كتاب الصلاة [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه، قال:

[ باب في بناء المساجد

حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أمرت بتشييد المساجد )، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى.

حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس، وقتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ).

حدثنا رجاء بن المرجى حدثنا أبو همام الدلال قال: حدثنا سعيد بن السائب عن محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم ).

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم، قالا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي عن صالح قال: حدثنا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره: ( أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن والجريد وعمده -قال مجاهد: وعمده خشب النخل-) ].

وفي هذا أنه لا حرج من بناء المساجد في المواضع التي يكون فيها السوء، وذلك مثل مواضع الأصنام، أو كأن تزال دور زنا أو دور خمور أو غير ذلك ثم يبنى في موضعها مسجد، فهذا لا حرج فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ( فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده -قال مجاهد: عمده خشباً- وغيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج -) قال مجاهد: وسقفه الساج- قال أبو داود: القصة: الجص ].

وفي هذا جواز تغيير المباني للحاجة، ولو كان الذي بناها عظيم، والنبي عليه الصلاة والسلام بنى المسجد ومعه الصحابة، وما قال من كان من الصحابة كـعمر وعثمان لما غيروا في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام: هذه حجارة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لا نزيلها، وهذا شيء من أعمدة النخل وضعه النبي صلى الله عليه وسلم لا نغيره، بل يغيره؛ لأن المصلحة في هذا من جهة الأصل، وأنشئ المسجد؛ ليعبد الله عز وجل فيه، فيوسع ويزال، وكذلك أيضاً: ما قالوا: هذه الحجارة مسها النبي عليه الصلاة والسلام لنحتفظ بها تعظيماً أو غير ذلك، ولهذا نقول: إن المصالح العامة أولى من بقاء الآثار، فإذا وجد أثر في موضع أو نحو ذلك فإنه يزال.

والآثار في ذلك على نوعين: آثار لمعظم في أمر الدين، فهذا يحتاط في ذلك ويزال، ويتلف، ويخفى كما كان السلف يصنعون ذلك، وأما من كان من أمر الدنيا للأب والجد وغير ذلك من بقايا أمورهم فهذا لا يعظم، ولكن ينظر إليه للعبرة، فهذا أمر آخر، فاحتفاظ الإنسان به مما لا حرج فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن فراس عن عطية عن ابن عمر: ( أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل أعلاه مظلل بجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة أبي بكر فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة عثمان فبناها بالآجر فلم تزل ثابتة حتى الآن ) ].

وعطية هو العوفي وهو ضعيف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم، فقال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وإنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بني النجار فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال أنس: وكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين، فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي التياح عن أنس بن مالك، قال: ( كان موضع المسجد حائطاً لبني النجار فيه حرث ونخل، وقبور المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثامنوني به، فقالوا: لا نبغي به، فقطع النخل وسوى الحرث ونبش قبور المشركين ) وساق الحديث، وقال: (فاغفر) مكان (فانصر) قال موسى: وحدثنا عبد الوارث بنحوه، وكان عبد الوارث يقول: خرب، وزعم عبد الوارث أنه أفاد حماداً هذا الحديث].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السرج في المساجد

حدثنا النفيلي قال: حدثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس فقال: ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حرباً، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله ) ].

وقد روى ابن ماجه وابن عساكر أن تميماً هو أول من أضاء المصابيح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزيت.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حصى المسجد

حدثنا سهل بن تمام بن بزيع قال: حدثنا عمر بن سليم الباهلي عن أبي الوليد قال: ( سألت ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد؟ فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه، فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: ما أحسن هذا ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال: كان يقال: إن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده.

حدثنا محمد بن إسحاق أبو بكر قال: حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد قال: حدثنا شريك قال: حدثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال أبو بدر: أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد )].

الأحاديث في مناشدة الحصى معلولة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال

حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، وقال غير عبد الوارث: قال عمر: وهو أصح.

حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعناه، وهو أصح.

حدثنا قتيبة يعني: ابن سعيد قال: حدثنا بكر يعني: ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن نافع أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء ].

وهذا كان في زمن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، وجاء أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي جعل باباً للنساء، والأصح أن عمر هو الذي فعل ذلك، لما كثر النساء وخشي اختلاطهن بالرجال جعل لهن باباً مستقلاً في هذا، ونهى الرجال أن يخرجوا وأن يدخلوا معهن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد

حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي قال: حدثنا عبد العزيز يعني: الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك )].

والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول المسجد، وكذلك الصلاة عليه لم يثبت فيهما شيء، وإنما يقول الدعاء، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، اللهم! إني أسألك من فضلك عند خروجه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال: ( لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، قال: أقط؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك: قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم ) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

حدثنا القعنبي قال: حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا أبو عميس عتبة بن عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه زاد: ( ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب لحاجته )].

وإنما شرعت تحية المسجد حتى لا تتخذ المساجد مواضع للجلوس وحديث الناس وسمرهم وغير ذلك، فشرع أن الإنسان لا يدخل المسجد إلا ويصلي ركعتين، ثم بعد ذلك يفعل ما يشاء من الأمر المباح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل القعود في المسجد

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، أو يقم: اللهم اغفر له اللهم ارحمه )

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف، أو يحدث، فقيل ما يحدث؟ قال: يفسو، أو يضرط ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى المسجد لشيء فهو حظه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة يعني: ابن شريح قال: سمعت أبا الأسود يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ) ].

ويستثنى من ذلك الضالة التي تفقد في المسجد؛ لأنها لا تطلب في غيره، فإذا فقد الإنسان مثلاً مفتاحاً، أو فقد الإنسان ساعة في المسجد فيسأل جماعة المسجد لأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال، وما جاء النهي في ذلك إلا أن تطلب، أو أن تنشد الضالة خارج المسجد، ويطلب اجتماع الناس في المسجد لأجل هذا، فيقول: الناس يجتمعون، فتقصد المساجد لنشد الضالة وعرض البيع وغير ذلك.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الطهارة [5] 2708 استماع
كتاب الطهارة [8] 2686 استماع
كتاب الترجل - كتاب الخاتم 2315 استماع
كتاب الصلاة [21] 2311 استماع
كتاب الأيمان والنذور [2] 2300 استماع
كتاب الطهارة [9] 2294 استماع
كتاب الطهارة [2] 2221 استماع
كتاب الطهارة [4] 2164 استماع
كتاب الصلاة [20] 2127 استماع
كتاب الصلاة [6] 2117 استماع