تفسير آيات الأحكام [62]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

ففي هذا المجلس في العاشر من شهر جمادى الأولى من عام خمسة وثلاثين بعد الأربعمائة والألف، نتكلم على بعض الأحكام المتعلقة بأبواب المواريث مما كان عليه أهل الجاهلية.

بعدما ذكر الله سبحانه وتعالى المواريث مما يتعلق بإرث الأولاد وكذلك الأبوين وإرث الإخوة للأم، وكذلك ذكر الله عز وجل ميراث الزوجين من بعضهما، وذكر الله سبحانه وتعالى أمر الوصية والدين، وذكر الله عز وجل أحكام الإضرار بأنواعه سواء كان في الوصية أو كان في الدين أو كان ذلك في التركة, وهو من الأمور المحرمة على ما تقدم الكلام عليه.

ثم ذكر الله سبحانه وتعالى أمر الفاحشة وهي الزنا، وتقدم أن الله سبحانه وتعالى إنما شدد فيها في ابتداء الأمر ثم تحول ذلك إلى شيء من التخفيف، وأن العلة في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى أراد بيان قبح هذا الفعل وهو الفاحشة وجرمها، وأراد تهديد فاعلها، وكذلك تنفير أصحابها منها.

طريقة الشرع في تحريم شيء توطنت النفوس على فعله

ثم أيضاً من مقاصد القرآن: أن النفوس إذا توطنت على شيء أو على فعل أو أحبت شيئاً من الأشياء المستقبحة, وأراد الشارع أن يبين جرم ذلك الفعل وعقوبته عنده، أن الله جل وعلا يبدأ بالحكم الأعلى, ثم يخففه لتتوطن النفوس عليه، وهذا ظهر في حكم الله عز وجل في أمر الفاحشة, أن الله جل وعلا أمر بحبس من أتى الفاحشة, وذلك حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله عز وجل لهن سبيلاً.

هذا كان في ابتداء الأمر، ثم لم يطل ذلك ثم نسخه الله عز وجل إلى أمر الحدود، ولا شك أن هذا الحكم هو أشد وأعظم مما جاء في أمر الحدود، وذلك أن هذا الحكم لم يفرق بين البكر وبين الثيب، فهو من جهة العقوبة على حد سواء، فالله عز وجل أمر بالحكم الأعلى ثم نسخه إلى الأدنى؛ لتستخف النفوس العقاب الأدنى، فلا يكون عليها حينئذ ثقيلاً.

وهذا تقدم معنا في سورة البقرة، ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى حرم في ابتداء الأمر على الرجال إتيان النساء في رمضان ليلاً ونهاراً, ثم لم يطل الأمر ونسخ فوراً إلى الأدنى, وهو أنه يحرم إتيان المرأة نهاراً، وأنه لو كان تحريم الإتيان نهاراً ابتداء لاستثقل، ولكن لما حرم ليلاً ونهاراً ثم نسخه الله إلى النهار أصبح أخف، وهذا من حكم الشريعة في توطين بعض الأحكام للنفوس، ولأخذ بعض أحكام الله جل وعلا.

وهذا من نظائرها: أن الله سبحانه وتعالى بدأ بحكم لم ينزل على أحد من جهة العقوبة، وإنما أنزله الله جل وعلا للنفوس حتى تستبشع هذا الفعل وتستعظم تلك العقوبة، ولو استثقلتها ثم قضى الله عز وجل بعد ذلك بحكم آخر فلم يلبث ذلك الحكم طويلاً حتى نسخ الله عز وجل حبس الزاني حتى الموت إلى التخفيف، إذا كانت بكراً وكان بكراً فالجلد مائة وتغريب عام، وإذا كان محصناً فالتشديد في ذلك بالإتيان بأربعة شهداء أو البينة أو الحبل، فيكون في ذلك الرجم والجلد، وعلى خلاف عند العلماء في اقتران الجلد مع الرجم, وهي أقوال يأتي الكلام عليه بإذن الله عز وجل في سورة النور.

وهذا نظير ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الفاحشة ذكر الله عز وجل الناسخ لها ولم يطل ذلك، بل ذكرنا أن هذه العقوبة لم تنزل على أحد، وإنما أراد الله عز وجل بها جملة من المنافع والمصالح والحكم الدقيقة, منها استبشاع هذا الجرم والتنفير منه، وكذلك استثقال الحكم ليتوطن على ما دونه بأنه لو ورد ما دونه لكان الاستثقال على مرتبة واحدة، فأراد المشرع الحكيم في ذلك التوطين.

سقوط الإرث بإتيان المرأة الفاحشة

ذكر الله سبحانه وتعالى أمر الفاحشة بعدما ذكر أمر المواريث، ذكر أمر المواريث وجعل آخر المواريث ما يتعلق بالصلة بين الزوجين من جهة الميراث، ثم ذكر الله عز وجل هذا الأمر الذي يكون بين أحد الزوجين وأمر آخر خارج الميثاق الذي جعله الله عز وجل بينهما، وهو أمر الفاحشة، وهل موجب لإسقاط الإرث كما كان بعض الجاهلية يفعلونه ويرون أن المرأة إذا وقعت في فاحشة أن ذلك مسقط للإرث وموجب للإضرار بها، فكان ذلك تسلسلاً حكيماً في ترتيب معاني القرآن، فذكر الله سبحانه وتعالى أمر الفاحشة والعقوبة، وما ذكر الله جل وعلا أثر ذلك على الميراث.

ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعدما ذكر أمر الزنا, وأن العقوبة التي جعلها الله عز وجل للزانيين على هذا المقدار، ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك ما يجب بين الزوجين عند ورود الفاحشة، هل تؤثر؟ فدخل إلى هذا المعنى تخصيصاً، ونبه الله سبحانه وتعالى إلى حرمة الإضرار بالزوجة لأخذ مالها، فيقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء:19] .

والمراد بذلك: أن الميراث السابق ميراث مشروع, أراد الله عز وجل أن يبين الميراث الممنوع الذي كان عليه أهل الجاهلية حتى لا يلتبس الأمر المشروع بالأمر الممنوع، وكان أهل الجاهلية في ابتداء الأمر أن الرجل إذا أراد أن يرث زوجته قام بإضرارها، فيكسب من مالها من جهتين:

إما أن يستعجل موتها بأذية أو بحبس أو نحو ذلك.

أو أن يضر بها فتريد الطلاق فتفدي نفسها بمالها، فإن فدت نفسها بمالها استعجل من المال شيئاً، وإن ماتت قبل ذلك ورثها، فنهى الله سبحانه وتعالى عن أخذ المال الذي يكون بين أيدي النساء بهذه السبل المحرمة، سواء كان ذلك في حياة المرأة أو بعد مماتها، ووصف الله عز وجل الإرث ذلك بكونه كرهاً، يعني: من غير طيب نفس منهن.

ثم أيضاً من مقاصد القرآن: أن النفوس إذا توطنت على شيء أو على فعل أو أحبت شيئاً من الأشياء المستقبحة, وأراد الشارع أن يبين جرم ذلك الفعل وعقوبته عنده، أن الله جل وعلا يبدأ بالحكم الأعلى, ثم يخففه لتتوطن النفوس عليه، وهذا ظهر في حكم الله عز وجل في أمر الفاحشة, أن الله جل وعلا أمر بحبس من أتى الفاحشة, وذلك حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله عز وجل لهن سبيلاً.

هذا كان في ابتداء الأمر، ثم لم يطل ذلك ثم نسخه الله عز وجل إلى أمر الحدود، ولا شك أن هذا الحكم هو أشد وأعظم مما جاء في أمر الحدود، وذلك أن هذا الحكم لم يفرق بين البكر وبين الثيب، فهو من جهة العقوبة على حد سواء، فالله عز وجل أمر بالحكم الأعلى ثم نسخه إلى الأدنى؛ لتستخف النفوس العقاب الأدنى، فلا يكون عليها حينئذ ثقيلاً.

وهذا تقدم معنا في سورة البقرة، ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى حرم في ابتداء الأمر على الرجال إتيان النساء في رمضان ليلاً ونهاراً, ثم لم يطل الأمر ونسخ فوراً إلى الأدنى, وهو أنه يحرم إتيان المرأة نهاراً، وأنه لو كان تحريم الإتيان نهاراً ابتداء لاستثقل، ولكن لما حرم ليلاً ونهاراً ثم نسخه الله إلى النهار أصبح أخف، وهذا من حكم الشريعة في توطين بعض الأحكام للنفوس، ولأخذ بعض أحكام الله جل وعلا.

وهذا من نظائرها: أن الله سبحانه وتعالى بدأ بحكم لم ينزل على أحد من جهة العقوبة، وإنما أنزله الله جل وعلا للنفوس حتى تستبشع هذا الفعل وتستعظم تلك العقوبة، ولو استثقلتها ثم قضى الله عز وجل بعد ذلك بحكم آخر فلم يلبث ذلك الحكم طويلاً حتى نسخ الله عز وجل حبس الزاني حتى الموت إلى التخفيف، إذا كانت بكراً وكان بكراً فالجلد مائة وتغريب عام، وإذا كان محصناً فالتشديد في ذلك بالإتيان بأربعة شهداء أو البينة أو الحبل، فيكون في ذلك الرجم والجلد، وعلى خلاف عند العلماء في اقتران الجلد مع الرجم, وهي أقوال يأتي الكلام عليه بإذن الله عز وجل في سورة النور.

وهذا نظير ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الفاحشة ذكر الله عز وجل الناسخ لها ولم يطل ذلك، بل ذكرنا أن هذه العقوبة لم تنزل على أحد، وإنما أراد الله عز وجل بها جملة من المنافع والمصالح والحكم الدقيقة, منها استبشاع هذا الجرم والتنفير منه، وكذلك استثقال الحكم ليتوطن على ما دونه بأنه لو ورد ما دونه لكان الاستثقال على مرتبة واحدة، فأراد المشرع الحكيم في ذلك التوطين.

ذكر الله سبحانه وتعالى أمر الفاحشة بعدما ذكر أمر المواريث، ذكر أمر المواريث وجعل آخر المواريث ما يتعلق بالصلة بين الزوجين من جهة الميراث، ثم ذكر الله عز وجل هذا الأمر الذي يكون بين أحد الزوجين وأمر آخر خارج الميثاق الذي جعله الله عز وجل بينهما، وهو أمر الفاحشة، وهل موجب لإسقاط الإرث كما كان بعض الجاهلية يفعلونه ويرون أن المرأة إذا وقعت في فاحشة أن ذلك مسقط للإرث وموجب للإضرار بها، فكان ذلك تسلسلاً حكيماً في ترتيب معاني القرآن، فذكر الله سبحانه وتعالى أمر الفاحشة والعقوبة، وما ذكر الله جل وعلا أثر ذلك على الميراث.

ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعدما ذكر أمر الزنا, وأن العقوبة التي جعلها الله عز وجل للزانيين على هذا المقدار، ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك ما يجب بين الزوجين عند ورود الفاحشة، هل تؤثر؟ فدخل إلى هذا المعنى تخصيصاً، ونبه الله سبحانه وتعالى إلى حرمة الإضرار بالزوجة لأخذ مالها، فيقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء:19] .

والمراد بذلك: أن الميراث السابق ميراث مشروع, أراد الله عز وجل أن يبين الميراث الممنوع الذي كان عليه أهل الجاهلية حتى لا يلتبس الأمر المشروع بالأمر الممنوع، وكان أهل الجاهلية في ابتداء الأمر أن الرجل إذا أراد أن يرث زوجته قام بإضرارها، فيكسب من مالها من جهتين:

إما أن يستعجل موتها بأذية أو بحبس أو نحو ذلك.

أو أن يضر بها فتريد الطلاق فتفدي نفسها بمالها، فإن فدت نفسها بمالها استعجل من المال شيئاً، وإن ماتت قبل ذلك ورثها، فنهى الله سبحانه وتعالى عن أخذ المال الذي يكون بين أيدي النساء بهذه السبل المحرمة، سواء كان ذلك في حياة المرأة أو بعد مماتها، ووصف الله عز وجل الإرث ذلك بكونه كرهاً، يعني: من غير طيب نفس منهن.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير آيات الأحكام [30] 2758 استماع
تفسير آيات الأحكام [48] 2719 استماع
تفسير آيات الأحكام [54] 2520 استماع
تفسير آيات الأحكام [22] 2443 استماع
تفسير آيات الأحكام [58] 2332 استماع
تفسير آيات الأحكام [25] 2313 استماع
تفسير آيات الأحكام [35] 2267 استماع
تفسير آيات الأحكام [5] 2250 استماع
تفسير آيات الأحكام [11] 2212 استماع
تفسير آيات الأحكام [55] 2172 استماع