صراع الحق والباطل


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

خلق الله تبارك وتعالى عباده ليبتليهم ويختبرهم، ومن ألوان الاختبار والابتلاء التي يختبر الله به عباده أن يكون لهم عدو من غيرهم أو من أنفسهم، ثم يقوم الصراع بين الذين انتسبوا إلى الله تبارك وتعالى، وبين الذين انتسبوا إلى أعداء الله الذين تمردوا على إلههم وربهم وسيدهم.

خلق الله آدم بيده وأسجد له ملائكته، ومن اللحظة الأولى التي فتح فيها آدم عينيه وجد عدواً يتربص به، وذلك عندما أمر الله ملائكته أن يسجدوا لآدم عندما ينفخ فيه الروح، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر:30-31] واستكبر عن أمر الله، وحسد آدم على ما فضله الله به، وكان قبل ذلك يعبد الله مع ملائكة السماء مكرماً معززاً، فطرده الله تبارك وتعالى من رحمته وجنته، ومنذ أول لحظة قال الله لآدم: يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا الذي يقف أمامك وتراه عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه:117].

وانتقل الصراع من الجنة إلى ظهر هذه الأرض بعد أن نجح الشيطان في إغواء آدم، حيث زين له أن يعصي ربه، فأهبطه الله تبارك وتعالى من الجنة، وانتقل الصراع بين الشيطان وذرية آدم إلى أن تقوم الساعة.

واتخذ الشيطان من بني آدم جزءاً، وهم فريق كبير ممن اتبعه من بني آدم، (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50]، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] وفريق قليل هم الذين لم يتبعوا الشيطان، وهم الرسل وأتباعهم .

أما بقية بني آدم من هذه الجموع الهائلة في الشرق والغرب، فالشيطان هو قائدهم، وموجههم، فبعضهم زين لهم أن يعبدوا الأصنام من دون الله فعبدوها، وبعضهم زين لهم أن يعبدوا الشمس والقمر والنجوم فعبدوها، وبعضهم عبدوا الأحجار والأشجار، وبعضهم عبدوا الجبال والبحار، وبعضهم عبدوا أهواءهم وملذاتهم، وبعضهم عبدوا حكامهم من دون الله، وكل ذلك يرضي الشيطان.

فكل من عبد شيئاً من دون الله فقد عبد الشيطان؛ لأنه هو الذي يأمر بذلك ويحبه ويرضاه، وكان عداء الشيطان على مسيرة البشرية عبر تاريخها ينصب على الرسل وأتباعهم، فكان الصراع بين نوح وبين عبدة الأصنام، وبين إبراهيم وعبدة النجوم والكواكب والأصنام والشمس والقمر، وبين موسى وفرعون الذي كان يأتمر بأمر الشيطان، وهكذا على مدار التاريخ يوجد صراع بين الحق والشر، وبين الخير والباطل، ينحاز فيه فئة من البشر إلى الرسل.

وأتباع الرسل يسيرون في الحياة بمنهج الله تبارك وتعالى، ويتحاكمون إلى شرع الله، ويرفعون راية التوحيد وراية الإيمان، ثم يحدث في أتباع الرسل الانحرافات التي تقربهم من الباطل، وتبعدهم عن الحق، كما حدث في تاريخ بني إسرائيل، فقد اختارهم الله تبارك وتعالى واصطفاهم، إذ استقاموا على طاعة الله وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32]، وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ أي: بني إسرائيل اختارهم الله واصطفاهم عندما كانوا موحدين مسلمين مخلصين دينهم لله، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة:47].

ثم بدأ مسلسل الانحرافات في تاريخ بني إسرائيل من عبادة للعجل، وعبادة للأصنام والأوثان، وتمرد على شرع الله، وقتل للأنبياء وللصالحين الذين يأمرونهم بالحق، وينهونهم عن الشر، ولم يزل هذا المسلسل (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87].

وانتهى الأمر ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حصل الانحراف الرهيب، من تحريف لدين الله، وكتمان للحق، وابتعاد عن الله، وجاءت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فجراً جديداً للبشرية، تضيء الظلمات التي في النفوس والقلوب، التي غطت العقول، وتخرج البشر من الجاهلية إلى الإسلام، وإلى الهدى وإلى النور، وإلى معرفة الله الحق، وإلى الابتعاد عن ظلمات الشيطان وخطواته.

أهمية معرفة من نعادي

سنة الله في الدعوات أن يكون هناك عداء، ولكن ينبغي للمسلم أن يعرف من يعادي، فتلك قضية مهمة، فإن لم تعرف عدوك عاديت أخاك، وعاديت أباك، وعاديت الذين يحبونك ويريدون لك الخير.

ومن مهمات دعوة السماء أن تعرفنا بأعدائنا، ومن مهمات الدين الذي أنزل من عند الله أن يعرفنا من نحن، ومن نكون، ومن أعداؤنا، حتى يكون حبنا لإخواننا الذين هم على مبدئنا وطريقتنا، والذين يريدون لنا الخير، وحتى يكون بغضنا وسيوفنا ورماحنا وبنادقنا للذين يستحقون ذلك من أعدائنا.

فإذا غابت المعرفة بذلك تلججت بنا الدروب، وأصبحنا حيارى، يعادي الإنسان من ينبغي أن يحبه، ويوالي ويحب من ينبغي عليه أن يكرهه ويعاديه، كما هو واقع في أيامنا.

اليهود أشد وأخبث أعداء المسلمين

وفي طليعة الذين عادوا هذه الدعوة، وأرادوا بها شراً: الذين كانوا أتباع الرسل، والذين كانوا يوماً هم المصطفون الأخيار، الذين قال الله فيهم: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32]، الذين قال الله لهم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] لقد انقلبوا أعداء للرسول الجديد، وللمسلمين الجدد الذين يهتدون بهدي السماء مصدر رسالتهم من عند الله تبارك وتعالى الذي أنزل الوحي على نبيه موسى، وعلى نبيه عيسى، انقلب هؤلاء إلى أعداء، وكانت عداوتهم في المقدمة؛ وذلك لأنها ليست نابعة عن جهل، وإنما هي عن علم واستكبار، ومن كانت عداوته عن علم واستكبار لا يرجى من وراء عداوته خير.

يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث من السماء، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:101] ولكنهم كفروا به، وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:89] بعد أن جاءهم الحق الذي كانوا يتمنون أن يصل إليهم ليعزوا به، كفروا به، حسداً وبغياً وظلماً.

وقد عرفنا الله الحقيقة: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82]، وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وقال تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145].

وكانت العداوة الكبرى في تاريخ هذه الأمة نابعة من اليهود، فقد حاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، فسمموا طعامه، وأرادوا أن يلقوا عليه حجراً يجعله طحيناً، وألبوا المشركين على المسلمين، ونقضوا عهودهم مع المسلمين، ومن يقرأ مسلسل العداء لهذه الأمة الباغضة للأمة الإسلامية يجمع في ذلك مجلدات ضخمة، إنه عداء لا يمكن أن يغسله الإحسان، ولا يمكن أن تنهيه المودة، والله لو كان يمكن أن ينهيه ذلك لانتهى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكثرة ما أحسن إليهم، وأراد بهم خيراً، وفي كل مرة ينقضون العهود والمواثيق، ثم جاء هذا الزمن الذي نعيش فيه، فتلججت بالقوم الدروب، وأصبحنا لا نعرف ولا نحسن أن نعرف من عدونا، إننا نراهم يذبحون رجالنا، ويحتلون ديارنا، وينتهكون حرماتنا، ويثيرون القلاقل والفتن في بيوتنا، وفي دولنا وفي شعوبنا، ويفعلون ما يفعلون، ثم تجد من حكام المسلمين من يصافحهم ويأخذهم بالأحضان، وتجد الدعوة إلى السلام تنطلق من أبواق إذاعات الدول العربية والإسلامية كأنهم لا يعرفون من عدوهم، وما هي طبيعة هذا العدو، وماذا يريد بهم!

إن عدونا لا يريد فلسطين وحدها، ولا يريد بلاد الشام وحدها، ولا يريد العراق ومصر وأجزاء من الجزيرة العربية ومنابع البترول، بل يريد أكثر من ذلك، إنه يريد أن يحطم هذه الأمة، وأن يجعلها غثاء، وأن يستعلي عليها، وأن يكون الصوت صوته، والقول قوله، والأمر أمره، ونحن نكون خدماً في ركابه، لا يرضى بأقل من ذلك، لكن هناك شيء واحد يرضون به عنك وهو أن تتبع اليهودية، وقد لا يرضون بيهوديتك، فهم يعتبرون اليهودية شرفاً لا يستحقه غيرهم، فهم يريدون أن نكون عبيداً وديداناً في الأرض يطئونها بأقدامهم، وحشرات يدوسونها بأرجلهم.

إن اليهود يعرفون إمكاناتهم، وأنهم أضعف من أن يقفوا في وجه المسلمين، ولذلك ألبوا علينا القوى العالمية: مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، ألبوا العالم كله وأقنعوه بمصالحهم، فأصبح العالم يحميهم ويحمي وجودهم، لو كان اليهود بضعة ملايين فليواجهوننا.

كما قال غاندي عندما كان يستثير قومه من الهنود على البريطانيين، وكان الهنود سبعمائة مليون، فكان يقول لهم: لو كل واحد منكم بصق بصقة على الإنجليز لأغرقهم، الإنجليز الذين حكموا العالم عددهم اثنان وخمسون مليوناً، ولكن اليهود أذكياء، فاستطاعوا أن يفعلوا ما عرفناه في عصرنا الحاضر، فحمتهم الدنيا، وجاء دور كثير من الحكام العرب الذين انضموا إلى القافلة التي تحمي اليهود في عصر البؤس والشقاء، وأصيب المسلمون في ديارهم إصابات متفاوتة في العمق، فقد أصيب المسلمون في فلسطين، وفي بلاد الشام نالهم شر كبير، وفي مصر، وحلقت طائرات العدو سابحة في العالم العربي، بل وتهدد العالم الإسلامي، ويهدد اليهود بأن يضربوا المفاعل النووي الباكستاني كما ضربوا المفاعل النووي العراقي، وسفنهم تبحر قريباً من شواطئنا، وطائراتهم تضرب البؤساء الفقراء في مخيماتنا كما تضرب في عمق العالم الإسلامي، وأصبحت لهم صولة وجولة، ونحن ما زلنا لا نعرف حقيقة هذا العدو!

إن هذا العدو ليس كالعدو البريطاني، فقد كان الجندي البريطاني يأتي إلى ديارنا وقلبه معلق ببلده وبيته، ينتظر متى يعود، وكذلك المستعمر الفرنسي عندما كان يأتي إلى الجزائر أو يأتي إلى بلادنا في سوريا وغيرها، كان يعيش وقلبه معلق هناك في فرنسا، أما اليهودي فيعتبر الأرض أرضه، والبيت بيته، والبلد بلده، ويعتبرنا غاصبين لأرضه وتاريخه وتراثه!

إن الصراع الحقيقي اليوم يتمثل بين المسلمين وبين اليهود الذين ألبوا العالم علينا لإذلالنا حتى نركع أمامهم، ثم يمتصون خيراتنا ويعبدونا لأهوائهم.

والمخطط الرهيب عندما يدرسه الإنسان بدقة وبتفصيل فإنه يقشعر بدنه لهول ما يراه، وما أكثر المذابح والمآسي والمؤامرات التي وقعت والتي يخطط لتكون في عالمنا العربي والإسلامي! وكثير منا يعلم عن هذا لأنه أمر واقع ومشهود.

هذا هو العدو الأول الذي يضعه الله تبارك وتعالى في مستوى المشركين مثل: أبي جهل وأبي لهب ، ولينين واستالين وروسيا والصين، هذه قمة العداء للأمة الإسلامية، إذا لم نؤمن بذلك ضيعنا أنفسنا وضعنا، إذا اتخذنا من روسيا صديقاً ينصرنا على إسرائيل، ومن أمريكا ولياً ينصرنا على إسرائيل، وإذا حاربنا بالقوى التي تكفر بالخالق أو تشرك به؛ فإننا نظلم أنفسنا، إن هناك قوة عليا ينبغي أن يمد لها المسلمون أيديهم، ويرفعوا أيديهم لرب العزة تبارك وتعالى الذي له ملكوت السماوات والأرض، العليم الحكيم الخبير، الذي يأمر الأمر فكلٌ بأمره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو ولي المؤمنين إذا هم والوه بالإيمان والعبادة والطاعة، وينبغي أن يعرفوا أن هؤلاء الذين نستنصر بهم في الشرق والغرب وهيئة الأمم ومجلس الأمن لا يريدون بنا خيراً.

وحكام المسلمين لم يدركوا أو لا يريدون أن يدركوا هذه الحقيقة، ولذلك في كل عام تتعمق المأساة، وتزيد المأساة، وفي كل عام نزداد يأساً وبؤساً، وفي كل عام نزداد فرقة، وننشغل بأنفسنا؛ لأننا لم نعرف بعد عدونا بصورة يقينية، مع أن الله أخبرنا، ولكن لا نزال نتلمس الطريق بعقولنا الضعيفة الكليلة!

مشكلة هذه الأمة أنها لا تعرف من هي، وما هو انتماؤها، وما هي عقيدتها، ينبغي للأمة أن تعرف عدوها، وأن تعرف أن الناصر والمعين هو الله تبارك وتعالى، فلنتحد مع المؤمنين الذين يتابعوننا على عقيدتنا وإسلامنا، ينبغي أن نعرف من نحن، وأن نعرف أعداءنا، فإن شبابنا حائر ضائع لا يعرفون من هم، ولا يعرفون هويتهم، ولا يعرفون شخصيتهم، كم من انتماءات كثيرة ترفق، ورايات كثيرة ترفع، رايات وطنية وقومية، ومبادئ تقوم في عالمنا العربي، ثم سرعان ما تنطفئ كالشمعات الصغيرة، ثم يقعد الناس في الظلام حيارى لا يعرفون طريقهم، ولا يعرفون سبيلهم.

ينبغي لنا أن نعرف أننا -نحن المسلمين- أتباع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وحملة هذه الرسالة العظمى، وحملة دين الله في الأرض.

كما يجب أن نعادي أعداء الله من اليهود والمشركين والنصارى، فمن كان على مثل عقيدتنا فإنه منا، ومن لم يكن على ذلك فإنه ليس منا، حبنا لربنا، وحبنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وحبنا للمؤمنين الذين آمنوا بالله وآمنوا بالرسول، ووالوا الإسلام وناصروا الحق، المؤمنون الذين يسعون في الأرض بقلوب معلقة بالسماء، نحن -المسلمين- كذلك، وعدونا نعرفه، فمن كان كذلك فقد عرف طريقه وعرف سبيله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

سنة الله في الدعوات أن يكون هناك عداء، ولكن ينبغي للمسلم أن يعرف من يعادي، فتلك قضية مهمة، فإن لم تعرف عدوك عاديت أخاك، وعاديت أباك، وعاديت الذين يحبونك ويريدون لك الخير.

ومن مهمات دعوة السماء أن تعرفنا بأعدائنا، ومن مهمات الدين الذي أنزل من عند الله أن يعرفنا من نحن، ومن نكون، ومن أعداؤنا، حتى يكون حبنا لإخواننا الذين هم على مبدئنا وطريقتنا، والذين يريدون لنا الخير، وحتى يكون بغضنا وسيوفنا ورماحنا وبنادقنا للذين يستحقون ذلك من أعدائنا.

فإذا غابت المعرفة بذلك تلججت بنا الدروب، وأصبحنا حيارى، يعادي الإنسان من ينبغي أن يحبه، ويوالي ويحب من ينبغي عليه أن يكرهه ويعاديه، كما هو واقع في أيامنا.