وقفات في العقيدة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

موضوع حديثنا في هذه الليلة هو ذكر بعض التنبيهات الهامة في بعض قضايا العقيدة.

فالجانب الاعتقادي هو جزء من الجانب الإيماني، والاعتقاد جزء من الإيمان، وهو المعرفة القلبية التي تتعلق بالقضايا الأصول من الإيمان، والقضايا الأصول من الإيمان هي: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، فمنها ما يتخذ جانباً عملياً، ومنها ما يتخذ جانباً اعتقادياً.

والجانب الاعتقادي أمر هام بالنسبة للإيمان، ولكن ليس هو الإيمان كله، فليس كل الإيمان اعتقاداً، أو بمعنى آخر: إن الذي يأتي بالعقيدة الصحيحة وحدها لا تغني عنه عند الله سبحانه وتعالى، ولا تكفيه العقيدة السليمة أو العقيدة الصحيحة وحدها عند الله تعالى، فالاعتقاد هو معرفة علم، لذلك نسميه بالمعرفة والإثبات، فنثبت لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وننفي عن الله ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فنثبت له أسماءه وصفاته وأفعاله، وندلل على ربوبيته سبحانه وتعالى وقدرته.

وهذا الجانب الاعتقادي أو العلمي لا ينجي عند الله سبحانه وتعالى وحده؛ بل لا بد معه من أمور عملية، ومن هذه الأمور العملية قصد القلب وإقراره، أي: أن يقر القلب ويرضى بالله سبحانه وتعالى رباً، فيقصده سبحانه وتعالى بحبه ورجائه وخوفه ورغبته ورهبته، فهذه أمور قلبية ولكنها ليست أموراً اعتقادية، فحب الله سبحانه وتعالى ليس أمراً اعتقادياً وإنما هو أمر عملي قلبي، ولذلك فالمعرفة وحدها أحياناً لا تساوي شيئاً عند الله سبحانه وتعالى، فإبليس مثلاً كان يقر ويعلم علماً يقينياً أن الله سبحانه وتعالى هو المعبود، ويعرفه بأسمائه وصفاته، وكثير من المشركين الذين أرسل إليهم الرسل كانوا يقرون ويعترفون بقلوبهم بالله سبحانه وتعالى، وبصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لا يغنيهم عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول موسى لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102]، وقال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، فقد وصل الأمر عندهم إلى درجة العقيدة اليقينية بأن هذه من عند الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك لم ينفعهم ذلك؛ لعدم وجود التصديق والإقرار، وهو الذي يقول فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رضي الله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً)، فالرضا القلبي غير متوفر.

ثم هناك مع الرضا القلبي أمور عملية قلبية، ومن جملتها حب الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر مكمل وأساسي، والخوف منه، والرهبة منه، والرغبة إليه، ورجاؤه سبحانه وتعالى، ثم تأتي بعد ذلك الأمور العملية سواءً كانت قولية أو عملية.

والإقرار باللسان هو الإقرار بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم العمل، وكل ذلك أيضاً لا بد منه حتى يكتمل الأمر الذي ينجي عند الله، ولذا لم ترد هذه البحوث في القرآن الكريم أو في السنة النبوية باسم العقيدة، أي: لم يأتِ أن الأمور التي تنجي عند الله هي الأمور الاعتقادية كذا وكذا وكذا وكذا، بل إن كل ما جاءنا في كتاب الله وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإيمان، ثم بيَّن الله سبحانه وتعالى أصول الإيمان وفصّلها.

فهذه قضية أولى، وهي أن الأمور الاعتقادية جزء من الإيمان، وأنها لا تنفع ولا تغني وحدها عند الله سبحانه وتعالى، فلا بد معها من أمور أخرى: أمور قلبية، وأمور قولية، وأمور عملية.

وهنا أيضاً أمر أساسي ننبه عليه، وهو أنه في كثير من الأحيان يصبح الاعتقاد عند الناس -إذا كان مجرد اعتراف ومعرفة أمراً باهتاً بارداً لا يؤثر في حياة الإنسان، ولا يؤثر في سلوكه، وقد يكثر بعضهم من البحث والدراسة والتنقيب ليتعرف على أمور العقيدة، ثم يبقى الأمر عنده محصوراً في جانب المعرفة والعلم فقط، ولا يتعداه إلى أطوار أخرى، فلا يتعداه إلى جانب الإقرار والتطبيق، ولا إلى جانب الأمور العملية: القلبية والقولية والجسدية، فيعيش في دائرة باهتة ويظن أنه قد وصل إلى القمة وهو لا يزال في أول الطريق.

فالجانب العلمي جانب مهم وجانب خطير، لكن لا بد أنه تتبعه خطوات على الطريق حتى تكتمل الصورة التي يريدها الإسلام من المسلم الحق، فالجوانب العلمية وحدها لا تغني، فلابد أيضاً أن تتبعها أمور أخرى مهمة حتى يكون المرء من الذين يستحقون أن يكونوا رجالاً مسلمين مؤمنين كما سماهم الله سبحانه وتعالى.

بحوث العقيدة التي كتبت في كتب العقيدة كثير منها إنما هي قواعد يراد منها أن يُحمى المسلمون من الانحراف في باب الاعتقاد؛ وذلك أنها كتبت في عصر كثرت فيه البدع والانحرافات الاعتقادية، فوُضعت قواعد تحمي من يسير عليها من أن ينحرف في هذه الطرق الملتوية التي انبثقت من هنا وهناك، وهذه القواعد ضرورية؛ حتى لا ينحرف المسلم ويزل، فلا بد من دراستها.

وهذه القواعد في ذاتها إذا اقتصر عليها المسلم فإنها لا تعطيه العقيدة المتكاملة، ولا تعطيه التصور الضخم الواضح الذي يدفعه إلى العمل بالإسلام، فوضع العلماء القواعد في باب أسماء الله وصفاته حتى تفهم هذه الأسماء والصفات في ضوئها، ليست هذه القواعد هي العقيدة، وإنما هذه هي الضوابط التي تحكم هذه العقيدة، وتجعل الإنسان يفهم هذه العقيدة فهماً لا زلل فيه ولا زيغ ولا انحراف عن الطريق السوي، وأما العقيدة نفسها فتحتاج إلى خطوة أخرى متقدمة.

فهذه القواعد هي الضوابط التي تفهم على أساسها العقيدة الصحيحة، ولكن نفس العقيدة تحتاج إلى أن تدرس دراسة أخرى من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

إن بعض الناس يدرس هذه القواعد التي وضعها السلف في كتبهم، ولكنه يحس أن نفسه ما زالت عطشى، وأنها لم ترتو فعلاً، وهذا حق، ولقد قصر العلماء -حسب علمي- كثيراً في هذا الجانب؛ اعتماداً منهم على أن كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما الغنية، فتعميق مفهوم العقيدة في الله، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الملائكة، وفي الرسل، وفي اليوم الآخر يحتاج إلى دراسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبحث في هذا المجال، فتدرس تفاصيل الآيات التي تتحدث عن الله، وتتحدث عن اليوم الآخر، ويدرس ما فيها من علم، ويُكثَر من ترديدها والتدبر والتأمل فيها، فينشأ عند الإنسان التصور الاعتقادي السليم.

وأما القواعد والضوابط التي وضعت في الاعتقاد لوحدها فإن العقيدة لا تزال غير متركزة في نفس الإنسان الذي لا يدرسها.

دراسة أمور العقائد تقوي العقيدة عند المسلم

وهذا يجعلنا نتبين السبل التي ينمي بها المسلم عقيدته، وقد ذكرت جانباً واحداً منها وهو الدراسة، وهذا هو أعظم جانب في ذلك، وهو أن يتبين المسلم ذلك من خلال الآيات والأحاديث، فليس هناك سبيل أربح من هذا السبيل، ولا أكثر عطاءً وخيراً منه، وهو أن يدرس المسلم العقيدة من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وذلك بعد أن يلم إلمامة كافية بالضوابط التي تحكم الاعتقاد؛ حتى لا يزل ولا يزيغ فيما بعد.

وهذه الآيات بما تعطيه من علم وعاطفة، وما تعطيه من نظرات، ثم ما ينتج عنها من تأثيرات؛ تسكب في نفس المسلم العقيدة سكباً، بحيث تتوارد على قلبه معانٍ وعلوم لا تحتاج إلى أدلة وبراهين؛ لأن الآيات في ذاتها تتضمن الأدلة والبراهين والعلم؛ فتسيل المعاني، ويسيل العلم، ويسيل النور من خلال هذه الآيات والأحاديث إلى نفس المتدبر المتأمل فيها، فكأن هذا العلم يُلقى في قلبه إلقاءً، فعند ذلك يحس بانشراح نفس، ويحس بطمأنينة قلب وبراحة، ويحس بأن إيمانه ينمو.

وهذا موافق لما يعتقده أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته تكون بالطاعة، ومن جملة الطاعات أن يصدق بكتاب الله، وأن يتدبر كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فيزداد بذلك إيماناً، ويزداد بذلك هدىً ويقيناً، وهذا أعظم وأهم سبيل: أن تدرك العقيدة من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

توفيق الله تعالى ينمي عقيدة المسلم

السبيل الثاني: توفيق الله سبحانه وتعالى، فهذا أمر لا يجوز أن يهمله المسلم، فالله سبحانه وتعالى يوفق عبده بل ويهبه من علمه؛ لقصده الهداية والخير، ولبحثه عن الهداية والخير، وإرادته لذلك دائماً وباستمرار.

فلابد من دعاء الله سبحانه وتعالى والتذلل والخضوع بين يديه، ورجائه والاستغاثة به؛ لِيهبنا الهداية والتوفيق، ويوفقنا للسير في الطريق المستقيم، وهذا أمرٌ لا بد أن يسعى المسلم فيه سعياً حثيثاً، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم -كما تعلمون- يقوم الليل فيدعو ربه، ومن أوائل ما يدعو به: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وأعظم ما اختُلف فيه قديماً وحديثاً أمور العقائد، فقد وقع الخلاف في ذلك منذ فجر البشرية وإلى اليوم.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه سبحانه وتعالى أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، ولقد كان الصالحون إذا عرضت عليهم مشكلة عويصة وحارت بهم السبل لجئوا إلى الله سبحانه وتعالى يسألونه أن يلهمهم الرشاد، وأن يوفقهم إلى الخير، وأن يبين لهم الحق.

التأمل في ملك الله ينمي عقيدة المسلم

ومن المهمات أيضاً في جانب الاعتقاد ما وجهنا إليه الكتاب الكريم من التأمل في ملكوت السماوات والأرض وفي مخلوقات الله سبحانه، فقد وجه الله سبحانه وتعالى أنظارنا لنتأمل ونتفكر في السماء؛ نجومها وشمسها وقمرها وقوتها واتساع بنائها، وفي الأرض وما فيها من جبال وسهول وأنهار وبحار وحيوان وجماد ونبات؛ لأن مزيداً من النظر والتأمل في هذه القضايا يزيد المؤمن إيماناً، فهذه المخلوقات صنعت بعلم وحكمة وقدرة عظيمة، فمن تأمل فيها فلابد أن تدله على أن وراءها خالق مبدع عليم خبير.

فهذه ثلاث طرق ذكرتها الآن، فلابد للمسلم لكي ينمي عقيدته وإيمانه أن يتأملها وأن يسلكها؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهبه العقيدة الصحيحة، وأن يزيد في إيمانه، وعلى العبد أن ينمي هذا الإيمان حتى يكون حافزاً له على فعل الخير، فيقربه ذلك إلى الله سبحانه وتعالى.

وهذا يجعلنا نتبين السبل التي ينمي بها المسلم عقيدته، وقد ذكرت جانباً واحداً منها وهو الدراسة، وهذا هو أعظم جانب في ذلك، وهو أن يتبين المسلم ذلك من خلال الآيات والأحاديث، فليس هناك سبيل أربح من هذا السبيل، ولا أكثر عطاءً وخيراً منه، وهو أن يدرس المسلم العقيدة من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وذلك بعد أن يلم إلمامة كافية بالضوابط التي تحكم الاعتقاد؛ حتى لا يزل ولا يزيغ فيما بعد.

وهذه الآيات بما تعطيه من علم وعاطفة، وما تعطيه من نظرات، ثم ما ينتج عنها من تأثيرات؛ تسكب في نفس المسلم العقيدة سكباً، بحيث تتوارد على قلبه معانٍ وعلوم لا تحتاج إلى أدلة وبراهين؛ لأن الآيات في ذاتها تتضمن الأدلة والبراهين والعلم؛ فتسيل المعاني، ويسيل العلم، ويسيل النور من خلال هذه الآيات والأحاديث إلى نفس المتدبر المتأمل فيها، فكأن هذا العلم يُلقى في قلبه إلقاءً، فعند ذلك يحس بانشراح نفس، ويحس بطمأنينة قلب وبراحة، ويحس بأن إيمانه ينمو.

وهذا موافق لما يعتقده أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته تكون بالطاعة، ومن جملة الطاعات أن يصدق بكتاب الله، وأن يتدبر كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فيزداد بذلك إيماناً، ويزداد بذلك هدىً ويقيناً، وهذا أعظم وأهم سبيل: أن تدرك العقيدة من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

السبيل الثاني: توفيق الله سبحانه وتعالى، فهذا أمر لا يجوز أن يهمله المسلم، فالله سبحانه وتعالى يوفق عبده بل ويهبه من علمه؛ لقصده الهداية والخير، ولبحثه عن الهداية والخير، وإرادته لذلك دائماً وباستمرار.

فلابد من دعاء الله سبحانه وتعالى والتذلل والخضوع بين يديه، ورجائه والاستغاثة به؛ لِيهبنا الهداية والتوفيق، ويوفقنا للسير في الطريق المستقيم، وهذا أمرٌ لا بد أن يسعى المسلم فيه سعياً حثيثاً، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم -كما تعلمون- يقوم الليل فيدعو ربه، ومن أوائل ما يدعو به: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وأعظم ما اختُلف فيه قديماً وحديثاً أمور العقائد، فقد وقع الخلاف في ذلك منذ فجر البشرية وإلى اليوم.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه سبحانه وتعالى أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، ولقد كان الصالحون إذا عرضت عليهم مشكلة عويصة وحارت بهم السبل لجئوا إلى الله سبحانه وتعالى يسألونه أن يلهمهم الرشاد، وأن يوفقهم إلى الخير، وأن يبين لهم الحق.

ومن المهمات أيضاً في جانب الاعتقاد ما وجهنا إليه الكتاب الكريم من التأمل في ملكوت السماوات والأرض وفي مخلوقات الله سبحانه، فقد وجه الله سبحانه وتعالى أنظارنا لنتأمل ونتفكر في السماء؛ نجومها وشمسها وقمرها وقوتها واتساع بنائها، وفي الأرض وما فيها من جبال وسهول وأنهار وبحار وحيوان وجماد ونبات؛ لأن مزيداً من النظر والتأمل في هذه القضايا يزيد المؤمن إيماناً، فهذه المخلوقات صنعت بعلم وحكمة وقدرة عظيمة، فمن تأمل فيها فلابد أن تدله على أن وراءها خالق مبدع عليم خبير.

فهذه ثلاث طرق ذكرتها الآن، فلابد للمسلم لكي ينمي عقيدته وإيمانه أن يتأملها وأن يسلكها؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهبه العقيدة الصحيحة، وأن يزيد في إيمانه، وعلى العبد أن ينمي هذا الإيمان حتى يكون حافزاً له على فعل الخير، فيقربه ذلك إلى الله سبحانه وتعالى.