خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56801"> تفسير آيات الأحكام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير آيات الأحكام [54]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] , تقدم معنا في سورة البقرة الكلام على الربا وبيان خطورته, وعقوبة فاعله, وأنه من المحاربين لله عز وجل, وذكرنا أن الله سبحانه وتعالى ما ذكر حربه مع أحد من عباده إلا في حال الكفر, ومعاداة المؤمنين, وكذلك في حال آكل الربا, وقرن الله عز وجل لذلك دليل على شدة ذلك الفعل وعظم إثمه.
وهنا في هذه السورة ذكر الله سبحانه وتعالى الربا والأضعاف المضاعفة.
بالنسبة لتحريم الربا تقدم الكلام عليه في سورة البقرة ومنزلته وخطورته, وذكر الله عز وجل للأضعاف المضاعفة في الربا ليس وصفاً للأمر المحرم بتقييده, وإنما ذلك حكاية حال أهل الجاهلية في تعاملهم بالربا, وذلك أنهم يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة.
صور الربا في الجاهلية
والربا كان في الجاهلية على صورتين: يبتدئ بيعاً ثم يتحول بعد ذلك إلى قرض فيزاد فيه, وهذه هي الصورة الأشهر.
والصورة الثانية: أن يبتدئ قرضاً ثم يتحول بعد ذلك إلى قرض يزيد كلما زاد الأجل.
وهذه الصورة من الربا المحرم الذي لا خلاف فيه.
فالله سبحانه وتعالى حينما ذكر الأضعاف المضاعفة لا يعني جواز أن يأكل الإنسان الربا إذا كان دون الضعف، كأن يأخذ على قرضه الربع أو العشر أو الثلث أو النصف أو غير ذلك, فإن هذا ليس بمرابٍ باتفاق العلماء, وإنما هي حكاية حال لحال الجاهلية, وذلك أنهم يبيعون سلعة فإذا اقترب الأجل قالوا للمشتري: نربيك أو تعطينا, يعني: نربيك فنزيد في الأجل حتى تمهل في ذلك أو تعطينا حقنا.
ونقول حينئذٍ: إن هذا أشد أنواع الربا تحريماً؛ لأنه لا يتوقف عند حد, فكلما زاد في الأجل زاد في الربا, وهذا هو المراد بالمضاعفة في قول الله عز وجل: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] , يعني: تتضاعف بمقدار ذلك الأجل الذي يعطيه صاحب المال, فإذا كان في الحول زاد ضعفاً، وإذا كان في الحولين زاد ضعفين.
وطريقتهم في ذلك على ما تقدم الزيادة, وهذا كان يتعامل به أهل الجاهلية وهو أمر مشهور عندهم, معروف عند أهل التجارة سواء كانوا من قريش أو من غيرهم, وقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه بربا الجاهلية, قال عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيح: ( ألا وإن ربا الجاهلية موضوع, وأول رباً أضع ربا عمي العباس ) , والمراد بربا الجاهلية إذا أطلق هو التضعيف بمقدار زيادة الأجل.
ولهذا نقول: إن الإنسان إذا باع سلعة إلى أجل ثم زاد في سعرها بمقدار ذلك الأجل, فهل هذا يحرم ويدخل في أمر ربا الجاهلية أم لا؟
نقول: هذا لا يخلو من صورتين:
الصورة الأولى: إذا قال الإنسان: أعطيك إياها ناجزاً بكذا وآجلاً بكذا, ثم يعطيه إياه, ثم يتملكها الإنسان, فعلق الأمر بين إنجاز القبض وبين الآجل, فهذا شبيه بصنيع أهل الجاهلية؛ لأنه لم يبع ناجزاً ولم يبع آجلاً، فعلق الأمر, فهذا يقال بتحريمه.
الصورة الثانية: أن يقول: هذه السلعة قيمتها كذا إن أردتها, وإن أردتها بالآجل فقيمتها كذا، فاتفقا على آجل أو عاجل وقبض العاجل أو أجله إلى أمد معلوم، فيقال: هذا التورق عند العلماء, والخلاف فيه معروف.
أهل الجاهلية يبيعون سلعة إلى أجل بزيادة, فإذا كان ذلك الأجل ولم يكن لدى المشتري سداداً لقيمتها، قال: أمهلك حولاً ثم أزيد في المال, فهذا محرم لسببين:
السبب الأول: أن البائع قد باع السلعة مرة أخرى وهو لا يملكها, فقد باعها للمشتري وقبضها المشتري, فبقي له عند المشتري قيمة, فإذا قال: أمهلك مرة أخرى أو أبيعك إياها مرة أخرى إلى أجل بكذا, فهو قد باع ما لا يملك فحرمت من هذا الوجه, وحرم كذلك الزيادة لأجل الأجل.
السبب الثاني: أنه جعل المال الذي في ذمة ذلك المشتري يزيد بالتأجيل, وذلك أن الإنسان إذا باع سلعة بمائة دينار ثم جاء الحول ولم يكن لدى المشتري قدرة على دفع المائة دينار, فيقول حينئذٍ: أزيدك حولاً أو شهراً وتزيدني عشرة دنانير, هذا العقد الجديد إما يكون على المال وإما أن يكون على السلعة, فإذا كان على السلعة فقد باع ما لا يملك على ما تقدم الكلام عليه؛ لأنها خرجت من ملكه إلى ملك المشتري.
وإذا نزلت على المال فكأنه أعطاه مالاً بمال, فأعطاه مائة دينار ناجزة بمائة وعشرة آجلة, وهذا من الربا, وهو ما كان يسلكه أهل الجاهلية على اختلاف في طرائقهم, وكذلك مقدار الزيادة في ذلك, وهذا فيه إضرار بالفقير والمحتاج, وذلك لعجزه يؤجل ويزيد عليه فيتراكم عليه أضعافاً مضاعفة.
تفاوت الربا في الحرمة
وهل نأخذ من هذه الآية أن الربا من جهة تحريمه يتفاوت؟
نقول: نعم, يتفاوت من جهة تحريمه, وإن كان أدناه مغلظاً وكبيرة من كبائر الذنوب؛ ولأن الله عز وجل قال: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130], فكلما زاد الضعف زاد في ذلك الإثم, وبمقدار الزيادة فإنه يكون أكلاً لأموال الفقراء والمحتاجين بالباطل.
ولا يختلف العلماء من أهل السنة على أن من أخذ مالاً محرماً ولو ربع درهم أو درهماً واحداً على أنه مستحق لوصف الفسق, خلافاً للمعتزلة فإنهم يقدرون أكل الحرام, منهم من يقول: إن الدرهم الحرام لا يوجب وصف الإنسان بالفسق حتى يصل إلى أربعة, ومنهم من قال: إلى عشرة, ومنهم من قال: إلى أكثر من ذلك, وهذا تعليق بتعليل لا دليل عليه. والفسق يتحقق في أدنى الحرام إذا كان في حقوق الآدميين، لأن حق الآدمي في الأموال والأعراض والدماء من الكبائر ولو كان حقيراً من جهة النظر؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وحق الله عز وجل مبني على المساحة, فقد يغفر الله عز وجل للزاني وشارب الخمر والمفرط في الصلاة وغير ذلك, ولا يغفر الله عز وجل لمن أخذ درهماً أو ديناراً من حق غيره, فلا بد في ذلك من الوفاء يوم القيامة, وهذا مما لا خلاف فيه عند العلماء.
وهنا في قول الله عز وجل: تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] هل في ذلك تقييد للتحريم بالتضعيف أن يكون من جنس المباع أو من جنس المال المقرض؟
نقول: ليس في ذلك دليل, وإنما هي حكاية حال, فلو أعطى الإنسان أحداً قرضاً أو باعه سلعة, فطلب الزيادة من غير جنس المباع أو من غير جنس المقرض, يعني: من المال, فلو أقرضه مائة دينار أو باعه أرضاً ثم أراد من ذلك وفاء بقيمة كذا, فلما حل الأجل ولم يكن لديه وفاء وسداد، فقال: أنظرك سنة على أن تزيدني على الوفاء شاة أو سيارة أو ثماراً أو غير ذلك من غير جنس الدين أو من غير جنس البيع, فيقال حينئذٍ: هذا محرم، ولا خلاف عند العلماء في ذلك.
فإذا أقرضه دراهم ثم أراد التأجيل بالزيادة بشيء من غير جنس الدراهم، فهذا محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل قرض جر نفعاً فهو ربا ) , فإذا أقرض الإنسان أحداً كمائة أو مائتين ثم انتفع من ذلك ولو بنفع يسير فيعطيه القرض على أن يقوم بكذا بمئونة كذا, أو أعطاه قرضاً على أن يشفع له شفاعة أو أعطاه قرضاً على أن يهديه هدية أو غير ذلك, فهذا من الربا, فكل نفع سواء كان مادياً أو معنوياً يشترطه الإنسان عند العقد فهذا محرم، أو يكون شرطاً للتأجيل, ولكن إذا جاءه من غير قيد فأعطى أحداً مائة دينار قرضاً ثم لما جاء الوفاء أعطاه مائة دينار ثم زاده هدية، إما ثمراً وإما مالاً أو غير ذلك من الهدايا مما يتعاطاه الناس.
فنقول: هذه محكومة بالهدية؛ لأنها ليست مشارطة وليست ملزمة للإنسان، والأولى للإنسان أن يتورع عنها.
اتقاء الربا سبب للفلاح
وقول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130], المراد بالأمر بتقوى الله عز وجل يعني: باجتناب ذلك الربا وتجاوزه والحذر منه، والفلاح من ذلك هو الفوز والنجاة من عقاب الله سبحانه وتعالى, لأن الله عز وجل يتوعد آكل الربا بمبارزته ومحاربته.
وقد تقدم معنا في سورة البقرة كما جاء عن غير واحد من السلف أن المرابي يعطى سيفاً يوم القيامة فيقال له: بارز الله, ولا أحقر ولا أصغر ولا أضعف منه يوم القيامة ولا أذل منه في ذلك الموضع والموقف.
ولهذا الله عز وجل لما أمر بتقواه بتجنب ذلك الربا حتى يفلح الإنسان وينجو من عقاب الله سبحانه وتعالى ووعيده.
أنواع المحرمات في الأموال
تقدم معنا أيضاً الإشارة إلى أن المحرمات في الأموال على نوعين لا تخرج عنهما, وكل الفروع تتفرع عنه:
النوع الأول: الربا.
والنوع الثاني: الجهالة والغرر.
والجهالة والغرر يدخل فيها القمار والميسر, ويدخل فيها أنواع الغرر, وذلك من بيع الملامسة والمنابذة والمزابنة, وغير ذلك من أنواع البيوع، سواء كان ذلك في المبايعات أو كان ذلك في أمور المزارعة, كالمخابرة وغير ذلك مما يتكلم عليه الفقهاء في هذا الباب.
وهذه إنما حرم الربا وعظم أمره لأنه يؤخذ عن يقين, وأما الغرر فيؤخذ عن ظن, واليقين في ذلك مكابرة وعناد, فهو يأخذ العشرة بعشرين أو يأخذ المائة بمائتين.
وأما بالنسبة للجهالة والغرر فهو محتمل أن يربح ومحتمل أن يخسر كما هو في القمار والميسر وفي البيوع المحرمة كالمزابنة والملامسة والمنابذة وغير ذلك.
والآيات التي تأتي بعدها أيضاً هي تبع لها, كذلك في التفسير من التحذير من أمور الربا, من اتقاء عقاب الله عز وجل الذي توعد الله سبحانه وتعالى آكل الربا بالنار, ويحتمل أن الله جل وعلا لما ذكر الكافرين: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] , بعد ذكر الربا, هل المراد بهذا أن آكل الربا كافر؟
ليس المراد بذلك إلا إذا كان المراد بمن يأكله استحلالاً.
وكذلك من الصوارف أن الله سبحانه وتعالى يقول: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] , فالنار من جهة الأصل أعدت للكافرين ما أعدت للمؤمنين ولو كانوا فساقاً، فدخول المؤمن للنار تبعاً, والجنة أعدت لأهل الإسلام والإيمان فلا يدخلها إلا مؤمن.
وإنما قلنا: (تبعاً) لأن المسلم لا يخلد في النار, ولو كانت النار لفساق المؤمنين ولم تكن للكافرين لم تكن خالدة لأنهم لا يخلدون فيها, فالله سبحانه وتعالى ذكر أنها أعدت للكافرين، أي: اتقوا النار التي تجمعكم بالكافرين وهي قد أعدت لهم فتشاركوهم في العذاب, وهذا من الصوارف في هذه المسألة, ويحتمل أن المراد بذلك هو الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة.
والربا كان في الجاهلية على صورتين: يبتدئ بيعاً ثم يتحول بعد ذلك إلى قرض فيزاد فيه, وهذه هي الصورة الأشهر.
والصورة الثانية: أن يبتدئ قرضاً ثم يتحول بعد ذلك إلى قرض يزيد كلما زاد الأجل.
وهذه الصورة من الربا المحرم الذي لا خلاف فيه.
فالله سبحانه وتعالى حينما ذكر الأضعاف المضاعفة لا يعني جواز أن يأكل الإنسان الربا إذا كان دون الضعف، كأن يأخذ على قرضه الربع أو العشر أو الثلث أو النصف أو غير ذلك, فإن هذا ليس بمرابٍ باتفاق العلماء, وإنما هي حكاية حال لحال الجاهلية, وذلك أنهم يبيعون سلعة فإذا اقترب الأجل قالوا للمشتري: نربيك أو تعطينا, يعني: نربيك فنزيد في الأجل حتى تمهل في ذلك أو تعطينا حقنا.
ونقول حينئذٍ: إن هذا أشد أنواع الربا تحريماً؛ لأنه لا يتوقف عند حد, فكلما زاد في الأجل زاد في الربا, وهذا هو المراد بالمضاعفة في قول الله عز وجل: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] , يعني: تتضاعف بمقدار ذلك الأجل الذي يعطيه صاحب المال, فإذا كان في الحول زاد ضعفاً، وإذا كان في الحولين زاد ضعفين.
وطريقتهم في ذلك على ما تقدم الزيادة, وهذا كان يتعامل به أهل الجاهلية وهو أمر مشهور عندهم, معروف عند أهل التجارة سواء كانوا من قريش أو من غيرهم, وقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه بربا الجاهلية, قال عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيح: ( ألا وإن ربا الجاهلية موضوع, وأول رباً أضع ربا عمي العباس ) , والمراد بربا الجاهلية إذا أطلق هو التضعيف بمقدار زيادة الأجل.
ولهذا نقول: إن الإنسان إذا باع سلعة إلى أجل ثم زاد في سعرها بمقدار ذلك الأجل, فهل هذا يحرم ويدخل في أمر ربا الجاهلية أم لا؟
نقول: هذا لا يخلو من صورتين:
الصورة الأولى: إذا قال الإنسان: أعطيك إياها ناجزاً بكذا وآجلاً بكذا, ثم يعطيه إياه, ثم يتملكها الإنسان, فعلق الأمر بين إنجاز القبض وبين الآجل, فهذا شبيه بصنيع أهل الجاهلية؛ لأنه لم يبع ناجزاً ولم يبع آجلاً، فعلق الأمر, فهذا يقال بتحريمه.
الصورة الثانية: أن يقول: هذه السلعة قيمتها كذا إن أردتها, وإن أردتها بالآجل فقيمتها كذا، فاتفقا على آجل أو عاجل وقبض العاجل أو أجله إلى أمد معلوم، فيقال: هذا التورق عند العلماء, والخلاف فيه معروف.
أهل الجاهلية يبيعون سلعة إلى أجل بزيادة, فإذا كان ذلك الأجل ولم يكن لدى المشتري سداداً لقيمتها، قال: أمهلك حولاً ثم أزيد في المال, فهذا محرم لسببين:
السبب الأول: أن البائع قد باع السلعة مرة أخرى وهو لا يملكها, فقد باعها للمشتري وقبضها المشتري, فبقي له عند المشتري قيمة, فإذا قال: أمهلك مرة أخرى أو أبيعك إياها مرة أخرى إلى أجل بكذا, فهو قد باع ما لا يملك فحرمت من هذا الوجه, وحرم كذلك الزيادة لأجل الأجل.
السبب الثاني: أنه جعل المال الذي في ذمة ذلك المشتري يزيد بالتأجيل, وذلك أن الإنسان إذا باع سلعة بمائة دينار ثم جاء الحول ولم يكن لدى المشتري قدرة على دفع المائة دينار, فيقول حينئذٍ: أزيدك حولاً أو شهراً وتزيدني عشرة دنانير, هذا العقد الجديد إما يكون على المال وإما أن يكون على السلعة, فإذا كان على السلعة فقد باع ما لا يملك على ما تقدم الكلام عليه؛ لأنها خرجت من ملكه إلى ملك المشتري.
وإذا نزلت على المال فكأنه أعطاه مالاً بمال, فأعطاه مائة دينار ناجزة بمائة وعشرة آجلة, وهذا من الربا, وهو ما كان يسلكه أهل الجاهلية على اختلاف في طرائقهم, وكذلك مقدار الزيادة في ذلك, وهذا فيه إضرار بالفقير والمحتاج, وذلك لعجزه يؤجل ويزيد عليه فيتراكم عليه أضعافاً مضاعفة.
وهل نأخذ من هذه الآية أن الربا من جهة تحريمه يتفاوت؟
نقول: نعم, يتفاوت من جهة تحريمه, وإن كان أدناه مغلظاً وكبيرة من كبائر الذنوب؛ ولأن الله عز وجل قال: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130], فكلما زاد الضعف زاد في ذلك الإثم, وبمقدار الزيادة فإنه يكون أكلاً لأموال الفقراء والمحتاجين بالباطل.
ولا يختلف العلماء من أهل السنة على أن من أخذ مالاً محرماً ولو ربع درهم أو درهماً واحداً على أنه مستحق لوصف الفسق, خلافاً للمعتزلة فإنهم يقدرون أكل الحرام, منهم من يقول: إن الدرهم الحرام لا يوجب وصف الإنسان بالفسق حتى يصل إلى أربعة, ومنهم من قال: إلى عشرة, ومنهم من قال: إلى أكثر من ذلك, وهذا تعليق بتعليل لا دليل عليه. والفسق يتحقق في أدنى الحرام إذا كان في حقوق الآدميين، لأن حق الآدمي في الأموال والأعراض والدماء من الكبائر ولو كان حقيراً من جهة النظر؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وحق الله عز وجل مبني على المساحة, فقد يغفر الله عز وجل للزاني وشارب الخمر والمفرط في الصلاة وغير ذلك, ولا يغفر الله عز وجل لمن أخذ درهماً أو ديناراً من حق غيره, فلا بد في ذلك من الوفاء يوم القيامة, وهذا مما لا خلاف فيه عند العلماء.
وهنا في قول الله عز وجل: تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] هل في ذلك تقييد للتحريم بالتضعيف أن يكون من جنس المباع أو من جنس المال المقرض؟
نقول: ليس في ذلك دليل, وإنما هي حكاية حال, فلو أعطى الإنسان أحداً قرضاً أو باعه سلعة, فطلب الزيادة من غير جنس المباع أو من غير جنس المقرض, يعني: من المال, فلو أقرضه مائة دينار أو باعه أرضاً ثم أراد من ذلك وفاء بقيمة كذا, فلما حل الأجل ولم يكن لديه وفاء وسداد، فقال: أنظرك سنة على أن تزيدني على الوفاء شاة أو سيارة أو ثماراً أو غير ذلك من غير جنس الدين أو من غير جنس البيع, فيقال حينئذٍ: هذا محرم، ولا خلاف عند العلماء في ذلك.
فإذا أقرضه دراهم ثم أراد التأجيل بالزيادة بشيء من غير جنس الدراهم، فهذا محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل قرض جر نفعاً فهو ربا ) , فإذا أقرض الإنسان أحداً كمائة أو مائتين ثم انتفع من ذلك ولو بنفع يسير فيعطيه القرض على أن يقوم بكذا بمئونة كذا, أو أعطاه قرضاً على أن يشفع له شفاعة أو أعطاه قرضاً على أن يهديه هدية أو غير ذلك, فهذا من الربا, فكل نفع سواء كان مادياً أو معنوياً يشترطه الإنسان عند العقد فهذا محرم، أو يكون شرطاً للتأجيل, ولكن إذا جاءه من غير قيد فأعطى أحداً مائة دينار قرضاً ثم لما جاء الوفاء أعطاه مائة دينار ثم زاده هدية، إما ثمراً وإما مالاً أو غير ذلك من الهدايا مما يتعاطاه الناس.
فنقول: هذه محكومة بالهدية؛ لأنها ليست مشارطة وليست ملزمة للإنسان، والأولى للإنسان أن يتورع عنها.
وقول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130], المراد بالأمر بتقوى الله عز وجل يعني: باجتناب ذلك الربا وتجاوزه والحذر منه، والفلاح من ذلك هو الفوز والنجاة من عقاب الله سبحانه وتعالى, لأن الله عز وجل يتوعد آكل الربا بمبارزته ومحاربته.
وقد تقدم معنا في سورة البقرة كما جاء عن غير واحد من السلف أن المرابي يعطى سيفاً يوم القيامة فيقال له: بارز الله, ولا أحقر ولا أصغر ولا أضعف منه يوم القيامة ولا أذل منه في ذلك الموضع والموقف.
ولهذا الله عز وجل لما أمر بتقواه بتجنب ذلك الربا حتى يفلح الإنسان وينجو من عقاب الله سبحانه وتعالى ووعيده.