كتاب الصلاة [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه، قال: [ باب في فضل صلاة الجماعة.

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح، فقال: أشاهد فلان، قالوا: لا، قال: أشاهد فلان، قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ).

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن أبي سهل -يعني: عثمان بن حكيم- قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً ).

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه عن أبي بن كعب قال: ( كان رجل لا أعلم أحداً من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلاً من المسجد من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء والظلمة، فقال: ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد، فنمى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن قوله ذلك، فقال: أردت يا رسول الله! أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت، فقال: أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع )].

بسم الله الرحمن الرحيم.

وفي ذلك سعة فضل الله عز وجل، وأن الإنسان إذا احتسب شيئاً أعطاه الله عز وجل إياه، ولو جاء الإنسان على دابة، فإن الله عز وجل يكتب أجر خطواته ما احتسب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة قال: حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ولا ينهزه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه ).

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة )، قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: ( صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة )، وساق الحديث ].

حديث الصلاة في الفلاة لا يخلو من علة، لكنه بمجموعه من جيد الأحاديث، وقد جاء من عدة طرق في فضل الصلاة في فلاة، ولكن لا يقصدها الإنسان، والمراد من ذلك أن يؤديها حتى لو كان في بادية، كراعي الغنم، أو الرجل الذي يبدو لمصلحة من المصالح، أو غير ذلك، أو الرجل المسافر الذي يكون في سفر ثم يصليها في فلاة، فيؤتى الأجر ما احتسب.

وأيها أفضل: الإنسان يصلي إذا كان مسافراً في طريق أن يصلي في فلاة، أم ينتظر حتى يأتي إلى جماعة في الطريق؟

نقول: الأفضل يصلي في فلاة، ولكن لا يتقصد ترك الجماعة لأجل الفلاة، وألا يتقصد ترك صلاة الفلاة لأجل الجماعة، بل يصلي على حاله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام

حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد قال: حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال عن عبد الله بن أوس عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة

حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود بن قيس قال: حدثني سعد بن إسحاق قال: حدثني أبو ثمامة الحناط: ( أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي، فنهاني عن ذلك، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ).

حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري قال: حدثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن معبد بن هرمز عن سعيد بن المسيب قال: ( حضر رجلاً من الأنصار الموت، فقال: إني محدثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا احتساباً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن محمد- يعني: ابن طحلاء- عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً ) ].

والصواب في هذا الحديث هو الوقف، وظاهر قول أبي هريرة عليه رضوان الله أن الإنسان إذا خرج إلى الصلاة فوجد الناس قد صلوا، يعني: أنه عُذر بذهابه وظن أن الوقت لم يذهب، فيؤتى الأجر بإذن الله تعالى، كذلك من أدرك من الإمام لحظة من صلاته ثم دخل معه فيؤتى أجر الجماعة، لكن يفوته من ذلك ما فاته من الصلاة إذا كان مقصراً، فإذا خرج الإنسان قاصداً للصلاة وكان معذوراً ثم وجد الناس قد انصرفوا يؤتى أجر الجماعة بإذن الله.

وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا دخل المسجد ووجد الإمام على حال أن يصنع كما يصنع الإمام، كما جاء في حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله، وجاء بنحوه من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، وجاء في حديث عبد الله بن مسعود وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي بمجموعها تدل على أهمية المبادرة، وأما ما يفعله بعض الناس أنه ينتظر جماعة أخرى والإمام في تشهده الأخير، نقول: هذا لم يكن يعمله السلف، وليس معروفاً لا عند الصحابة ولا عند التابعين، بل يدخل مع الإمام ولو لحظة، وذلك لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فينبغي للإنسان أن يبادر.

كذلك بعض الناس إذا كان الإمام ساجداً يأتي إلى الصلاة، ويقف حتى يرفع الإمام، وذلك أن هذه السجدة لا تحسب له، وهذا حرمان، فكيف تفوت مثل هذه السجدة، ربما تكون هذه السجدة هي التي تدخلك الجنة، كما قال ابن المبارك، فالعبرة ليست باعتبار الركعة، ولكن بتفويت الطاعة، فينبغي للإنسان أن يبادر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات ).

حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير و أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل، فقال ابن له: والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً، والله لا نأذن لهن، قال: فسبه وغضب، وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذنوا لهن وتقول لا نأذن لهن؟ )].

وذلك أن الغيرة على نوعين: غيرة ممنوعة، وغيرة مشروعة، فالممنوعة هي التي تخالف الدليل كمثل هذا الإنسان يظن أن غيرته أولى من النص. يقال: إن النص هو الأولى، وهو الذي يحكم الغيرة، وذلك ما جاء في حديث سعد لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني )، فبعض الغيرة التي تكون من الرجال ليست صحيحة، بل يحكمها في ذلك الشرع.

وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله أنه كان لا يستطيع أن يمنع امرأته من الذهاب إلى المسجد، فكان يترصد لها في صلاة الفجر بالطريق، فلما كان في سكة مظلمة خرج عليها وضربها من خلفها ثم هرب، ثم لم تخرج بعد، وذلك أنه لا يستطيع أن يمنعها، ولكن نقول: إن منع المرأة إذا قصدت المسجد مكروه، وقد يحمل ظاهر النهي للتحريم.

والغيرة الشرعية: هي التي توافق الدليل، أو ما سكت عنها، باعتبار أنها أمر فطري فطر الله عز وجل الناس عليها، والأصل أن الله عز وجل مما فطر الناس عليه أنه حق، وكلما وافقت النزعة النفسية الدليل فهذه النزعة شرعية، ولهذا نقول: إن ما يوجد في الإنسان من وازع شرع ووازع طبع، إذا اجتمع هذان الوازعان فهما آكد الأدلة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في ذلك

حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل ). قال يحيى: فقلت لـعمرة: أمنعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم.

حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ).

حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو تركنا هذا الباب للنساء ). قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال: قال عمر: وهذا أصح].

نساء بني إسرائيل كن يصلين في بيوت الله، ولكن كن يتشرفن إلى الرجال، ويلبسن نعالاً من خشب كما جاء في حديث عائشة، وجاء في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، فمنعن من الصلاة، ولهذا إذا كان حال بعض النساء في مثل هذا فللرجل أن يمنع للاشتراك في العلة، فإذا وجدت هذه العلة فإنه يجري عليها الحكم عيناً، لكن لا يلغى الحكم عاماً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السعي إلى الصلاة

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، قال أبو داود: كذا قال الزبيدي و ابن أبي ذئب و إبراهيم بن سعد و معمر و شعيب بن أبي حمزة عن الزهري: ( وما فاتكم فأتموا )، وقال ابن عيينة: عن الزهري وحده: ( فاقضوا )، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: ( فأتموا )، و ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم: ( فأتموا ).

حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم )، قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: ( وليقض )، وكذا قال أبو رافع: عن أبي هريرة و أبو ذر روى عنه: ( فأتموا، واقضوا ). اختلف عنه].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجمع في المسجد مرتين

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه )].

وهذا يحمل على العذر، وإلا فالأصل أنها لا تنعقد جماعتان في مسجد واحد، وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا إذا فاتتهم الصلاة صلوا فرادى، كما روى ابن أبي شيبة وغيره من حديث الحسن قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الصلاة صلوا فرادى، ولا أعلم أحداً من الصحابة عليهم رضوان الله من عقد جماعة ثانية في مسجد واحد إلا ما ظهر من هذا الدليل، وجاء أيضاً فيه أثران: الأثر الأول عن أنس بن مالك، والثاني عن عبد الله بن مسعود عليهما رضوان الله، ولعل ما جاء عنهما في ذلك أنه يحمل على العذر، إذا فاتت الإنسان الصلاة معذوراً فإنه يصلي جماعة إن وجد، أما أن يبيت وجود جماعة ثانية في المساجد الراتبة، فهذا خلاف السنة، أما المساجد غير الراتبة كمساجد الطرقات، وكذلك المساجد الذي تأخذ حكم المساجد غير الراتبة، ولو كانت مساجد راتبة وهي كمساجد الأسواق، وكذلك كالحرمين وغيرها من المساجد التي يعتادها الناس، فلا حرج من عقد جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى؛ لأن هذه المساجد تقصد من القريب والبعيد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن صلى في منزلة ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه: ( أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل، فليصل معه فإنها له نافلة ).

حدثنا ابن معاذ قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمنىً) بمعناه.

حدثنا قتيبة قال: حدثنا معن بن عيسى عن سعيد بن السائب عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر قال: ( جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست، ولم أدخل معهم في الصلاة، فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالساً، فقال: ألم تسلم يا يزيد! قال: بلى يا رسول الله! قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري، فقال: ( يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئاً، فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ذلك له سهم جمع )].