خطب ومحاضرات
ثمرات التقوى
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد إمام المتقين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد: إخوتي الكرام: أسأل الله -تبارك وتعالى- لي ولكم في هذه الليلة الطيبة المباركة، أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.. وليَدْعُ كلٌ منا بما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به (اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن عينٍ لا تدمع، ومن علمٍ لا ينفع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها) ونسأل الله عز وجل بمنه وجوده وكرمه أن يحشرني وإياكم في زمرة المتقين، وأن نذوق حلاوة التقوى في قلوبنا، إيماناً ويقيناً، وإخلاصاً لله، وجهاداً في سبيل الله، ودعوة إلى الله حتى نلقى الله، ونعوذ بالله أن يحول الله بيننا وبين قلوبنا وأن نوكل إلى أنفسنا ولو طرفة عين. هذا الموضوع الذي لن أوفيه حقه، ومن ذا الذي يوفِي التقوى حقها إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي دلنا عليها بقوله، وتمثلها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفعله، فكان أتقى الخلق لله وأعلمهم بالله وأخشاهم لله، ولكن لا بد أن نأتي على شيء من ثمراتها، التي نرجو الله عز وجل أن يمن علينا بها، إنه سميع مجيب.
التقوى والتوحيد
التقوى مخرج من الشبهات والشهوات
إن كلمة التقوى هي كلمة التوحيد, وأعظم ما أمر الله - تبارك وتعالى - به هو توحيد الله، هو لا إله إلا الله، وقد سماها الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم كلمة التقوى وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26] فهي كلمة الإخلاص وكلمة التقوى، وأضيفت إليها لأهميتها ولتعلقها بها تعلقاً شديداً، فلا تقوى لمشرك، ولا تقوى لمن ارتكب أكبر ذنبٍ عصي الله به إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فمن عصى الله وأهلك نفسه بالموبقات فلا تقوى له وإن كان من أهل التوحيد؛ فكيف يكون من المتقين من أشرك في عبادة رب العالمين الذي لا إله إلا هو؟! فأعظم ما ينافي التقوى: الشرك بالله عز وجل، ثم الابتداع في دين الله، فما عصي الله تبارك وتعالى بعد الشرك بذنبٍ أعظم من البدعة، أن يعبد على غير ما شرع وعلى غير ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعبده. فلا إله إلا الله هي كلمة التقوى، كما فسرها السلف الصالح رضوان الله عليهم، فهذا ديننا دين التقوى؛ لأن ديننا كله مجموعٌ في شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وبقدر ما يحقق العبد من التقوى، يكون محققاً للتوحيد الذي هو مناط النجاة في الدنيا والآخرة، والله تبارك وتعالى في أول سورةٍ نقرؤها في كتاب الله بعد فاتحة الكتاب يقول ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، جعله تعالى هدىً للمتقين، هذا الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى نوراً وهدى وبرهاناً وضياءً يقول: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] وما جعل الوصف كذلك إلا لأهمية وصف التقوى، وإلا فأوصاف المدح للمؤمنين كثيرة، يقال: المؤمنون، والمحسنون، والمخبتون، والمنيبون، والمتذكرون، والذاكرون، والصائمون، والقائمون, وغير ذلك كما تعلمون، ولكن جاءت الإضافة هنا للتقوى، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]؛ لأن التقوى هي التي ينتفع صاحبها بهدى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هي التي تعصم صاحبها بإذن الله وتثمر له الاستقامة على منهج الله، وألا يزيغ عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولهذا قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29] يجعل لكم فرقانا يفرق به المرء بين الحق وبين الباطل، فيستقيم على الصراط المستقيم.
ولهذا كان من دعائنا في كل ركعة من صلاتنا من نفل أو فريضة أن نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] وهذا الدعاء كما ذكر العلماء رحمهم الله: الصحيح تكرره وتجدده ليس لمجرد التثبيت على الحق، مع أن الثبات على الحق مطلوب، وسؤال الله تبارك وتعالى التثبيت عليه أمر عظيم؛ ولكن لتجدد حاجة الإنسان إلى معرفة الصراط المستقيم في كل وقت وفي كل حين، فنحن نحتاج أن يهدينا الله عز وجل, وأن نعرف الصراط المستقيم وأن نستقيم عليه دائماً في كل أمرٍ من أمورنا، وإلا فالإسلام الحمد لله قد عرفناه، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا عليه. التكرار بأننا ضمن اسم الإسلام وأعماله ومفهومه العام نحتاج إلى الصراط المستقيم لتصلح أمورنا وتستقيم أحوالنا؛ فإن العبد معرض للشهوات كما هو معرض للشبهات، وقد يزيغ من هاهنا أو هاهنا، ولذا قال قتادة رحمه الله وغيره من السلف في قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] قال: [[يجعل له مخرجاً عند الشبهات وعند الكرب]]، فإن الشبهات تعرض على بعض القلوب، فلا يستطيع الإنسان أن يتخلص منها فربما أمرضته، وكم من شباب هداهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وجاءتهم الشبهات حتى أذهبت إيمانهم -عياذاً بالله- أو أدخلتهم في الوسوسة أو الشكوك، ولذلك يحتاج الإنسان أن يتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليعصمه الله بهذه التقوى، ويجعل له مخرجاً من الشبهات وكذلك من الشهوات.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2597 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2574 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2508 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2460 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2348 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2263 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2259 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2249 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2197 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2166 استماع |