عشرون كلمة في العلم وفضله


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا هو الدرس الثالث والثلاثون من سلسلة الدروس العلمية العامة والتي ينظمها المكتب التعاوني بمكتب الرس، وينعقد هذا المجلس في ليلة الأحد أو ليلة الإثنين الموافق (20/ 6/ 1416هـ) وفي هذا الجامع المبارك، وعنوان هذا الدرس هو (عشرون كلمة في العلم وفضله).

فقد اخترت هذا الموضوع في بداية السنة الدراسية توجيهاً وتذكيراً وإرشاداً وتنبيها، وما منا إلا معلم أو متعلم.

إن طلب العلم وتعليمه من أجل العبادات، فيجب أن تراعى فيه الآداب الشرعية، ولذا كانت هذه الكلمات، وهي توجيهات ووصايا ومختارات حول العلم وفضله وأهله، هتف بها صوت يحبكَ في الله، على ضعف وتقصير منه، وعلى عجز فيه وقصور، هفواته متتالية، وعثراته متتابعة، ويعلم الله أنه لشعوره بالنقص وحاجته للنصح فاه بهذه العبارات، وقلّب الصفحات لتكون هذه الكلمات، لعل الله أن يرحم ضعفه ويجبر كسره، ويتم نقصه بالعلم والعمل.

والتعليم نقل من الظلمة إلى النور، وسمو بالنفس إلى المعالي، وخلق وأدب، فحتى تأتي منه كل هذه الثمار لا بد من قبول النصح والتوجيه، واتهام النفس والإزراء عليها.

أسأل الله التوفيق والسداد، والعون والرشاد، ونعوذ به من علم لا ينفع، ونستغفره ونتوب إليه من كل خطأ وزلل.

وإليك -أخي القارئ الكريم- عرضاً سريعاً لعناصر وعناوين هذه الكلمات:

1- العلم كنز عظيم وله فضل عميم.

2- للأخوات المعلمات والمتعلمات.

3- الإخلاص لله في العلم والتعليم.

4- إنما يخشى الله من عباده العلماء.

5- العلم والتربية متلازمان.

6- العلم أعمال وسرائر، وليس أقوالاً ومظاهر.

7- من علامات العلم النافع ونواقضه.

8- المجاهدة والصبر سلاح المتعلم.

9- كيف نكسب العلم؟

10- بالصبر واليقين تنال إمامة الدين.

11- الشبهات والشهوات خطر على العلم وأهله.

12- العقيدة والسيرة صفاء للظاهر والسريرة.

13- فن طلب العلم.

14- قف وتأمل قبل أن يقال: فلان مات!!

15- الابتلاء امتحان لأهل العلم.

16- التواضع ثمرة العلم النافع.

17- يا طالب العلم! إياك والحسد.

18- طريقنا إلى القلوب.

19- وقبل الختام: العمل بالعلم.

20- دعــــــاء.

ولأهله منزلة عالية ودرجة رفيعة، واسمع لهذه النصوص والآثار بتدبر واعتبار، وهي على سبيل الإيجاز والاختصار:

قال تعالى: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

وقال عزّ من قائل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران:18] فبدأ سبحانه بنفسه، وثنىّ بملائكته، وثلّث بأهل العلم وكفاهم ذلك شرفاً وفضلاً، وجلالة ونبلاً.

وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9].

وقال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وقال سبحانه: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] وفي القرآن بضعة وأربعون مثلاً، وكان بعض السلف إذا مر بمثل لا يفهمه يبكي ويقول: لست من العالمين.

وأما الأحاديث والآثار في العلم وفضله ورفعة أهله فكثيرةٌ جداً، ومن أشهرها:

ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).

وما رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

وقد رواه الوليد بن مسلم ، عن خالد بن يزيد ، عن عثمان بن أيمن ، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غدا لعلم يتعلمه فتح الله له به طريقاً إلى الجنة، وفرشت له الملائكة أكنافها، وصلت عليه ملائكة السماء وحيتان البحر، وللعالم من الفضل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، والعلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر، وموت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم) قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة : هذا حديث حسن. وقال ابن حجر : أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححاً من حديث أبي الدرداء ، وحسنه حمزة الكناني . وضعفه باضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بها. انتهى كلام الحافظ.

وضعّفه الألباني من رواية عاصم بن رجاء وقال: لكن أخرجه أبو داود من طرق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن.

ومن الآثار:

ما يروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال -وانتبه لهذا الكلام-: (تعلموا العلم؛ فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء) وهذا الأثر أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله من طرق مرفوعاً وموقوفاً، ولا يصح بوجه لا موقوفاً ولا مرفوعاً، وقد قال ابن عبد البر : حديث حسن جداً، ولكن ليس له إسناد قوي، قال العراقي في تخريج الإحياء : قوله: حسن، أراد به الحسن المعنوي، لا الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث، وذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة وقال: هذا الأثر معروف عن معاذ ، ورواه أبو نعيم في المعجم من حديث معاذ مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت، وحسبه أن يصل إلى معاذ .

وهكذا الآيات والأحاديث والآثار التي تشير إلى العلم وفضله، وأن صاحبه يحمل كنزاً عظيماً يعلو به في الدنيا والآخرة، وأنصحك -أيها المحب!- بالرجوع إلى كلام ابن القيم الجميل في كتاب مفتاح دار السعادة ، فقد ذكر ثلاثة وخمسين ومائة وجه في العلم وفضله وشرفه، فهي كنز عظيم، مليئة بالفوائد والنوادر والغرائب والعجائب.

قال صلى الله عليه وسلم: (نِعم نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) أخرجه مسلم وغيره من حديث عائشة .

وقال البخاري في صحيحه : باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم. وذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري : (قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهنّ يوماً لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهن..) الحديث.

وقال البخاري أيضا: باب: تعليم الرجل أمته وأهله.

وقال: باب عِظة الإمام النساء وتعليمهن.

ويقال عن عائشة : معلمة الرجال والأجيال، حتى قيل: إن ما نقل عنها ثلث الدين، وكذلك بقية أمهات المؤمنين اللائي أمرن بتبليغ الناس القرآن والسنة بقوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34].

وهناك العشرات من الصالحات العاملات المعلمات، كـأم الدرداء ، وحفصة بنت سيرين أم الهذيل التي حفظت القرآن وهي بنت اثنتي عشر سنة، واشتهرت فيما بعد برواية الحديث، وكان أخوها محمد بن سيرين إذا أشكل عليه شيء في القرآن يقول: اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ.

وزينب بنت أحمد المقدسية ، تعرف ببنت الكمال، ولدت سنة ست وأربعين وستمائة، قال الذهبي : كانت ديّنة خيّرة، روت الكثير، وتزاحم عليها الطلبة، وقرأوا عليها الكتب الكبار.

وعائشة بنت يوسف بن أحمد الباعونية، هي الشيخة الأريبة العالمة الفاضلة، قالت عن نفسها: أهّلني الحق لقراءة كتابه العزيز، ومَنَّ علي بحفظه على التمام ولي من العمر ثمانية أعوام.

ولها مؤلفات منها: الفتح المبين في مدح الأمين .

ومريم بنت أحمد بن محمد الأذرعي، ولدت سنة تسعة عشر وسبعمائة، شيخة للحافظ ابن حجر ، كما ذكر أنه قرأ عليها الكثير من مسموعاتها، وأشياء كثيرة بالإجازة، قال عنها - أي: ابن حجر - : نِعمَ الشيخة! كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم.

وكتب السير والتراجم مليئة بأسماء العالمات الفاضلات التي تثبت أن العلم الشرعي لا يقتصر على الرجال، فللنساء دورهنّ في القراءة والمطالعة وتعلُّم شرع الله تعالى، ثم في التعليم والتدريس وإلقاء المحاضرات والمواعظ، فهنّ أبلغ في أداء المهمة، وأعلم بنفسيّات النساء.

فيا أيتها الصالحة! أيتها المرأة! من لجماهير النساء إن لم تتحركي أنت؟! ومن للغافلات إن لم تتقدم الصالحات؟

أيتها المباركة! ما هو عذرك وحِلَق العلم معقودة، والندوات مقامة، والمحاضرات معلنة، والكتب والأشرطة ميسرة، وأنت بصحة وفراغ وعافية؟!

إذاً: فهذا الحديث ليس خاصاً بالرجال فقط، بل هو لكِ أيضاً أيتها المعلمة والمتعلمة!

معاشر طلاب العلم! معاشر الأساتذة والمعلمين! لماذا لا نرى بركة علمنا تعلماً وتعليماً؟!

إننا نرى كثرة الأساتذة والمعلمين والمعلمات، وربما كان في المدرسة الواحدة عدد كبير ممن يشار إليه بالبنان بعلمه وصلاحه، ولكن لا ترى أثراً يذكر لهؤلاء إلا ما شاء الله، وربما كان طلابهم أشد غفلة وبعداً عن الله عز وجل، وأنا هنا لا أبرئ الطلاب فربما كانوا سبب ذلك، ولكن لنتهم أنفسنا معاشر الأساتذة والمعلمين والمعلمات! ولنرجع إلى أنفسنا ومقاصدها في التحمل والأداء، أو في التعلم والتعليم.

إننا نجد في تراجم السلف وسيرهم رضوان الله عليهم: أن الصالح إذا نزل ديراً أصلح الله به أهل ذلك الدير، فأين أثر الصالحين اليوم في مدارسهم؟! وأين أثرهم في مساجدهم وأحيائهم وبلدانهم؟! بل أين أثرهم في أمتهم جمعاء؟

أخرج أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعني: ريحها.

والحديث صحيح بشواهده.

ما رأيكم معاشر الإخوة؟! أترون أنا طلبنا العلم من أجل الدنيا ومن أجل الوظيفة والتكسب وأكل العيش؟ أم أنا طلبناه من أجل نشره والدعوة إلى الله وإصلاح الناس؟

كلٌ أعلم بحاله، ولكن لنتذكر أننا سنقف بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

فقد أخرج ابن المبارك في الزهد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عكيم قال: [سمعت ابن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث فقال: والله! إن ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: يا بن آدم! ما غرّك بي؟ يا بن آدم! ما غرّك بي؟ يا بن آدم! ما غرّك بي؟! ما عملت فيما علمت؟ يا بن آدم! ماذا أجبت المرسلين؟!].

فيا أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها الأخت! هل أعددنا لمثل هذا السؤال جواباً؟

الإخلاص طريق الخلاص

يا طالب العلم! التزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب، كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض أو أعراض من جاه أو مال أو تعظيم أو سمعة أو طلب محمدة أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها وذهبت بركة العلم.

فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار!) أخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك ، وقال البوصيري في الزوائد : هذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وللحديث شواهد.

وعند مسلم من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم: ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلّمت فيك العلم وعلّمته وقرأت القرآن، قال: كذبت، ولكن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).

وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء:18-19].

أثر الغفلة عن الإخلاص لله في التعلم والتعليم

معاشر طلاب العلم! معاشر الأساتذة والمعلمين والمعلمات! إني أهمس إليكم ونفسي بهذا الأثر، فلنقف معه يرعاكم الله.

يؤثر عن عمر بن ذر أنه قال لوالده: [يا أبت! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بني! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة].

ورحم الله ابن القيم يوم قال: كلام المتقدمين قليلٌ كثير البركة، وكلام المتأخرين كثيرٌ قليل البركة.

فماذا لو رآنا نحن متأخري هذا الزمن والله المستعان؟!

إذاً: فالسر في قلة البركة في العلم، والتعلم اليوم وعدم التأثر والتأثير هو الغفلة عن الإخلاص لله في الطلب.. الغفلة عن الإخلاص لله في التعليم والتدريس.

فيا أيها المدرسون والمدرسات! ويا طلاب العلم! لنطهر نفوسنا، وننقِ قلوبنا، لا من أجل أن ننتفع بالعلم فقط، بل ومن أجل أن ينفع الله بعلمنا ويفتح لنا القلوب.

أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، وأن يجعل عملنا خالصاً صواباً، ونعوذ بالله من حظوظ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

يا طالب العلم! التزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب، كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض أو أعراض من جاه أو مال أو تعظيم أو سمعة أو طلب محمدة أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها وذهبت بركة العلم.

فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار!) أخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك ، وقال البوصيري في الزوائد : هذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وللحديث شواهد.

وعند مسلم من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم: ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلّمت فيك العلم وعلّمته وقرأت القرآن، قال: كذبت، ولكن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).

وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء:18-19].

معاشر طلاب العلم! معاشر الأساتذة والمعلمين والمعلمات! إني أهمس إليكم ونفسي بهذا الأثر، فلنقف معه يرعاكم الله.

يؤثر عن عمر بن ذر أنه قال لوالده: [يا أبت! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بني! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة].

ورحم الله ابن القيم يوم قال: كلام المتقدمين قليلٌ كثير البركة، وكلام المتأخرين كثيرٌ قليل البركة.

فماذا لو رآنا نحن متأخري هذا الزمن والله المستعان؟!

إذاً: فالسر في قلة البركة في العلم، والتعلم اليوم وعدم التأثر والتأثير هو الغفلة عن الإخلاص لله في الطلب.. الغفلة عن الإخلاص لله في التعليم والتدريس.

فيا أيها المدرسون والمدرسات! ويا طلاب العلم! لنطهر نفوسنا، وننقِ قلوبنا، لا من أجل أن ننتفع بالعلم فقط، بل ومن أجل أن ينفع الله بعلمنا ويفتح لنا القلوب.

أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، وأن يجعل عملنا خالصاً صواباً، ونعوذ بالله من حظوظ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

نقل القرطبي أن الربيع بن أنس قال: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم .

وقال مجاهد : [إنما العالم من خشي الله عز وجل].

ونقل ابن كثير عن ابن مسعود أنه قال: [ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية].

وقال ابن سعدي : فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:8]. انتهى كلامه.

قالت امرأة للشعبي : أيها العالم! أفتني. فقال: إنما العالم من خاف الله.

فيا طلاب العلم! ويا أيها المعلمون والمعلمات! كل علم لا يقود صاحبه إلى خشية الله يُخشى على صاحبه، فالزم خشية الله في السر والعلن، فإن أصل العلم خشية الله تعالى.

ألم يأن للمعلمين والمعلمات أن تمتلئ قلوبهم هيبةً وخوفاً من الله؟!

ألم يأن لطلاب العلم أن تنضبط ألسنتهم خشيةً وخوفاً من الله؟!

ألم يأن لنا جميعاً أن يثمر العلم في القلب خشيةً وخشوعاً لله؟!

فإن لم يثمر العلم خشيةً وخشوعاً لله، فإنا نعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.

فكلما كان طالب العلم أورع؛ كان علمه أنفع.

فيا طالب العلم! ويا أيها المعلم! ويا أيتها المعلمة! إصلاح النفس والخوف من الله، وقوة الصلة به من أهم الأمور التي ينبغي أن يقوم بها من أراد العلم تعلماً وتعليماً، فللنفس شهوات ورغبات إن لم تضبط بالتقوى ومراقبة الله فلن تذعن للخير؛ [فالعلم الخشية] كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.

يا طالب العلم! لماذا نتحمل العلم إلا من أجل أن نرقق قلوبنا ونربي نفوسنا؟

إن تعلم مسائل العقيدة والأحكام لأجل صحة العمل ومعرفة الحلال والحرام.. إن تعلم مسائل العقيدة والأحكام لأجل بذل المال وكثرة الصيام.. إن تعلم مسائل العقيدة والأحكام لأجل القيام والناس نيام.. إن تعلم مسائل العقيدة والأحكام لأجل الصلة والبر وبذل السلام، ومن أجل إمساك اللسان عن بذاء الكلام.. إن تعلم مسائل العقيدة والأحكام لأجل نشر الحب والإخاء والوئام.

التربية أولاً

يا طالب العلم! إن طلب العلم ليس غاية لذاته مع فضله، بل هو وسيلة للعمل وتربية النفس وحسن الصلة بالله، وإلا ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)؟! وما معنى أن يُسأل المرء عن علمه: ماذا عمل به؟!

فاسأل نفسك -يا رعاك الله!- هل نفعك علمك أم لا؟! هل عملت بعلمك أم لا؟! وانظر إلى قلبك ولسانك فأنت أعلم بحالك.

قيل لـمالك: ما تقول في طلب العلم؟ قال: حسن جميل، ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي فالزمه .

كان صلى الله عليه وسلم يؤصل العقيدة ويدعو إلى التوحيد ثلاث عشر سنة، لكنه كان موصولاً بربه ليل نهار، يراقب الله في حركاته وسكناته، يذكره في غدواته وروحاته، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، كان شديد الخشية لمولاه، كان يبكي حتى تتبلل لحيته من الدموع، كان حليماً يحب العفو والصفح، كان متواضعاً يسمع الكبير والصغير والغني والفقير، كان أجود الناس في البذل والعطاء.. باختصار: (كان خلقه القرآن) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.

كل ذلك وهو يؤصل العقيدة ويدعو إلى التوحيد، فأين نحن من ذلك أيها المحب؟!

أثر الرقائق في الرُّقي بنفوس أصحابها

يا طالب العلم! لا تغفل عن الرقائق والمواعظ فإن القلب يصدأ.

فهذا محمد بن عبادة المعافري يحدث أنه وصحبه كانوا عند أبي شريح المعافري رحمه الله، فكثرت المسائل فقال: قد درنت -أي: وسخت- قلوبكم، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري ، استقلوا -أي: استبدلوا- قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق، فإنها تجدد العبادة، وتورث الزهادة، وتجر الصداقة، وأقلوا المسائل؛ فإنها في غير ما نزل تقسي القلب وتورث العداوة.

وإليك هذا الضابط الجميل في هذه المسألة:

قال ابن الجوزي : فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعاً لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم.

فيا طالب العلم! أين أنت ورقة القلب، وانحدار الدمع، وطيب المناجاة، والشكاية إلى الله؟!

ورحم الله سفيان الثوري يوم قال: إنما يطلب الحديث ليتقى به الله.

فاحرص على تزكية النفس وتربيتها، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.

يا طالب العلم! إن طلب العلم ليس غاية لذاته مع فضله، بل هو وسيلة للعمل وتربية النفس وحسن الصلة بالله، وإلا ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)؟! وما معنى أن يُسأل المرء عن علمه: ماذا عمل به؟!

فاسأل نفسك -يا رعاك الله!- هل نفعك علمك أم لا؟! هل عملت بعلمك أم لا؟! وانظر إلى قلبك ولسانك فأنت أعلم بحالك.

قيل لـمالك: ما تقول في طلب العلم؟ قال: حسن جميل، ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي فالزمه .

كان صلى الله عليه وسلم يؤصل العقيدة ويدعو إلى التوحيد ثلاث عشر سنة، لكنه كان موصولاً بربه ليل نهار، يراقب الله في حركاته وسكناته، يذكره في غدواته وروحاته، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، كان شديد الخشية لمولاه، كان يبكي حتى تتبلل لحيته من الدموع، كان حليماً يحب العفو والصفح، كان متواضعاً يسمع الكبير والصغير والغني والفقير، كان أجود الناس في البذل والعطاء.. باختصار: (كان خلقه القرآن) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.

كل ذلك وهو يؤصل العقيدة ويدعو إلى التوحيد، فأين نحن من ذلك أيها المحب؟!

يا طالب العلم! لا تغفل عن الرقائق والمواعظ فإن القلب يصدأ.

فهذا محمد بن عبادة المعافري يحدث أنه وصحبه كانوا عند أبي شريح المعافري رحمه الله، فكثرت المسائل فقال: قد درنت -أي: وسخت- قلوبكم، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري ، استقلوا -أي: استبدلوا- قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق، فإنها تجدد العبادة، وتورث الزهادة، وتجر الصداقة، وأقلوا المسائل؛ فإنها في غير ما نزل تقسي القلب وتورث العداوة.

وإليك هذا الضابط الجميل في هذه المسألة:

قال ابن الجوزي : فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعاً لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم.

فيا طالب العلم! أين أنت ورقة القلب، وانحدار الدمع، وطيب المناجاة، والشكاية إلى الله؟!

ورحم الله سفيان الثوري يوم قال: إنما يطلب الحديث ليتقى به الله.

فاحرص على تزكية النفس وتربيتها، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.


استمع المزيد من الشيخ إبراهيم الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
المحرومون 2930 استماع
سهام للصيد 2610 استماع
توبة صايم 2608 استماع
اذهبوا بنا نصلح بينهم 2607 استماع
من كنوز الحج ... 2478 استماع
موعظة السبع البواقى 2465 استماع
بحر الحب 2407 استماع
بشائر ومبشرات 2350 استماع
السحر الحلال 2346 استماع
أهمية أداء الزكاة 2337 استماع