رحلة من البؤس إلى المسرات
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
رحلة من البؤس إلى المسراترحلة من البؤس إلى المسرات، ومن الخوف إلى الرجاء، ومن الحذر إلى المضاء، ومن الشدة إلى الرخاء، ومن الفزع إلى الأمن، ومن الكرب إلى الفرج، ومن طمع الفقير المحتاج إلى جود الكريم الجواد، ومن مسكنة الضعيف السقيم إلى لطف البر الرحيم، يترقى صاحبها من المعاناة والخوف والذعر إلى الأمن والفرح، والسعد والمسرات، سننتقل وإياكم مع أحداث هذه القصة إلى عالم آخر لم نشهده بعد هناك، هناك في عرصات القيامة سنشهد أحداثها، ونقف على فصولها، وحتى نتصور عظم أحداثها، تعالوا بنا نستكشف حال الناس عند حدوث هذه القصة.
يصف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ((وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ))؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "السعدان نبات ذو شوك"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمَرَ المَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا - أي: احترقوا - فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ))[1]، هنا تبدأ قصتنا مع آخر رجل يدخل الجنة، في هذا المشهد العظيم أخذ يستنجد بربه، وقد أقبل بوجهه على النار فيقول: ((يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا – أي: أذاني وأهلكني - وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ))[2].
وفي رواية قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَلا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ ألا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابُ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي ألا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ))؛ [رواه مسلم]، وفي هذه القصة عباد الله دروس وهدايات؛ منها:
أولًا: عظم هول يوم القيامة، فهو يوم الفزع الأكبر، يوم تنقطع فيه الأنساب والأواصر: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، الكل يطلب لنفسه النجاة: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37]؛ أي: يراهم، ويفر منهم، ويبتعد عنهم؛ لأن الهول عظيم، والخطب جليل[3]، بل إن الرسل عليهم السلام من لدن آدم إلى عيسى، كلهم يقول: نفسي نفسي، لله ما أعظم الفوز يوم القيامة! يا لروعة جزاء المحسنين في صلتهم بربهم وإحسانهم إلى خلقه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 102، 103]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
ثانيًا: إن الفوز الحقيقي هو الفوز بعبور الصراط والنجاة من النار: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]؛ تأمل قول هذا الناجي: ((تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِين))؛ ولذا علينا أن نسعى لتحقيق هذا الفوز، ليسأل كل واحد منا نفسه، كيف أعبر الصراط وأنجو من النار؟ ويمكن تحقيق ذلك الفوز بأمور؛ منها:
1- توحيد الله جل وعلا والسلامة من الشرك؛ تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمَرَ المَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ))، فلنعمر قلوبنا بتوحيد الله عز وجل، ولنحذر كل الحذر من الشرك بالله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
2- المحافظة على الصلاة من أعظم أسباب الفوز بذلك؛ تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ))؛ فلنحافظ على الصلوات الخمس كما أمر الله، يا ألله ما أعظم الصلاة! ((وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ))، يا أيها المفرط في الصلاة، تدارك نفسك، إلا الصلاة اجعلها أعظم شيء في حياتك.
3- التوبة النصوح إلى الله عز وجل والدعاء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
4- الاستقامة على صراط المستقيم في الدنيا؛ فأهل الاستقامة هم أعظم الناس أمنًا في الحياة الدنيا وفي الآخرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32]؛ قال ابن القيم رحمه الله: "على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط، يكون سيره على ذاك الصراط، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلم، ومنهم المكردس في النار، فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا، حذو القذة بالقذة، جزاء وفاقًا، ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90]"[4].
ثالثًا: عظيم كرم الله عز وجل ولطفه ورحمته بعبده، وجوده وبره وإحسانه، ها هو ينجي عبده من النار، ثم ينقله من نعيم إلى نعيم يدخله الجنة، بل يعطيه ما لا يخطر له على بال؛ تأمل قوله لعبده: ((أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟))، وفي رواية: ((فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ))، وفي رواية: ((اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا))[5]، فلنقبل على ربنا عز وجل، ولنحبه من كل قلوبنا، ونعظم الطمع في عفوه ومغفرته ورحمته ولطفه، وعظيم كرمه وجوده وبره.
رابعًا: عظم نعيم الجنة، فهذا نعيم آخر أهل الجنة دخولًا، وأدناهم منزلة، فكيف بغيره؟ تأمل ملكه مثل الدنيا عشر مرات، يا ألله! ما أعظم النعيم، يا عباد الله، الجنة دارنا، ونحن هنا غرباء.
فحيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدنٍ فإنَّها
مَنازِلَنا الُأولَى وفِيها المُخَيَّمُ
ولَكنَّنا سَبيُ للعدُوِّ فَهَل تَرَى
نَعوُد إلَى أوطاَنَنا وَنُسلِّمُ
وقَد زعَمُوا أن الغَرِيبَ إذاَ نَأى
وشَطَّتْ بهِ أوطَانُه فهُوَ مُغرَمُ
جنة تربتها مسك وزعفران، وحصباؤها لؤلؤ وياقوت ومرجان، أنهار من لبن وماء، وخمر وعسل، قصورها من ذهب وفضة، وخيامها من لؤلؤ، الخدم كاللؤلؤ المكنون، فكيف بالمخدوم؟ زوجات أهلها من الحور العين، يحار الطرف إذا نظر إليها، عطرة الريح التي لو اطلعت على أهل الأرض لَملأت ما بين المشرق والمغرب ريحًا من التي تجلس إلى جوارك، هي الكاعب التي نهودها كالرمان لا تتدلى أبدًا، بكرًا، كلما وُطئت عادت بكرًا: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾ [النبأ: 33]، جميلة الملابس، قد ألبست سبعون حلة، فأي لون أردت أن تراه عليها، رأيته، أما مِنديلها الذي تضعه على رأسها، فخير من الدنيا وما فيها، هي التي تشع أنوارًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لو أن امرأة من أهل الجنة اطَّلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما))؛ [رواه البخاري].
حمر الخدود ثغورهن لآلئ
سود العيون فواتر الأجفانِ
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها
فيضيء سقف القصر بالجدرانِ
ريانة الأعطاف من ماء الشبا
ب فغصنها بالماء ذو جريانِ
لما جرى ماء النعيم بغصنها
حمل الثمار كثيرة الألوانِ
فالورد والتفاح والرمان في
غصن تعالى غارس البستانِ
خامسًا: إثبات صفة الضحك لله عز وجل ضحكًا يليق بجلاله سبحانه، وفي ذلك أعظم مطمع للعباد لنيل خيره وبره سبحانه؛ فقد قال أَبِو رَزِينٍ رضي الله عنه لرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا عباد الله))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].
اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، يا حي يا قيوم، وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.
[1] رواه البخاري.
[2] رواه البخاري.
[3] تفسير ابن كثير (10/ 115).
[4] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 33).
[5] رواه البخاري.