من سمات دعوة الإحياء.. (4 من 4) - مدحت القصراوي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
(اشتباه الدعوات)مما سبق فإننا نبين أن هناك من يتكلم بكلام متشابه مع ما قاله الأستاذ سيد قطب رحمه الله وينتسب للأخذ منه، ولكنهم يحملون إشارات بتكفير عموم الأمة، وخطابهم المتعمد بـ {يا أيها الناس} ، مع الجمل المجملة واللافتات المطلقة، هذا لا يمثل إحياء ولا يسبب خطوة إيجابية على الصعيد العام، ولم يفهم أصحابه كلام سيد قطب رحمه الله..
ومع انزواء وانعزال الكثير منهم، ودخولهم في قضايا جانبية وفروعية أقرب ما تكون لوصف الهامشية أقاموا عليها الدنيا وأقعدوها..
وإن ما {يصدعون} به اليوم سبقتهم فئات كثيرة من الأمة فهمته على وجهه الصحيح والصدع به، واستشهد قوم في سبيل الدعوة اليه أما هؤلاء فقد تأخروا، ولما قالوه تبين أنهم فهموه خطأ وأنهم يكفرون به الأمة، وعندما قاموا يصدعون كان سياق بيانهم ووقته خطأ آخر.
كما يجب التنبيه الى أن استخدام لفظ (الجاهلية) مما يجب بيانه حاليا لما الْتبس عند الناس من مراد قائله هل يقصد الجاهلية القيمية أم العقائدية، وهل يقصد الأنظمة المبدلة أم عموم الناس..
فيجب لمن أطلقه أن يبين مراده وحدوده ومعناه.
إن رفض التفصيل في عصرنا المشحون بالأفكار والشبهات، وعدم تحديد المراد، وعدم اكتمال التصور وعدم تبني قضايا الأمة..
كل هذا سمات نقص وخلل.
كما أن ربط جماعة معينة بأنه لا إسلام إلا بها، بينما أقصى ما تحقق أن تكون أحد جماعات العلماء إن استوفت شروط ذلك..
هذا مع الجهل بواقع الناس وبالسياق السياسي الذي يعيشه المسلمون، كل هذا لا يهيء أصحابه لعمل دور إيجابي نحو المسلمين..
إن تيارات تتسم بسطحية واضحة وإجمالا مُوهِما ومحدودية في الطرح والقدرات..
ويكون آخر اهتمامها قضايا الذبائح واللحوم، وقضايا الصلاة خلف فلان أو علان هي تيارات لن تصنع شيئا ولن تقوم بأمر ذي شأن للأمة في وقت أضحى وجود الأمة ذاتها مهددا..
إنه لا بد لأي حركة مسلمة وأي عالم أو داعية أن يكون له حس سياسي وعمق شرعي وتقدير لما يقول، فمن يريد موعظة الناس وتعليمهم معنى العبادة لا يحتاج الى هذا الى عمل تنظيمات ليقول للناس كلمة بسيطة يمكن أن يقولها بأبسط من ذلك وبدون أحمال ضخام وغير مبررة.
كما أنه ليس لأي مجموعة أن تقرر أن عملها هو بداية معركة الإسلام، فمعركة الإسلام مع الباطل قائمة مذ قام به رسول الله وصحبه، والأنبياء من قبله..
كما أن معركة الإسلام في العصر الحديث سبقهم فيها خيرون وشهداء ودعاة كثيرون، في ميدان الجهاد وميدان السياسة وميدان الدعوة والتربية وميدان العمل الاجتماعي..
أما أن تلغي أي مجموعة كل جهد سبقها لتبدأ هي معركة الإسلام فهذا قفز على الواقع..
إنه لا بد لأي حركة إسلامية أن تعرف أنها جزء من كل؛ فإن كان رسول الله صلى الله عليه سولم لبنة في بناء الأنبياء ولم يلغ من سبقه، فكيف لحركة ما أن تلغي جهدا صاخبا من حولها وحركات موّارة في كل اتجاه..!
إننا مع التوحيد وبيانه نتبنى التوجيه الإسلام الشامل للدين كله؛ فلا نتبنى قضايا دون قضايا ولا جزءا من الدين دون آخر، ولا الاكتفاء بأمر من الدين دون غيره، ومع هذا يجب اكتمال الرؤية للتطبيق المعاصر.
أقول هذا لما تتشابه بعض الجمل مع مدرسة الإحياء التي ننتمي اليها، فقد تتشابه اللافتات ولكن يتغير الطرح عند التفصيل أو الاطراد، وهذا من البلاء الذي قدره الله تعالى بسبب ذنوب الخلق ولما له سبحانه من حكمة، وهو يرفعه تعالى إذا شاء أن يرفعه، وعلى الله تعالى قصد السبيل..