شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الغسل وحكم الجنب - حديث 120-123


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما اليوم فعندنا أربعة أحاديث، الحديث الأول عندنا في هذه الأحاديث هو حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت ).

تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

حديث عائشة هذا عزاه المصنف لـأبي داود، وذكر أن ابن خزيمة صححه، وقد رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والدارقطني والبيهقي .

وفي إسناد هذا الحديث: مصعب بن شيبة، وقد ضعفه الإمام أحمد، وأبو زرعة، والبخاري، والدارقطني، والنسائي .. وغيرهم، ووثقه آخرون كـيحيى بن معين والعجلي، وروى له الإمام مسلم في صحيحه، فهو من رجال مسلم، ولكنه ضعيف، ولذلك فإن خلاصة القول فيه: أنه ضعيف، كما لخصه الحافظ ابن حجر في التقريب حيث قال: لين الحديث. وقال الذهبي في الكاشف : فيه ضعف . ومدار هذا الحديث عليه، ولذلك فإنه حديث ضعيف، وهكذا حكم عليه الأئمة؛ فإن أبا داود رحمه الله روى الحديث هذا في موضعين من سننه : الموضع الأول: في كتاب الطهارة، والموضع الثاني: في كتاب الجنائز، وقال في الموضع الثاني عقب الحديث: وحديث مصعب ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليها. هذا كلام أبي داود .

وذكر الإمام ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود : أن أبا داود نقل عن الإمام أحمد تضعيف هذا الحديث.

إذاً: يكون الإمام أحمد أيضاً ضعف هذا الحديث.

وكذلك نقل عن البخاري تضعيفه، وكذلك الدارقطني أعله بـمصعب بن شيبة هذا، وكذلك ابن المنذر ضعف جميع الأحاديث الواردة في غسل الميت، ومنها هذا الحديث، ومثله النووي .

فالحديث ضعيف عند جمهور أهل العلم، وعلته وجود مصعب بن شيبة فيه، وقد ضعفه أكثرهم كما سبق، وأما تصحيح ابن خزيمة له لما هو معروف من تساهله رحمه الله في تصحيح الأحاديث.

الأغسال الواردة في حديث: (كان رسول الله يغتسل من أربع ...)

وفي الحديث ذكر أربعة أغسال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها.

الغسل من الجنابة

الغسل الأول: من الجنابة، وهذا واجب بالاتفاق، وقد سبق الكلام فيه في درس ماض، فلا كلام في وجوب الغسل من الجنابة.

الغسل للجمعة

الغسل الثاني المذكور في الحديث: الغسل يوم الجمعة، وغسل يوم الجمعة سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله- في الحديث الذي بعده، أو في الحديثين اللذين بعده.

الغسل من الحجامة

والغسل الثالث: الغسل من الحجامة؛ غسل الإنسان بعد الحجامة، وهذا روي عن علي القول باستحبابه، وهو مستحب عند الشافعي، وهو مستحب أيضاً في رواية ضعيفة عند الإمام أحمد .

والصحيح: أن الاغتسال للحجامة لا يستحب؛ لعدم ثبوت هذا الحديث فيه، ولذلك كان رأي الجمهور، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد : عدم استحباب الغسل من الحجامة، وقد سبق في هذه الدروس حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه )، وهذا الحديث كما سلف: رواه الدارقطني ولينه، ورواه البيهقي وغيره، وفيه صالح بن مقاتل وهو ضعيف، لكن يكفي في عدم ثبوت مشروعية الاغتسال للحجامة أنه لم يرد فيها حديث صحيح، لم يرد فيها إلا هذا الحديث، وفيه مصعب بن شيبة كما علمتم وهو ضعيف.

الغسل من غسل الميت

أما الغسل الرابع المذكور في الحديث هذا: فهو الغسل من غسل الميت، وفي الغسل من غسل الميت ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يجب على من غسل ميتاً أن يغتسل، وهذا روي عن أبي هريرة وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: (من غسل ميتاً فليغتسل)، وروي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري والزهري، وهو قول الظاهرية كما صرح به ابن حزم في المحلى : القول بوجوب الغسل من غسل الميت.

وما حجة من قالوا بهذا القول؟

وحجتهم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة : ( من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ )، قالوا: والأمر هاهنا في قوله: (فليغتسل) للوجوب، وهذا الحديث رواه الخمسة، وهذا حديث حسن فيه كلام كثير سبق في موضعه في باب الوضوء، ولكن خلاصة الكلام فيه: أن حديث: ( من غسل ميتاً فليغتسل ) حسن.

القول الثاني في المسألة: أن الغسل من غسل الميت مستحب وليس بواجب، وهذا مذهب جماهير العلماء، وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة: أحمد والشافعي ومالك، وحجتهم في الاستحباب:

أولاً: أن الحديث السابق: ( من غسل ميتاً فليغتسل ) جاء ما يصرفه عن الوجوب.

وهو حديث ابن عباس عند الحاكم والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس عليكم في غُسل ميتكم غسل، أو في غَسل ميتكم غسل، إنه مسلم مؤمن طاهر، وإن المسلم ليس بنجس، وإن بحسبكم أن تغسلوا أيديكم )، وهذا الحديث حديث حسن، وهو صريح في عدم إيجاب الغسل من غسل الميت، ( ليس عليكم في غسل ميتكم غسل )، فهو صارف للحديث السابق.

ومما يرجح قول الجمهور: ما رواه الدارقطني وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما بسند صحيح أنه قال: ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل )، يعني: الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك فإن القول الثاني، وهو مذهب الجمهور: استحباب الغسل من غسل الميت وعدم وجوبه هو الراجح.

والمذهب الثالث في هذه المسألة هو مذهب أبي حنيفة والليث، قالوا: لا يستحب الغسل من غسل الميت، واستدلوا بحديث ابن عباس السابق: ( ليس عليكم في غَسل ميتكم غسل )، وبذلك تعلمون أن مذهب الجمهور في هذه المسألة جمع بين النصوص؛ فأعمل جميع النصوص وقال باستحباب الغسل من غسل الميت لا بإيجابه ولا بعدم استحبابه، فهو وسط، وهو الراجح.

هذه الأغسال الأربعة المذكورة في حديث عائشة رضي الله عنها.

بيان سبب رواية مسلم عن بعض الضعفاء في صحيحه

مصعب بن شيبة من رجال مسلم كما ذكرت وهو ضعيف، لكن ضعفه لعله يقال في إخراج مسلم لبعض أحاديثه ما قاله ابن القيم: أن مسلماً رحمه الله قد يخرج من حديث الراوي الضعيف ما وافق فيه الثقات، فيختار ويصطفي من حديثه، ويترك ما خالف فيه؛ بخلاف من يردون حديثه مطلقاً، وبخلاف من يلزمون مسلماً بإخراج كل ما رواه هذا الضعيف، فيكون مسلم سلك في ذلك طريقة وسطاً، وهي: أنه إذا وجد راوياً ضعيفاً كـمصعب هذا، فإنه لا يقبله بالكلية ولا يتركه بالكلية، بل يختار من أحاديثه ما عليه علامات الصحة ويترك ما سوى ذلك، فمن عاب على مسلم إخراج حديثه قد لا يكون مسلماً له ذلك، ومن ألزم مسلماً بأن يخرج جميع أحاديث هذا الراوي لا يوافق على ذلك أيضاً.

سبب تضعيف أبي داود لحديث: (كان رسول الله يغتسل من أربع ...)

أما سبب تضعيف أبي داود لحديث: (كان رسول الله يغتسل من أربع ...)؟

فهو -والله أعلم- ضعفه لتفرد مصعب به، ولكنه أشار مع ذلك إلى أنه من حيث المتن فيه خصال ليس العمل عليها، ولعله يومئ إلى موضوع الغسل من الحجامة مثلاً، فإنه ليس بمشروع.

حديث عائشة هذا عزاه المصنف لـأبي داود، وذكر أن ابن خزيمة صححه، وقد رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والدارقطني والبيهقي .

وفي إسناد هذا الحديث: مصعب بن شيبة، وقد ضعفه الإمام أحمد، وأبو زرعة، والبخاري، والدارقطني، والنسائي .. وغيرهم، ووثقه آخرون كـيحيى بن معين والعجلي، وروى له الإمام مسلم في صحيحه، فهو من رجال مسلم، ولكنه ضعيف، ولذلك فإن خلاصة القول فيه: أنه ضعيف، كما لخصه الحافظ ابن حجر في التقريب حيث قال: لين الحديث. وقال الذهبي في الكاشف : فيه ضعف . ومدار هذا الحديث عليه، ولذلك فإنه حديث ضعيف، وهكذا حكم عليه الأئمة؛ فإن أبا داود رحمه الله روى الحديث هذا في موضعين من سننه : الموضع الأول: في كتاب الطهارة، والموضع الثاني: في كتاب الجنائز، وقال في الموضع الثاني عقب الحديث: وحديث مصعب ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليها. هذا كلام أبي داود .

وذكر الإمام ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود : أن أبا داود نقل عن الإمام أحمد تضعيف هذا الحديث.

إذاً: يكون الإمام أحمد أيضاً ضعف هذا الحديث.

وكذلك نقل عن البخاري تضعيفه، وكذلك الدارقطني أعله بـمصعب بن شيبة هذا، وكذلك ابن المنذر ضعف جميع الأحاديث الواردة في غسل الميت، ومنها هذا الحديث، ومثله النووي .

فالحديث ضعيف عند جمهور أهل العلم، وعلته وجود مصعب بن شيبة فيه، وقد ضعفه أكثرهم كما سبق، وأما تصحيح ابن خزيمة له لما هو معروف من تساهله رحمه الله في تصحيح الأحاديث.

وفي الحديث ذكر أربعة أغسال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها.

الغسل الأول: من الجنابة، وهذا واجب بالاتفاق، وقد سبق الكلام فيه في درس ماض، فلا كلام في وجوب الغسل من الجنابة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4761 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4393 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4212 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4094 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4045 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4019 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3972 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3916 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3898 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3877 استماع