تفسير آيات الأحكام [17]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

تكلمنا على شيء من أحكام الجهاد، وكذلك الإنفاق في سبيل الله، وذلك في قول الله عز وجل: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا [البقرة:195].

مناسبة قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة) بعد ذكر القتال في الأشهر الحرم

وقلنا: في قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، نرجئ الكلام فيها إلى هذا المجلس، ومناسبة إيراد هذه الآية وهي قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، بعد أن ذكر الله عز وجل الجهاد وأحكامه، وذكر الله عز وجل ما يجب فيه من الإنفاق في سبيل الله، وحذر الله عز وجل ضمناً من قطيعة المجاهدين بالمال، وذلك أن الله سبحانه وتعالى إنما شرع الجهاد والقتال في سبيله في الأشهر الحرم، حتى يصل المسلمون إلى المسجد الحرام قاصدين لأداء العمرة وأداء الحج، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في المدينة، وكانوا يريدون الوصول إلى المسجد الحرام، ولما كان الكفار يعيقون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصول إلى المسجد الحرام كانت الحاجة ماسة إلى بيان أحكام القتال، وذلك في الأشهر الحرم باعتبار أن الحج إنما يكون في الأشهر الحرم، وكذلك فإن العمرة تكون في الأشهر الحرم وغيرها، فكانت المناسبة في بيان أحكام القتال مع الكفار، لأن المسلمين قد يواجهون المشركين، ويقوم المشركون بصدهم عن الدخول إلى المسجد الحرام، فبيّن الله عز وجل شيئاً من أحكام الجهاد، وبيّن الله عز وجل أحكام قتال الكفار في الأشهر الحرم، وبيّن الله عز وجل أحكام العدوان، يعني: إذا اعتدى المشركون على المؤمنين فأن العدوان يكون عليهم على حدٍ سواء، فبيّن الله عز وجل تلك الأحكام؛ لأنه لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إلى المسجد الحرام إلا بواسطة تلك المعرفة، فقال الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، يعني: بعد أن اتضحت هذه الأحكام في مواجهة المشركين، والعوائق التي تكون بينكم وبين المسجد الحرام مما يفعله ويختلقه المشركون، فإن ذلك مهماً لبيان أحكام الحج، فقال الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].

المراد بالإتمام في قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)

الإتمام هنا المراد به هو ضد الإنقاص، والمراد بالإتمام في كلام بعض المفسرين من السلف هو الإقامة، يعني: أقيموا الحج والعمرة لله، وهذا جاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، كما رواه ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم من حديث إبراهيم عن علقمة أنه قال في قراءة عبد الله بن مسعود : وأتموا الحج والعمرة لله، قال: وأقيموا الحج والعمرة لله نحو البيت، يعني: أدوها إلى هذا، يقول إبراهيم النخعي : فسألت سعيد بن جبير عن هذا، فقال: هذا، هو قول عبد الله بن عباس ، يعني: أن المعنى في قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] يعني: أقيموها نحو البيت.

وحمل بعض العلماء الأمر في قوله جل وعلا: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، على أن المراد بذلك أن يقوم الإنسان بإتمامها بعد الدخول فيها، وأنه لا يجوز له أن يرجع عن إحرامه، وهذا وإن كان محل اتفاق عند العلماء على أن الإنسان إذا دخل في النسك فإنه يحرم عليه أن يدعه حتى يتم الأنساك، وهذا قد جاء عن جماعة من المفسرين، وروي هذا أيضاً عن عبد الله بن عباس ، وكذلك جاء عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله، وقال به قتادة ، وغيرهم من المفسرين، وعلى هذا نقول: إن قول الله عز وجل هو من ألفاظ العموم: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] يحمل على عدة أوجه، لكن هناك بعض العلماء يستدل بهذه الآية على وجوب العمرة، كما أوجب الله الحج، وهذا مروي عن عبد الله بن عباس .

ولهذا يقول عبد الله بن عباس عليه رضوان الله: والله إنها لقرينة الحج في كتاب الله، يعني: أن العمرة قرينة الحج.

حكم العمرة

واختلف العلماء عليهم رحمة الله في وجوب العمرة على قولين: فذهب جمهور العلماء وهو قول عامة السلف إلى أن العمرة واجبة، صح هذا عن عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و جابر و زيد بن ثابت وغيرهم، والذي يظهر أنه لا يعرف خلاف عن الصحابة عليهم رضوان الله في هذا، وقد جاء عن محمد بن سيرين أنه قال: لا أعلمهم يختلفون أن العمرة واجبة، و محمد بن سيرين قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي ذهب إليه الجمهور هو الأرجح، وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، وذهب إليه الإمام الشافعي و داود وغيرهم من الأئمة.

وذهب بعض العلماء إلى أن العمرة ليست بواجبة، وأن هذه الآية في الإتمام، أي: أن الإنسان إذا شرع في الدخول في نسك العمرة فإنه يجب عليه أن يتمها، وإذا قطعها فإنه آثم، وأما ابتداءً فإنها لا تجب عليه، وهذا ذهب إليه جماعة من الفقهاء من أهل الرأي من أهل الكوفة وغيرهم، والراجح في هذا هو القول بالوجوب، وذلك أن السلف الصالح من الصحابة لا يعلم عنهم الخلاف في هذا، ولهذا قد جاء عند البيهقي وغيره من حديث نافع عن عبد الله بن عمر قال: ( ما من أحدٍ إلا وعليه عمرة وحجة واجبة في العمر مرة )، وروي نحوه عن جابر بن عبد الله ، وكذلك أيضاً عن زيد بن ثابت ولا يعرف لهم مخالف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا ما مال إليه بعض المحدثين كالإمام البخاري رحمه الله، فقد نص على وجوب العمرة في كتابه الصحيح، فقال: أبواب وجوب العمرة، ويكون وجوبها في العمر مرة، وهذا مما لا خلاف فيه أيضاً عند العلماء، وإنما يختلفون في الزمن الذي يستحب للإنسان أن يتابع فيه بين الحج والعمرة، هل يعتمر كل عام؟ أم ينوع بين هذا وهذا؟ ولكن الذي يشكل على الاستدلال بهذه الآية أن قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] أن هذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة، ولا يختلف العلماء في ذلك، وإذا قلنا: إنها نزلت في السنة السادسة فإن الحج حينئذٍ لم يجب بعد، وإذا قلنا: بوجوب العمرة، فيلزم من ذلك أن الحج قد وجب قبل قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، والعلماء متفقون على أن الحج لم يفرض إلا بعد ذلك، فلو قلنا: إن هذه الآية فيها دلالة على وجوب العمرة، فمن باب أولى أن يكون ذلك في الحج؛ لأن الحج قدم على العمرة في هذه الآية، في قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فإذا لم يجب الحج بهذه الآية، فمن باب أولى أن العمرة لا تجب، ولكن نقول: إن الله عز وجل حينما قرن العمرة بالحج، وأوجب الله عز وجل الحج بعد ذلك، ثم اتفق السلف الصالح عليهم رحمة الله من الصحابة والتابعين على وجوب العمرة، كان ذلك من مواضع الإحكام الذي استدل به السلف الصالح على الاشتراك في الأحكام من جهة الوجوب بين الحج والعمرة.

ومن العلماء من حمل قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] على أن المراد بذلك هو الإحرام بكل واحدة منهما على سبيل الاستقلال، أي: أنه يجعل العمرة بسفر، والحج بسفر مستقل، وذهب إلى هذا جماعة كـعلي بن أبي طالب عليه رضوان الله، وكذلك أيضاً روي عن عمر بن الخطاب ، فقد رواه ابن جرير الطبري و البيهقي ، و الدارقطني من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب أنه قال في قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، قال: أن تحرم بها من دويرة أهلك، يعني: أن تأتي بالعمرة من بيتك مستقلاً، ثم تأتي بالحج مستقلاً منشئاً لذلك، وليس المراد بذلك أن الإنسان يحرم من بيته، ولو كان قبل المواقيت، ولكن المراد بقول علي بن أبي طالب : أن تحرم بها من دويرة أهلك، أي: أن تكون قاصداً بسفر مستقل إلى المسجد الحرام لأجل العمرة، ثم تأتي أيضاً بالحج على هذا.

أفضل الأنساك

ولهذا نقول: إن ظاهر أقوال السلف، وكذلك العمل عندهم أن الأفضل أن يأتي الإنسان بعمرة منفردة منفصلة عن سفرة الحج، وأن الإفراد في الحج مع عمرة سابقة له أفضل من التمتع بلا عمرة، وهذا الذي ذهب إليه جماعة من الأئمة، وحكي اتفاق الأئمة الأربعة على هذا، حكى اتفاقهم غير واحدٍ من العلماء كـابن تيمية رحمه الله، أي: أن الإنسان إذا أراد أن يفاضل بين الأنساك: التمتع والقران والإفراد فنقول: إن الإفراد أفضل في أحوال، وهي الحالة التي ينفرد بها الإنسان بالإتيان بالنسك، فإذا جاء بها كانت هذه الحال أفضل، وأما ما كان بعد ذلك إذا كان الإنسان لا يستطيع الإتيان إلا مرة واحدة فنقول: الأفضل في هذا التمتع إلا إذا ساق الإنسان الهدي، فإنه إذا ساق الهدي فإن الأفضل له أن يكون قارناً، وذلك لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه بقي على ما كان عليه.

وفي قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] على من حمل هذا القول على الإتيان بسفرة مستقلة، حمل بعض العلماء هذا المعنى أن الأفضل في العمرة أن تكون في غير أشهر الحج، وذلك لأنه يفردها بسفر، وبعض السلف يجعل العمرة التي تكون في الحج غير تامة، فلا يسمونها عمرة تامة فإذا كانت في أشهر الحج، وهذا قد جاء عن قتادة ، و القاسم بن محمد وغيرهم أنه قال: لا يسمون العمرة في أشهر الحج تامة حتى تكون في غيرها، يعني: ينشئها بسفرٍ مستقل، وهو محل اتفاق الأئمة الأربعة.

ومن مواضع خطأ من يتكلم على مسألة الأنساك الثلاثة، وهي الإفراد والقران والتمتع، ثم يريد أن يفاضل بينها على الإطلاق على اختلاف الحالات، فهذا من مواضع الخطأ، إذ لا نستطيع أن نقول: إن الإفراد أفضل، ولا نستطيع أن نقول: إن التمتع أفضل، ولا أن نقول: إن القران أفضل، بل نقول: إن القران أفضل لمن ساق الهدي، وإذا لم يسق الهدي، وليس له الإتيان إلى المسجد الحرام إلا سفرة واحدة فالتمتع في حقه أفضل.

وقد يقول قائل: إذا كان ليس له إلا سفرة واحدة، فلماذا نقول: التمتع في حقه أفضل مع إمكانه أن يأتي بالحج في هذه السفرة مفرداً، ثم بعد ذلك يأتي بالعمرة كحال عائشة عليها رضوان الله حينما كانت حائضاً، ومنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطواف في البيت، فكانت في ذلك قارنة ثم جاءت بالعمرة بعد ذلك.

فنقول: العلماء يتفقون على أن من جاء بالعمرة والحج في سفر واحد، ثم جاء بالحج مفرداً، ثم جاء بالعمرة بعد قضاء مناسك الحج نقول: إنه ليس بمتمتع وليس بقارن باتفاقهم، وإنما هو مدرك لفضل الإتيان بالعمرة في أشهر الحج على من قال بفضل العمرة في أشهر الحج في الحج، وعلى هذا مما تقدم في مسألة الإتيان بالمناسك نقول: إن الأنساك تتباين بحسب الحال، فلا يوجد فضل لنسك على آخر بإطلاق، وإنما على اختلاف الأحوال.

إذاً: ما هي المسألة التي اشتهرت عند الفقهاء في فضل التمتع على غيرهم، نقول: لما استفاض إتيان الناس إلى العمرة وأداء العمرة بسفر، ثم أدى الحج بسفر، ما الذي يستقر عليه هذه الحال، وغالب الناس أتوا بعمرة بسفر والحج بسفر، يأتون في الخوض على مسألة التمتع وأنه أفضل الأنساك في مثل هذه الحالة، باعتبار أن أكثر الناس قد جاءوا بالحج والعمرة منفرداً.

وكذلك أيضاً فإن أكثر الناس من المغتربين لا يستطيعون الإتيان إلى المسجد الحرام إلا مرة واحدة، فإذاً: هو لا يستطيع أن يأتي بسفرتين بعمرة أو حجة فقالوا: يدخل في مسألة التفضيل، ويكون في ذلك التمتع أفضل من غيره، ولهذا نقول: إن الإنسان الذي لا يستطيع الإتيان إلى المسجد الحرام إلا مرة واحدة، نقول: التمتع له أفضل من أن يأتي بالحج ثم يأتي بالعمرة بعد ذلك، ولا ينحر الهدي، وكذلك الإنسان إذا جاء بحج منفرد، وبعمرة أيضاً منفصلة عن أشهر الحج بسفرة مستقلة، نقول: هذا أفضل، وإذا كان بعد ذلك، فالتمتع في حقه أفضل؛ لأنه أتى بحكم الله عز وجل على سبيل الانفراد.

وأما الحكم الذي يريد أن يسحبه الإنسان حتى على عبادة التطوع، وهو أن بعض الناس مثلاً يحج كل عام، أي الأنساك أفضل في حقه أن يأتي بعمرة من كل عام، ثم يأتي بتمتع في ذلك العام أم يأتي منفرداً؟ فالذي يظهر لي والله أعلم أن الأفضل في حقه إذا كان يأتي بعمرة في ذات العام أن يأتي بالحج مفرداً وهو الأتم والأفضل، وذلك أن حكم الحج إنما جعله الله عز وجل في الحول مرة، فإذا جاء الإنسان في كل حول بعمرة وحج فالأفضل في حقه أن يكون مفرداً، وإذا كان الإنسان لم يأت بعمرة في سنته هذه التي حج فيها، فالأفضل في حقه أن يكون متمتعاً.

وفي قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] موضع إجماع، وموضع الإجماع في ذلك أن الإنسان إذا دخل في النسك فإنه يحرم عليه أن ينقضه.

كيفية حجة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفرض عليه الحج

وموضع الخلاف هو مسألة وجوب العمرة، ففي قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] إذا قلنا: إن هذه الآية نزلت في السنة السادسة بالإجماع، ولا خلاف عندهم في ذلك، والحج لم يفرض بعد، بل لم تنزل فيه شريعة، فما هو الحج الواجب حينئذٍ، والله عز وجل ما أنزل تفصيله على محمد عليه الصلاة والسلام، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه حج قبل هجرته، وقبل أن يفرض الحج، وما هي الحجة التي حجها النبي عليه الصلاة والسلام التي كانت قبل هجرته إلى المدينة؟ وهل كانت على تشريع جديد أو كانت على الحنفية السابقة؟ نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على علم بما كانت عليه الحنفية، وكان عارفاً عليه الصلاة والسلام بما أدخله المشركون من تبديل مناسك الحج، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام بالحج على ما يعلمه من بقايا الحنفية السمحاء، ولهذا جاء في البخاري من حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال: ( أظللت بعيراً لي في الجاهلية، يعني: في جاهليته، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة، فرأيته فقلت: إن هذا من الحمس )، والحمس: هم أهل مكة من قريش وغيرهم الذين شددوا على أنفسهم، وجعلوا لهم أحكاماً تختلف عن غيرهم، فيرون أنهم لا يخرجون من حدود الحرم، فيقفون في أطراف المشعر الحرام، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام وقف مع بقية العرب بعرفة وهذه الحجة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت في ذلك خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حج غيرها، قد جاء في ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام حج ثلاثاً، حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر، ولا يثبت أنه حج حجتين، وإنما الثابت في البخاري أنه حج حجة واحدة، ثم الحجة التي أوجبها الله عز وجل عليه بعد ذلك.

مفاد الأمر في قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)

وأما الأمر هنا في قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فهو بيان أن الحج مشروع على هذه الأمة ولم يفرضه الله عز وجل بعد، وكانت العرب تعلم الحج، ولكن أحكام الحج كانت قاصرة على العرب فمنهم من بدل، ومنهم من بقي، وأكثر الناس تبديلاً كفار قريش، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أحكام الحج ويعلم ما أدخله كفار قريش على الحج.

ومن العلماء من يقول: إن في قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] أي: أن الحج والعمرة يشرعان في زمن واحد على خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية الذين يحذرون من الإتيان بالعمرة في أشهر الحج، فكانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج محرمة، بل يرون أنها كبيرة من كبائر الذنوب، ولهذا كانت مضر تجعل رجب موضعاً للعمرة، تقصد فيه المسجد الحرام، وأما بالنسبة لأشهر الحج فيرون الإتيان بالعمرة فيها من المحرمات ومن الكبائر، قالوا: وفي هذه الآية دلالة اشتراك أن العمرة والحج جعلها الله عز وجل في موضع واحد، ويتداخلان زمناً كما يتداخلان مكاناً وأفعالاً، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( دخلت العمرة في الحج إلى قيام الساعة )، يعني: دخلت من جهة الزمن، ودخلت أيضاً من جهة العمل، ودخلت أيضاً من جهة المكان، فهي موضع واحد.

نقض النسك بعد الدخول فيه

ومن أراد أن ينقض نسكه بعد الدخول فيه، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ نقول: إذا كان الإنسان قد دخل في نسك العمرة أو الحج فإنه يحرم عليه أن ينقضه لظاهر الآية، ولهذا قال الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196]، فذكر الله عز وجل الإحصار يعني: أنه لا يجوز له أن يقطع التمام الذي أمره الله به إلا بواسطة الإحصار، والإحصار هنا اتفق العلماء على أنه إحصار العدو واختلفوا فيما عداه.

وفي اتفاقهم في مسألة العدو يدخل في ذلك العدو من الإنس، أو ما يخشاه الإنسان أيضاً من البهائم، من السباع، والذئاب، أو غيرها التي ربما تتسلط على الإنسان، وتقطع عليه طريقه، فإذا كان طريقه مثلاً فيه السباع، وأخبر بذلك، وخشي أن يحال بينه وبين الوصول إلى مكة، فهذا نوع من أنواع الإحصار، فإذا وجد الإنسان مانعاً من ذلك فهو عدو، واختلفوا فيما عدا ذلك من المرض، أو العجز الذي يكون بين المؤمنين، فهل يكون ذلك من مواضع الإحصار أم لا؟ وإذا اختلفوا في مسألة الإحصار فإنهم اختلفوا أيضاً فيما يتعلق باشتراط الإنسان من غير غلبة ظن بوجود سبب يمنع الإنسان من الوصول إلى مكة، هل يشرع له الاشتراط أم لا؟ فمن قال: إن المرض ليس بإحصار، وأن ما غير العدو ليس بإحصار، فإنه لا يجيز الاشتراط إلا في العدو.

والعلماء عليهم رحمة الله اختلفوا في مسألة الاشتراط، والاشتراط أن الإنسان ينوي النسك ويقيد إتمامه به بألا يحبسه حابس، وفائدة الاشتراط في ذلك: أن الإنسان إذا اشترط وحبسه حابس أنه لا يجب عليه دم، وذلك نوع من التيسير أي: أنه إذا أحصر في موضعه الذي هو فيه لا يجب عليه دم، وإنما يحلق من مكانه ثم يمضي.

أما بالنسبة لمن أحصر ولم يشترط ومعه الهدي، فهديه في ذلك على حالين:

الحالة الأولى: إذا كان يستطيع أن يوصله إلى مكة كحال الإنسان حينما أقبل على مكة حبسه حابس، ولم يشترط، فإذا وجد أحداً من الناس يستطيع الذهاب هناك، نقول: يأخذ بهديه إلى هناك، وينحره في يوم النحر وجوباً، ولا يحلق حتى ينحر في يوم النحر، ثم بعد ذلك يحل.

الأمر الثاني: إذا لم يستطع الدخول لا هو ولا هديه، فحينئذٍ يقوم بنحره في موضعه الذي هو فيه، ويتحلل في موضعه كذلك.

وأما إذا لم يكن معه الهدي ولم يستطع حينئذٍ أيضاً أن ينحر هديه، فنقول: إن الله عز وجل ذكر هنا ما استيسر من الهدي في قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فأشار إلى التيسير في مسألة الهدي، مما كان قريباً من الإنسان، إما أن يكون من الغنم، وإما أن يكون من الإبل، وإما أن يكون من البقر، أو يكون شركاً من بقرٍ وإبل، كأن يتشارك الناس مجموعة في هذا وأحصر، ويتشاركوا في شيء من ذلك، والبقرة والناقة عن سبعة على الأرجح في الإبل، وهي عن سبعة في البقر قولاً واحداً عند السلف، أما الإبل فهي على قولين: من العلماء من قال: إنها عن سبعة فيشترك فيها سبعة، ومنهم من قال: يشترك فيها عشرة، فإذا اشتركوا في ذلك وأحصروا فإنه حينئذٍ يحلقون في موضعهم إذا كان ذبحهم في ذلك الموضع.

وإذا كان الإنسان مشترطاً فإنه لا يجب عليه دم، وإذا كان غير مشترط فإنه يجب عليه في ذلك الدم، ومن لم يجد الدم في ذلك فالله عز وجل جعل له فدية سيأتي الكلام عليها بإذن الله.

وفي قول الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] المراد بهذا الهدي هو هدي الإحصار، أي: أن الإنسان إذا أحصر فما استيسر من الهدي، ولكن يجب عليه ألا يحلق شيئاً من شعره، أو أن يتناول شيئاً من محظورات الإحرام حتى يبلغ الهدي محله.

ذكر الحلق دون التقصير في قوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ...)

وفي قول الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] ذكر هنا الحلق، لاشتماله ضمناً على التقصير، وقد يقال: إن الحلق هو أعم من التقصير، فكل محلق مقصر، وليس كل مقصر محلق، ولهذا ذكر الله عز وجل الحلق؛ لأن الإنسان إذا أزال شيئاً من شعره فهو في حكم المحلق، وكذلك أيضاً في قول الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196] إشارة إلى أن الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن من تمام نسكه هو الحلق فهو مقدم على التقصير، وذلك أن الله عز وجل قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فذكر الله عز وجل وجوه التمام في هذه الآية، ومن وجوه هذا التمام هنا أن يقدم الإنسان الحلق على التقصير.

تخصيص شعر الرأس بالذكر دون شعر غيره من الجسد

وقوله: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] أشار هنا إلى مسألة الرأس، فهل بقية شعر الإنسان من محظورات الإحرام أم لا؟ ولماذا قيد الحلق بالرأس؟ فنقول: إن الأصل فيما يتناوله الإنسان من شعره هو شعر رأسه، ولم يكن معهوداً عند العرب أن يتناولوا شعر اللحى بحلق لا عند المؤمنين، ولا عند المشركين، وعلى هذا نقول: إن النص إنما تعلق بالأغلب، وما يذهب إليه أهل الظاهر من أن مس الشعر في غير شعر الرأس أن ذلك ليس من محظورات الإحرام، وذلك كشعر اليد أو شعر الساق، أو شعر جسد الإنسان، أو نحو ذلك قالوا: إن ذلك ليس من محظورات الإحرام، فنقول: هذا مردود؛ لأن الأمر إنما يتعلق بالأغلب.

بل قالوا أيضاً: إن الأظفار ليست من محظورات الإحرام باعتبار عدم وجود نص في ذلك، ونقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أم سلمة في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشره )، وجاء في رواية: ( ولا ظفره شيئاً ) ما يدل على أن الأمر في ذلك عام.

وعامة العلماء على أن الشعر من أي موضع من مواضع جسد الإنسان من محظورات الإحرام، وإنما ربما يخففون في بعض الشعر تيسيراً في مسألة الشعرة إذا أزالها الإنسان مما يؤذيه وهي واحدة من جسده أو نحو ذلك فيقولون: إن هذا مما يعفى عنه، باعتبار أنه لا يطلق عليه شعر، وإنما هي شعرة.

ثم أيضاً: إن الحكمة في عدم حلق الإنسان شعر رأسه هو ظهور التفث والشعث في الإنسان، فإزالة شعرة واحدة ليس هذا مما يجعل الإنسان يترفه في حال حجه، فلا يدخل في ذلك الترف ولا التنعم وغير ذلك، بل تبقى على بذاذته، فالشعرة الواحدة مما لا يتأذى به الإنسان، ولهذا الله عز وجل يقول: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196]، فربط الحلق بالرأس، وما ربطه بالشعر؛ لأن الأمر إنما يتعلق بالمحل، وإنما ذكر الرأس لأن إزالة شعر الرأس يظهر فيه التنعم، فذكر الله عز وجل أمر الرأس، ولهذا المترجح أن إزالة الشعرة والشعرتين والثلاث وما في حكمها أن هذا ليس من محظورات الإحرام، فإذا تناول الإنسان شيئاً من شعره أو جذبه، أو ربما حمل شيئاً على عاتقه، أو تساقط شيء من شعره، ولو كان ذلك عن طريق العمد فإذا كان يسيراً فنقول: إن هذا ليس محظوراً؛ لأن الله عز وجل قال في هذه الآية: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] فأشار إلى الرأس وهو محل منابت الشعر، وما أشار إلى الشعر بعينه، باعتبار أنه لو أطلق الشعر في قوله: (ولا تحلقوا الشعر) لعم ذلك جميع أنواعه، وإنما أشار إلى الرأس، فإزالة شعرة أو شعرتين وما في حكمها ليس حلقاً للرأس، وإنما هو إزالة لشعرة وشعرتين.

ثم أيضاً: إننا نطرد في ذلك أن من أخذ شعرة أو شعرتين عند التحلل، فهذا ليس بمتحلل، والغريب أن بعض الفقهاء يتناقض في هذا، فيجعل الحلق في قوله: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196] يقول: إن أخذ شعرة أو شعرتين يجب فيها الفدية، وعند النحر إذا أخذ شعرة أو شعرتين يقول: لا يجزئ، مع أن النص واحد، وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196] وهذا في النهي، وفي الأخذ قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27]، فينبغي أن يكون الحكم على السواء، ولهذا الإنسان الذي يأخذ شعرة من شعره، أو يتناول مثلاً بأصبعه شيئاً من شعره، ثم يقوم بالمقص ويتناوله، نقول: إنه لا يتحلل بهذا على الصحيح من أقوال العلماء، وأما من قال: بأنه يتحلل بذلك، فإنه يلزمه أن يجعل ذلك من محظورات الإحرام أيضاً؛ لأن النهي جاء في سياق واحد.

المراد بمحل الهدي

ومن المواضع أيضاً في قول الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] هنا في قوله جل وعلا: مَحِلَّهُ [البقرة:196] المراد بذلك هو يوم النحر بمنى، أي: أن من استطاع أن يدفع هديه إلى المسجد الحرام وأحصر، فإنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله، ثم ينحر، ثم يحل هو، يعني: في ذلك الزمن، وإذا استشكل عليه هل ذبح الهدي أو لم يذبح، فإنه حينئذٍ يتحلل في ذلك ولا حرج عليه.

ما يلزم من فعل محظوراً أو ترك واجباً

ثم قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196] نقول: إن وقوع الإنسان في محظورات الإحرام يختلف عن تركه الواجبات، فترك الواجب على قول أكثر العلماء يجب فيه دم، ولا يخير فيه الإنسان، وأما بالنسبة لارتكاب الإنسان محظوراً من محظورات الإحرام قالوا: فيجب في ذلك ما خير الله عز وجل فيه الإنسان، فيجب عليه: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فهذا ما يجب على الإنسان في تركه لمحظورات الإحرام.

وأما التسوية بين ذلك فغير صحيحة، والعمدة في ذلك ما جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله من حديث أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال: من ترك شيئاً من نسكه، أو نسيه فعليه دم قالوا: هذا في ترك الواجبات، وأما بالنسبة لفعل المحظورات فهو في هذه الآية، ولهذا نقول: إن الإنسان إذا ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام فينبغي أن يخير بين هذه الأشياء، وبعض المفتين حينما يسأل عما يجب على من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام فيجيب مباشرة ويقول: عليك دم، وهذا ليس بصحيح، بل نقول: إن الواجب عليه في ذلك هو التخيير بين هذه الثلاثة، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

أما بالنسبة للصيام، فهو صيامه ثلاثة أيام، وهذا الذي جاء عن جماهير المفسرين، فجاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله، كما رواه ابن جرير الطبري من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس ، وجاء أيضاً عن مجاهد بن جبر كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر ، وجاء أيضاً عن قتادة كما رواه معمر عن قتادة ، وعن غيرهم، أي: أن الصيام يكون ثلاثة أيام، وإذا أراد الإنسان أن يطعم مساكين، فنقول: هذا أيضاً من جهة العدد هو من مواضع الخلاف، والأشهر في ذلك وهو قول جماهير العلماء، وروي أيضاً عن جماعة عن عبد الله بن عباس و مجاهد و قتادة و سعيد بن جبير وغيرهم، أن الإطعام يكون لستة مساكين مدين مدين، فيعطي كل واحدٍ مدين أو نصف صاعٍ، وهذا هو الذي عليه جماهير المفسرين.

وكل إطعام جاء في كلام الله عز وجل فمقداره نصف صاع، كما قال ذلك مجاهد بن جبر فيما رواه ابن جرير الطبري وغيره، سواء كان في مثل هذا الموضع بالإطعام، أو كان ذلك في كفارة اليمين، أو كان ذلك في كفارة الظهار، أو غير ذلك من الأحكام، فنقول: إن الإطعام في ذلك هو لكل مسكين نصف صاع.

قال الله جل وعلا: أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، والمراد بالنسك هي النسيكة، وهي الذبيح، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، وهو النحر الذي قرنه الله عز وجل في قوله جل وعلا: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] أي: أن النحر هو الذي قرنه الله عز وجل مع الصلاة، وهو النسيكة، وقيل: إن النسيكة مشتقة من النسك، وقيل: إنها مشتقة من السبيكة، ثم قلبت في ذلك وأصبحت نسكاً، ونسيكة، والنسك في ذلك على ما تقدم من بهائم الأنعام إما أن يكون من الغنم أو يكون شركاً أو تاماً من الإبل والبقر، وهذا محل اتفاق عند العلماء، ولا يعلم من خالف في ذلك إلا ما جاء عن بلال ، فإنه أجاز أن يكون الهدي أو الأضحية أن يكون بالطير، وإسناده عنه صحيح، ولا أعلم من قال بذلك لا من الصحابة ولا من التابعين.

أعلى الهدي وأدناه

وجاء بغير إسنادٍ عن أبي هريرة أيضاً، وليس له أصل، وأظنه أيضاً عن الحسن وليس له إسناد أيضاً، وفي قول الله عز وجل: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْه