كتاب الأيمان والنذور [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم.

أول كتاب الأيمان والنذور.

حدثنا محمد بن عيسى وهناد بن السري المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين وهو فاجر؛ ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان, فقال الأشعث: في والله كان ذلك, كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني, فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا, قال لليهودي: احلف, قلت: يا رسول الله, إذاً: يحلف ويذهب بمالي, فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ [آل عمران:77], إلى آخر الآية ).

حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الحارث بن سليمان قال: حدثني كردوس عن الأشعث بن قيس ( أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن, فقال الحضرمي: يا رسول الله, إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده, قال: هل لك بينة؟ قال: لا, ولكن أحلفه، والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه, فتهيأ الكندي لليمين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم, فقال الكندي: هي أرضه ).

حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه قال: ( جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال الحضرمي: يا رسول الله, إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي, فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي أزرعها، ليس له فيها حق, قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا, قال: فلك يمينه, قال: يا رسول الله, إنه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه, وليس يتورع من شيء, فقال عليه الصلاة والسلام: ليس لك منه إلا ذاك, فانطلق ليحلف له, فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما لئن حلف له على مال ليأكله ظالماً ليلقين الله عز وجل وهو عنه معرض )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: التغليظ في اليمين الفاجرة

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين مصبورة كاذبة فليتبوأ بوجهه مقعده من النار )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في تعظيم اليمين على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا هاشم بن هاشم قال: أخبرني عبد الله بن نسطاس من آل كثير بن الصلت أنه سمع جابر بن عبد الله قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار ) ].

الأيمان تتعاظم, فيعظمها الزمان والمكان واللفظ, ويعظمها كذلك الأثر, فمن جهة الزمان تعظم بعد العصر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو في زمن معظم كالشهر الحرام.

ومن جهة المكان؛ كالحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحرم.

ومن جهة اللفظ؛ كالذي يقسم بأسماء الله كلها فإنه يختلف عن الذي لا يذكر شيئاً من الأسماء؛ كأن يقول: عليَّ كذا وكذا ونحو ذلك, فتغلظ بحسب لفظها, وتغلظ أيضاً بحسب أثرها؛ على ماذا يقسم؟ هل هو على شيء عظيم، أو على شيء حقير, ومن جهة أثره وما يفوت في ذلك.

واليمين الغموس ليس فيها كفارة يمين؛ لأن كفارة اليمين على ما يستقبل الإنسان لا على خبر ماض, وهي أغلظ من أن يكفر عنها, فيتاب منها ويستغفر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الحلف بالأنداد

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف فقال في حلفه: واللات فليقل: لا إله إلا الله, ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق, يعني: بشيء ) ].

وفي قوله: ( من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق ), يعني: حتى لو كان مازحاً, كأن يقول: دعنا نفعل كذا, دعنا نكذب, دعنا نلعب, دعنا نقامر, دعنا نزني, دعنا نسرق أو كذا, حتى ولو كان الإنسان في هذا مازحاً, فإنه يأثم بها, فعليه أن يتوب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد, ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في كراهية الحلف بالآباء

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه وهو في ركب، وهو يحلف بأبيه, فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت ).

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر قال: ( سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ), فذكر معناه إلى بآبائكم, زاد قال عمر: ( فوالله ما حلفت بهذا ذاكراً ولا آثراً ).

حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا ابن إدريس قال: سمعت الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة قال: ( سمع ابن عمر رجلاً يحلف: لا، والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك ).

حدثنا سليمان بن داود العتكي قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يعني: في حديث قصة الأعرابي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفلح وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق ), وساق الحديث].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: كراهية الحلف بالأمانة

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بالأمانة فليس منا )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: اللغو في اليمين

حدثنا حميد بن مسعدة السامي قال: حدثنا حسان يعني: ابن إبراهيم قال: حدثني إبراهيم يعني: الصائغ عن عطاء ( اللغو في اليمين قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو كلام الرجل في بيته؛ كلا والله, وبلى والله ).

قال أبو داود: كان إبراهيم الصائغ رجلاً صالحاً قتله أبو مسلم بفرندس, قال: وكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء سيبها.

قال أبو داود: وروى هذا الحديث داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفاً على عائشة, وكذلك رواه الزهري و عبد الملك بن أبي سليمان و مالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفاً أيضاً ].

حديث عائشة الصواب فيه الوقف. جاء من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفاً وهو الصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المعاريض في اليمين

حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، وحدثنا مسدد قال: حدثنا هشيم قال: أخبرني عبد الله بن أبي صالح ثم اتفاق عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يمينك على ما يصدقك به صاحبك ). قال أبو داود: هما وحد, عبد الله بن أبي صالح و عباد بن أبي صالح .

حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن أبيها سويد بن حنظلة قال: ( خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له, فتحرج القوم أن يحلفوا, وحلفت أنه أخي فخلى سبيله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، قال: صدقت، المسلم أخو المسلم )].