كتاب الطلاق [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين .

أما بعد:

وبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عدة المطلقة.

حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال: حدثنا يحيى بن صالح قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عمرو بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية: ( أنها طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نفقة المبتوتة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس ( أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك وإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته ثم قال: انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيراً كثيراً واغتبطت ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: ( أن فاطمة بنت قيس حدثته أن أبي حفص بن المغيرة طلقها ثلاثاً ) وساق الحديث فيه: ( وأن خالد بن الوليد ونفراً من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله! إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثاً وإنه ترك لها نفقة يسيرة، فقال: لا نفقة لها ).

وساق الحديث وحديث مالك أتم.

حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو عمرو عن يحيى قال: حدثني أبو سلمة قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثاً وساق الحديث وخبر خالد بن الوليد قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليست لها نفقة ولا مسكن ).

قال فيه: ( وأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تسبقيني بنفسك).

حدثنا قتيبة بن سعيد أن إسماعيل بن جعفر حدثهم قال: حدثنا محمد بن عمرو عن يحيى عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس قالت: ( كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني ألبتة ) ثم ساق نحو حديث مالك قال فيه: ( ولا تفوتيني بنفسك ).

قال أبو داود: وكذلك رواه الشعبي والبهي وعطاء عن عبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن أبي الجهم كلهم عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثاً ].

ونفقة المطلقة على نوعين: المطلقة الرجعية فإن متعتها على زوجها، وأما البائن فلا نفقة لها ولا سكنى، وبعض العلماء يجعل الطلاق إذا كان بطلب الزوجة لا يكون لها شيء، وقد أشار إلى هذا بعض الفقهاء من الشافعية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان قال: حدثنا سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس: ( أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى ).

حدثنا يزيد بن خالد الرملي قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس: ( أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتته في خروجها من بيتها فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيتها ).

قال عروة: وأنكرت عائشة رضي الله عنها على فاطمة بنت قيس .

قال أبو داود: وكذلك رواه صالح بن كيسان وابن جريج وشعيب بن أبي حمزة كلهم عن الزهري .

قال أبو داود: وشعيب بن أبي حمزة واسم أبي حمزة دينار وهو مولى زياد .

حدثنا مخلد بن خالد قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله قال: ( أرسل مروان إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب -يعني: على بعض اليمن- فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً، واستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟ قال: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، حتى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث )!

قال أبو داود: وكذلك رواه يونس عن الزهري، وأما الزبيدي فروى الحديثين جميعاً حديث عبيد الله بمعنى معمر وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل، ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه بمعنى دل على خبر عبيد الله بن عبد الله حين قال: فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أنكر ذلك على فاطمة.

حدثنا نصر بن علي قال: أخبرني أبو أحمد قال: حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال: ( كنت في المسجد الجامع مع الأسود، فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري أحفظت ذلك أم لا ).

حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ( لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب، يعني: حديث فاطمة بنت قيس، وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه قيل لـعائشة: ( ألم تري إلى قول فاطمة؟ قالت: أما إنه لا خير لها في ذكر ذلك ).

حدثنا هارون بن زيد قال: حدثنا أبي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة قال: ( إنما كان ذلك من سوء الخلق ).

حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم ألبتة فانتقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فقالت له: اتق الله واردد المرأة إلى بيتها، فقال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان في حديث القاسم: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس، فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر.

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا جعفر بن برقان قال: حدثنا ميمون بن مهران قال: ( قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب، فقلت: فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها، فقال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس، إنها كانت لسنة فوضعت علي يدي ابن أم مكتوم الأعمى )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث.

حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً].

وذلك أن المرأة في الجاهلية إذا توفي زوجها تعتد سنة كاملة وتبقى في بيتها لا تخرج، فخفف الله عز وجل وأنزل حكماً، وأزال ما كان عليه الجاهليون بأربعة أشهر وعشرة أيام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إحداد المتوفى عنها زوجها.

حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة:

قالت زينب: ( دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جاريةً ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) ].

وهذا يدل على أن الرجال لا يجوز لهم أن يحدوا على أحد سواءً كان ذلك في ساعتين أو في يوم أو أقل من ذلك أو أكثر.

ويدل كذلك أن المرأة يجوز لها أن تحد دون الثلاث على أب وأخ وابن ونحو ذلك، أما على زوجها فما شرعه الله سبحانه وتعالى لها في كتابه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ( قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول، قال حميد: فقلت لـزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول، فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ثم تؤتي بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ).

قال أبو داود: الحفش بيت صغير].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من رأى التحول.

حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت؛ لقول الله عز وجل: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ [البقرة:240]، قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت].