المؤامرة على المرأة المسلمة [3]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: يقول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ويقول جل شأنه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ويقول تبارك وتعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] فعداوة أهل الكتاب من اليهود عباد العجل، ومن النصارى عباد الصليب، وعداوة المنافقين المندسين في هذه الأمة مما لا يخفى على من تدبر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

هذه العداوة الحاقدة الآثمة مرجعها إلى أن الشيطان يؤز أولياءه أزاً، ويدفعهم لمحاربة الحق دفعاً، فالباطل -أيها الإخوة الكرام- يكره الحق ويترصد له، حتى وإن غفل أهل الحق أو تعاموا عن عداوة الباطل، والشيطان وأعوانه يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، لا يكفون لحظةً واحدة عن الكيد لهذا الدين وأهله، بكل ما يستطيعون من الوسائل.

وإن من أعظم الكيد ما نقرأه وقرأناه جميعاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تعاون عليه المشركون واليهود، ثم النصارى والفرس والروم فيما بعد، تعاونوا على طمس دين الله تبارك وتعالى، وعلى إفساد الأمة الإسلامية وإخراجها من دينها الرباني العظيم، ولا تزال هذه المعركة قائمةً إلى قيام الساعة، إلى حين أن يغزونا الروم بين يدي الساعة في ثمانين راية، تحت كل راية ثمانون ألفاً.

لا تزال المعركة مستمرة بين الحق وبين الباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد كانت المعركة فيما مضى أكثر ما تدور رحاها في المجال الحربي، حيث كان أعداء الله يظنون أن هذه الأمة هي حدث تاريخي مثل الأحداث التاريخية التي تأتي ثم تنقضي، مثلما قامت دول وحضارات ثم انقرضت وبادت، ولكن الحقيقة الكبرى صدمتهم صدمةً رهيبة، فقد تكفل الله تبارك وتعالى بحفظ هذا الدين وحمايته، وإظهاره على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، صدمهم ذلك وجعلهم يفكرون في وسائل أخرى للحرب والغزو.

وبالرغم من أن المعركة لم تهدأ على جميع الجوانب، فإن أول ما يمكن أن يقال: إنه تنظير حقيقي فعلي ذاتي لموضوع الحرب غير العسكرية على الإسلام، وبرمجة لها هو ما كتبه لويس التاسع ، ذلك القائد الصليبي الذي كان حاكماً لـفرنسا ، وقاد حملات صليبية على الشرق المسلم، وهُزم مرات، وعجب قومه: لماذا نهزم دائماً مع المسلمين؟! لماذا تكون النتيجة خاسرةً دائماً إذا واجهت جيوش الصليب جيوش التوحيد؟! ففكروا وقدروا، فوجدوا أن الأمر لا يعدو التمسك بهذا الدين.

إن سبب النصر.. سبب انتصار المسلمين هو تمسكهم بدينهم، كما قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: [ألا عمل صالح قبل الغزو؛ فإنكم إنما تنصرون بأعمالكم] وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لـسعد بن أبي وقاص: [اتق الله ومن معك من المسلمين، فإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله وبطاعتهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية كان الفضل لهم علينا في القوة].

عند ذلك كتب لويس وصيته التي ملخصها وموجزها أنه لابد للقضاء على أمة الإسلام من هدمها من الداخل، وإبعادها عن دينها وتنحيتها عنه.

ولنتجاوز الأحداث والقرون لننتقل إلى العصر الحديث حيث طبقت هذه الوصية، وهو: التطبيق المتمثل في الغزو الاستعماري الذي تعرضت له الأمة الإسلامية، والذي صاحبه وواكبه غزو فكري على مستوىً ومجالات كثيرة.

وإذا أردنا أن نؤصل المحاور الكبرى التي دارت عليها معركة أعداء الله تبارك وتعالى وخططهم لإخراج هذه الأمة من دينها، فإننا نجد أنها ثلاثة محاور:

تحكيم غير شرع الله

المحور الأول: تنحية الشريعة عن الحكم: إقصاء شريعة الله تبارك وتعالى عن الحكم في أمور المسلمين؛ ليتحاكموا بعد ذلك إلى الطاغوت، فإذا تحاكموا إلى الطواغيت.. إلى القوانين الوضعية فقد فقدوا أعظم ما يميزهم عن الأمم، وفي الإمكان بعد ذلك أن يتخلل مجتمعهم أية ضلالة وأية نحلة وعقيدة.

تفكيك المجتمع المسلم وإفساده عن طريق إفساد المرأة

المحور الثاني: هو تفكيك المجتمع المسلم وإفساده عن طريق إفساد المرأة المسلمة، مربية الأجيال، التي إذا فسدت فسدت الأمة كلها.

هدم لغة القرآن

المحور الثالث: هدم اللغة العربية، وإحلال اللهجات المحلية العامية محلها، وإفساد لغة العرب؛ لكي لا يتذوقوا القرآن ولا يفهموا القرآن، ولا يرجعوا إلى كتاب ربهم تبارك وتعالى.

على هذه الثلاثة المحاور دارت تلك المعركة، ودارت تلك الخطة، ويهمنا منها الآن الحديث عن المحور الثاني، وهو ما يتعلق بقضية المرأة -كما أسميت- أو موضوع المرأة.

فما هي أبعاد المؤامرة على المرأة المسلمة.

المحور الأول: تنحية الشريعة عن الحكم: إقصاء شريعة الله تبارك وتعالى عن الحكم في أمور المسلمين؛ ليتحاكموا بعد ذلك إلى الطاغوت، فإذا تحاكموا إلى الطواغيت.. إلى القوانين الوضعية فقد فقدوا أعظم ما يميزهم عن الأمم، وفي الإمكان بعد ذلك أن يتخلل مجتمعهم أية ضلالة وأية نحلة وعقيدة.

المحور الثاني: هو تفكيك المجتمع المسلم وإفساده عن طريق إفساد المرأة المسلمة، مربية الأجيال، التي إذا فسدت فسدت الأمة كلها.

المحور الثالث: هدم اللغة العربية، وإحلال اللهجات المحلية العامية محلها، وإفساد لغة العرب؛ لكي لا يتذوقوا القرآن ولا يفهموا القرآن، ولا يرجعوا إلى كتاب ربهم تبارك وتعالى.

على هذه الثلاثة المحاور دارت تلك المعركة، ودارت تلك الخطة، ويهمنا منها الآن الحديث عن المحور الثاني، وهو ما يتعلق بقضية المرأة -كما أسميت- أو موضوع المرأة.

فما هي أبعاد المؤامرة على المرأة المسلمة.

أيها الإخوة الكرام: لقد تعرضت الأمة الإسلامية للغزو الصليبي كما أشرنا، وجاء أولئك الفرنجة الذين ليس فيهم من صفات الإنسانية والرجولة ما يرفعهم عن الحيوان الهابط، فعجب المسلمون لما رأوا الفرنجة وقد جاءوا بنسائهم كاسيات عاريات، ورأوا فيهم من الدياثة ومن التفريط في العرض ما سجلوه وسطروه، كما كتب ذلك على سبيل المثال أسامة بن منقذ في سيرته الذاتية التي سماها: الاعتبار .

وعلى الرغم من أن الصليبيين قد هزموا المسلمين واحتلوا بلادهم، إلا أن المسلمين كانوا يسخرون سخريةً مرّة من دياثة الصليبيين، ومن تعاملهم بهذا الشكل، ومن بروز نسائهم وتكشفهن بهذا الشكل الذي رأوه وكتبوه.

ولكن الذي حدث أن حملة صليبية أخرى -وهي التي تسمى حملة نابليون بونابرت- حدثت بعد ذلك بقرون -في العصر الحديث- وكثير من الكتاب والمؤلفين المغزوين فكرياً يجعلون قدوم هذه الحملة هي بداية تاريخنا الحديث، مع أن بداية تاريخنا الحديث في العصر الحديث هي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فهي البداية الحقيقية للعصر الحديث.

المهم أن حملة نابليون جاءت ومعها التبرج والتفرنج والدياثة والانحطاط، ولكن نظرة المسلمين اختلفت في هذه المرة! نظرة المسلمين اختلفت عنها فيما سبق، فأخذوا ينظرون بشيء من الإعجاب إلى هؤلاء الذين جاءوا ومعهم مستحدثات الحضارة الغربية التي كانوا قد وصلوا إليها في ذلك الوقت، عجبوا بما لديهم من آلات، وما لديهم من وسائل، وأعماهم ذلك عن الدياثة والانحطاط الخلقي الذي رأوه.

ويشير المؤرخ المسلم الجبرتي إلى أحداث وقعت في أثناء تلك الحملة، وكيف انبهرت كثير من المسلمات بالنساء الكافرات وتشبهن بهن وتزيين بزيهن. وظل الأمر قضية محدودة، ولكن أعداء الله كانوا يدرسون الخطة بإحكام وإمعان.

إلى أن جاء الاحتلال الإنجليزي إلى مصر ، وجاء بالذات اللورد كرومر ، وهو رجل غريب عجيب في خططه ومؤامراته على هذه الأمة.

في ذلك الوقت ابتدأت القضية التي سميت في ما بعد قضية المرأة، حين ظهر كاتب قبطي نصراني يدعى مرقص فهمي ، فكتب كتاباً سماه : المرأة في الشرق ، في نفس الوقت الذي ظهر فيه هذا الكتاب -والذي دعا فيه إلى التحلل من أخلاق الإسلام وأحكام الإسلام، والإباحية- كان هناك العمل الذي يديره اللورد كرومر في صالون إحدى السيدات المتفرنجات، حيث كان ذلك الصالون يضم نخبةً ولفيفاً من قادة الفكر، وقادة السياسة، ومن ذلك الصالون خرجت فكرة أخرى، وهي: أن كتاب مرقص فهمي لم يؤد الدور المطلوب؛ لأنه قبطي نصراني، والأمة الإسلامية لا تثق أن تأخذ دينها عن النصارى؛ فكان أن خرج كاتب منتسب إلى الإسلام وهو قاسم أمين بكتابه: تحرير المرأة ، وأعانه على ذلك -كما ثبت تاريخياً- من كان يستضيفهم ذلك النادي، ومنهم الشيخ محمد عبده وغيره؛ أعانوه على تحقيق مسألة هي في ذاتها صغرى بالنسبة لما بعدها، ولكنها البداية التي تبدأ منها المؤامرة في كل مكان وفي كل بلد، وهي: أنه لا يجب على المرأة أن تغطي وجهها، بل قالوا: إنّ تغطية الوجه هي عادة من العادات التي ورثها المسلمون عن الفرس أو الترك، وليست من الدين في شيء، كان هذا هو محور ومضمون كتاب تحرير المرأة .

وبعد سنوات كتب قاسم أمين كتاباً آخر أسماه: المرأة الجديدة ، وفي هذا الكتاب قال بصراحة وبعلانية وبوضوح: إنه لابد للمرأة المسلمة أن تقلد النساء الغربيات في كل أمورها.

وقد واكب ذلك أن بعض الصحفيين النصارى الذين كانوا يعيشون في بلاد الشام والذين كانوا قد تعرضوا للأذى من الحكومة التركية نتيجة جهودهم التنصيرية ومؤامراتهم الخبيثة هاجروا إلى مصر ، وأسسوا مجلات وصحافة، وظهرت بذلك أول صحف تتحدث بوضوح عن المرأة وقضية المرأة ودور المرأة على يد أولئك النصارى، فكانت القضية مخططاً لها من جميع الجهات ومن جميع الوجوه.

ثم كانت الثورة المصرية عام (1919م) وقيل للمرأة: لابد أن تشاركي في تلك الثورة؛ فخرجت وعملت مظاهرات، وكانت بذلك تعطي المبرر الذي أراده المخططون وهو: أن المرأة تشارك في تحرير الوطن، وتشارك في إخراج العدو ومقاومة العدو المحتل، فلماذا تبقى مظلومة وتبقى مهدرة؟! لماذا لا تكون على قدم المساواة مع الرجل؟!

وخرجت نتيجة لذلك مظاهرات نسائية، واجتمعن في ميدان عام، وخرجت التي تولت كبر هذا الموضوع وهي المدعوة هدى الشعراوي ، وخلعت الحجاب وأحرقته في الميدان أمام المتظاهرات، وأمام الزعيم سعد زغلول .

ومنذ ذلك الحين -والتاريخ كما تعلمون ليس ببعيد- بدأت المرأة المسلمة تكشف عن وجهها، وبدأت المؤامرة تحكم أنفوختها وأحبولتها على تلك البلاد وفي كل مكان.

إن أعداء الله إنما ركزوا جهودهم على مصر لأنها الزعيمة، زعيمة العالم الإسلامي حضارياً وثقافياً في تلك الفترة، ولذلك علموا أنه بالقضاء على أخلاقها سوف يصدَّر ذلك الفساد إلى بقية أجزاء الوطن الإسلامي الكبير.

ولما أن قامت هذه الحركة وصارت لها صحف، وصارت لها منتديات وخطباء، وقام من يروج لها من الزعماء والمفكرين -كما يسمون- اضطروا إلى استحداث ما سموه الأحزاب النسائية، ولم تكن في ذلك الوقت -أيها الإخوة- تسمى جمعيات نسائية، وإنما سموها الأحزاب النسائية، ثم رأوا فيما بعد أن هذا الاسم يثير الانتباه، والأفضل أن تسمى جمعيات. فأنشئت الأحزاب النسائية مثل: حزب بنت النيل، والحزب النسائي، وغير ذلك من الأحزاب.

وهذه الأحزاب تم ضمها فيما بعد إلى الاتحاد النسائي الدولي، ومن ذلك التبعية للاتحادات النسائية الإنجليزية، وكانت إحدى الوزيرات الإنجليزيات هي التي جاءت إلى مصر ونظمت تلك الأحزاب، وأعلنت تأييدها لها ووقوف المرأة الإنجليزية مع أختها -كما قالت- المصرية؛ من أجل تحقيق حريتها وانطلاقتها.

ثم تولى الموضوع مع إطلالة الحرب العالمية الثانية -عندما ظهر الرئيس روزفلت ، وكانت أمريكا تريد أن تتزعم العالم، وبدأت شمس بريطانيا في الأفول- زوجة الرئيس روزفلت ، وقامت بنفسها وتولت كبر التخطيط للأحزاب النسائية والتمويل لها.

ويقدر الله تعالى أن تختلف الأحزاب السياسية فيما بينها، وكل حزب نسائي يتبع حزباً سياسياً، وإذا ببعضها يفضح بعضاً، وإذا بالصحف السياسية كل منها تنشر الوثائق التي تثبت أن الأحزاب النسائية تمول عن طريق السفارتين: البريطانية والأمريكية، وأن زوجة روزفلت تقف وراء ذلك التوجيه كله.

بلا شك لقد تمت مقاومة هذه الفكرة، وممن بقين على الحياة ممن أصابهن وعيد الله تبارك وتعالى حين قال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19] ممن أصابها هذا العذاب الأليم وبقيت على قيد الحياة أمينة السعيد ، فقد قرأت لها قبل فترة تصرخ وتئن، تقول: بعد المجد الذي بنيناه، وبعد التضحيات التي بذلتها المرأة المصرية الآن تصبح (30%) من بنات الجامعة محجبات فضلاً عن اللاتي تركن الجامعة.. ما هذه الانتكاسة؟! ما هذه الردة والرجعية الجديدة التي بدأت الآن؟!

فقلت: صدق الله العظيم لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا [النور:19] يعذبهم الله بفشل مخططاتهم، وفي الآخرة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، خططوا وسيطروا على مجالات كثيرة في شتى بقاع العالم الإسلامي: خططوا للمرأة المتحضرة الجامعية أو المثقفة، وخططوا للمرأة الريفية أو القبلية ببرامج تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة، وبالجمعيات والأحزاب التي تنتشر فروعها في تلك المناطق، وبالمراكز الاجتماعية وأمثالها مما دخل فيه أعداء الله إلى بلاد المسلمين.

وخططوا على مستوى الأدب والشعر، فنشروا الدواوين الماجنة، والأفكار الخبيثة، والكتب الهدامة، وتولى كثير من الشعراء إشاعة موضوع المرأة وقضية المرأة: مثل جميل الزهاوي ومثل الرصافي ، ومثل ولي الدين يسن ، ومثل الطائر الحداد في تونس ، وغير ذلك من الشعراء الذين إذا قرأنا دواوينهم نجد أنهم وضعوا فيها قسماً خاصاً سموه: النسائيات.

ثم تطور الأمر إلى أن يصبح هناك شعراء وكتاب متخصصون في فن الدعارة، متخصصون في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ومحاربة الله ورسوله، ومحاربة عرض المرأة المسلمة، وعفاف المرأة المسلمة، وغيرة المرأة المسلمة وغيرة الرجل المسلم، وقالوا: لابد أن تنشأ صحافة نسائية، وأحزاب نسائية، ونقابات نسائية في العالم الإسلامي على طوله وعرضه.

من الأهداف -التي لا تخفى عليكم جميعاً- التي يريدون أن يحققوها، وقد حققوا كثيراً منها:

تفتيت المجتمع المسلم وتمزيقه

تفتيت المجتمع المسلم وتحطيمه وتمزيقه، وإذا مزقوه وحطموه بقي لهم وجودهم، وبقيت لهم مراكزهم وبقيت لهم سيطرتهم عليه، كما قال أحد وزراء فرنسا وكتابها: إن الذي هزم فرنسا في الجزائر هي المرأة المسلمة المحجبة، فلابد من أخذ العبرة، ولا بد من إفساد المرأة المسلمة -هكذا قالوا جميعاً- لكي تبقى السيطرة الخفية بعد رحيل الاستعمار المكشوف السابق.

تفتيت المجتمع المسلم بأن يكون: المرأة تحارب الرجل، والطلاب يحاربون الجامعة، والعمال يحاربون أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الشركات، والسلطة تحارب الشعب، ففرقوا المجتمعات الإسلامية كما هو حاصل من تمزيق وتفكك وتفرق في المجتمعات الغربية.

المجتمعات الغربية -أيها الإخوان- ليس لديها شريعة تحتكم إليها، ليس لديها شرع ينظم أمورها فيعرف الحاكم مسئوليته، والتاجر يعرف قدره، والعامل والطالب والمرأة والرجل، وكل إنسان يعرف ما يجب عليه وما يجب له، وإذا وقع ظلم أو حيف أو جور فبحكم هذا الشرع يظهر من الظالم ومن المظلوم، أما الغرب فليس لديهم ذلك، هذا من خصائص هذه الأمة ولله الحمد، نحن الأمة التي تمتلك الشريعة الربانية الخالدة التي تحكم وتنصف المظلوم ممن ظلمه.

أما أولئك فليس هناك شيء من ذلك، ولهذا لابد من هذه التكتلات، ولابد من هذه التجمعات والاتحادات والنقابات، وما إلى ذلك من الأسماء، وهي أسماء وتكتلات غريبة على مجتمعنا، وعلى أمتنا الإسلامية، فقالوا: لابد أن يكون للمرأة تجمعات وتكتلات تطالب لتأخذ بحقها..

ممن تأخذ المرأة حقها؟

من هو العدو الذي تحاربه المرأة؟

من هو الضد الذي تسعى المرأة إلى إثبات وجودها وإرغامه؟ هل هو الأخ.. الزوج.. الأب؟ المرأة في كل بيت لا تخلو: إما أن هذا الرجل أخ لها أو أب أو زوج أو ما إلى ذلك، فكيف تنشأ العداوة بين الأخ والأخت؟ وكيف تفتعل العداوة بين الابنة والأب؟ وكيف تنشأ أيضاً بين الزوج وزوجه، فتشتعل نار العداوة، فلا تجد الزوجة من تطالبه بحقها إلا أن تنضم إلى الاتحادات النسائية والنقابات النسائية، ولا تجد البنت من ينصفها من أبيها إذا زوّجها بمن لا تشاء إلا أن تلجأ إلى الصحافة النسائية والاتحادات النسائية.. سبحان الله! هذه أمور غريبة على المجتمع المسلم الذي تسوده الألفة.. تسوده المحبة والتعاون، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، ونصر المظلوم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، المرأة المسلمة إذا خرجت وطالبت هي بحقها ضاعت وضاع حقها، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لها من يحميها، وجعل لها من يأخذ لها حقها، حتى ولو كان الظالم لها أباها! فإن الله سبحانه وتعالى أعطاها الوسيلة لتأخذ حقها منه، ولكنهم يريدون أن يفتتوا المجتمع المسلم، وأن يمزقوه، وأن يدمروه بهذه الطريقة.

تدمير الأمة الإسلامية والقضاء عليها

الهدف الثاني وما أكثر الأهداف التي يسعون إليها!- هو: تدمير هذه الأمة، والقضاء على وجودها.. إعلان الحرب عليها وإبادتها بطريقة لا تثير الانتباه كما كان في الماضي.

وهنا لابد أن نستطرد قليلاً لننظر إلى حال المجتمعات الغربية، وما تعرضت له من احتمال الانقراض، بل من حتمية الانقراض والانحطاط بسبب خروج المرأة، وعمل المرأة، ودفع المرأة إلى خارج البيت.

لقد اجتمعت كثير من الدول.. اجتمع مفكروها، وأعضاء برلماناتها، وأدباؤها، وأجمعوا على أن خروج المرأة من البيت هو مما يعجل بتقويض الأمة، وهدمها وتدميرها بشرياً.

ولا يخفى عليكم جميعاً -أيها الإخوة- أن الطاقة البشرية هي أقوى قوة لدى أي أمة من الأمم، ففي روسيا -الدولة الشيوعية المعروفة- تعطى المرأة التي تنجب عشرة أطفال وساماً تحمله على صدرها تباهي به في كل مكان، وسام البطولة القومية! لهذه البطلة القومية التي أنجبت للمجتمع عشرةً من العمال!

وفي بريطانيا وفرنسا وغيرها خطط متواصلة للإكثار من النسل؛ لأنه قد تبين أن عدد الوفيات أكثر من عدد المواليد، وهذا يهدد بانقراض الأمة وتناقص عددها، وأن يصبح العالم الغربي أقليةً لا قيمة لها في العالم.

وإيطاليا -وهي من أكبر الدول الأوروبية- تعطي إعانات لكل مولود يولد، وتشجع الزواج، وتشجع على الإكثار من النسل نتيجة لذلك.

لا نريد الاستطراد في هذا، ولكن نشير إلى أن العالم الغربي قد فطن إلى أن من أسباب وموجبات تدهور حضارته وانحطاطها: أن المرأة تعمل؛ وبالتالي لا تتزوج ولا تنجب؛ مما يؤدي إلى انقراض الأمة حتماً بالأرقام الرياضية الحسابية، من دون أي رجوع إلى كتاب ولا سنة ولا منهج رباني على الإطلاق.

أذكر لكم مثالاً على ضوء ما قرأت مما حفظوا وقدروا:

نقول: نفترض أن البنت الجامعية تتخرج وهي في الثانية والعشرين من عمرها في الغالب -في المتوسط- ولنفترض أن فتاتين تخرجتا هذه السنة وعمر كل منهما اثنتان وعشرون سنة، إحداهما تزوجت، والأخرى توظفت وعملت ولم تتزوج، ماذا سيكون الحال بعد عشرين سنة؟

كما تعلمون ومعروف من واقع مجتمعنا أن التي توظفت وعملت سوف تصبح هرمة عجوز أو قريبة من الهرم، فالمرأة تهرم وهي في مملكة البيت فكيف لا تهرم وهي في العمل في هذا السن؟!

والفتاة الأخرى التي تزوجت بعد عشرين سنة - في المتوسط للمواليد المعروف عندنا- يكون لديها شاب عمره ثمانية عشر عاماً، ويليه شاب أو شابة في الخامسة عشرة، وشاب أو شابة في الثانية عشرة، وشاب أو شابة في العاشرة أو التاسعة، وشاب أو شابة في الثامنة، إلى السادسة، إلى الثالثة، إلى الثانية.

إذاً تجدون أن الأمهات -ومجتمعنا معروف لديكم- كثير منهن في حدود الثانية والأربعين، أو ما أشبه ذلك، ولديها أسرة متكاملة ولله الحمد: الابن الكبير في الجامعة أو على مشارف الجامعة، والصغار من المتوسط إلى الابتدائي إلى الحضانة إلى البيت.

إذاً: هذا وجود للأمة، بعد عشرين سنة تكون هذه الفتاة إذا وفقها الله تعالى وتزوجت بشاب يكون من هذا الشاب وهذه الفتاة أسرة مؤمنة، ويكون لدينا رجل وامرأة في الثانية والأربعين على قدر من الحكمة والعقل، ولديهم أسرة متكاملة، فعلاً يخدمون البلد، يستطيعون أن يسهموا في التنمية، ويقومون بدور لا يمكن أن يقوم به الإنسان الأجنبي المستقدم من الخارج في أي حال من الأحوال.

فيكون بقاء الأمة ونماء الأمة نتيجة لهذا الزواج، ولهذه البنت التي كان هذا شأنها، بخلاف الأخرى العجوز التي حرمت من الزواج، ومن حنان الأمومة وعطف الأمومة، وهي عجوز هرمة لا تملك شيئاً، ولم تقدم لأمتها شيئاً، إلا أنها في العشرين عاماً الماضية قد عملت أعمالاً تتقطعها الإجازات المرضية، إجازات وإرهاق وإجهاد، وأعطاب وأمراض نفسية كثيرة لابد أن تتعرض لها ما لم تتزوج.

نقول: إن الأمة التي يوجد فيها الآن عشرة آلاف فتاة ثم يتزوجن فإنها بعد عشرين سنة يكون لديها عشرة آلاف أم عاقلة، وعشرة آلاف شاب في الثامنة عشرة، وعشرة آلاف شاب في الخامسة عشرة إلى الثانية عشرة، إلى الثانية، ولكن الأمة التي تدفع المرأة للعمل خارج البيت فلا تتزوج، يكون لديها بعد عشرين سنة عشرة آلاف عجوز هرمة منهكة مجهدة، وتضطر حينئذ إلى أن تستقدم المربيات، أن تستقدم الذين يسهمون في بناء التنمية، الذين يعملون في أي مجال من المجالات سواء كانوا رجالاً أو نساءً.

هذه العملية -أيها الإخوان- الحسابية الرياضية قالها وكتبها أولئك الناس الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ونحن إن لم نرجع إلى كتاب ربنا وإلى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو أمر الله، ولأن هذا هو أمر رسوله، فلا خير فينا إن لم نرجع؛ لأن الأعداء قد رجعوا بعد أن جربوا ودرسوا وخططوا.

ومع ذلك فهل يرجع المغفلون؟! هل يرجعون لأن الأسياد قد رجعوا؛ ولأن خططهم؛ وأبحاثهم قد أثبتت هذا..؟!! لا ندري، نرجو الله سبحانه وتعالى لنا ولهم الهداية والرجوع إلى الطريق المستقيم.

امتصاص خيرات الأمة

من النتائج التي يحققها أعداء الله بالمؤامرة على المرأة المسلمة: أنهم يمتصون خيرات الأمة عن طريق المرأة، وهذا أمر معروف لدى كل إنسان في كل مجتمع، وهو أن المرأة تميل إلى الإنفاق أكثر من الرجل، وأنها أقل منه حسباناً للعواقب، وخاصةً ما يتعلق بزينتها، وبمتاع الحياة الدنيا لها، أو بمن تحب؛ ونتيجة لذلك حرص أعداء الله على أن تخرج المرأة المسلمة، فالمرأة المسلمة التي في بيتها إن لبست الثمين وإن لبست الرديء فهي في البيت مصونة محفوظة بحفظ البيت، لكن إذا خرجت إلى الشارع، وخرجت تلك وتلك فلابد أن تنافسهن فيما يلبسن، وهنا نصب أعداء الله الشباك العريضة لهذه المرأة المسلمة..! عشرات من أنواع المساحيق التي تباع بأبهض الأثمان، ويقال: إنها تعيد البشرة وكأنك بنت العشرين، وكأنك كذا... دعايات في الصحف وفي غير ذلك، دعايات ينفق عليها الآلاف لنشر وترويج هذه المساحيق وأدوات التجميل..!

بيوت الأزياء -والتي يملكها أباطرة المال اليهود في الغرب- تجعل فساتين وأزياء للسهرة، وفساتين وأزياء للصباح والعمل، وللشتاء وللصيف وللنوم وللتفسح ولكذا ولكذا، وتجعل تقليعات وموضات، تلهث المرأة وتجري، ما يأتي موعد راتبها أو راتب زوجها الشهر القادم إلا وقد جمعت من هذه الموضات ما تريد أن تستنفد به ربع الراتب أو الثلث، وربما كله من أجل أن تلاحق هذه الموضات، وتلاحق هذه التقليعات والصرعات.

فتكون النتيجة: أن المرأة المسلمة التي تطالب بالعمل وبالخروج تضيع الأسرة، وتسبب انقراض الأمة، إنها إذا عملت فإن نتيجة عملها وكسبها تذهب إلى جيوب أباطرة المال من اليهود في العالم الغربي، وهي تشعر أو لا تشعر، وتذهب في شراء المجلات النسائية، ومجلات التفصيل، ومجلات الأزياء التي إذا قرأتها من الغلاف إلى الغلاف فلأجل صور النساء فقط، لا تقلب شيئاً: لا علم، ولا ثقافة، ولا تحقيقات متعبة.. لا، أبداً، ما هي إلا صور نساء ترص في صفحات ملونة، وتباع بأربعين ريالاً، أو بمائة ريال.. بما شاءوا، فتتسابق البنات المسلمات إلى شرائها، وإلى اقتنائها؛ لتتابع هذه التقليعات وهذه الصرعات.

والخاسر من هو؟

هو هذه المرأة المسكينة، خسرت دينها، وخسر الزوج، وخسر المجتمع، وربح اليهود، وربح أعداء الله الذين يخططون لإفساد المرأة المسلمة.

تضييع التربية الإسلامية

كما أن من الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها: أن تضيع التربية الإسلامية الصحيحة، وأن تفتقد الأجيال إلى التربية:

إن الله سبحانه وتعالى قد شرع لنا الخير كله، وفي ما أنزله لنا الخير والهدى والصلاح في أمور ديننا ودنيانا جميعاً، ولكن هؤلاء يريدون أن تتمرد المرأة المسلمة على ذلك كله، شرع الله تبارك وتعالى لنا الرضاع -كمثال- وأهم منها التربية، تربية الأبناء على طاعة الله سبحانه وتعالى.

وجاء أولئك فقالوا: لا ترضع، المرأة المسلمة لا ترضع، روجوا الأنواع الكثيرة التي تدر عليهم الأموال الطائلة لكي تحتفظ المرأة برشاقتها فلا ترضع الطفل، ولكي تنطلق إلى العمل وتأتي بالمربية، تخرج وتحل محلها مربية بوذية.. وثنية.. نصرانية، أو جاهلة لا تدري شيئاً، ولن تربي الطفل كالأم بأي حال من الأحوال، وهذه المربية تأخذ من مرتب الأم ما تشتري به الحليب لتطعم به الطفل، فيحرم الطفل من حنان الأمومة، ويحرم من الغذاء الطبيعي، وأعظم من ذلك يحرم من الحياة الطبيعية.. من بسمة الأم.. من حنان الأم.. من عطف الأم..

فماذا ينشأ ذلك الطفل؟

ينشأ مجرماً، وينشأ حاقداً إلا من رحم الله، ينشأ ولديه حب الانتقام والغضب من هذا المجتمع ومن هذه الحياة التي عاشها؛ لأنه فقد الحنان وفقد العطف وفقد الرقة التي يفتقر إليها المخلوق، ويفتقر إليها الابن في مثل هذا السن، وربته تلك على ما تربيه عليه.

نموذج لبيت خرجت منه الأم للعمل

لابد أنكم قد قرأتم ما نشر في جريدة المدينة قبل سنوات، من أن مربية بوذية جاءت الأم إلى البيت ووجدت أنها تعلم أبناءها السجود والركوع لتمثال بوذا، حيث وضعت تمثال بوذا أمام الأطفال، وبدأت تعلمهم كيف يسجدون ويركعون ويعبدون بوذا، والأم في العمل، تقول الأم: أخدم المجتمع.. أنمي بلدي.. لكنها أضاعت أبناءها وجعلتهم يعبدون غير الله ويشركون بالله، وهذا نموذج، والنماذج كثيرة.

التربية -أيها الإخوان- أعظم عملية وأطول عملية، الطفل قبل أن يبلغ العشرين يعتبر طفلاً يشرف عليه الأب والأم، ويعتبر ما يزال في حاجة إلى الرعاية، وهذا أمر معروف لكم جميعاً، الأب والأم يعتبرون أنه ما يزال في حاجة إلى الرعاية حتى يتخرج من الجامعة، وربما بعد ذلك، وهذه حقيقة، فإذا أفسد من أول ما يولد، وربته المربية، وفقد حنان الأم وتربية الأم -بحجة أن الأم تسهم في خدمة المجتمع- فإن المجتمع قد ضاع في الحقيقة، لأن المجتمع هو هذه الأجيال التي بعد عشرين سنة، تكون هي الشباب وهي الطاقة وهي القوة.

ولقد دلت البحوث التي بحثت في أمريكا بالذات وفي غيرها، على أن سبب انتشار الجرائم في العالم الغربي هو أن الشباب والأحداث المحترفين للجريمة لم يتربوا على أيدي الأمهات، وأن خروج المرأة -بهذا النص قالوا-: خروج المرأة وعملها هو وراء هذه الجرائم، ومن هذه الجرائم انتشار الشذوذ.. اللواط، ونتيجة انتشار الشذوذ واللواط انتشر الإيدز.. المرض الذي يهدد العالم الغربي بل وغيره تهديداً رهيباً، وما هو إلا إحدى عقوبات الله عز وجل التي يسلطها على من عصاه من عباده ليعتبر بذلك من اعتبر.

فخروج المرأة -إذاً- وعملها ليس كما يزعم الخداعون والماكرون أنه هو الأصل، وأنه هو الأساس، وأنه لابد منه للتطور والتقدم والتنمية وما أشبه ذلك، إن الله سبحانه وتعالى يقول مخاطباً أمهات المؤمنين: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] هذه هي القاعدة الكبرى، وهي الخط العريض الذي يجب أن تكون عليه كل امرأة مسلمة، البيت.. وظيفة الأمومة.. تنشئة الأجيال.. تربية المؤمنين.. تربية الشباب المؤمن القوي القادر على أن يكون قوياً في إيمانه، قوياً في جسمه، قوياً في محاربة أعداء الله وأعداء أمته، وما عدا ذلك فحالات عارضة لا يجوز ولا يصح أن تجعل هي القاعدة إن عملت أو توظفت، حتى في المجال النسائي البحت فهي حالة عارضة.. حالة مؤقتة، يجب أن ننظر إليها على أنها مؤقتة، ويجب أن ننظر إلى أنه حتى تعليم الفتاة إنما هو مؤقت لكي تحصل على قدر من العلم يعينها على أن تكون أماً صالحةً لتتزوج، وهذا هو الهدف، وهذا هو الأساس.

ولهذا نجد أن كل من خالف الله عز وجل وكل من عصا الله فإنه يتحقق عليه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، فالله تعالى قد كتب الذل والصغار على من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم المخالفات التشبه بالكفار في تبرجهم وتهتكهم ومخططاتهم، ومناهجهم التربوية والتعليمية والسلوكية فيما يتعلق بجانب المرأة المسلمة.

إن أعداء الله -أيها الإخوة الكرام- في سبيل أن يسيطروا على هذه الأمة قالوا: لابد أن نشغل الفتاة المسلمة بالفتى المسلم، ونشغل الفتى المسلم بالفتاة المسلمة، فتجد الشباب في المدرسة وهمه في الشارع وفي السوق كيف يراها؟ كيف يخاطبها؟ كيف يتلطف بعينه إليها؟ أو برجله ليصل إليها، يقرأ ويشتري الدواوين التي تدل على ذلك، والكتب التي تحث على ذلك، يشاهد الأفلام والمسلسلات التي تحث على ذلك؛ وبالمقابل نجد البنت أيضاً هكذا، فيكون في ذلك إضاعة لعمر الأمة، ما هي الأمة إلا الأولاد.. إلا الشباب وإلا الشابات؟ ما هي الأمة غير ذلك: العجائز أم الأطفال الصغار؟ فإذا شغل الشاب بالشابة، وهي كذلك؛ فإنهم يبقون كما هو الحال في أكثر بلاد العالم الإسلامي، يبقون في غفلة عن أعداء الله، وعن قضايا أمتهم وماذا يدور فيها وماذا يحدث لها، يهمهم آخر فيلم لفلانة.. أو آخر كتاب أو ديوان لفلان أكثر مما يهمهم ماذا حدث في أفغانستان ، ماذا حدث في فلسطين ، ماذا حدث هنا وهناك من أمور يجب على الشاب المسلم أن يهتم بها، وأن يعيها ويعلمها.

يضيعهم ذلك عن العلم النافع.. العلم الشرعي الصحيح الذي لا بد منه، حتى وإن كنت في كلية الطب أو الهندسة، حتى وإن كنت عاملاً أو موظفاً لابد لك من العلم الشرعي، لابد أن تعبد الله على علم.. تصلي على علم، لابد أن تزكي وتصوم وتحج على علم.

هكذا يشغلون الشباب عنه بهذه المجلات النسائية، والمسلسلات النسائية، والأفلام النسائية، فيضيع عقل الأمة وفكرها، ويضيع مالها، ويضيع شبابها، وتضيع كل جهودها؛ نتيجةً لهذا التخطيط.. ونتيجةً لهذا الطعم الكبير الذي هو المرأة، الذي جُعل في شبكة المؤامرة ليصطاد الأمة جميعاً، ويجعلها لقمةً سائغةً لأعداء الله تبارك وتعالى.