المسائل المشتركة في الإرث
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
المسائل المشتركة في الإرث المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (ويُبدأ بذوي الفروض فيُعطون فروضهم، وما بقي للعصبة، ويَسقطون في الحِمَارِيَّةِ)[1].
قال في «الإفصاح»: «واختلفوا في المسائل الملقَّبات بالمشرَّكة، وهي امرأة ماتت وخلَّفت زوجاً، وأمّاً، وأخوين لأم، وأخاً لأب وأم:
فقال أبو حنيفة[2] وأحمد[3]: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين من الأم الثلث، ويَسقط ولد الأبوين؛ لاستغراق المال ذوي الفروض، وهو عصبة.
وقال مالك[4] والشافعي[5]: يُشرك بين الإخوة كلهم في الثلث بالسَّوِيَّة[6].
إلى أن قال: ومن مسائل العَوْلِ التي أجمعوا عليها:
زوج وأم وأختان لأم وأختان لأب وأم: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأب والأم الثلثان، وللأختين من الأم الثلث، فأصلها من ستة وتَعُولُ إلى عشرة[7].
وتُسمَّى هذه المسألة الشُّرَيْحِيَّة، وذلك أنه رُوي أن رجلاً أتى شريحاً - وهو قاضي البصرة - فاستفتاه عن نصيب الزوج من زوجته؟ فقال: له النصف مع عدم الولد وولد الابن، والربع مع وجود الولد وولد الابن، فقال: امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها من أمها وأختيها من أمها وأبيها، فقال: له إذاً ثلاثة من عشرة، فخرج الرجل من عنده وهو يقول: لم أر كقاضيكم، قد سألت نصيب الزوج من امرأته فقال: كيت وكيت، فلما قصصت له أمري لم يُعطني بما قال أعلاه ولا أدناه، وكان الرجل يلقى الفقيه ويستفتيه مُطلقاً عن امرأة ماتت ولم تخلف ولداً، ولا ولد ابن فيقول: له منها النصف، فيقول: ما أعطيت نصفاً ولا ثلثاً، فيقال له: من أعطاك هذا؟ فيقول: شريح، فيلقى الفقيه شريحاً فيخبره الخبر وكان الرجل يقول ذلك لكل من يلقاه هذا، فكان شريح إذا لقي الرجل بعدُ يقول له: إذا رأيتني ذكرت لي حكماً جائراً، وإذا رأيتكَ ذَكرتُ أنك رجل فاجر تبين لي أنك تشيع الفاحشة وتكتم القضية.
وتُسمَّى هذه المسألة أيضاً: أم الفُرُوخ؛ لكثرة عَوْلِها، فشبهت الأربعة الزائدة بالفُرُوخ.
ومثلها في العَوْلِ إلى عشرة: زوج، وأم، وإخوة لأم، وأخت لأب وأم، وأخت أو أخوات لأب، فأصلها من ستة وتَعُول إلى عشرة: للزوج النصف: ثلاثة أسهم، وللأخت من الأبوين النصف: ثلاثة أسهم، وللأم السدس: سهم، ولأولاد الأم الثلث: سهمان، وللأخت لأب السدس: سهم، وهذه المسألة إجماعية، وقد أُعطي فيها ولد الأبوين وولد الأب مع استكمال الفريضة بالإجماع[8]، بخلاف الشركة التي سقط فيها ولد الأبوين مع ولد الأم على مذهب أبي حنيفة[9] وأحمد[10].
والعِلة لمن أسقطهم هناك وأعطاهم هنا: أن الإخوة من الأبوين يرثون بالتعصيب وذوو التعصيب إنما يرثون ما بقي من ذوي الفروض.
وفي مسألة المشتركة: استغرق المالَ ذوو الفروض فلم يبق للتعصيب حكم، وفي هذه المسألة فالأخت من الأبوين والأخت من الأب يرثان بالفرض، وذوو الفرض يُفرض لهم وإن ضاقت السهام بالإجماع، ففرض لهم وأُعيلت المسألة»[11].
وقال ابن رشد: «وأجمعوا على أن الإخوة للأب يقومون مقام الإخوة للأب والأم عند فقدهم[12]، كالحال في بني البنين، مع البنين، وأنه إذا كان معهن ذكر عصبهن بأن يبدأ له فرض مسمىً ثم يرثون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، كالحال في البنين إلا في موضعٍ واحد وهي الفريضة التي تُعرف بالمُشتركة، فإن العلماء اختلفوا فيها، وهي امرأة تُوفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها، فكان عمر وعثمان وزيد بن ثابت يُعطون للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة للأم الثلث، فيستغرقون المال فيبقى الإخوة للأب والأم بلا شيء، فكانوا يُشركون الإخوة للأب والأم في الثلث مع الإخوة للأم يقتسمونه بينهم للذكرِ مثل حظ الأنثيين.
وبالتشريك قال من فقهاء الأمصار: مالك[13] والشافعي[14]والثوري.
وكان عليٌّ، وأُبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم لا يُشركون إخوة الأب والأم في الثلث مع إخوة الأم في هذه الفريضة، ولا يوجبون لهم شيئاً فيها.
وقال به من فقهاء الأمصار أبو حنيفة[15]، وابن أبي ليلى وأحمد[16] وأبو ثور وداود وجماعة.
وحُجَّة الفريق الأول: أن الإخوة للأب والأم يُشاركون الإخوة للأم في السبب الذي به يستوجبون الإرث، وهي الأم، فوجب ألّا ينفردوا به دونهم؛ لأنه إذا اشتركوا في السبب الذي به يَرثون وجب أن يشتركوا في الميراث.
وحُجَّة الفريق الثاني: أن الإخوة الشقائق عَصَبَة، فلا شيء لهم إذا أحاطت فرائض ذوي السهام بالميراث، وعمدتهم باتفاق الجميع على أن من ترك زوجاً وأمّاً وأخاً واحدا ًلأم وإخوةً شقائق عشرة أو أكثر: أن الأخ للأم يستحق هاهنا السدس كاملاً، والسدس الباقي بين الباقين مع أنهم مُشاركون له في الأم.
فسبب الاختلاف في أكثر مسائل الفرائض: هو تعارض المقاييس، واشتراك الألفاظ فيما فيه نص»[17].
وقال الشيخ ابن سعدي:
«إذا تقررت أحوال أهل الفروض فالأمر الثاني في العصبات ودرجاتهم وكيفية ترتيبهم في الإرث ومما تقدم يعلم الحجب.
أن الواحد منهم إذا انفرد أخذ المال كله، وإذا بقي بعد الفروض شيء أخذه قليلاً كان أو كثيراً، وإذا استغرقت الفروض التركة سقط العَاصِب، حتى في المسألة التي يسميها الفرضيون الحِمَارِيَّة، وهي زوج له النصف، وأم لها السدس، وإخوة لأم لهم الثلث، وإخوة أشقاء عصبة، كما هو مذهب الإمام أحمد وجمهور العلماء[18].
وقد دلَّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ)[19]، مفهوم الحديث: أنه إذا لم يبق شيء سقط العاصب من دون تفصيل، فدخلت في هذه المسألة، ولهذه المسألة أدلة ذُكرت في غير هذا الموضع.
وأما درجات العصبة: فالذي عليه المعول أن جهات العصبة خمس: البُنُوَّة وإن نزلوا بمحض الذكور وإن نزلوا، والأُبُوَّة وإن علوا بمحض الذكور، والإخوة وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور وإن نزلوا، والأعمام لأب أولهما، وأبناؤهم وإن نزلوا، والولاء، فإن وجد عاصب واحد من هذه الجهات الخمس ثبتت له أحكام العاصب السابق، يأخذ المال إذا انفرد أو ما أبقت الفروض، أو يسقط بالاستغراق.
وإن وجد اثنان فأكثر فلا يخلو إما أن يكون كل واحدٍ في جهة أو يكونوا في جهة واحدة.
فإن كان كل واحد في جهة قُدِّمَ الأقرب جهة كما تقدم، فإن كانوا في جهة واحدة قدم الأقرب منزلة على الأبعد ولو كان الأبعد شقيقاً.
فإن كانوا في المنزلة سواء قُدِّمَ الأقوى وهو الشقيق على الذي لأب، فتقديم الابن على باقي العصبات تقديم للجهة، وتقديمه على ابن الابن من باب قُرْبِ المنزلة، وتقديم الأخ الشقيق على الذي لأب من باب تقديم القوة، فإن تساووا من كل وجهٍ اشتركوا.
وهؤلاء العصبات مع أخواتهم قسمان:
قُسمٌ للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم البنون وبنوهم مع أخواتهم والإخوة الأشقاء، أو لأب مع أخواتهم.
وقسم ليس لأخته معه شيء لكونها من ذوي الأرحام، وهم باقيهم.
فعلم مما تقدم: أن الأخوات مع أخواتهم في المواريث ثلاثة أقسام: هذان القسمان، والثالث: الذكر والأنثى سواء وهم الإخوة للأم.
وقد عُلم أيضاً من هذا ومما سبق: أن العصب ثلاثة أنواع:
عاصب بنفسه: وهم جميع الذكور إلا الزوج والأخ للأم والمُعتِقة.
وعاصب بغيره: وهن البنات، وبنات الابن، والشقيقات، واللاتي للأب مع إخوتهن؛ لأنهم يُعَصِّبونهن ويمنعونهن الفرض.
وعاصب مع غيره: وهن الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن.
وقد عُلمَ أيضاً مما سبق: أن ابن الابن لا يَسقط إلا بالابن، أو باستغراق الفروض، [وأن الجد لا يَسقط إلا بالأب أو بجد أقرب منه].
وأن الجدة تَسقط بالأم، وكل جدة قريبة تُسقط البعيدة، وأن الابن وابن الابن والأب يُسقطون جميع الإخوة والأخوات بالإجماع، وكذلك الجد على الصحيح.
وأن الإخوة للأم يَسقطون بالفروع مُطلقاً، ذكوراً كانوا أو إناثاً وبالأصول الذكور لتصير المسألة كَلَالَة.
وأن الإخوة للأب، ذكوراً كانوا أو إناثاً يَسقطون مع ذلك بالإخوة الأشقاء الذكور، وبالشقيقة إذا كانت عصبة مع البنات؛ لأنها تقوم مقام الأخ.
وأن بنات الابن يَسقطن بالابن وباستكمال من فوقهن الثلثين إن لم يعصبهن من هو في درجتهن أو أنزل منهن، وكذا الأخوات للأب مع الشقيقات، إلا أن الأخوات للأب لا يُعَصِّبُهُن إلا أخوهن.
وأن بني الإخوة يَسقطون بجهة البنوة كلها، وبالأبوة وبعصوبة الإخوة، أشقاء أو لأب، ويدخل في قولنا بعصوبة الإخوة: الأخت شقيقة أو لأب إذا كانت عصبة مع البنات، أو بنات الابن.
وأن النازل من بني الإخوة ولو شقيقاً يَسقط بمن فوقه ولو كان لأب، وأن الأعمام وإن قربوا يُسقطون بني الإخوة وإن نزلوا وبعدوا، والعم لأب مُقدم على ابن العم الشقيق، وهكذا على هذا الترتيب.
إلى أن قال: وعُلم أن الأب والأم والابن والبنت والزوجين لا يَسقطان أبداً إلا بالوصف.
فالحجب بالوصف وهو أن يتَّصف الوارث بمانعٍ كَرِقٍّ، واختلاف دِينٍ، وقَتْل يمنعه، يمكن دخوله على جميع الورثة، وحجب النقصان أيضاً يدخل على جميع الورثة، وأما حجب الحِرمَان بالشخص فلا يدخل على الخمسة المذكورين»[20].
وقال البخاري: «(باب ميراث الأخوات والإخوة).
ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه قال: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مريضٌ، فدعا بوَضَوءٍ فتوضأ، ثم نضح عليَّ من وضوئه، فأفقت فقلت: يا رسول الله، إنما لي أخواتٌ، فنزلت آية الفرائض[21]».
قال الحافظ: «قال ابن بطال[22]: أجمعوا على أن الإخوة الأشقاء، أو من الأب لا يرثون مع الابن وإن سفل، ولا مع الأب[23].
واختلفوا فيهم مع الجد على ما مضت الإشارة إليه، وما عدا ذلك: للواحدة من الأخوات النصف، وللبنتين فصاعداً الثلثان، وللأخ الجميع، فما زاد فبالقسمة السوية.
وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين، كما نص عليه القرآن، ولم يقع في ذلك اختلاف إلا في زوج وأم وأختين لأم وأخ شقيق، فقال الجمهور[24]: يُشرك بينهم، وكان عليٌّ وأبي وأبو موسى لا يُشركون الأخوة ولو كانوا أشقاء مع الإخوة للأم؛ لأنهم عصبة وقد استغرقت الفرائض المال، وبذلك قال جمع من الكوفيين[25]»[26].
وقال في «الاختيارات»: «وإذا استكملت الفروض المال سقطت العصبة ولو في الحِمَارِيَّة»[27].
[1] الروض المربع ص360 - 361.
[2] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
[3] شرح منتهى الإرادات 4/ 568، وكشاف القناع 10/ 391.
[4] الشرح الصغير 2/ 491، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
[5] تحفة المحتاج 6/ 406، ونهاية المحتاج 6/ 21.
[6] الإفصاح 3/ 93.
[7] حاشية ابن عابدين 6/ 842.
والشرح الصغير 2/ 489، وحاشية الدسوقي 4/ 472.
وتحفة المحتاج 6/ 432، ونهاية المحتاج 35.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 569، وكشاف القناع 10/ 392 - 393.
[8] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
والشرح الصغير 2/ 489، وحاشية الدسوقي 4/ 472.
وتحفة المحتاج 6/ 431 - 432، ونهاية المحتاج 6/ 35.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 569، وكشاف القناع 10/ 392.
[9] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
[10] شرح منتهى الإرادات 4/ 568، وكشاف القناع 10/ 391.
[11] الإفصاح 3/ 93 - 98.
[12] حاشية ابن عابدين 6/ 830و 836.
والشرح الصغير 2/ 482، وحاشية الدسوقي 4/ 360و 466.
وتحفة المحتاج 6/ 405، ونهاية المحتاج 6/ 21، وشرح منتهى الإرادات 4/ 560و 558، وكشاف القناع 10/ 380و 389.
[13] الشرح الصغير 2/ 491، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
[14] تحفة المحتاج 6/ 406، ونهاية المحتاج 6/ 21.
[15] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
[16] شرح منتهى الإرادات 4/ 568، وكشاف القناع 10/ 391.
[17] بداية المجتهد 2/ 319.
[18] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 568، وكشاف القناع 10/ 391.
[19] البخاري (6737)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[20] الإرشاد ص528 - 530.
[21] البخاري (6743).
ورواه أيضاً مسلم (1616).
[22] شرح صحيح البخاري 8/ 357.
[23] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 20.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.
[24] الشرح الصغير 2/ 491، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
وتحفة المحتاج 6/ 406، ونهاية المحتاج 6/ 21.
[25] حاشية ابن عابدين 6/ 841.
[26] فتح الباري 12/ 25 - 26.
[27] الاختيارات الفقهية ص196.