خطب ومحاضرات
أولياء الله وأولياء الشيطان
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ وسلم عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعـد:
فنسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن ينفعنا جميعاً بما نسمع وبما نقول.
إنَّ أولياء الله عز وجل هم كما قال الله تبارك وتعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] فلا يكون الكافر ولياً من أولياء الله، فالكافر هو عدوٌ لله وهو الطاغوت ووليه الشيطان وهم حزبه وجنده وأعوانه، وكذلك لا يكون المجنون أو من يعتريه الجنون في حال جنونه ولياً لله -تبارك وتعالى- كما يزعم ذلك الصوفية الضلال وأمثالهم، وكذلك بالنسبة للصبي ومن لم تبلغه الدعوة.
فنقول: إن المقصود والمراد من الآية هو الرد على من يظنون أن لله تبارك وتعالى أولياء من غير المسلمين، قد يزارون أو يقصدون في بلاد نائية، أو جبال بعيدة، أو مغارات يذهب إليها بعض الناس، فيجدون بعض العباد والزهاد، ويظنون أنهم أولياء لله وهذا من تلبيس الشيطان وتلاعبه بعقول كثير من الناس سواء من الصوفية أم غيرهم نسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يثبتنا وإياكم على الحق والإيمان والسنة إنه سميع مجيب.
عوام أهل السنة والجماعة هم من الأولياء
الجواب: الحمد لله، من خلال ما تقدم نعلم الجواب إن شاء الله، وهو: أن أولياء الله -تبارك وتعالى- لا يشترط فيهم أن يكونوا علماء أو طلبة علم كما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله.
فالأولياء هم من عموم هذه الأمة، فمنهم: التجار، ومنهم الصناع، ومنهم الزراع، ومنهم المجاهدون، ومنهم القراء، ومنهم العلماء، فالولاية: هي إيمان وتقوى الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] فكل من حقق الإيمان والتقوى فهو ولي لله تبارك وتعالى بالمعنى الخاص، وكل من آمن بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو ولي لله بالمعنى العام؛ لكن تنقص ولايته بمقدار ما يكون فيه من تقصير أو ارتكاب لما حرم الله، أو تفريط فيما أوجب الله تبارك وتعالى.
والعلماء إنما يفضلون على بعض العوام بأنهم يعلمون ما جاء عن الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتفصيل، وإلا فقد يوجد في بعض العوام من قوة الإيمان والصدق والإخلاص واليقين والرغبة والرهبة والإنابة وكل الأعمال الإيمانية الظاهرة أو الباطنة كما عند العلماء، أو ما هو أكثر من بعض العلماء؛ لكن المزية: أن العلماء يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله تفصيلاً، وهذه لا شك أنها مزية، ولكن لو تجرد العلم من التقوى لم ينفع صاحبه.
وكذلك العامي لو عبد الله تبارك وتعالى بغير علم بل على جهالة ولم يسأل عن دينه في ضرورات الدين لكي يتعبد بها فإنه لا ينفعه ذلك، فلا بد للعامي من العلم ولو كان عن طريق السؤال كما قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، والعالم لا بد أن يعمل، وإن لم يعمل بعلمه فلا خير فيه، بل هو كما ضرب الله تبارك وتعالى المثل له بقوله: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5]، وهذا من أسوأ الأمثلة.
وفي مثل آخر في آية أخرى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] هذا إذا لم يعمل العالم بعلمه ولم يؤد به علمه إلى تقوى الله عز وجل، كما قال الله -تبارك وتعالى-: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
فالعلماء هم الذين يخشون الله أكثر خشية من غيرهم؛ لأنهم يعلمون ويعرفون عن الله عز وجل ما لم يحط به غيرهم.
إذاً: عوام أهل السنة والجماعة هم من الأولياء، ونستطيع أن نوضح هذا بشكل أكثر فنقول: إن المؤمنين هم الأولياء، وكلمة الولاية من الألفاظ الشرعية؛ فإذا قلنا: الأولياء أو الأبرار أو المتقون أو المهتدون أو المستقيمون أو أهل الجنة أو أتباع السنة أو أي اسم من هذه الأسماء أو الأوصاف الشرعية فالمعنى واحد.
إذاً: فالأولياء فيهم العامة وفيهم الخاصة، والمتقون والصالحون والمهتدون منهم العامة ومنهم الخاصة، وهكذا هذه الأوصاف الشرعية تترادف، فعلى ذلك يكون عوام أهل السنة والجماعة من عوام الأولياء، وعلماء أهل السنة والجماعة -أي: العلماء العاملين- هم من خاصة الأولياء أو من علماء الأولياء، ولا إشكال في هذا إن شاء الله.
لمز الملتزمين بالدين بالجنون
الجواب: عبارة [ يقولون: إنه مجنون ] إذن لم يجزم القائل -بغض النظر عن صحة الرواية من عدمها- بأنه كان مجنوناً، ومن يقال له: إنه مجنون، قد يكون من أعقل الخلق، بل إنَّ الملاحظ الآن والمشاهد أن كثيراً من الناس يطلقون على الشباب المتدين المتمسك المستقيم الذي يترك الحرام ويبتعد عن الشبهات والشهوات، ويخاف الله عز وجل ويقف عند حدوده يسمونه مجنوناً، ولا غرابة فقد قالوا ذلك للأنبياء وحتى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهكذا قالت كل أمة لنبيها إنه شاعر وساحر وكاهن ومجنون... إلى غير ذلك؛ فإطلاق مجنون قد يكون تهمة، فربما يكون هذا الشاب أو هذا الرجل من أولياء الله الصالحين المستقيمين قد اعتزل ما عليه أهل هذه القرية من ظلم، وفساد، وفجور، وانحراف فسموه المجنون، فلما أرادوا الاستسقاء والدعاء، قالوا له: ادعُ الله، فدعا الله فمطروا، ولا غرابة في ذلك.
فهذا هو الاستسقاء المشروع: أن يدعو من يرى الناس أنه خيرهم أو أبرهم، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ثم بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي زمن عمر رضي الله تعالى عنه لما خرجوا يستسقون أمر عمر رضي الله تعالى عنه العباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو، ثم في عهد معاوية رضي الله تعالى عنه وفي جميع عصور الإسلام من السنن المتبعة أن يكون الداعي ممن يرى أنه من خير الناس وأفضلهم وأتقاهم فيستجيب الله تبارك وتعالى دعاءه، ويمطر ويسقى القوم جميعاً، فهذا لا غرابة فيه إن شاء الله.
إذاً: لا تعارض مع ما تقدم من أن المجنون لا يكون ولياً؛ لأن هذا قيل: إنه مجنون وليس مجنوناً على الحقيقة، ودليل ذلك: أنه ذهب معهم ولا بد أنه تطهر وصلَّى ودعا فهذا لا يكون مجنوناً؛ لأن المجنون غير مكلف ولا يعي ولا يستطيع أن يقوم بهذه العبادات.
المفاضلة بين أهل السنة وأهل البدع
الجواب: كلام شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله هذا كان في مقام المفاضلة، وليس في مقام الثناء على المخالفين، فهناك فرق بين مقام الثناء على المخالفين للسنة -فهؤلاء لا يثنى عليهم ولا يمدحون- وبين مقام المفاضلة، ويشرح هذا الكلام أنه قال رحمه الله: كل خير عند أهل الكتاب أو بقية الأديان ففي هذه الأمة منه أكثر، وكل شر في هذه الأمة أو من المنتسبين لهذه الأمة ففي أهل الكتاب والملل الأخرى منه أكثر ثم نأتي إلى هذه الأمة منها أهل السنة ومنها أهل البدع، فأي شر قد يكون في أهل السنة فهو في غيرهم أكثر منهم، فلو قارنا بين أهل السنة والرافضة الشيعة وهما القسم الأكبر في الأمة، ولهذا يقال الآن: المسلمون سني أو شيعي، ولكن القسمة في الحقيقة ليست هكذا، وإنما هي قسمة بين السنة وأهل البدع، وأهل البدع فرق كثيرة منها الخوارج والمرجئة والصوفية، والفرق هي الاثنتان والسبعون فرقة فلماذا يقال: سني أو شيعي؟
وذلك لأن تخصيص الشيعة بهذا الوصف لكثرة شرهم وفتنهم وبلائهم على الأمة، فجرى العرف على أن الأمة لا تخرج عن أحد هذين الوصفين، ولهذا لا تصلح كلمة سني في مقابل الشيعي، ولا تكون بهذا مدحاً لأنه قد لا يكون شيعياً، ولكنه على بدعة أخرى، وكذلك قد يكون صاحب معاصٍ وفجور وإن كان منتسباً لـأهل السنة.
فاصطلاح أن كلمة سني مقابل كلمة شيعي؛ هذا اصطلاح في الكتب وفي الواقع، فإذا قارنا بين أهل السنة وبين الشيعة؛ فإن عند الشيعة كل ما عند الطوائف من الأوصاف فـالشيعة فيهم المتكلمون، وفيهم الصوفية وفيهم العباد إلى آخره، وكذلك السنة بهذا المفهوم، فـأهل السنة بمعنى الذين ليسوا شيعة نجد أن عبادهم خير من عباد الشيعة، وأن متكلمي أهل السنة خير من متكلمي الشيعة، وإن كان أهل الكلام من أهل السنة يعدون مبتدعة.
لكن بما أنه ليس متكلماً شيعياً وإنما هو متكلم سني بالمفهوم العام فهو أفضل، فكل طائفة من أهل السنة وإن كان فيها ما فيها من خطأ أو انحراف أو بدع، فهي خير من أهل الرفض والتشيع مهما زعموا ومهما ابتدعوا، فهذا هو المقصود.
فمصطلح أهل السنة يطلق بمعنيين:
المعنى العام: وهو كل من ليس رافضياً، وقد يقال أحياناً في مقابل أيضاً من ليس معتزلياً محضاً، أو خارجياً محضاً، يعني المتمحض بالبدعة بالكلية، فمن كان على شيء من البدعة أو مقابل هؤلاء يقال: إنه من أهل السنة وإن كان متلبساً ببدعة.
أما أهل السنة بالمعنى الخاص وهم الممدوحون والمفضلون، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؛ فهم الذين لم يتلبسوا بهذه البدع، ولم يكونوا على منهج اعتقادي بدعي، وإن وقع منهم شيء من ذلك فيقع على سبيل الخطأ لا على سبيل المنهج المتبع، وإنما يقع منهم خطأ؛ لأنه ليس شرطاً ليكون الرجل من أهل السنة أن يكون معصوماً، فقد يخطئ، لكن هناك فرق بين من يخطئ فيوافق كلاماً لأهل البدع، وبين من يتبع أهل البدع في منهجهم الذي يعلم أنه مخالف لمنهج أهل السنة.
هذا الذي يحمل عليه مثل هذا القول، أما أن يفهم منه بعضهم أن أهل السنة فيهم الصوفية وفيهم المتكلمون، وهم يقرون على ذلك وهم ممدوحون وهم من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهذا فهم خاطئ، وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله بل كل واحد وليس فقط شَيْخ الإِسْلامِ لا بد أن تضم بعض كلامه إلى بعض، فلو أخذت جانباً من كلام أي واحد، فقد يظهر لك أنه خطأ أو تحكم عليه بالخطأ، لكن إذا ضم الكلام إلى بعضه فُهِمَ المقصود.
فلو جئت إلى كلام شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في مواضع أخرى يتكلم فيها عن المتكلمين وعن الصوفية وما فيهم من الضلال والبدع فإنه ينتقدهم ويذمهم، ويعيبهم، ويبين ضلالهم، وانحرافهم وإن كانوا ليسوا من الشيعة، وإن كان بعضهم يدعون أنهم من أهل السنة، فلا بد للحكم على أي إنسان أن تضم كلامه بعضه إلى بعض، وأن ترد المتشابه من كلام أي أحد إلى المحكم، وهذا عام حتى في غير القرآن أو السنة، فالكلام المحكم الجلي بمعنى القطعي وهو النص تحاكم إليه ما قد يشتبه عليك، أما أن تأخذ المتشابه من كلام أي أحد، فبهذا ضل النصارى والعياذ بالله، ويمكن أن يضل به -أيضاً- أي إنسان أو يجور في حكمه على من يقرأ كلامه أو يستمع إليه.
صبر الصحابة
الجواب: هذا لا إشكال فيه، وإنما المقصود أن من تقرب إلى الله تبارك وتعالى وقرأ القرآن وأكثر من تلاوته وأكثر من ذكر الله عز وجل فإن الله يفتح عليه معاني الإيمان، وتجِدُّ على قلبه حقائق إيمانية، فإذا سمع الآيات من القرآن ازداد إيماناً ويقيناً، وفتح له أمور أو حقائق قد لا يستطيع أن يعبر عنها أكثر الناس، لكنه يجدها في نفسه.
وهكذا كلما تفكر المسلم في خلق الله، وكلما ذكر الله، وكلما تذكر الآخرة والموت، وما أعد الله، ازداد إيماناً، وتجلت له حقائق ومعانٍ عظيمة، فمن الناس من يحتملها لقوة أعطاها الله إياه وهم الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- الذين كانوا في جاهليتهم لا يُذكرون ولا يُعدون شيئاً؛ فلما هداهم الله تعالى للإيمان، أحيا الله قلوبهم بهذا القرآن فأصبحت ينابيع الحكمة تتفجر في قلوبهم، ويظهر ذلك في أقوالهم وأعمالهم وسمتهم وهديهم ودلّهم، بما لا يشك عاقل أن هذا من أثر النبوة ومن أثر القرآن.
ولهذا لما رآهم أهل الكتاب في دمشق ومصر وغيرها، قالوا: نشهد أنَّ هؤلاء يتخلقون بأخلاق الأنبياء الذين يقرءون عنهم، وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، أن كانت لهم هذه المعاني وهذه الحقائق، فالصلاة -مثلاً- في مظهرها الخارجي يصلونها مثلنا ركوعاً وسجوداً، والقرآن يقرؤنه كما نقرؤه نحن إن كان مجرد أداء حروف، لكن الحقائق الإيمانية التي هي الأساس تختلف عندهم.
فإذن أوتوا مع ذلك قوة التحمل، وجاء من بعدهم من التابعين فكانوا إذا وردت عليهم بعض هذه الواردات لا يتحملون، فتجد أن المعنى نفسه لو ورد على قلب أحد التابعين لسقط -مثلاً- مغشياً عليه، أو تأثر، أو قد يصاب بعضهم بشيء؛ لأن بعض الناس قد يصاب بما يشبه الجنون، أو لا يستطيع أن يتحمل، ليس لأنه مجنون، لكنه ما استطاع ذلك، وقد يعتريه ما يفقده صوابه من شدة استشعاره لهذا المعنى.
فمثلاً: الوقوف بين يدي الله عز وجل خمسين ألف سنة فيقف يتذكر هذا اليوم وهذا الهول، فما يستطيع أن يتحمل، كما نشاهد في واقعنا العادي أن بعض الناس قد لا يتحمل أن يرى -مثلاً- منظر قتل أو حد قصاص يقام يوم الجمعة فيسقط، وبعضهم يراه فلا يتأثر، فالله أعطى النفوس قدرات مختلفة في التحمل.
فالمهم أن أكمل الناس تحملاً في الجملة هم الصحابة ومن جاء من بعدهم؛ ولا نقول: إنهم أكملهم تحملاً للواردات، ولكن لَوْ ورد شيء مما يرد على الصحابة عليهم، لما استطاعوا أن يكونوا أكمل تحملاً، وعلى سبيل المثال ما نقل عن عمر -رضي الله تعالى عنه- إن ثبت أنه مرض أو حُمَّ أياماً لأنه سمع آيات من سورة الطور أو غيرها -مثلاً- هل هذا يناقض ذلك؟ نقول: لا، لأن هذا حالة عابرة عارضة، وإنما كان كلامنا على العموم، فالإنسان القوي الشديد قد يغلب أحياناً، وقد يضعف أحياناً ولاينافي ذلك وصفه بالقوة والشدة والتحمل.
لكن الأصل في ذلك ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعامة الصحابة، فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرأ القرآن يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، كأنه القدر الذي يغلي من شدة ما يفتح الله عليه من معارف وعلوم وأسرار، نحن لا نستطيع أن نعبر عنها بالألفاظ التي نستخدمها، إنما ثمرة قراءة الآيات وتأملها وتفكرها وتدبرها تعطي الإنسان مثل هذه الأمور، ومع ذلك فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسقط ولم يغم عليه من أجل آية من الآيات، أما الصحابة فقد وقع ذلك لبعضهم -أحياناً- ولا ينافي الحالة العامة، أما في التابعين فكثر ذلك، ثم في من بعدهم.
وهذا المشاهد في الصوفية، فقد أصبح الواحد منهم يسقط إذا سمع -مثلاً- آية، أو إذا سمع كلاماً عاماً، بل حتى صار بعضهم من شدة ضعف احتماله ورقة حسه، إذا سمع بيتاً من الشعر يسقط مغمياً عليه، يتذكر الأحباب أو الأوطان أو كذا، ويقول: أنا تذكرت الجنة، أو ينوي بهذا البيت الجنة أو دار المقام هناك؛ فيسقط. وينبغي لنا أن نقتدي بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان عليه الصحابة بقدرما نستطيع فنتفكر في آيات الله وفي ملكوت السماوات والأرض، ونكثر من ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ملأ أو خالين مع أنفسنا، وفي الحديث: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) فهذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ففضل عظيم أن نذكر الله وحدنا، وفي الحديث: (إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).
فيجب أن نقتدي بهؤلاء، ومع ذلك نقتدي بهم في قوة التحمل، فإذا قرأت آيات من كتاب الله عز وجل وحصلت لك هذه المعاني الإيمانية، فاحمد الله واثبت، ولا تضعف واجتهد أن تكون كذلك من باب:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إنَّ التشبه بالكرام فلاح |
وإلا فلن نحصل على ما يرد على قلوبهم من المعاني الإيمانية العظيمة ولن نكون مثلهم في التحمل، لكن فليكونوا هم قدوتنا الذين نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحشرنا أتباعاً لهم، وفي زمرتهم إنه على ذلك قدير.
دخول الكفار إلى بلاد المسلمين
الجواب: لو كنا ندعو إلى الله عز وجل كما ينبغي لأسلم العالم كله إلا من كتب الله عليه الشقاوة، ومع ذلك كما ترون يأتينا دائماً من يذكرنا بعمل أعداء الله مثل هذه المسألة البسيطة -عند الكثير- هذه نجمة سداسية ملونة بعضها حمراء تأتي في بكلات الشعر، وفي الملابس، يريدون أن يغزونا، إن لم نجاهر بالكفر، فهؤلاء الكفار قبحهم الله، يرضيهم منا أن نتزيا بزي أهل الكفر، وأن نلبس شعار أهل الكفر من صلبان ونحوه، فنحن الآن مغزوون، وأصبحنا مستهدفين من هؤلاء الكفار حتى في الشعائر الظاهرة.
وهذه ألعاب على صورة ملونة وجميلة من الممكن أن يجعلها الذي لا يدري بروازاً، ويعلقها، مع أنها وهي صورة كنيسة، والصليب واضح فيها ومع ذلك تدخل البلاد وتنتشر.
وأنا أكرر وأقول: لا نقول المؤاخذون هم الجمارك فقط، أو الرقابة فقط، فهؤلاء جزء منا، فالتقصير عام، ويجب أن نعلم ذلك جميعاً.
وهناك دعاية واضحة للكنيسة الألمانية الغربية، -فلم يخفوا حتى الكتابة؛ لأنهم أمة تدين بهذا الدين- جعلوا شعارهم الكنيسة، وكتبوا ذلك، فهي بضاعة لها شعار مقصود ومتعمد أن يكون رمزاً لدعوة كنسية، فهل اللوم على صاحب الدين الذي يريد أن ينشر دينه؟ أم اللوم على أهل الإيمان وأهل التوحيد الذين طمع فيهم الطامعون، وجعلوهم هدفاً لنشر دينهم وملتهم؟
ومثل هذه النجوم السداسية التي تأتي على الملابس وتوضع في بكلات الشعر وتوضع في أي شيء فيجب أن نحذر منها؛ لأنهم يبدءون بالشعار ثم ينتقلون إلى الشعائر بعد ذلك.
كذلك جاءتني هذه الرسالة وتحتوي على صورة، وعلى رسالة، وهذه الصورة يزعمون أنها للمسيح عليه السلام، وأتوا بكلام من الكلام الذي نقرأ منه أحياناً -كما لا يخفى عليكم- تقول الرسالة: يا ابني الحبيب الغالي، سلام مني، أنا ملك السلام، أنت لا تعرف اسمي، هذا هو اسمي: عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، أنا الرب. ولو تتبعتم بشائر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأناجيل لوجدتم أنه هو الذي يدعى مشيراً وعجيباً.
لكنهم جعلوا هذه الصفات للمسيح، وأدخلوا معها كلمات إلهاً ورباً وقديراً إلى آخره، وآخر التوقيع بالخط الكبير أنا الرب يسوع المسيح، تعالى الله عما يصفون كما قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75] الإله يأكل الطعام! ومن أكل الطعام فإنه يحتاج إلى الخلاء! لا يمكن ذلك للإله أبداً، ولذلك أول ما أنطقه الله قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30] لا ألوهية فالله تعالى بيـَّن لنا هذا، ولكنهم يزعمون ذلك.
والمهم أن ذلك مما في الرسالة ولا نطيل بقراءتها، فالأربع صفحات منها تشتمل على تعليمات، مفادها في آخرها أن يؤمن العبد بأن الرب هو يسوع المسيح، ملك الملوك، ورب الأرباب، خالق الكل تعالى الله عما يشركون، ما أضل عقول النصارى وما أسفه أحلامهم!!
وذكر ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان أن أحد ملوك الهند قال: إن النصارى سُبَّةٌ وعار على الإنسانية عموماً، مع أنه من حكماء الهند وما كان على دين كتابي؛ لكن العقل يرفض أباطيلهم وخرافاتهم فكيف يقولون إنه هو الله والرب، ثم يقولون: إنه ولد ونشأ طفلاً ثم في النهاية صلب وقتل، ويرضى أن أعداءه يتسلطون عليه ويصلبونه.
وبعد ذلك يقولون: إنه وهو على الصليب قال: إيلي إيلي لماذا سبقتني؟ ومعناها: إلهي إلهي لم تركتني، لم تخليت عني؟ إذاً هذا عبد مخلوق؛ يقول: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ على كلامهم وإلا فعيسى عليه السلام لم يصلب، كما قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، والذي صُلب هو رجل شبه لهم أنه المسيح؛ لأن جند الرومان ما كانوا يعرفونه، فلما رفع الله المسيح وألقى شبهه عليه قالوا: هذا هو المسيح فذهبوا به، فهو عبد كأي عبد لله وهو يتأوه على الصليب وعند ما أرادوا قتله كان يقول: يا آلهي لماذا تركتني؟ يدعوا الله كأي إنسان حتى لو كان كافراً يدعو، فهذا الذي يقول: إلهي إلهي لم تركتني؟ يقولون: إنه رب الأرباب وخالق الكل، وأعداؤه سلطوا عليه وقتلوه! تعالى الله عما يصفون!
وبعد ذلك يقول: وضعوه في القبر ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام خرج، سبحان الله! من كان يدبر أمر السماوات والأرض ويرزق ويعطي ويمنع، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، في خلال هذه الثلاثة الأيام، وهو في القبر وهو فوق الصليب يشكو، سبحان الله عما يصفون!!
فالمقصود أن هؤلاء النصارى لا يتورعون، ويرسلون هذه الأوراق إلى أي أحد، وأرسلوا -أيضاً- مع هذه الصورة صورة آخر اللحظات عندما كانوا يضعون الصليب ليصلبوه، وجاءوا بكلام من الإنجيل في ظهرها.
وطباعتها طباعة أنيقة كيف أنه في "لوقا" قال المسيح: تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك. وكيف أنهم لما سألوه: احضروا شهود الزور، قال رئيس الكهنة: هل أنت المسيح ابن الله؟ فأجابه: نعم، فحكموا عليه بالموت، فيقول: تفرست جارية في بطرس، فقال : إنك مع يسوع، فخاف بطرس، فأنكر يسوع ثلاث مرات.
فانظر سخافة العقول، بطرس كبير الحواريين باتفاق جميع طوائف النصارى، ورئيس الحواريين وأكثرهم التصاقاً وقرباً من المسيح عليه السلام فينكر معرفته به ثلاث مرات ويتنكر له، ويقولون: إن المسيح قال له قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فوقع ذلك، فهم يستدلون بذلك على أن المسيح يستطيع أن يعرف أو يعلم ما سيكون أو أخبر بشيء فوقع، ولكن ما هو الذي وقع على فرض أن هذا وقع؟ يقول: لكبير حوارييه وأصحابه قبل أن يصيح الديك تنكرني وتتبرأ مني، فالنتيجة أن هذا لا يصلح أن يكون حوارياً، ولا يصلح أن يكون من المقربين لدى عيسى عليه السلام، بغض النظر عن قضية دعوى الألوهية.
فهذا طعن إذاً في الحواريين؛ لأنه أنكر علاقته به خوفاً من أن يصلب، وقال: لا أعرفه، فهذا ليس من مقامات المدح بل هو في مقام الذم والطعن والتنقص، لكن هؤلاء لا عقول لديهم، إنما القضية عندهم تقليد واتباع، فإذا كانوا بهذه المنزلة وبهذه العقلية وطمعوا فينا، فمعنى ذلك أنهم يتصورون أنه ليس لنا عقول لو آمنا بهذا الكلام الذي لا يقبله عقل.
فلهذا قال لهم زويمر: لا تطمعوا أن تخرجوا المسلمين من الإسلام فتدخلوهم في نور النصرانية فهذه درجة عظيمة لا يستحقها كثير من المسلمين، لكن يكفيكم أن تخرجوهم من دينهم، وأن تجعلوا المسلم بلا دين فإن عمل فلشهواته، وإن جمع المال فلشهواته، وإن رضي فلشهواته، وإن غضب فلشهواته في كل شيء، فيكون مسلماً بالاسم لكنه بلا دين.
فيكفي من المنصرين هذا العمل وهذه المرحلة الأولى التي يراها المنصرون أكثر ما يُعمل، وهي إخراج المسلم من دينه، والمرحلة الثانية: إدخاله في النصرانية، هذه مرحلة لاحقة فيما بعد.
فهم إذن يحقروننا، ولا يرون لنا عقولاً وإلا لما كان سفهاؤهم هؤلاء يطمعون في أن ينصرونا، ولذلك هل طمعوا فينا أيام قوة عقيدتنا وإيماننا؟ والله ما طمعوا بهذا الشكل أبداً.
نظرة الغربيين للإسلام
ولا يخفى عليكم الآن، وكلنا نعلم ذلك أن الغرب الذي يفتخر أنه عرف العدالة والحرية، والمساواة، ومعاني الإنسانية، الآن من إيطاليا إلى أسبانيا إلى فرنسا إلى بريطانيا يغيرون قوانين الهجرة وقوانين الإقامة ليضيقوا على المسلمين، وليسلموا المسلمين إلى من يطلبهم من حكوماتهم، كيف يسلم فلان من أمريكا؟ وكيف يسلم فلان من ألمانيا؟ والقانون لا يسمح، فليغير القانون، فالغرب الذي يفتخر بأنه قانوني أو نظامي وأنه لا يتعدى القوانين والأنظمة، وأنه لا أحد فوق القانون، ولا شيء فوق القانون -كما يزعمون- لكنه يغير القانون، إذا كان في تغييره تحقيق مضرة بالمسلمين أو بمسلم أو بداعية من دعاة الإسلام قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] والأخص منهم المتسلطون وأصحاب الرأي وأصحاب القرار، وإلا ففيهم لا شك من ينكر ذلك، لكن الأغلب وأصحاب القرار والمتنفذين هم بهذه الصفة كما نسمع هذه الأيام.
ومن تشنيعهم وتشهيرهم أنهم ينشرون مثل هذه الصورة المزرية، صورة نوع من القردة، وهو لابس عقالاً عربياً وبيده خرطوش الأنبوبة (البنزين)، يعني أن العربي عندهم وفي نظرهم قرد كالح الوجه يلبس هذا العقال الذهبي، ورأس مالهم هذا البترول، وطبعاً رأس الأنبوبة ليس بنزيناً، إنما هو عملات ورقية، أي: أن أكثر الفئات قيمتها عشرون دولاراً، أو خمسون، فالمهم أن هذا هو العربي أو هذا هو المسلم في نظر الغربيين.
فهذه الصورة صورة عادية عندهم، ونجد الآن في المكتبات لديهم أنها تباع ككروت مراسلات طريفة، فيمكن اختيارها وإرسالها إلى زميل، ليضحك إذا رآها ويرفه عن نفسه، وأن هؤلاء هم العرب وهؤلاء هم المسلمون، وقد قرأنا قبل فترة في إحدى الجرائد المحلية مقالاً بعنوان "عاصمة النور" وإذا به يتكلم عن باريس عاصمة النور -كما يسمونها- وهي بلاد الفسق، والدعارة، والكفر، والظلمات، والفجور، فهذه هي عاصمة النور!!
فأي نور جاءنا من الغرب؟! ومتى؟ وفي أي مرحلة من تاريخنا جاءنا النور من الغرب؟ ما جاءتنا إلا الحروب الصليبية، وما جاءنا إلا الاستعمار القديم، والآن يأتينا الاستعمار الحديث وهو أخبث الثلاثة، أما النور فما رأينا أي نور على الإطلاق جاء من الغرب، وإنما يسمي الغربيون باريس عاصمة النور في نظرهم، لأن الثورة الفرنسية قامت ونادت بأن الناس سواء، وأن لهم حقوقاً متساوية، وألغت بعض الظلم الموجود، وهذا أمر معلوم عندنا.
فحتى العرب في جاهليتهم لم يكن عندهم صورة من المظالم، كتلك التي كانت في أيام الإقطاع في أوروبا، بل كان العربي يأنف أن يستعبده أحد، أو يذله، ويقاتل عن حريته إلا إذا أُسِر فهذا مغلوب على أمره، فالنظام الإقطاعي البغيض الفظيع بمظالمه وظلماته التي كانت في أوروبا، لم نعرفه في جاهليتنا، فما بالك بعد أن منَّ الله علينا بالإسلام، وأنار قلوبنا، وحَرْرْنا العالم بالإسلام، والحمد لله.
ولو أنصفوا لعلموا أن الثورة الفرنسية التي لم يمر عليها إلا 200 سنة وقليل من السنوات، إن كانت دعت إلى خير أو إلى مساواة أو إلى عدالة، فهي جزء من تأثرهم بالإسلام، ولا شيء غير ذلك، والمسلمون علموهم ذلك، لكنهم ينكرون ويجحدون كل فضل، ويصورونا بهذه الصورة الشنيعة.
وحتى لا نظلمهم، فهل يقصدون بهذه الصورة الشنيعة صورة الإنسان المسلم دائماً وأبداً؟ لا ندري ولا نجزم، لكنهم يقصدون أقرب شيء يحتجون به على الإسلام أو على المسلمين وهو واقع المسلمين المعاصرين الآن، فلا نقول: إنهم يريدون بهذه الصورة الصحابة أو الجيل الأول أو الثاني ولا نستطيع أن نجزم، لكن الجيل الحاضر الآن هو الذي تنطبق عليه الملامح وتنطبق عليه الملابس التي صوروها وجعلوها.
ولنا دور كبير جداً، في الإساءة إلى أنفسنا وإلى ديننا، وكما قال الشاعر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل |
هكذا قالت العرب في حكمتها: ذموه بالحق وبالباطل؛ لأنه دعا الناس إلى ذمه، فمن يذهب إلى تلك البلاد -وهم كثير خاصة في هذه الأيام، وقد قلنا: ذكِّروا الناس وعِظُوهم من السفر إلى بلاد الكفر- فإنه يدعو الناس إلى أن يذموه، وأن يذموا بلاده، دينه وحضارته وتاريخه بما يفعل من موبقات.
إن سكر الغربي قليلاً فيسكر هذا أضعافه، وإن زنا الغربي أحياناً، فهذا لا يذهب إلا ليزني -والعياذ بالله- ولا نتكلم عن الأخيار الذين يذهبون لغرض شرعي محدود، وهذا قليل، ولكن أقصد من ذهب وهذا حاله فهم يتفننون؛ بل نقول: يخرجون عن الحدود المألوفة حتى في الفجور والفساد، والفسق، والكفر، ولدى كل واحد منهم مجموعة من الشيكات أو حزمة من الدولارات، وينفق ويبذِّر ويتلاعب كما شاء، والعالم المتحضر حين يرى هؤلاء تتحسر قلوبهم.
ولذلك لا نقول: أين الضمير الغربي عندما يرى أموالنا تهدر، وعندما يأخذ خيراتنا، ويسيطر على كل مقوماتنا، لا نقول: أين ضمائرهم؟ لأننا -يا أخي- نحن سلبناه ضميره، فأي ضمير عنده؟ لو رأيت مجنوناً أو طفلاً أو عابثاً يرمي الذهب ويكسره، أو يقطع الريالات ويرميها، لقلت: أنا آخذها وأستفيد منها، أو أعمل بها مشروعاً خيرياً، أو أي شيء أحسن من هذا العابث اللاعب، فأعمالنا وتصرفاتنا هنالك تغريهم بأن ينسوا ضمائرهم وأن يتخلوا عنها.
ثم أي ضمير يبقى مع الحقد الذي تؤججه وسائل الإعلام ليلاً ونهاراً؟ وأي ضمير يبقى مع الدعاية الصهيونية والصليبية العريضة التي تلبس كل جريمة ثوب الإسلام؟ فإذا قبض على مجرم في نيويورك أو في أي مكان قالوا: متطرف إسلامي.
فكم مجرماً سمعتموهم قبضوا عليه ونسبوه إلى دينه؟ قبضوا على بعض المجرمين في مصر، مع أنهم جاءوا إلى مصر في عمل تنصيري خبيث، وكان من جملة ما يعملون، أنهم يوزعون مصاحف محرفة فيها تغيير الآيات التي فيها المسيح وغيره، ليوافق دين النصارى ويوزعونها بين الجهال في مصر، واكتشفوا القضية ثم سفروهم وانتهى الأمر؛ وكأنه لم يحدث شيء.
ولم يقولوا: إنهم كفار بروتستانت أو نصارى أو كذا، وإنما: مجموعة من الأمريكان، وكانوا كذا، وانتهى الأمر، سبحان الله! حتى الجرائد التي نشرت هذا الخبر ليست من الجرائد الرسمية إنما هي إحدى الجرائد المعارضة -كما يسمونها- الوفد أما نحن فنلبَّس ذلك.
حتى إن واحداً منهم في إحدى المجلات الإسلامية انتقد هذا، وكان عنده شيء من العدل، وقال: إن تحميل المسلمين لحادث تفجير المركز التجاري العالمي -جميع المسلمين- ذلك يشبه كما لو أن كوروش حمل النصارى جميعاً ما عمله، وقال: لماذا نحمّل الإسلام؟ ليس من العدل.
فهكذا هم، ونحن الذين دعوناهم إلى مثل ذلك، ونشكر الأخ الذي أرسل هذه الرسالة، ونرجو إن شاء الله أن يوافينا بالمعلومات الأكثر؛ لأننا في حاجة أن نعرف هؤلاء ونعرف كيف نقاومهم، وكيف نجابههم، خاصة من فرض عليه أن يقوم هنالك؛ لأن الإخوة هنالك يقولون: كيف نعمل؟ وكيف يمكن أن نقاوم هذا؟ ونحن يجب علينا أن نمدهم بأي شيء نستطيعه، ليدرؤا الشر هناك في منابعه، وليروهم صورة الإنسان المسلم الطاهر التقي العفيف الورع الحكيم الذي لا يسرف في نفقته، وفي ماله، وفي مظهره ولا يقتر، نريد أن يروا الصورة الحسنة للإنسان المسلم، فيسلم منهم كثير بإذن الله، وهذا شيء طبيعي جداً أن يتقبل كثير منهم بإذن الله الإسلام، إن رأوا هذه الأخلاق -أخلاق النبوة-، فمن الواجب أن يكون بيننا هذه الصلة وهذا التعاون.
تسلل الصليب إلى أطفالنا
وهو كما ذكرت، ونشكر الجريدة والأخ المحرر الذي اهتم بهذا، ويجب أن نعلم أن مهمة الإعلام هي حماية العقيدة أولاً، ثم حماية الخلق وحماية كل مصالح الناس أيضاً بعد ذلك، لكن الأساس هو العقيدة.
تنمية المواهب والقدرات
الجواب: أنا أشكر كل الإخوان الذين يتقدمون باقتراحات أو آراء حتى إن بعض الإخوان أحياناً يتقدم باقتراحات ليس لي دخل فيها ولا أستطيعها، فمثلاً: قد يكون هناك اقتراح تعنى به -مثلاً- شؤون الحرمين أو أي إدارة أخرى، فالمهم أن الذي يفكر ويهتم بالإصلاح هذا فيه خير.
ولعل هذا الاقتراح إن شاء الله يصل إلى من يهمه الأمر، فينفع الله به، وإن كان -مثلاً- غير عملي أو لا يمكن فعله فأجر من قدَّمه وأيضاً من قرأه يكتب إن شاء الله، فمثل هذا الأخ اقترح اقتراحاً -جزاه الله خيراً- في تخصيص محاضن تعتني بأصحاب المواهب، ويريد تنمية أصحاب المواهب والقدرات، وكيف أن هناك في الغرب الكافر المتمرد على الله، ويرى تكريمهم لأصحاب القدرات و
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2597 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2574 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2508 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2460 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2348 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2263 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2259 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2249 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2197 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2166 استماع |