قسوة القلب


الحلقة مفرغة

لا عجب أن تكون هذه الآية من أجمع آيات الكتاب العزيز، وذلك لما حوته في ثناياها من واجبات يكمل بها المسلم إذا التزمها، ومنهيات يتحرر بها الإنسان من عبودية الشيطان إن اجتنبها، فقد أمر الله عز وجل فيها بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وبهذه الأمور الثلاثة تطيب حياة المسلم وينجح في علاقاته مع ربه ومع نفسه والناس أجمعين، ونهى الله عز وجل عن الفحشاء والمنكر والبغي التي هي عائق أمام الإنسان تحول بينه وبين الوصول إلى مولاه، ونيل رضاه، والظفر بجنة الخلد التي هي موعد كل من أطاع الله واتقاه، ومن هنا فإنه يحق لقائل أن يقول: إن هذه الآية هي أجمع آية في كتاب الله.

الحمد لله علام الغيوب، مفرج الهموم والغموم ومنفس الكروب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب الأبصار والقلوب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي بعثه بالهدى ودين الحق فأنار به السبل والدروب، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين، ومن سار على نهجهم المبارك، ما آذنت شمس بغروب.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

إخواني في الله: في الجسد مضغة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها أنها (إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) هذه المضغة هي محل نظر الرحمن، ومنزل التوحيد والإيمان، اختارها الله تبارك وتعالى لكي تكون محط الإيمان به، الذي هو أعز وأشرف صفة يتخلق بها عبد الله في هذه الحياة، وما قامت السماوات والأرض ولا كان الحساب والسؤال والعرض إلا لأجل الإيمان.

هذه المضغة: هي محل هذا الأمر العزيز عند الله عز وجل، ولو وجد الله في الجسد مضغة أعز عليه منها لجعلها مسكناً للإيمان والتوحيد.

لذلك أحبتي في الله كم نظر الله عز وجل إلى هذه القلوب، فأحبها وأحب أهلها، وكم نظر إلى هذه القلوب، فآذنها بغضب منه وعذاب.

القلوب محل نظر الرحمن

القلوب هي محل نظر الرحمن، فكم من أمة اجتمعت على طاعة بينها كما بين السماء والأرض صلاحاً وفلاحاً بسبب القلوب، كم من أناس جمعتهم المساجد، وقاموا مع كل قائم وركعوا مع كل راكع وسجدوا مع كل ساجد، ولكن بينهم كما بين السماء والأرض؛ لأن القلوب اختلفت والأفئدة تباعدت، فأفئدة لا تعرف إلا الله، وقلوب ما سجدت إذ سجدت إلا لوجه الله، وقلوب ما انتصبت أقدامها إلا وهي ترجو رحمة الله، وقلوب ما نطقت بذكره ولا لهجت بشكره إلا وهي ترجو رحمة الله، إنها قلوب المخلصين، إنها قلوب المتقين العابدين، التي استقر فيها الخوف والخشية من إله الأولين والآخرين.

القلوب وما أدراك ما القلوب! هي الميزان عند الله عز وجل، حتى ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد شارب الخمر الذي عصى الله ورسوله فطفق الصحابة يسبونه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم إنه يحب الله ورسوله) إنه يحب الله ورسوله، فظاهره الفسوق، وباطنه المحبة لله عز وجل، فكم من ظواهر تبطنت جواهر لا يعلمها إلا الله عز وجل، ورب أشعث أغبر ذي طمرين، إذا رأيته احتقرته في ملبسه، واحتقرته في منظره وهيئته، تبطن قلباً وأي قلب! له عند الله مكان وجلال وهيبة، لو أقسم على الله لأبره، ولو كاده أهل السماوات والأرض لأعزه الله وما أذله.

إنها القلوب التي اختارها الله عز وجل لكي تكون معادن الإيمان والإخلاص للرحمن، لذلك كم تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات، وكم حذرت في الكتاب والسنة وعلى المنابر من عظات باللغات، تقود هذه القلوب إلى الله وتدلها على رحمة الله، وتريد منها استكانة وخشوعاً وخضوعاً وذلة لله عز وجل.

القلوب هي الميزان في صلاح العمل

أحبتي في الله: القلوب هي الميزان في صلاح العمل، هي الميزان في القرب من الله عز وجل والتعلق في الله عز وجل، حتى ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أبي بكر الصديق ، الإمام الجليل، والصحابي الكريم، أفضل الصحابة وأعلاهم عند الله عز وجل مكاناً وشأناً، فدى رسول الله بروحه وماله، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل أعالي الفردوس مثواه، هذا الصحابي الجليل نال هذه المرتبة العظيمة بفضل الله، ثم بشيء وقر في صدره، وبإيمان ثبت في قلبه، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (أما إنه لم يسبقكم بكثير صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في القلب) وما هو ذاك الشيء سوى اليقين والتعلق بالله رب العالمين، والاستكانة والذلة والإخلاص في العبودية لله إله الأولين والآخرين.

وليس هناك قضية يحتاج المؤمن إلى علاجها وصلاحها وإصلاحها مثل قضية قلبه وفؤاده، نحتاج إلى وقفة مع هذه القلوب، نحتاج إلى وقفة مع هذه الأفئدة التي طال بعدها عن الله وعظمت غربتها عن الله، فكم من شابٍ اهتدى واستمسك بسبيل المحبة والرضا، ولكن في قلبه من القسوة ما لا يشتكى إلا إلى الله جل وعلا، كم من شباب تفطرت قلوبهم وأفئدتهم حزناً يتمنون قلباً رقيقاً، يتمنون من الله عز وجل أن يرزقهم قلوباً تذل لوجهه وترق لجلاله وعظمته، حتى إذا ذكرت بالله اطمأنت وإذا بصرت بالخير اهتدت، فهي أمنية عزيزة عند عباد الله الأخيار.

صلاح القلوب ولينها ورقتها وخشوعها لله علام الغيوب، أعز أمنية وأشرف مطلوب.

القلوب هي محل نظر الرحمن، فكم من أمة اجتمعت على طاعة بينها كما بين السماء والأرض صلاحاً وفلاحاً بسبب القلوب، كم من أناس جمعتهم المساجد، وقاموا مع كل قائم وركعوا مع كل راكع وسجدوا مع كل ساجد، ولكن بينهم كما بين السماء والأرض؛ لأن القلوب اختلفت والأفئدة تباعدت، فأفئدة لا تعرف إلا الله، وقلوب ما سجدت إذ سجدت إلا لوجه الله، وقلوب ما انتصبت أقدامها إلا وهي ترجو رحمة الله، وقلوب ما نطقت بذكره ولا لهجت بشكره إلا وهي ترجو رحمة الله، إنها قلوب المخلصين، إنها قلوب المتقين العابدين، التي استقر فيها الخوف والخشية من إله الأولين والآخرين.

القلوب وما أدراك ما القلوب! هي الميزان عند الله عز وجل، حتى ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد شارب الخمر الذي عصى الله ورسوله فطفق الصحابة يسبونه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم إنه يحب الله ورسوله) إنه يحب الله ورسوله، فظاهره الفسوق، وباطنه المحبة لله عز وجل، فكم من ظواهر تبطنت جواهر لا يعلمها إلا الله عز وجل، ورب أشعث أغبر ذي طمرين، إذا رأيته احتقرته في ملبسه، واحتقرته في منظره وهيئته، تبطن قلباً وأي قلب! له عند الله مكان وجلال وهيبة، لو أقسم على الله لأبره، ولو كاده أهل السماوات والأرض لأعزه الله وما أذله.

إنها القلوب التي اختارها الله عز وجل لكي تكون معادن الإيمان والإخلاص للرحمن، لذلك كم تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات، وكم حذرت في الكتاب والسنة وعلى المنابر من عظات باللغات، تقود هذه القلوب إلى الله وتدلها على رحمة الله، وتريد منها استكانة وخشوعاً وخضوعاً وذلة لله عز وجل.

أحبتي في الله: القلوب هي الميزان في صلاح العمل، هي الميزان في القرب من الله عز وجل والتعلق في الله عز وجل، حتى ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أبي بكر الصديق ، الإمام الجليل، والصحابي الكريم، أفضل الصحابة وأعلاهم عند الله عز وجل مكاناً وشأناً، فدى رسول الله بروحه وماله، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل أعالي الفردوس مثواه، هذا الصحابي الجليل نال هذه المرتبة العظيمة بفضل الله، ثم بشيء وقر في صدره، وبإيمان ثبت في قلبه، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (أما إنه لم يسبقكم بكثير صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في القلب) وما هو ذاك الشيء سوى اليقين والتعلق بالله رب العالمين، والاستكانة والذلة والإخلاص في العبودية لله إله الأولين والآخرين.

وليس هناك قضية يحتاج المؤمن إلى علاجها وصلاحها وإصلاحها مثل قضية قلبه وفؤاده، نحتاج إلى وقفة مع هذه القلوب، نحتاج إلى وقفة مع هذه الأفئدة التي طال بعدها عن الله وعظمت غربتها عن الله، فكم من شابٍ اهتدى واستمسك بسبيل المحبة والرضا، ولكن في قلبه من القسوة ما لا يشتكى إلا إلى الله جل وعلا، كم من شباب تفطرت قلوبهم وأفئدتهم حزناً يتمنون قلباً رقيقاً، يتمنون من الله عز وجل أن يرزقهم قلوباً تذل لوجهه وترق لجلاله وعظمته، حتى إذا ذكرت بالله اطمأنت وإذا بصرت بالخير اهتدت، فهي أمنية عزيزة عند عباد الله الأخيار.

صلاح القلوب ولينها ورقتها وخشوعها لله علام الغيوب، أعز أمنية وأشرف مطلوب.

لذلك أحبتي في الله! قسوة القلب ولينه، رقة القلب وغلظه، أمر عظيم، حتى إن الله عز وجل أخبر نبيه، أن صلاح أمور الدعوة إلى الله تقوم على رقة الداعية إلى الله، قال سبحانه وتعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] ولو كان قلبك قاسياً لانفضت هذه الجموع الرقيقة الرفيقة من حولك يا رسول الله.

لذلك أحبتي في الله! رقة القلوب يحتاجها أحب العباد إلى الله وهم أنبياؤه والهداة والدعاة إلى الله، وطلاب العلم، وعامة الناس وخاصتهم، وإذا لم تلن القلوب لله فلمن تلين القلوب؟ وإذا لم تذل القلوب لله فلمن تذل القلوب؟ وإذا لم ترق القلوب لكلام الله فلمن ترق القلوب؟ فبأي شيء تلين تلك القلوب؟ أحوج ما نحتاجه أن تكون هذه القلوب رقيقة، حتى إذا قيل لها: قال الله، خشعت واطمأنت وخضعت وأذعنت لله عز وجل، نحتاج إلى رقة القلوب حتى إذا وقف المؤمن تلك الوقفة التي تحتاج إلى القلب الرقيق عل الله أن يرفق به كما رفق بعباده، فيجد من الله نفحة من رحماته.

ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث السنن : (أن الراحمين يرحمهم الله) وهل رحمة القلوب إلا بلينها؟!! بل ثبت في الحديث الصحيح عن المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم: (أنه مر عليه الأقرع بن حابس وقد وضع صبيه في حجره يقبله صلوات الله عليه وسلامه من حنان قلبه وفؤاده ولينه، فقال له: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحداً منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك) أي أيُ شيء أملكه ما دام الله قد نزع الرحمة من قلبك.

فلين القلوب يحتاجه الوالد مع ولده، وتحتاجه الوالدة مع ولدها، أمنية عظيمة وغاية سامية كريمة، لا تصلح الأحوال إلا بها بإذن الله عز وجل، ومتى وجدت الأب ذا حنانٍ ورحمة بابنه وبابنته، وجدت ذلك البيت ترفل فيه السعادة، ومتى وجدته حليماً رحيماً بأهله وزوجه رحمه الله، فجعل بيته تضفي عليه السعادة خيراً كثيراً.

وكذلك إذا وجدت تلك الأم المسلمة المؤمنة الحقة تضفي على أبنائها حنان القلب النابع من رقة الفؤاد وجدت صلاح ذلك البيت وفلاحه، ومن هذا كله نعلم أن رقة القلوب وذلتها لله، نحتاجها في جميع شئوننا وفي جميع أحوالنا، حتى مع أهلينا وبناتنا.

يحتاجها الداعية إلى الله في دعوته، حينما يكون رحيماً بالناس رفيقاً بهم كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، يحتاجها طالب العلم، حتى إذا جلس في مجالس العلماء، جلس بقلب يجل كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهل توجد حلاوة طلب العلم إلا بعد ذلة القلوب ورقتها؟ ومتى وجدت طالب العلم يجلس في مجالس العلم، بقلب خاشع رقيق ذليل لله عز وجل، وجدت فيه سكينة ووقاراً وبهاء.

ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله: [كان الرجل إذا طلب العلم ظهر ذلك في وجهه وفي يده وفي لسانه وفي تخشعه] أي: أصبح خاشعاً لله عز وجل.

إذاً: لا بد من رقة القلوب، ولذلك إذا عزبت هذه الخصلة الكريمة وغابت هذه الصفة التي هي صفة رحيمة عن الإنسان وأصبح قلبه بخلاف ذلك تدمرت حياته، وتنغص عيشه، وتكدر خاطره، وكان من العناء والبلاء ما لا يعرفه إلا رب الأرض والسماء، فما الذي أفسد الدعوة على الداعية إلا غلظه على العباد، وما الذي أفسد الزوجة على زوجها والزوج على زوجته إلا القلوب القاسية التي لا تراقب الله في المعاشرة الزوجية.

وكذلك ما أفسد الأبناء وجعل أبناء المسلمين يعيشون ليلهم في حيرة وقلق، حتى ضاع الأبناء وضاعت البنات عن الحنان والرقة والرحمة الأبوية، إلا فوات هذه الخصلة الكريمة، خصلة الكرام وأهل الإسلام: رقة القلوب وإنابتها إلى الله عز وجل.

أحبتي في الله: إذا غابت عظم البلاء واشتد العناء، وشهد الله عز وجل من فوق السماء، أنها سبب في البلاء وأي البلاء، بل إنه توعد من فقد هذه الخصلة بوعيد شديد، وعذاب من الله أكيد، فقال سبحانه وتعالى وهو الحميد المجيد: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر:22] ويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، ويل لقلوب تسمع القرآن ولا تخشع عند سماعه، ويل لعيون ذكرت بكلام الله فلم تسح بالبكاء من خشيته، وويل لأسماء ذكرت بوعد الله ووعيده فلم تصغ لكلامه، ويل في الدنيا وويل في الآخرة.

ولذلك تجد أصحاب القلوب القاسية في عذاب من الله وعناء، ولو كان الواحد منهم على الفراش الوثير وفي العز والنعمة والخير والجاه والغنى، لكنه يحس أنه في قلق نفسي واضطراب شخصي، لا يقر قراره ولا ترتاح نفسه بسبب هذه الخصلة التي لا يحبها الله.

إذا قست القلوب وعد الله عز وجل أهلها بنكد العيش ونغصه وعذابه.

لذلك -أحبتي في الله- صفات القلب الحبيبة إلى الله، من أجلها ذلتها ورقتها وخشوعها لله، ولذلك ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل الله وضرع إلى الله أن يعيذه من قلب لا يخشع لوجهه، فقال: (اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع).