خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/157"> الشيخ سلمان العودة . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/157?sub=4"> شرح بلوغ المرام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجمعة - حديث 477-478
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اليوم هو الإثنين الثاني عشر من شهر الله المحرم من سنة (1426هـ)، وهذا الدرس رقمه (174) من أمالي شرح بلوغ المرام، وهو في باب صلاة الجمعة.
وبالمناسبة كان يوم السبت أمس هو يوم عاشوراء، واليوم الأحد أحد عشر، والإثنين اثنا عشر، هذا هو الذي في التقويم وهو المعتمد، وكان في أمنيتي أن الناس يتعودون على الرجوع للتقويم ما لم يأت ما ينسخ هذا الأمر، رأيت كثيراً من الناس أصبح من المعتاد أن يكون عندهم بلبلة فيما يتعلق بيوم عاشوراء وأشياء كثيرة، وكثيرون كأنهم يرون عدم الاعتماد على التقويم.
الأصل ليس كذلك، التقويم نحن نعتمد عليه في صلاتنا وفي معاملاتنا وفي دراساتنا وفي وظائفنا ومواعيدنا وعلاقاتنا، فنعتمد عليه أيضاً في دخول الشهر وخروجه، وفي الصيام وفي المناسبات الشرعية كلها، إلا إذا صدر من جهة رسمية شرعية معتمدة ما يخالف ذلك أو ينقضه، مثل أن يصدر من مجلس القضاء الأعلى بيان أن اليوم الفلاني يكون كذا، هذا أمر آخر يؤخذ به، وإلا فالأصل الاعتماد على التقويم.
اليوم عندنا حديثان:
حديث عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه )، والحديث رواه مسلم .
وسوف نبدأ في شرح الحديث والحديث الذي بعده أيضاً.
تخريج الحديث
عمار بن ياسر
رضي الله عنه فأوجز وأبلغ، فلما نزل من المنبر قالوا له: ياأبا اليقظان
-وهذه كنيةعمار
- خطبت فأوجزت وأبلغت، فلو كنت تنفست -يعني: أطلت-، فقالعمار
رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة )، فهذا الحديث رواه مسلم كما ذكرت في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، ولم يخرجه البخاري .ورواه أهل السنن أيضاً: كـابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارمي وأحمد والبيهقي في سننه، ورواه في شعب الإيمان، ورواه في الآداب أيضاً، والطبراني وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر .. وغيرهم.
معاني ألفاظ الحديث
أبو اليقظان -كما ذكرنا- هي كنية عمار .
وقوله: ( أوجز وأبلغ ) الإيجاز معناه: القصر، وفي بعضها: (قصَّر أو قَصَر)، فالقصر يعني: جعل الشيء قصيراً، وهو بمعنى الإيجاز.
وأما الإبلاغ فمعناه: أنه كان بليغاً، والبلاغة هي -كما يقال- موافقة الكلام لمقتضى الحال، يعني: أن يكون الإنسان في كلامه مناسباً لمستوى المخاطبين وطبيعة الموقف، فإذا كان المقام يتطلب الحماسة تحمس، وإذا كان يتطلب الهدوء هدأ، وإذا كان يتطلب أن تكون لغته ذات بلاغة وفصاحة فعل، وإن كان يتطلب أن تكون ألفاظه سهلة ميسرة على الناس، بحسب مقامهم من غير تكلف، فهذا هو معنى البلاغة: موافقة المقام أو الكلام لمقتضى الحال.
وقولهم له: ( لو كنت تنفست ) يعني: تمنوا عليه أن يكون أطال في الخطبة، وهذا معنى التنفس.
وقوله رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه )، (مئنة) هكذا بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون، ( مئنة من فقهه )، والمعنى واضح يعني: علامة على فقهه ودليل على فقهه، وهذه الكلمة من الكلمات القليلة المستخدمة في اللغة، وهي مأخوذة في الأصل من (إن) التي تقال للتوكيد، مثلاً نقول: إن زيداً أو إن فلاناً رجل كريم، و(إن) هنا يقصد بها توكيد الكرم، فهو أبلغ مما لو قلت: فلان رجل كريم، فكلمة: (مئنة) هي ليست مشتقة؛ لأن الحرف لا يشتق منه ولكن مأخوذة من كلمة: (إن)، يعني كأننا نقول: إن الإنسان الذي يختصر في خطبته فقيه، هذا هو مؤدى اللفظ.
فقوله: ( مئنة من فقهه ) يعني: دليل وعلامة يتكلم الناس بها عنه ليعبروا عن فقهه، فيقولون: إنه فقيه؛ لأنه لا يطيل في الخطبة ولا يسترسل فيها.
ولذلك نقل عن الأصمعي رحمه الله أنه استشهد بقول أحد شعراء الرجز يقول:
إن اكتحالاً بالنقي الأبلج
يعني: الكحل.
ونظراً في الحاجب المزجج
يعني: إعجاب الإنسان بصورته الجميلة وشبابه.
مئنة من الفعال الأعوج
يعني: دليلاً وعلامة وإشارة إلى الفعل المعوج عند الإنسان إذا أفرط فيه.
وأما الفقه: ( مئنة من فقهه ) فالمقصود بالفقه: هو الفهم والعلم، والأصوليون يعرفون الفقه: بأنه معرفة الأحكام الشرعية أو الفرعية من أدلتها التفصيلية، المعرفة أو العلم بالأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية، ولكن المقصود بالفقه هنا ما هو أشمل من ذلك فإن الفقه معناه: هو العلم بشكل أوسع.
وقد ورد في مسلم أيضاً بعد هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة )، المقصود هنا بإطالة الصلاة: الإطالة المعتدلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إطالة الصلاة، كما سبق معنا في درس مضى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( أيكم أمّ الناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة، وأيكم صلى لنفسه فليطول ما شاء ).
إذاً: فقوله: ( أطيلوا الصلاة ) يعني: بالنسبة إلى الخطبة، وأيضاً معناه أي: إطالة الصلاة الإطالة المناسبة، كما قال ابن دقيق العيد : إن هذا أمر إضافي، يعني: يختلف من جماعة إلى جماعة، ومن حال إلى حال، ونأتي إلى هذا قريباً إن شاء الله.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( وإن من البيان لسحراً )، في بقية الحديث، والبيان هنا: الكلام واللغة، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن من البيان لسحراً )، هذا فيه إشارة أولاً إلى تأثير البيان في النفوس، وأنه أحياناً يفعل فيها فعل السحر، كما يقول أحدهم عن امرأة:
وحديثها السحر الحلال لو انها لم تجن قتل المسلم المتحرز
فحديثها في تأثيره في العقول كالسحر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال عن النساء: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لذي لب منكن )، فهذا يذهب بعقل الإنسان، البيان سحر؛ لأنه أحياناً يؤثر في الإنسان من حيث لا يشعر ولا يدري، وهكذا السحر يعرف: بأنه شيء خفي لطيف، فمن معاني السحر: أنه تأثير لطيف، فلما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيان بأنه سحر، كأن في ذلك إشارة إلى أن الإنسان المستمع يشعر بأن هذا البيان يتخلل نفسه ويؤثر فيه ويغير قناعاته، ويحمله على فعل أو على ترك من حيث لا يشعر ولا يدري، وهذا مشاهد؛ أن الإنسان أحياناً إذا سمع كلاماً جميلاً أو شعراً.. أو ما أشبه ذلك، يشعر بأن هذا الإنسان أخذ غرف قلبه.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن من البيان لسحراً )، هل هو مدح أو ذم؟ وقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ويحق لنا أن نقول: إن سيد البيان هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهل قوله: ( إن من البيان لسحراً )، مدح للبيان أو ذم؟
الذي اختاره الإمام اللغوي الشهير أبو عبيد القاسم بن سلام وأكثر المحققين عليه أن السياق سياق مدح وثناء على البيان؛ ولذلك الله سبحانه وتعالى قال: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4]، إذاً: الله لما امتن علينا بأنه علمنا البيان دل على أن البيان ممدوح، وأنا لمحت لهذا المعنى لما قلت: إن سيد البيان والفصحاء والبلغاء هو محمد صلى الله عليه وسلم، وما هو بقول ساحر ولا بقول شاعر، وإنما بيانه صلى الله عليه وسلم بفصاحته وحسن لغته، وما آتاه الله سبحانه وتعالى من البيان في قوم كانت اللغة هي من أبرز وأحسن مجال مفاخراتهم.
فنقول: إن السياق سياق مدح، ومما يدل على ذلك: أن عماراً أيضاً ساقه مثلما ذكر أبو عمر في سياق حديثه هو.
وإن كان هناك من أهل العلم من قال: إن المقام مقام ذم، وإن السحر شر كله كما ورد ذمه في القرآن والسنة والوعيد على فاعله، فلما شبه النبي صلى الله عليه وسلم البيان بالسحر دل على ذمه، وأظن الإمام مالكاً رحمه الله في الموطأ بوب على هذا الحديث: باب ما يكره من البيان؛ لأنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: إن البيان لسحر، قال: ( إن من البيان ) يعني: بعض البيان، فيكون ذم بعض البيان الذي يشبه السحر في أنه يقلب الحق باطلاً ويفرق بين المرء وزوجه.
ولكن الأول أوجه وأقوى، أن نقول: إن البيان فيه سحر، ولكن هذا مدح لذات البيان، وإنما يبقى أن البيان عنصر محايد لا يحمد ولا يذم لذاته، وإنما بحسب ما يستخدم له، فإذا كان الإنسان وظف بيانه وبلاغته في الدفاع عن الإسلام، وعن قضايا الأمة، وعن حقوق الناس، وعن المصالح، وعن الحق؛ كان ذلك محموداً، فإذا وظفه في نصرة الباطل، والترويج للأكاذيب، والتلبيس على الناس كان ذلك مذموماً؛ ليس لأنه بيان، ولكن لأنه وضع في غير محله.
ولهذا نقول: كم من القضايا المهمة الناجحة الصحيحة التي فشلت بسبب المحامي الذي يدافع عنها ولا يحسن الكلام، وكم من القضايا الباطلة الفاسدة التي نجحت بسبب وجود محامين أقوياء يدافعون عنها، وقديماً كانت العرب تقول:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
ذماً ومدحاً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير
فالبيان قد يقلب الحق باطلاً، هذا ما يتعلق بألفاظ الحديث.
تخفيف الصلاة في حق الإمام
أولها: مسألة تخفيف الصلاة.
وقد أشرت إليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طول صلاة الرجل وقصر خطبته )، فهذا ظاهره يدل على أن الصلاة تطول، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على تقصير الصلاة كما أشرت إلى شيء منها.
ولهذا ذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى استحباب تقصير الصلاة إذا كان إماماً، أما إذا كان لنفسه فليطول ما شاء فرضاً أو نفلاً.
وأدلتهم على استحباب تقصير الصلاة:
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( إذا أمَّ أحدكم بالناس فليخفف )، وهو متفق عليه وأشرت إليه.
وكذلك حديث أنس قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة في تمام ) يعني: صلاته خفيفة ولكنها تامة لا يخل بركوعها ولا سجودها.
وكذلك حديث أبي قتادة وهو في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز شفقة على أمه ).
وكذلك حديث جابر وغيره في قصة معاذ بن جبل وهو حديث متفق عليه: ( أنه صلى وأطال بهم وقرأ سورة البقرة، فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم وغضب وقال: أفتان أنت يا
وهناك قول آخر في هذه المسألة وهو مذهب الظاهرية كـداود وابن حزم .. وغيرهم، حيث قالوا: إنه يجب، الأولون قالوا: يستحب، ابن حزم قال: يجب على الإمام تقصير الصلاة بما لا يخل بها ولا يؤدي إلى التقصير في واجباتها.
واستدل ابن حزم بالأحاديث السابقة، من جنس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيكم أمَّ الناس فليخفف )، وقال: إن هذا أمر والأمر يقتضي وجوب التخفيف.
وقد ورد في ذلك أحاديث عن جماعة من الصحابة.
والذي يظهر من تتبع أقوال العلماء في تخفيف الصلاة: أنهم متفقون في الجملة على مشروعية تخفيف الصلاة للإمام، وأن هذا التخفيف لا يخل بواجبات الصلاة ولا بمتابعة المأمومين، وأن الأصل في هذا التخفيف اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد ما كان يقرؤه صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر، وسبق أن بينا ذلك من حيث الجملة، مثل: أن يقرأ في الظهر والعصر بأواسط المفصل، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بأواسط المفصل، ويقرأ في الفجر بالطوال، وإن كان هذا ليس دائماً، وإنما يكون له استثناءات ويكون له عوارض .
وأيضاً يراعى في التطويل والتقصير حال المأمومين كما ذكره ابن دقيق العيد قال: أمر إضافي، وابن القيم رحمه الله قال: هذا أمر نسبي، يقصدون فيه: إذا كان الناس يتحملون وعندهم فهم واتباع للسنة وفراغ فيكون هناك طول مناسب من غير إفراط، وأحياناً قد يكون الأنسب للناس، وهذا هو الأغلب على أحوال الناس إذا تدبرت؛ لما يدخل عليهم عادة من شواغل وضعف.. وغير ذلك، أن يكون الإنسان أقرب إلى مراعاة التخفيف، وكلما خفف عليهم -خصوصاً في الفريضة- كان أولى؛ لأنها القدر الذي يلزم الناس جميعاً أداؤه، فيكون الأصل مراعاة جانب التخفيف في ذلك، وألا يشق عليهم بإطالة الصلاة.
وكما قلنا: التخفيف أمر نسبي، ويراعى فيه بشكل أكثر عندما يكونون عمالاً أو يكونون مزارعين أو موظفين سوف يعودون إلى مكاتبهم فوراً، وقد يقع لهم ضرر من ذلك، ومراعاة الوقت من حر أو برد أو خوف.. أو غير هذا، هذا كله معتبر في الشريعة.
طبعاً توجد نصوص كثيرة جداً عن الأئمة والعلماء في تقصير الصلاة وكراهية إطالتها.
مسألة تقصير الخطبة
وتقصير الخطبة أيضاً هو مذهب الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مثل المسألة الأولى.
فذهبوا إلى استحباب قصر الخطبة أو تقصيرها بحيث لا يخل بغرض الخطبة؛ لأن بعضهم يقول: لو وقف على المنبر؛ حتى إن الأحناف يقولون: لو أنه وقف على المنبر وقال: (الحمد لله) بقصد الخطبة أجزأه، فقط لا يكون حمد الله لأنه عطس، يكون حمد الله بقصد أن يخطب، فيقولون: يجزئه ذلك، فهذا لا شك أنه من القصر المخل؛ لأن الخطبة هنا لم تؤد غرضها، وهذا بدون شك أنه مخالف للسنة، وقد ذكرنا فيما سبق ما ينبغي في الخطبة.
المهم أن الجمهور يرون تقصير الخطبة تقصيراً لا يخل بمقصدها؛ وذلك لأن: ( النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً وصلاته قصداً ) كما يقوله جابر بن سمرة رضي الله عنه، والحديث في صحيح مسلم وفي السنن وعند أحمد والحاكم والدارمي .. وغيرهم أنه قال: ( كانت خطبته قصداً وصلاته قصداً ).
والقصد معناها: المعتدلة التي هي أقرب إلى التخفيف؛ ولذلك لا تعارض بين حديث جابر وبين حديث عمار ؛ لأن حديث جابر قال: ( كانت خطبته قصداً وصلاته قصداً )، فهذا لا يدل على أن الخطبة والصلاة عنده متساويان، وإنما الخطبة كانت تميل إلى القصر؛ لأن هذا هو الحال بشأنها، والصلاة تميل إلى الطول؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وأحياناً يقرأ بالجمعة والمنافقون.
إذاً: هذه الصلاة تكون طويلة نسبياً، وهذا ما قصده بقوله: ( كانت صلاته قصداً ).
وقال: ( أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة )، إذاً: القصد هو المناسب للمقام من إطالة الصلاة نسبياً ومن تقصير الخطبة نسبياً.
الدليل لهؤلاء على تقصير الخطبة:
أولاً: حديث عمار، وهو حديث الباب، وهو نص في المسألة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً )، فهذا دليل على استحباب قصر الخطبة.
الدليل الثاني: هو حديث جابر بن سمرة الذي ذكرته وهو في مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاته قصداً وكانت خطبته قصداً )، فهو دليل أيضاً على تقصير الخطبة، ولا تعارض بين الحديثين كما ذكرت، وهذا مذهب جمهور العلماء.
ابن حزم والظاهرية قالوا: يجب -وليس فقط يستحب- يجب قصر الخطبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر: ( أطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة )، والأمر يقتضي الوجوب إلا بصارف، ولا صارف له هنا عن الوجوب.
حتى إن ابن حزم رحمه الله قال: شهدت في جامع قرطبة رجلاً يقال له: أبو محمد بن معدان خطب الناس وأطال الصلاة جداً حتى أصابهم ما أصابهم، وحتى يقول: حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه من طول الخطبة! وهذا قد يحصل؛ لأنه يحصر، يعني: يكون المسجد مزدحماً ولا يستطيع الخروج، وبعض الناس قد لا يملك نفسه، وهذا مشاهد، يعني: يوجد كثيراً في المناسبات والمجامع العامة، ومراعاة هذا الحال مهم، بل واجب.
فالمقصود: أن ابن حزم استدل بالأحاديث على وجوب قصر الخطبة.
وأقول: إن النصوص النبوية لا تدل على الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد في بعض المقامات أنه أطال الخطبة، مثل الحديث الآخر الذي سوف يأتينا الآن حديث أم هشام : ( أنها حفظت سورة (ق) من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها على المنبر كل جمعة )، فسورة (ق) طويلة، وهي بالتأكيد أطول من سورة الجمعة وسورة المنافقين.
بل ورد في حديث في مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم من صلاة الفجر إلى صلاة المغرب -يخطب ثم يصلي، ثم يرجع للخطبة ثم يصلي.. وهكذا إلى غروب الشمس- فما ترك شيئاً بينهم وبين الساعة إلا بينه لهم ).
وفي الصحيح أيضاً: (
إذاً: يوجد حالات فيها تطويل الخطبة، فهذا دليل على أن الأمر بتقصير الخطبة ليس للوجوب، إنما هو للاستحباب كما هو مذهب الجمهور.
مراعاة الأحوال والظروف في تقصير الخطبة وتطويلها
يعني: ينبغي أن يراعى مثل هذا الأمر، وألا يطيل الإمام الخطبة، خصوصاً إذا كان يقرأ من ورقة، والكلام يخرج مخرجاً واحداً ليس فيه مخاطبة مباشرة ورفع للصوت وخفضه.. وما أشبه ذلك، فيتسرب إلى الناس الملل ويستثقلون الخطبة بدلاً من أن يفرحوا بها؛ ولهذا أصبح الكثير من الناس إذا جاء وقت صلاة الجمعة يذهبون إلى المساجد البعيدة التي يصلي فيها خطباء يقرءون بسرعة وينتهون بسرعة؛ لأنهم يستطيلون أحياناً خطبة الإمام وحديثه، فيراعى في ذلك هذا الأمر.
ويراعى -أيضاً- اختلاف الأحوال والظروف، فإذا كانوا في حالة خوف أو حرب أو مشكلة تتطلب حديثاً تحدث، ولا بأس إذا تكلم الإمام في الخطبة التي هي واجبة الاستماع واقتصر فجعل الخطبة مثلاً خمس عشرة دقيقة إلى عشرين دقيقة على الأكثر ثم صلى بهم، بعد الصلاة إن أحب أن يتحدث والناس في حل أن يستمعوا أو يخرجوا، فليس عليه في ذلك حرج إن شاء الله تعالى.
هذا ما يتعلق بموضوع خطبة الجمعة وتقصيرها.
تساوي الخطبتين يوم الجمعة
السنة والأقرب -والله أعلم- أن الخطبة الأولى ينبغي أن تكون أطول من الثانية، وهذا مذهب كثير من الفقهاء كالحنابلة والمالكية.. وغيرهم.
ويستدلون لذلك بأدلة:
بعضهم يقرن الخطبة أو يقيس الخطبة بالأذان والإقامة، فيقول: إن الخطبة الأولى كالأذان والخطبة الثانية كالإقامة، والأذان معروف أنه فيه ترسل وتطويل، بخلاف الإقامة فهي فيها الحدر والإسراع.
وأجود من ذلك أن يقال: إن الخطبتين كالركعتين؛ ولذلك الجمعة ركعتان؛ لأن فيها خطبتين، فنقول: الخطبة كالركعتين خطبة الجمعة، ومن المعلوم أنه يشرع للإمام أن تكون الركعة الأولى في الصلاة أطول من الركعة الثانية؛ ولذلك في حديث أبي قتادة المتفق عليه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين في صلاة الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب فحسب )، وكانت الركعة الأولى أطول من الثانية.
وهكذا في صلاة الكسوف أيضاً وفي غيرها، وهذا من المعلوم.
وفي ذلك منافع كما يقولون: منها: انتظار القادم، ومنها: أن الناس يكونون أنشط في بداية أمرهم، وهذا الكلام كله يصلح في الخطبة؛ ولذلك ذهب الحنابلة والمالكية.. وغيرهم: إلى أن السنة أن تكون الخطبة الأولى أطول من الخطبة الثانية.
فوائد الحديث
منها: استحباب إطالة الصلاة الطول المعتدل الذي لا يشق على الناس؛ ولهذا عبر عنه في حديث جابر بالقصد.
ومنها: استحباب قصر الخطبة، كما قال: ( وقصر خطبته )، وهو أيضاً قصر لا يخل بهدف المقصود من الخطبة.
ومن فوائد الحديث: استحباب توظيف اللغة والبيان في المصالح الشرعية واعتماده، سواءً كان نثراً أو شعراً.. أو غيره في الدفاع عن المعاني الشرعية، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطباء يدافعون عنه وعن دينه، كـثابت بن قيس بن شماس وغيره، وكان له شعراء صلى الله عليه وسلم كـحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة .. وغيرهم، وكان يقول لـحسان : ( اهجهم وجبريل معك. أو: وروح القدس معك )، فهذا من فوائد الحديث.
ومن فوائد الحديث أيضاً: استحباب أن تكون الخطبة فصيحة بليغة مؤثرة؛ لتحقق الأثر المطلوب منها، فليس المقصود أن يخرج الناس ليمدحوا الخطيب ويقولوا: أبدع. وإنما المقصود أن يخرج الناس وقد تأثروا بالخطبة، فانكفوا عن هوى أو خطأ، وأقبلوا على خير أو على صواب، وهذا يعتمد على كفاءة الخطيب وقدرته.
ومن ذلك يؤخذ: أن الأحق بالإمامة والخطابة على وجه الخصوص هو الفقيه؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مئنة من فقهه )، دليل على اختيار الفقيه والكفء للإمامة وللخطابة .
وقد جاء في حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فهذا دليل على أن الأقرأ أولى بالإمامة في الجملة ما لم يكن عنده خلل في الفقه يؤثر في صلاته، ولكن هذا الحديث يدل على أن الأولى في الخطبة هو الأفقه، أن يكون عنده فقه في خطبته.
وفي الحديث أيضاً: مشروعة الوعظ في الخطبة، وجود شيء من الوعظ في الخطبة وترقيق القلوب وتحريك النفوس وإسبال الدموع، وأن ذلك من أهداف الخطبة ومقاصدها ولو لم يكن دائماً، لكن أن يكون ذلك من مقاصد الخطيب؛ ولهذا وعظهم عمار رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن من البيان لسحراً ).
ومن ذلك أيضاً: ما أشرنا إليه قبل قليل من وصف البيان بالسحر، واختلافهم: هل المقصود به الذم أم المدح؟ وقد ورد أن مالك بن دينار رحمه الله قال: إن من البيان لسحراً، والله لقد سمعت الحجاج على المنبر وهو يشكو أهل العراق ويتبرم منهم، ويذكر ما آذوه به وما اعتدوا عليه وما ظلموه، حتى كنت أقول في نفسي: والله إنه لصادق، وإنه لمظلوم، وإنهم قد ظلموه وأخطئوا عليه.
وهو يقصد من ذلك أن الحجاج كان خطيباً مفوهاً وهذا معروف، وخطبه تدرس وتحفظ في.. يعني: ذكر نماذج من الخطب البليغة.
وقد ورد ذكر كثير من الخطب البليغة.
منها: خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة: [ إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف قوي.. ]، وكذلك عمر رضي الله عنه.
بل ورد أن عثمان رضي الله عنه لما صعد المنبر أرتج عليه، يعني: لم يدر ما يقول وارتبك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: [ أنتم إلى إمام فعَّال أحوج منكم إلى إمام قوَّال، ثم استغفر ونزل ]، فعدت هذه من درر الخطب على وجازتها وقصرها.
وقد ذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين وهو كتاب جيد في هذا الباب قصصاً من أحوال الخطباء وتطويلهم أو إيجازهم أو سقطاتهم؛ يستفيد منها الطالب الذي يريد أن يتعلم ويتدرب على الخطابة.
هذا الحديث الذي هو حديث عمار رضي الله عنه له قصة ذكرها مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي وائل : أنه قال: ( خطبنا عمار بن ياسر أبا اليقظان عمار عمار
ورواه أهل السنن أيضاً: كـابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارمي وأحمد والبيهقي في سننه، ورواه في شعب الإيمان، ورواه في الآداب أيضاً، والطبراني وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر .. وغيرهم.