الأحاديث المعلة في الصلاة [45]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على شيء من الأحاديث المتعلقة بأحكام الصلاة في أبواب السهو، وقد تقدم معنا في المجلس السابق الكلام على أوائل الأحاديث المتعلقة بأبواب سجود السهو في الصلاة، ونتكلم في هذا المجلس على شيء منها.

وأول هذه الأحاديث: هو حديث عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على من خلف الإمام سهو، فإذا سها الإمام وسجد سجد من خلفه ).

هذا الحديث أخرجه الدارقطني في السنن، و البزار ، و البيهقي من حديث أبي الحسين المدائني عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرويه عن أبي الحسين المدائني خارجة بن مصعب ، وهذا الحديث فيه بيان أن المأموم ليس عليه سهو إذا كان خلف الإمام فسهى في صلاته، كمن ترك شيئاً من الواجبات سهواً ثم رجع إليها.

علة حديث: (ليس على من خلف الإمام سهو..)

وهذا الحديث منكر، لأنه تفرد به خارجة بن مصعب عن أبي الحسين المدائني عن سالم بن عبد الله بن عمر به، والحديث معلول بجملة من العلل:

أولها: تفرد خارجة بن مصعب ، و خارجة بن مصعب خرساني ضعيف، وقد اتهمه بعضهم بالكذب كما جاء ذلك عن يحيى بن معين ، وضعفه الأئمة كالإمام أحمد و النسائي و الدارقطني وغيرهم في روايته، فهو ضعيف الحديث جداً.

تفرد الآفاقي بالحديث عن أهل مكة أو المدينة

ومن مواضع الإعلال أن هذا الحديث مخرجه مدني؛ وذلك أنه يرويه أبو الحسين المدائني أو المديني عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و خارجة بن مصعب الذي يروي هذا الحديث خرساني وقد تفرد به عن أبي الحسين المدائني ، وعلى كل فالرواة ولو كانوا ثقات فإنهم إذا تفردوا بحديث عن المدنيين ولا يعرف هذا الحديث عند المدنيين مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أمارة على نكارته ولو كان الخراساني ثقةً، فكيف وهو ضعيف! ولهذا نقول: إن تفرد خارجة بن مصعب بهذا الحديث مع ضعفه عن أبي الحسين المدائني كاف في رد هذا الحديث، ولو كان أحسن حالاً مما هو عليه لرد الحديث بالتفرد، وذلك لأن الأسانيد إذا كان مخرجها عن إمام مشهور محله مهبط الوحي كالمدينة ومكة ثم تفرد به أحد من أهل الآفاق كخرسان والشام والكوفة والبصرة ولم يكن موجوداً عند أهل المدنية فهذا أمارة على النكارة؛ لأن أهل المدينة أشد الناس عنايةً بالحديث إذا كان عندهم، فكيف وقد طال زمن الحديث عندهم! فهو من حديث عمر ويرويه عن عمر عبد الله ويرويه عن عبد الله سالم ويرويه عن سالم أبو الحسين المدائني وهؤلاء كلهم من أهل المدينة.

ولهذا نقول: كلما امتدت طبقة الرواة في بلد من البلدان كان أدعى إلى اشتهار الحديث ونقل الرواة له، ومع هذه العقود الطويلة في بقاء الحديث في المدينة ثم لا يرويه إلا خارجة بن مصعب وهو خرساني وتفرد به ولم يأخذه أحد من الرواة من أصحاب عبد الله بن عمر أو من أصحاب سالم ممن يروي ذلك عنه.

ومن وجوه النكارة: أن هذا الحديث يشبه الفتيا، إما أن يكون من التابعين أو يكون من الصحابة، وهذا ما أشار إليه ابن كثير رحمه الله في مسند الفاروق فإنه لما أورد هذا الحديث قال: يشبه أن يكون هذا من فقه سالم أو من فقه أبيه فنقل على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقع خاصةً ممن لا يضبط الأحاديث ممن يرويها وهو ضعيف، أو كان ممن يروي الحديث بالمعنى من أهل الآفاق، فيروي الحديث أو الأثر والفتيا ويجعلها مسندةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد جاء عند البيهقي من وجه آخر وهو أشد ضعفاً وطرحاً من هذا، فقد أخرجه البيهقي رحمه الله في كتابه السنن من حديث الحكم بن عبد الله عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، و الحكم بن عبد الله متهم في الحديث، وقد اتهمه بالوضع غير واحد؛ ولهذا يقول الإمام أحمد رحمه الله: الأحاديث التي يرويها كلها موضوعة، وهو منكر أيضاً في ذاته، ونقول: إن هذا الحديث حديث منكر ليس له وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم يصح.

أقوال السلف في سجود المأموم لسهو نفسه

وهذه المسألة: مسألة يسهو المأموم من مواضع الخلاف عند الفقهاء والحديث في ظاهره الإطلاق بعدم سجود المأموم للسهو إذا سها خلف إمامه ولو كان عليه فائتة، وبعض السلف يفرقون بين من كان عليه فائتة وبين من كان مع الإمام من أول صلاته، وبين من كان سجوده بعد السلام ومن كان سجوده قبل السلام، وذلك أن من كان لديه فائتة مع الإمام وسها في صلاته فإن سجوده للسهو يكون في آخر الصلاة، وبعض السلف يرى عليه السجود، ومنهم من يأخذ بهذا العموم، ولو قلنا بصحة هذا الحديث لنفينا أن يكون على المأموم سجود سهو على الإطلاق ما دام مأموماً وما دام حصل السهو وهو خلف الإمام كمن يترك واجباً لا يخالف الإمام في ظاهره وذلك كالذي ينسى التسبيح في سجوده، أو التسبيح في ركوعه على من قال بوجوبه، فإنه إذا ترك ذلك ترك واجباً، فإذا تركها ساهياً أو ناسياً فعلى من قال بأن السهو إذا كان في القوليات من الأمور الواجبة فيجب عليه أن يسجد إذا كان سهوه مع الإمام وكان عليه فائتة، وهذه من مواضع الخلاف ليس هذا محل بحث فيها ولكن المراد من ذلك أن هذا الحديث لو قلنا بصحته لنفينا أن يكون على المأموم سهو إطلاقاً.

وهذا الحديث منكر، لأنه تفرد به خارجة بن مصعب عن أبي الحسين المدائني عن سالم بن عبد الله بن عمر به، والحديث معلول بجملة من العلل:

أولها: تفرد خارجة بن مصعب ، و خارجة بن مصعب خرساني ضعيف، وقد اتهمه بعضهم بالكذب كما جاء ذلك عن يحيى بن معين ، وضعفه الأئمة كالإمام أحمد و النسائي و الدارقطني وغيرهم في روايته، فهو ضعيف الحديث جداً.

ومن مواضع الإعلال أن هذا الحديث مخرجه مدني؛ وذلك أنه يرويه أبو الحسين المدائني أو المديني عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و خارجة بن مصعب الذي يروي هذا الحديث خرساني وقد تفرد به عن أبي الحسين المدائني ، وعلى كل فالرواة ولو كانوا ثقات فإنهم إذا تفردوا بحديث عن المدنيين ولا يعرف هذا الحديث عند المدنيين مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أمارة على نكارته ولو كان الخراساني ثقةً، فكيف وهو ضعيف! ولهذا نقول: إن تفرد خارجة بن مصعب بهذا الحديث مع ضعفه عن أبي الحسين المدائني كاف في رد هذا الحديث، ولو كان أحسن حالاً مما هو عليه لرد الحديث بالتفرد، وذلك لأن الأسانيد إذا كان مخرجها عن إمام مشهور محله مهبط الوحي كالمدينة ومكة ثم تفرد به أحد من أهل الآفاق كخرسان والشام والكوفة والبصرة ولم يكن موجوداً عند أهل المدنية فهذا أمارة على النكارة؛ لأن أهل المدينة أشد الناس عنايةً بالحديث إذا كان عندهم، فكيف وقد طال زمن الحديث عندهم! فهو من حديث عمر ويرويه عن عمر عبد الله ويرويه عن عبد الله سالم ويرويه عن سالم أبو الحسين المدائني وهؤلاء كلهم من أهل المدينة.

ولهذا نقول: كلما امتدت طبقة الرواة في بلد من البلدان كان أدعى إلى اشتهار الحديث ونقل الرواة له، ومع هذه العقود الطويلة في بقاء الحديث في المدينة ثم لا يرويه إلا خارجة بن مصعب وهو خرساني وتفرد به ولم يأخذه أحد من الرواة من أصحاب عبد الله بن عمر أو من أصحاب سالم ممن يروي ذلك عنه.

ومن وجوه النكارة: أن هذا الحديث يشبه الفتيا، إما أن يكون من التابعين أو يكون من الصحابة، وهذا ما أشار إليه ابن كثير رحمه الله في مسند الفاروق فإنه لما أورد هذا الحديث قال: يشبه أن يكون هذا من فقه سالم أو من فقه أبيه فنقل على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقع خاصةً ممن لا يضبط الأحاديث ممن يرويها وهو ضعيف، أو كان ممن يروي الحديث بالمعنى من أهل الآفاق، فيروي الحديث أو الأثر والفتيا ويجعلها مسندةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد جاء عند البيهقي من وجه آخر وهو أشد ضعفاً وطرحاً من هذا، فقد أخرجه البيهقي رحمه الله في كتابه السنن من حديث الحكم بن عبد الله عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، و الحكم بن عبد الله متهم في الحديث، وقد اتهمه بالوضع غير واحد؛ ولهذا يقول الإمام أحمد رحمه الله: الأحاديث التي يرويها كلها موضوعة، وهو منكر أيضاً في ذاته، ونقول: إن هذا الحديث حديث منكر ليس له وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم يصح.

وهذه المسألة: مسألة يسهو المأموم من مواضع الخلاف عند الفقهاء والحديث في ظاهره الإطلاق بعدم سجود المأموم للسهو إذا سها خلف إمامه ولو كان عليه فائتة، وبعض السلف يفرقون بين من كان عليه فائتة وبين من كان مع الإمام من أول صلاته، وبين من كان سجوده بعد السلام ومن كان سجوده قبل السلام، وذلك أن من كان لديه فائتة مع الإمام وسها في صلاته فإن سجوده للسهو يكون في آخر الصلاة، وبعض السلف يرى عليه السجود، ومنهم من يأخذ بهذا العموم، ولو قلنا بصحة هذا الحديث لنفينا أن يكون على المأموم سجود سهو على الإطلاق ما دام مأموماً وما دام حصل السهو وهو خلف الإمام كمن يترك واجباً لا يخالف الإمام في ظاهره وذلك كالذي ينسى التسبيح في سجوده، أو التسبيح في ركوعه على من قال بوجوبه، فإنه إذا ترك ذلك ترك واجباً، فإذا تركها ساهياً أو ناسياً فعلى من قال بأن السهو إذا كان في القوليات من الأمور الواجبة فيجب عليه أن يسجد إذا كان سهوه مع الإمام وكان عليه فائتة، وهذه من مواضع الخلاف ليس هذا محل بحث فيها ولكن المراد من ذلك أن هذا الحديث لو قلنا بصحته لنفينا أن يكون على المأموم سهو إطلاقاً.

ولهذا الحديث معنى جاء من حديث آخر وهو الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل هل على من وراء الإمام سهو؟ قال: لا، إنما السهو على الإمام ).

هذا الحديث أخرجه ابن عدي في كتابه الكامل من حديث عمر بن عمر العسقلاني الطحان عن صدقة عن مكحول عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث منكر، وقد تفرد به أبو حفص عمر بن عمر العسقلاني الطحان وهو متهم بوضع الحديث، وقد اتهمه بالوضع غير واحد كـابن عدي عليه رحمة الله، وتفرده بهذا الحديث أمارة على نكارته، وهذا الحديث لا يعرف من حديث عبد الله بن عباس ولا من قوله لا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من قول عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى وفتياه.

وكذلك فإن هذا الحديث يرويه صدقة عن مكحول عن عبد الله بن عباس و مكحول لم يسمع من عبد الله بن عباس وهي علة، ولكن القاعدة عند العلماء أن الحديث إذا وجدت فيه عدة علل فإنه يعل بأشدها، وأشد هذه العلل في هذا الحديث هو تفرد عمر بن عمر العسقلاني الطحان أبو حفص بهذا الحديث.

وكذلك فإن إخراج ابن عدي لهذا الحديث في كتابه الكامل وتفرده به عن أصحاب المصنفات المشهورة أمارة أيضاً على طرحه عنده وذكره في ترجمته، وأيضاً فإن رده والحكم عليه بالوضع دليل على أن هذا الحديث عنده شبيه بالموضوع إن لم يكن موضوعاً.

وعلى هذا فنقول: الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن السهو مختص بالإمام كلها ضعيفة وهي حديثان: الأول: ما تقدم في حديث عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، والثاني: ما جاء عند ابن عدي الكامل من حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الصلاة [20] 2595 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [28] 2447 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [14] 2376 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [39] 2285 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [25] 2234 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [41] 2103 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [32] 2102 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [33] 2059 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [43] 2029 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [12] 1996 استماع