي القيام بالأركان والصفات الآتية التي سنقولها في العشر الآيات المتتاليات على نسق واحد.

وهذه السورة مكية، أي: نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة، وفيها مائة وتسع عشرة آية، وعرفت أنها مكية بما ثبت عن الأصحاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في مكة في صلاة الصبح، وإذا به وهو عند ذكر قصة فرعون مع موسى وهارون تأخذه سعلة، فيقطع بقية التلاوة في السورة ويركع.

وهذه السورة الكريمة المكية قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر بن الخطاب فيما رواه عنه أصحاب السنن، قال عمر : (كان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعنا عند وجهه الشريف دوياً كدوي النحل، فنزل عليه مرة فلبث ساعة ثم رفع رأسه وقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11].

فتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآيات العشر ثم قال: نزلت علي آيات عشر من قام عليها دخل الجنة).

أي: من أقامها وتخلق بأخلاقها والتزم بها كان المؤمن حقاً، ومكافأته من الله وجزاؤه أن يدخل الجنة خالداً مخلداً فيها.

وسئلت السيدة عائشة رضوان الله عليها: (ماذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت للسائل: ألم تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: إن قرأت فأعد القراءة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] وإلى أن أتمت الآيات العشر، قالت: كان خلق رسول الله القرآن).

أي: كان متصفاً بهذه الصفات النبيلة الكريمة التي وصف الله بها رسله وعباده المصطفين الأخيار، وكان كما قال الله عنه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وكان كما قال الله عنه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، واذكر مع هذا كل ما ورد ونزل عن الله جل جلاله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

وورد في السنن أن الله يقول في الحديث القدسي: (إني خلقت الجنة بيدي، جعلت لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك) أي: أن الطين الذين يجمع به كان مسكاً، (ثم قال للجنة بعد أن خلقها بيده: تكلمي، فقالت: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]).

ووقع التنويه بالمؤمنين في سورة المؤمنين من البداية، وذكرت الآيات العشر صفات المؤمنين الذين هم مؤمنون حقاً منذ البداية، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] (قد): حرف تحقيق وتأكيد، وكانت تكفي: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] فأفلح: فعل ماضي دل على أن فلاح المؤمنين قد تم عندما يتخلقون ويتحلون بهذه الأخلاق والنعوت والصفات، ولكن الله جل جلاله أكد هذا المعنى من الفلاح والفوز والظفر بالجنة ودخولها حققه وأكده بأداة (قد)، وما دخلت (قد) على فعل ماضي إلا حققت معناه ومفهومه، ومعنى: قد قامت الصلاة، أي: قد فرض الله قيامها وأوجبه على كل إنسان، ولا تقبل إلا من مؤمن.

فالإيمان شرط صحة في عمل العبادات والقيام بها، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] أي: حقاً وتأكيداً أن المؤمنين قد أفلحوا، والفلاح: هو الظفر والسعد والحظ والنجاح، أي: أن المؤمنين في دنياهم بعد أن تعبوا عبادة وسهراً وعملاً بالحلال وتركاً للحرام، وتعبوا التزاماً بما أمر الله به من أنواع العبادات، وقاموا لله متهجدين والناس نيام، ويقولون: يا رب وهم يسجدون ويركعون، ويضرعون ويخنعون، فهؤلاء عندما يذهبون إلى ربهم يكونون قد نجحوا في عملهم، وفازوا وسعدوا بوراثة الجنة خالصة لهم من دون الناس.

قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

أول صفة صلاح هي الخشوع في الصلاة، وقد جاءت بعد اتصافهم بالإيمان، ويوصف بالإيمان كل من نطق بشهادة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم يأتي بعدها الصلاة.

وقد سئل صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (أي عمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي يا رسول الله؟! قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي يا رسول الله؟! قال: الجهاد في سبيل الله).

فالصلاة تأتي بعد الشهادتين، وبر الوالدين بعد الصلاة، والجهاد يأتي بعد التوحيد وبعد الصلاة وبعد بر الوالدين، ومن البر إذا كان الولد وحيد أبيه وأمه ألا يحج، وحجه خدمة أبيه وأمه، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاب يقول له: (يا رسول الله! أريد القتال والجهاد معك، قال: ألك أبوان؟ قال: لي أم، قال: إن الجنة عند قدميها) أي: الزمها، فجهادك وما تريد من شهادة وما تريد من فوز بالجنة هو في ملازمة قدميها خدمة وطاعة وبراً.

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] وصف المؤمنون بأول وصف بعد الإيمان وبعد النطق بالشهادتين واليقين بالجنان أن يكونوا مصلين، وهم خاشعون في صلاتهم، والخشوع: هو سكون الجوارح، والأدب، واستشعار الوقوف بين يدي الله.

والكثير من البدو والأعراب وممن لا يعلم صلاته ولا دينه لا يتذكر لحيته، ولا يتذكر العقال، ولا يتذكر الهندام إلا وهو يصلي، فتجده يصلي وهو يتلاعب بيديه وبجسمه وبحركاته، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مصلياً يصلي وهو يعبث بلحيته فقال عنه: (لو خشع قلب هذا لما عبثت يده بلحيته)، ومعنى ذلك أن الخشوع هو السكون.

وكان الصحابة في الصلاة يرفعون أبصارهم إلى السماء، وينظرون يميناً وشمالاً ولو لم يلتفتوا، فورد المنع من ذلك، فالخشوع هو سكون الأعضاء جميعاً، والخشوع هو تفرغ القلب للصلاة وما تصنعه فيها، والخشوع هو النظر إلى مكان سجودك؛ حتى لا يشغل بصرك بغاد ولا رائح، والخشوع هو أن تخشع حواسك؛ لتفهم ما أنت داخل عليه وما أنت حال فيه، فعندما تقول: الله أكبر فإنك تصغر غير الله، فكل مخلوق صغير أمام جلال وعظمة الله، فتتفهم معناها وتتفهم معاني سورة الفاتحة، وهكذا في التسبيح والتعظيم والجلوس والاستغفار، وكل تلاوة الصلاة وذكرها وتكبيرها تخشع فيه؛ لتتفهم معناها، وأن تهدأ أعضاؤك خاشعاً ذليلاً بين يدي ربك، قاصراً نظرك إلى محل السجود.

قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3].

هذه هي الصفة الثانية، واللغو هو الباطل، فيشمل باطل الشرك، ويشمل باطل القول والعمل وكل المعاصي وكل المآثم التي صنعتها يدك أو نطق بها لسانك، فكل المعاصي تعتبر باطلاً، وكل عبث يعتبر باطلاً، وأبطل الباطل وأعظمه هو الشرك بالله، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:2-3] أعرضوا عنه: تركوه خلفهم ظهرياً، ولم يتلبسوا به قولاً ولم يتلبسوا به عملاً، ولم يلتفتوا إليه وشغلوا أنفسهم بالحق، فالله هو الحق، وقوله الحق، وما أرسله الحق، وشريعته الحق، فيشغل نفسه بالحق عن الباطل، فكل ما سوى الله باطل، وليس الحق إلا ما أمر به عبادةً أو رسالةً أو رسولاً أو عملاً صالحاً.

وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4].

وكذلك نقول في الزكاة هنا ما قلناه في الآية السابقة في ختم سورة الحج، وهذه الآية مكية كبقية السورة، والزكاة لم تجب في مكة، ولكن فقهاءنا وعلماءنا وسلفنا الصالح من مفسري كتاب الله قالوا: الزكاة كصدقة الزكاة كنفقة الزكاة كعطاء الزكاة كشفقة على الفقير والمسكين والسائل والمحروم وجبت أيضاً في مكة ولم تحد بحد، وما حددت بالنصاب وبالحول وما حددت أنواعها من ذهب وورق وحراثة وتجارة وما إلى ذلك إلا في السنة الثانية من الهجرة.

ويمكن أن تفسر الآية مع ذلك أنهم الذين يزكون أنفسهم، أي: يطهرونها من الدنس ومن الشرك والآثام، ولنقل كلمة عامة تعم كل ذلك: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4] أي: فعلوا الزكاة مالاً وعطاء، وفعلوا الزكاة تطهيراً للنفس، وإزالة لأنجاسها وأرجاسها وآثامها، وذلك من صفات المؤمن التي نوه الله بها في هذه السورة في البداية.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5].

الفروج: جمع فرج، وأصل الفرج الشق، يقال عن الشق في الثوب مثل الجيب أو نحوه، يقال عنه الفرج، والكلمة كانت في الأصل كناية عن سوءة الرجل والمرأة، ولكن مع طول الاستعمال أصبحت علماً بالغلبة.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] أي: حفظوا فروجهم عن الزنا واللواط، وحفظوا فروجهم عن أن يكشفوها إلا لما أحل الله من طلب الذرية، وحفظوها إلا في المكان الذي أمر الله وأذن الله فيه، فلا يجوز إلا في القبل ومن أي جهة شاء الزوج أو شاء السيد والمالك، وأما في الأدبار فلا يجوز في الزوجة ولا الأمة.

وقد ورد في ذلك: (اقتلوا الفاعل والمفعول) إن كان ذلك في غير زوجة وفي غير أمة، وأما إذا كان عند الزوجة أو الأمة فلها الحق أن تمنعه، ولها الحق أن ترفع عليه قضية ليعزر، وما ينقل في جواز ذلك عن بعض الأئمة فهو كذب وزور وبهتان، وهو كذب على الأئمة والسلف الصالح، وما يذكرون من ذلك أن ثم كتاباً لأحد الأئمة اسمه كتاب السر أذن فيه بذلك وأحله، فليس الحلال لأحد، والإمام من الأئمة ومن نسبوه له كذبوا عليه فيه، وقد كذبوا على الأنبياء ألا يكذبون على العلماء!

وأما قول الله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] فتفسير هذه بالإطلاق في المرأة أن يأتيها الإنسان قبلاً ودبراً جهل وضلال في التفسير، وعدم معرفة بالقرآن ولا بكلمات العربية لا مفردات ولا جمل، قال الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ [البقرة:223] وهل الدبر يحرث ويزرع ليلد؟ أين الحرث من المرأة أليس في قبلها؟ أليس الماء والاتصال هو الحرث؟ أليس الولد هو الزرع لذلك الحرث؟ وماذا في الأدبار من حرث ومن زراعة ومن إنبات؟! فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] أي: ائتوا الحراثة كما شئتم من خلف وأمام في مكان القبل؛ لأن اليهود كانوا يقولون في ذلك العصر: من أتى امرأته على هيئة خاصة فإن الولد يخرج أحول، فكان الأنصار: الأوس والخزرج يتأثرون بذلك ويتعبون زوجاتهم في بعض الحركات في ذلك، فبلغوا رسول الله بذلك وسألوه، فنزل قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223].

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] أي: يحفظونها ويصونونها عن الحرام ولوجاً أو سطحاً أو كشفاً أو بأي صفة من الصفات، ومن امتنع من ذلك فالجزاء في ذلك عظيم شديد، من أتى الفروج حراماً إن كان عزباً فمائة جلدة وتغريب عام، وإن كان محصناً متزوجاً وليس من الضروري وقت الفساد ووقت الزنا أن يكون متزوجاً، بل يكفي أن يكون قد تزوج يوماً ثم ماتت زوجته وأصبح أرمل أو طلق، ففي هذه الحالة يعتبر محصناً، وعندها يرجم بالحجارة حتى الموت ولا كرامة، وقد رجم صلى الله عليه وسلم نساء ورجالاً، ورجم الخلفاء الراشدون الأربعة، ورجم السلف الصالح، وقد أقيم الرجم في هذه الديار قريباً، ولعل هذا الحكم قد ألغي فيما ألغي من شريعة الله في بلاد المسلمين، وهو من جهلهم ومن ضياعهم ومن فساد محاكمهم وقضاتهم ومجتمعاتهم.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6].

أي: إلا حفظ الفروج عن الزوجة التي استباحها المؤمن بكلمة الله ورسوله، وبشاهدي عدل، وبولي وبمهر، فحينذاك فالزواج والنكاح سنة الأنبياء والمرسلين، بل قد يكون الزواج واجباً عند الكثير من الأئمة.

إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] الأيمان جمع يمين وهي اليد، وهي كناية عن الإماء المملوكات نتيجة الغزو ضد الكفر فانتصر فيها المسلمون، وأخذوا بناتهم ونساءهم أسرى نتيجة الحرب التي انتصروا فيها، وهذا إن شاء رئيس الدولة والإمام المسلم ذلك ورأى المصلحة في ذلك، فإن لم ير ذلك فلا استعباد ولا أسر، واليوم قد اتفقوا على إلغاء الرقيق ونعم ما فعلوا؛ لأننا في ذلنا وهواننا مع أعدائنا إذا أسرنا منهم الألف فسيأسرون منا المليون، وتكون المصيبة كبيرة والبلية طامة وعظيمة.

إذاً فالأمة تكون نتيجة حرب المسلمين ضد الكفار وليست ضد المسلمين، ولو كان باغياً وشاقاً للعصا فليس في حرب العصاة والبغاة استرقاق، فللمسلم أن يحارب أخاه المسلم ريثما يئوب ويخضع، فإذا خضع فلا يتبع جريح، ولا يغنم غنائم لا من ماله ولا من عياله من باب أولى، وإنما يتخذ الكراع والسلاح، أي: تؤخذ الدواب التي حارب عليها، ويؤخذ السلاح الذي حارب به، وأما المال فلا يؤخذ، وأما النساء فلا يؤسرن، ولا يكون ذلك إلا في القتال مع الكافرين، فإن لم يكن هذا كذلك فهن الحرائر قد أخذن واستبحن زناً وفساداً بما لا يرضي الله، وبما حرفوا فيه الكلم عن مواضعه كتحريف اليهود.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6] أي: إلا حفظ الفروج على النساء الزوجات وعلى الجواري والإماء الرقيق فإنهم غير ملومين، فلا يلام الإنسان أن يأتي زوجته، بل هذا حق من حقوقها إن لم يفعل فإنها ترفع عليه قضية، فليست هي أخته ولا حريمه، وما جاءت إلا لذلك، وبذلك يتم النسل، وتتابع ذلك إلى يوم يريد الله القضاء على الدنيا وفنائها، فهم لا يلامون ولا يعاتبون ولا يمنعون، بل لهم الحق في ذلك.

فالذي أذن الله به، والذي لا يلوم الله عليه أن تأتي زوجتك في مكان الحرث منها ومكان الولادة، وما سوى ذلك فهو اعتداء وظلم وفساد، عليه التعزير فيه، فتأتي زوجتك في المكان المشروع، والزوجات التي أباح الله هن إلى حدود الأربع.

وأما المحارم فإتيانها جريمة مضاعفة يقتل الفاعل، سواء كان عزباً أو كان محصناً، فمن تجاوز الحرمتين، وقد تزوج رجل امرأة أبيه فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم له من أتاه برأسه؛ لأن الزواج بامرأة الأب حرام، فهي جريمتان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تجاوز الحرمتين فاقتلوه)، وبقي ذلك الشرع الواضح لمن تزوج حريمته عن علم بذلك لا عن جهل ولا عن شبهة، من تزوج حريمته فإنه يقتل، ومن أتاها فإنه يقتل؛ لأنه تجاوز أيضاً حرمتين: فالزنا حرام وإتيان الحريم حرام حرمة ثانية، أي: التي حرمت عليه دماً أو رضاعاً.

حرمة زواج المتعة

قوله: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] هنا قال فقهاؤنا: يحرم بنص هذه الآية زواج المتعة؛ لأن زوجة المتعة فيما قالوا: ليست زوجة، فالله أباح الزوجات والإماء، والمتمتع بها ليست زوجة، وزواج المتعة قد أبيح مرة ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، أبيح في غزوة خيبر ثم حرم بعد ذلك، وأبيح في غزوة الفتح ثم حرم بعد ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (حرم زواج المتعة ولا يحل إلى يوم القيامة)، وعلى ذلك إجماع المسلمين من أهل السنة.

وزواج المتعة: هو زواج موقوت، بمعنى أنه يتزوج لشهر أو لشهرين فإذا تمت تلك المدة المقدرة فإنه يفسخ النكاح بعد ذلك بلا حاجة إلى أن ينطق بطلاق، قالوا: ولا توارث بينهما، قالوا: ولا نفقة في ذلك إلا ما يعطيه من مهر، وفيما عدا ذلك هو كالزواج لابد من الاستبراء أولاً والاستبراء ثانياً، فالولد إذا حملت هو لمن متعها وتزوج بها زواج متعة، وأما الزواج فهو في الأصل للديمومة وللأبد، والله قد أحل الطلاق وإن كان قد قال عليه: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، فما دام الطلاق في يده فله أن يطلق في أي وقت شاء، ولا يسأل لماذا طلق؟ فقد يكون طلاقه لشيء إذا ذكره قد يضر بالمرأة، وما يريد اليوم بعض الفسقة ممن يريدون أن يضيقوا الطلاق إلا بطلاق القاضي وإذنه فهذا باطل؟

فهؤلاء يرغبون في أن تكشف أعراض المسلمات، وأن يأتي الزوج ويقول: هو يتهم زوجته، ويقول عنها كذا وكذا فيكون قد قذفها وأفسدها على من يريد زواجها بعده، ويكون قد جعل أولادها سبة وعاراً للأبد أن أمهم طلقت لكذا من أمور الفساد، ومن أجل هذا المعنى فالله يحب الستر، فالطلاق طلاق ولا يسأل لماذا، فقد يكون -وهذا في الأغلب- سبب الطلاق عدم موافقة الأخلاق، وعدم موافقة السيرة، أو تعاظم المرأة على الرجل، أو تعاظم الرجل على المرأة فلا ينفق عليها، وهذا يسمى خلعاً إن هي طلبت الطلاق، ولها ذلك بشروطه وقيوده، وسيأتي تفصيله.

فالزواج السني إذاً هو للديمومة، والطلاق بيد الرجل، وإتيان الجواري بملك اليمين، فالملك نفسه يعتبر محلاً للنكاح، وهو كالزوجة ماؤه خاص بها لابد من الاستبراء أولاً وأخيراً، ومعنى الاستبراء أن تستبرئ المرأة رحمها بأن تنتظر الجارية قرءاً، والمطلقة قرئين أو ثلاثة، والمتوفى عنها زوجها العدة التي تقضيها حداداً، فإن ظهر الحمل فإلى أن تلد؛ ليستبرئ رحمها ويكون بريئاً من ماء غيره ومن حمل غيره.

قوله: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] هنا قال فقهاؤنا: يحرم بنص هذه الآية زواج المتعة؛ لأن زوجة المتعة فيما قالوا: ليست زوجة، فالله أباح الزوجات والإماء، والمتمتع بها ليست زوجة، وزواج المتعة قد أبيح مرة ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، أبيح في غزوة خيبر ثم حرم بعد ذلك، وأبيح في غزوة الفتح ثم حرم بعد ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (حرم زواج المتعة ولا يحل إلى يوم القيامة)، وعلى ذلك إجماع المسلمين من أهل السنة.

وزواج المتعة: هو زواج موقوت، بمعنى أنه يتزوج لشهر أو لشهرين فإذا تمت تلك المدة المقدرة فإنه يفسخ النكاح بعد ذلك بلا حاجة إلى أن ينطق بطلاق، قالوا: ولا توارث بينهما، قالوا: ولا نفقة في ذلك إلا ما يعطيه من مهر، وفيما عدا ذلك هو كالزواج لابد من الاستبراء أولاً والاستبراء ثانياً، فالولد إذا حملت هو لمن متعها وتزوج بها زواج متعة، وأما الزواج فهو في الأصل للديمومة وللأبد، والله قد أحل الطلاق وإن كان قد قال عليه: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، فما دام الطلاق في يده فله أن يطلق في أي وقت شاء، ولا يسأل لماذا طلق؟ فقد يكون طلاقه لشيء إذا ذكره قد يضر بالمرأة، وما يريد اليوم بعض الفسقة ممن يريدون أن يضيقوا الطلاق إلا بطلاق القاضي وإذنه فهذا باطل؟

فهؤلاء يرغبون في أن تكشف أعراض المسلمات، وأن يأتي الزوج ويقول: هو يتهم زوجته، ويقول عنها كذا وكذا فيكون قد قذفها وأفسدها على من يريد زواجها بعده، ويكون قد جعل أولادها سبة وعاراً للأبد أن أمهم طلقت لكذا من أمور الفساد، ومن أجل هذا المعنى فالله يحب الستر، فالطلاق طلاق ولا يسأل لماذا، فقد يكون -وهذا في الأغلب- سبب الطلاق عدم موافقة الأخلاق، وعدم موافقة السيرة، أو تعاظم المرأة على الرجل، أو تعاظم الرجل على المرأة فلا ينفق عليها، وهذا يسمى خلعاً إن هي طلبت الطلاق، ولها ذلك بشروطه وقيوده، وسيأتي تفصيله.

فالزواج السني إذاً هو للديمومة، والطلاق بيد الرجل، وإتيان الجواري بملك اليمين، فالملك نفسه يعتبر محلاً للنكاح، وهو كالزوجة ماؤه خاص بها لابد من الاستبراء أولاً وأخيراً، ومعنى الاستبراء أن تستبرئ المرأة رحمها بأن تنتظر الجارية قرءاً، والمطلقة قرئين أو ثلاثة، والمتوفى عنها زوجها العدة التي تقضيها حداداً، فإن ظهر الحمل فإلى أن تلد؛ ليستبرئ رحمها ويكون بريئاً من ماء غيره ومن حمل غيره.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة المؤمنون [12-16] 2461 استماع
تفسير سورة المؤمنون [45-50] 2414 استماع
تفسير سورة المؤمنون [68-76] 1988 استماع
تفسير سورة المؤمنون [99-118] 1986 استماع
تفسير سورة المؤمنون [8-12] 1983 استماع
تفسير سورة المؤمنون [51-62] 1909 استماع
تفسير سورة المؤمنون [76-80] 1455 استماع
تفسير سورة المؤمنون [17-23] 1325 استماع
تفسير سورة المؤمنون [81-95] 1250 استماع
تفسير سورة المؤمنون [96-98] 1154 استماع