شرح سنن أبي داود [538]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ابن عمر (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحوض.

حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح) ].

الحوض هو حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرده الناس يوم القيامة وهم عطاش، فيشرب منه من يشرب، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومنهم من يذاد عنه ويمنع مع شدة حاجته إليه، وتكون ذنوبه ومعاصيه هي التي حالت بينه وبين ذلك.

وقد اختلف فيه هل يكون قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فجاء عن بعض أهل العلم أنه يكون بعد الصراط، والكثيرون قالوا: إنه قبل الصراط، وهو الأقرب؛ لأن الذين يذادون عنه لو كان بعد الصراط فإنهم لا يتجاوزون إليه حتى يذاودون عنه بل يقعون في النار، وعلى هذا فالذود إنما يناسب أن يكون قبل الصراط، والله أعلم.

وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح).

وهذا فيه إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمام الناس، وأنه واسع.

وجرباء وأذرح هي من بلاد الشام ، وهي متقاربة، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (ما بين المدينة وجرباء وأذرح)، فتكون المسافة على هذا كما بين المدينة إلى جرباء وأذرح فتكون بعيدة، وعلى ما جاء في هذه الرواية هي كما بين جرباء وأذرح، فتكون غير بعيدة.

وقد جاءت التقادير عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متعددة، منها ما هو واسع جداً، ومنها دون ذلك، وجاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن طوله وعرضه سواء، وأن زواياه سواء، وعلى هذا فيكون مربعاً.

ولكن كل الأحاديث تدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً، وأنه يورد عليه الحوض، وأنه يذاد عنه أناس فلا يشربون، وأناس يشربون ولا يظمئون بعد ذلك أبداً.

وأحاديث الحوض متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن القيم في (تهذيب السنن) أنها جاءت عن أربعين صحابياً وسماهم، وذكر الحافظ ابن حجر في (الفتح) أنهم يبلغون الخمسين أو يزيدون عن الخمسين صحابياً.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ قالا: حدثنا حماد بن زيد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث زيد بن أرقم (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليّ الحوض...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلاً فقال (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليَّ الحوض).

قال: قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة ].

أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليَّ الحوض).

وهذا يدل على كثرة الواردين على الحوض، وقد سأل أبو حمزة زيداً : كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.

يعني أن الذي يردون الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، وأن نسبة هؤلاء إنما هي شيء يسير ممن عداهم.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليّ الحوض...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ].

حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري أبو داود والنسائي .

[ حدثنا شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة الجملي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حمزة ].

وهو طلحة بن يزيد الأيلي، وثقه النسائي ، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن زيد بن أرقم ].

زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أنس (هل تدرون ما الحوض؟... فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسماً، فإما قال لهم وإما قالوا له: يا رسول الله! لم ضحكت؟ فقال: إنه أنزلت عليَّ أنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] حتى ختمها، فلما قرأها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة، وعليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب).

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

قوله: [ (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة) ]

أي: نام نوماً يسيراً.

قوله: [ (فرفع رأسه متبسماً) ]

والمقصود من ذلك أنه كان يوحى إليه، وقام متبسماً.

قوله: [ (فإما قال لهم وإما قالوا له) ]

أي: إما بدءوه بالسؤال أو بدأهم بالإخبار عن الذي قد حصل له، فذكر على أنهم بدءوه فقالوا: (لم ضحكت؟)

أي: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ وأرادوا أن يعرفوا السبب الذي حصل من أجله ذلك، وهم يعلمون أنه يوحى إليه في مثل هذه الحالة، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لأمر حسن وسار قد حصل، ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام.

قوله: [ (إنه أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]).

أي: نزلت في هذه الإغفاءة، وقد قرأ عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، ثم قال عن الكوثر: (فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب).

أي أن آنيته عدد نجوم السماء، وهذا يدل على أن الكوثر نهر في الجنة، وأن فيه حوضاً، وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة بيان أن الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة، وعلى هذا فيكون الكوثر في الجنة والحوض في عرصات القيامة، وهو يمد ويصل إليه الماء من ذلك النهر الذي في الجنة.

وعلى هذا فيكون الحوض شيئاً والكوثر شيئاً آخر وليسا شيئاً واحداً، والكوثر هو الأصل والحوض فرع منه، والكوثر في الجنة والحوض إنما هو في عرصات القيامة، والماء الذي في الحوض جاء من الكوثر كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث فيه دليل على أن: (بسم الله الرحمن الرحيم) من السورة، وبعض أهل العلم يقول إن بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن، وهي فاصلة بين كل سورتين ما عدا الأنفال والتوبة، فإنهما ليس بينهما: (بسم الله الرحمن الرحيم).

قوله: [ (ترد عليه أمتي يوم القيامة) ]

والمقصود بالأمة هنا أمة الإجابة بلا شك، وهناك أناس ارتدوا يردون عليه فيذادون عنه، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والمقصود بذلك الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم الصديق ومات من مات منهم على الردة، فهؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض.

وهذا الحديث رواه أنس بن مالك ، فيكون من مراسيل الصحابة؛ لأن السورة مكية، ومعلوم أن مراسيل الصحابة حجة، ولاشك أن الشيء الذي ما شهده الصحابي إنما أخذه عن صحابي آخر، وإذا جاء عنهم شيء مضاف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام سواء كان مما أدركوه أو مما لم يدركوه فإنه يعتبر ثابتاً، ونسبته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحة؛ لأنه إما أن يكون أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه أخذه عن الصحابة الذين شاهدوه وعرفوه.

تراجم رجال إسناد حديث أنس (هل تدرون ما الحوض؟... فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة...)

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].

هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا محمد بن فضيل ].

محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المختار بن فلفل ].

وهو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ سمعت أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فإنه من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.

شرح حديث أنس في رؤية الكوثر ليلة المعراج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عاصم بن النضر حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: (لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم في الجنة -أو كما قال- عرض له نهر حافتاه الياقوت المجيَّب -أو قال المجوف- فضرب الملك الذي معه يده فاستخرج مسكاً، فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه إثبات الكوثر بالسنة، وهو ثابت في القرآن، وفيه شيء آخر وهو كونه مخلوقاً وموجوداً؛ لأنه عندما رأى الجنة رأى فيها الكوثر.

وأتى بهذا الحديث في بحث الحوض من أجل التلازم الذي بين الحوض وبين الكوثر، لأن الماء الذي في الحوض يكون من الكوثر.

قوله: [ (فضرب الملك الذي معه يده فاستخرج مسكاً) ].

يعني استخرج مسكاً من أرض هذا النهر.

قوله: [ (فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) .

أي: هذا النهر هو الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل في قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].

تراجم رجال إسناد حديث أنس في رؤية الكوثر ليلة المعراج

قوله: [ حدثنا عاصم بن النضر ].

وهو صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا المعتمر ].

المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت أبي ].

سليمان بن طرخان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي برزة في الحوض

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم : حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان -سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا الدحداح، ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم! فقال له عبيد الله : إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين، ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئاً؟ فقال له أبو برزة : نعم، لا مرة ولا ثنتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً، فمن كذب به فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً ].

أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة، وكان طلب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن حديث الحوض، فجاء إليه أبو برزة وكان قد طلبه أن يأتي من أجل هذا الغرض.

قوله: [ إن محمديكم ].

يعني: نسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه صحابي، والرجل طلب واحداً من الصحابة.

فقوله: [ إن محمديكم هذا الدحداح ]

أي: إن محمديكم هو هذا الدحداح، والدحداح هو السمين القصير، يقصد أبا برزة رضي الله عنه.

قوله: [ ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أظن أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ]

وهذا أخذه من قوله: (إن محمديكم).

قوله: [ إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين ]

يعني: أنها خير وليس فيها شر ولا ذم، وأراد بذلك أن يعتذر وأن يبين ما ذكره من الصحبة والتعيير بها الذي فهمه أبو هريرة .

قوله: [ ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئاً؟ فقال: نعم، لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً ].

أي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبته ويحدث به مرات كثيرة، ويذكر أن هناك حوضاً ترده أمته.

ثم قال أبو برزة بعد ذلك: فمن كذب به فلا سقاه الله منه، أي: فمن كذب بذلك الحوض فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

والحديث في إسناده رجل مجهول وهو الذي يحدث عن أبي برزة ، وكان أبو طالوت يقول: (شهدت أبا برزة دخل) ولكنه لا يعرف شيئاً عن الذي جرى، وإنما حدثه به شخص حضر ذلك المجلس، ولكن الحوض ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والألباني صحح الحديث، ومعلوم أن فيه هذا المجهول أو هذا المبهم، ولكنه صححه من أجل الطرق والشواهد الأخرى التي هي في معناه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة في الحوض

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت ].

وهو ثقة أخرج له أبو داود .

[ فحدثني فلان -سماه مسلم - ].

أي: يقول عبد السلام : فحدثني فلان ومسلم الذي سماه هو مسلم بن إبراهيم شيخ أبي داود، وفلان هذا يقول الحافظ ابن حجر : إنه عم عبد السلام، ولم أقف على اسمه ورمز له بـ(د)، أي: أخرج له أبو داود .

[ شهدت أبا برزة ]

أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد ، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وقد كثر السؤال عن قول بعض العلماء وخاصة صديق حسن خان : إن أبا داود عنده إسناد ثلاثي، واستدل بهذا الحديث، لكن نقول: لو كان عبد السلام حدث عن أبي برزة بالذي حصل لكان ثلاثياً، لكنه أخبر عمن شهد ذلك، وهو قد أدرك الصحابي ولكنه لم يرو عنه، وإنما رآه دخل على عبيد الله بن زياد ، والذي حدثه بالحديث رجل آخر، ومعنى ذلك أنه رباعي، لأن هذا المبهم هو الثالث، فيكون أبو داود قد حدث عن مسلم بن إبراهيم وهو عن أبي طالوت ، ثم بعد ذلك هذا الرجل المبهم، وهذا المبهم يحكي ما جرى بين أبي برزة وابن زياد فيكون الإسناد رباعياً وليس بثلاثي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحوض.

حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح) ].

الحوض هو حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرده الناس يوم القيامة وهم عطاش، فيشرب منه من يشرب، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومنهم من يذاد عنه ويمنع مع شدة حاجته إليه، وتكون ذنوبه ومعاصيه هي التي حالت بينه وبين ذلك.

وقد اختلف فيه هل يكون قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فجاء عن بعض أهل العلم أنه يكون بعد الصراط، والكثيرون قالوا: إنه قبل الصراط، وهو الأقرب؛ لأن الذين يذادون عنه لو كان بعد الصراط فإنهم لا يتجاوزون إليه حتى يذاودون عنه بل يقعون في النار، وعلى هذا فالذود إنما يناسب أن يكون قبل الصراط، والله أعلم.

وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح).

وهذا فيه إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمام الناس، وأنه واسع.

وجرباء وأذرح هي من بلاد الشام ، وهي متقاربة، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (ما بين المدينة وجرباء وأذرح)، فتكون المسافة على هذا كما بين المدينة إلى جرباء وأذرح فتكون بعيدة، وعلى ما جاء في هذه الرواية هي كما بين جرباء وأذرح، فتكون غير بعيدة.

وقد جاءت التقادير عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متعددة، منها ما هو واسع جداً، ومنها دون ذلك، وجاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن طوله وعرضه سواء، وأن زواياه سواء، وعلى هذا فيكون مربعاً.

ولكن كل الأحاديث تدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً، وأنه يورد عليه الحوض، وأنه يذاد عنه أناس فلا يشربون، وأناس يشربون ولا يظمئون بعد ذلك أبداً.

وأحاديث الحوض متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن القيم في (تهذيب السنن) أنها جاءت عن أربعين صحابياً وسماهم، وذكر الحافظ ابن حجر في (الفتح) أنهم يبلغون الخمسين أو يزيدون عن الخمسين صحابياً.

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ قالا: حدثنا حماد بن زيد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.