الأحاديث المعلة في الصلاة [18]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

نتكلم على بعض الأحاديث المعلة في الصلاة، وأول هذه الأحاديث في هذا المجلس هو حديث عائشة عليها رضوان الله أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم يعني: من الصلاة تسليمة واحدة ).

هذا الحديث رواه الترمذي في كتابه السنن، وكذلك رواه الدارقطني أيضاً في سننه من حديث عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد تفرد به زهير بن محمد بهذا الوجه عن هشام بن عروة ، وتفرد بروايته أيضاً عن زهير بن محمد عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد .

علل الحديث

هذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد به زهير بن محمد عن هشام بن عروة ، و هشام بن عروة بن الزبير حديثه يشتهر ويحفظ ويضبط ويرويه ويروي عنه أحاديثه جماعة من الرواة الثقات, ويضبطون مثل هذا الحديث لو وجد عن هشام ، وقد تفرد بهذه الرواية زهير بن محمد وهو ممن يضعف في بعض حديثه، وهو إن كان في ذاته ثقة وقد وثقه الإمام أحمد وكذلك يحيى بن معين وغيرهم إلا أنه في رواية الشاميين عنه ضعف ونكارة، وقد روى هذا الحديث عنه شامي يرويه عنه عمرو بن أبي سلمة وهو دمشقي، تفرد بهذا الحديث وحديث الدمشقيين عنه منكر، والعلة في ذلك اختلف فيها في كلام العلماء إما أن تكون العلة من زهير فيكون قد اختلط بآخر حديثه ثم اختلف حديث العراقيين عن الشاميين فكان حديث البصريين من العراقيين صحيحاً كما نص على هذا غير واحد من الحفاظ وكان حديث الشاميين عنه ضعيفاً، وقد نص على هذا غير واحد من العلماء كالإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أبو حاتم ، بل نص على هذا البخاري رحمه الله و ابن عدي في كتابه: الكامل.

على هذا نقول: إن حديث زهير على نوعين: حديث يرويه العراقيون عن زهير وهذا صحيح، وحديث يرويه شاميون عنه وهو منكر، العلة فيما يظهر لي والله أعلم أن زهير اختلط بآخره فروى من حفظه ولا يروي من كتابه فاختلط حديثه وكان آخر قراراه بالشام، فالأحاديث المفاريد عنه في الشام منكرة حتى إن الإمام أحمد رحمه الله لشدة نكارة أحاديثه التي في الشام قال: كأن زهيراً آخر، يعني: الذي يحدثون به آخر غير زهير الذي يروي عنه البصريون، وهذا الحديث اجتمع فيه علتان من جهة الإسناد في الرواة:

الأولى: حال زهير واختلاطه بآخره.

الأمر الثاني: تفرد زهير عن هشام بن عروة , و هشام بن عروة مثله لا يتفرد عنه إلا الثقات خاصة بأمثال هذه المعاني وذلك أن عروة بن الزبير خالته عائشة و هشام بن عروة بن الزبير ، وهذا الإسناد هو من أشهر الأسانيد المدنية وأصحها، فتفرد مثل زهير بن محمد بمثل هذا الإسناد مما لا يقبل وخاصة ومرد هذا الإسناد إلى عائشة عليها رضوان الله.

ولكن مما يشكل عند البعض أن هذا الحديث قد جاء من وجر آخر من غير رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد قد رواه عنه عبد الملك بن محمد الصنعاني يرويه عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، ولكن عبد الملك الصنعاني ضعيف الحديث، ضعفه غير واحد من العلماء.

وكذلك قد جاء هذا الحديث عند ابن حبان في كتابه الصحيح من حديث ابن أبي السري يرويه عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وهذا الحديث أيضاً تفرد به ابن أبي السري وهو منكر الحديث ضعفه غير واحد من الحفاظ، جاء عند بقي بن مخلد في كتابه المسند من حديث عاصم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وجعله مرفوعاً، وجعل هذا الحديث مرفوعاً، هذه متابعة لـزهير بن محمد ، ولكن الذي تابعه هو عاصم وهو ابن عمر وهو ضعيف الحديث. إذاً هذه المتابعات لا تقوي الحديث ولا تشده بحال.

والحديث معلول أيضاً بعلة أخرى، هي: أن هذا الحديث جاء موقوفاً على عائشة عليها رضوان الله وهو أصح، فقد روى البيهقي في كتابه السنن وروى الحاكم وكذلك الدارقطني من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عليها رضوان الله أنها كانت تسلم في صلاتها واحدة، تسليمة واحدة، هذا الحديث يرويه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة عليها رضوان الله موقوفاً، وهذا الموقوف أصح، صوب الموقوف في ذلك الترمذي كما في كتابه السنن، وكذلك البزار كما في المسند، وكذلك يحيى بن معين ، أعل الحديث المرفوع سائر النقاد، أعله الترمذي رحمه الله فاستغربه فقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه يعني: من حديث عمرو عن زهير عن عائشة عن أبيه من حديث عن هشام عن عروة عن عائشة عليها رضوان الله، وهذا الحديث غريب من هذا الوجه، وقد نص على إعلاله أيضاً يحيى بن معين رحمه الله فإنه لما ذكر له هذا الحديث فقال: عمرو و زهير ضعيفان.

ضرورة معرفة سياقات كلام علماء نقد الرجال

ومن قرائن معرفة سياقات العلماء في كلامهم على الأحاديث أنهم يضعفون راوياً من الرواة في حديث من الأحاديث وهو في ذاته مستقيم ولكن كانت العلة الطارحة لهذا الحديث هو هذا الراوي فيوردونه مضعفين له، وهذا هو سر تنوع قول بعض الأئمة في بعض الأحاديث.

زهير بن محمد ضعفه يحيى بن معين في رواية ووثقه في رواية أخرى، سبب تضعيف يحيى بن معين له هو تفرده بهذا الحديث عن هشام بن عروة وله أحاديث مفاريد لكن هذا من أشهرها، وقد ضعفه في سياق إيراده في هذا الحديث يحيى بن معين تكثر الروايات عنه في الأحاديث وتكثر الروايات عنه أيضاً في الرواة، لابد من معرفة منهجه في النقد حتى نستطيع الجمع بين الروايات التي تتعدد عنه.

فعلى هذا نقول: إذا وجدنا كلاماً لـيحيى بن معين على راو من الرواة لكنه كلام متباين، فقال مرة: ثقة، وقال مرة: ضعيف، فالغالب أن الضعف إنما قصد به رواية من الروايات فطرح الرواية بتضعيف هذا الراوي، والفرق عند العلماء ظاهر إذا سئلوا عن راوي على سبيل العموم يختلف لو جاء في سياقه أمر بعينه، فأنت حينما تسأل عن أحد من الناس في الغالب تميل إلى تعديله إذا ما سئلت عن قضية معينة، لكن لو سئلت عن قضية معينة كالتجارة سألك شخص هل تأتمنه على التجارة أو حاذق في التجارة أو نحو ذلك ربما لمزته بجرح، أما الأصل فأنت تعدله.

ولهذا تجد الغالب في تعديل يحيى بن معين العموم أنه يسأل عن راو عموماً فيقوم بتعديله، فإذا جاء في سياق حديث فيقول: ما رأيك في حديث عائشة ؟ فيقول: زهير ضعيف، إذاً هو سأل عن هذا الراوي بخصوصه فلينه، ولهذا العلماء إذا جاء ذكر راو من الرواة اختلف فيه قول يحيى بن معين يقولون: وثقه يحيى بن معين وقال مرة: ضعيف.

كيفية معرفة سياق كلام علماء نقد الرجال

كيف نعرف هذه السياقات؟ نعرف هذه السياقات بالرجوع إلى كتب الغرائب وخاصة كتاب الكامل لـابن عدي في النقل عن يحيى بن معين ، ابن عدي في كتابه الكامل يكثر النقل عن يحيى بن معين ويذكر كلامه على رواة في سياق غرائب الرواة فيأتي بحديث ثم يقول: قال يحيى بن معين : ضعيف في سياقه لهذا الحديث، أو سئل عنه يحيى بن معين فقال: ضعيف.

في كتب الرجال التي تنقل الأقوال مجردة يقولون: قال يحيى بن معين : ثقة، وقال مرة: ضعيف، فالضعيف جاء في سياق معين، والتوثيق جاء بإطلاق كما هنا في حديث زهير بن محمد الأصل فيه هو في ذاته مستقيم ولكن لما تغير حفظه وجاء بأحاديث تستنكر قال العلماء بضعف تلك الروايات؛ ولهذا نقول: إن تعدد أقوال الناقد على راو من الرواة بعينه لابد فيه من النظر إلى السياق، وعلى هذا نقول: إن حديث عائشة عليها رضوان الله هو معلول بعدة علل:

أولها: تفرد زهير .

الثاني: رواية عمرو وهو من رواية الشاميين عن زهير .

الثالث: تفرد زهير بن محمد عن هشام بن عروة وذلك أن الإسناد إسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة هي من الأسانيد التي تشتهر، ولما جاء هذا الحديث ولم يشتهر لم يكن مقبولاً عند الأئمة.

كذلك العلة الرابعة: أن هذا الحديث جاء موقوفاً من وجه أصح، العلماء وهذا أيضاً من قرائن الترجيح إذا تشابهت الطرق وتقاربت من جهة القوة مالوا إلى ترجيح الموقوف على المرفوع، لماذا؟ لأن النفوس تتشوف إلى الرفع فيقومون بقصر الرواية وحملها على أدنى محاملها، فكيف إذا كان الراوي للحديث الموقوف أقوى؟ وذلك أن هذا الحديث هو الذي يرويه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة هو أصح من الحديث المرفوع، ثم أيضاً إن أمثال عبيد الله بن عمر و القاسم لو كان الحديث عندهما مرفوعاً ما جعله موقوفاً على عائشة لأن العصمة للنبي عليه الصلاة والسلام، والوحي يؤخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقصران الحديث عليها وهو عندهما مرفوع.

وكذلك أيضاً من وجوه الإعلال لهذا الحديث: أن أهل المدينة وهذا الإسناد إسناد مدني في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هذا الإسناد إسناد مدني ولو كان الحديث عند المدنيين لصح بمثل هذا الإسناد إما رواة عروة أو رواية القاسم وكذلك عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة عليها رضوان الله، فنقول: إن مثل هذه الأسانيد لما لم يأتيه الحديث مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على نكارته ورده.

هذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد به زهير بن محمد عن هشام بن عروة ، و هشام بن عروة بن الزبير حديثه يشتهر ويحفظ ويضبط ويرويه ويروي عنه أحاديثه جماعة من الرواة الثقات, ويضبطون مثل هذا الحديث لو وجد عن هشام ، وقد تفرد بهذه الرواية زهير بن محمد وهو ممن يضعف في بعض حديثه، وهو إن كان في ذاته ثقة وقد وثقه الإمام أحمد وكذلك يحيى بن معين وغيرهم إلا أنه في رواية الشاميين عنه ضعف ونكارة، وقد روى هذا الحديث عنه شامي يرويه عنه عمرو بن أبي سلمة وهو دمشقي، تفرد بهذا الحديث وحديث الدمشقيين عنه منكر، والعلة في ذلك اختلف فيها في كلام العلماء إما أن تكون العلة من زهير فيكون قد اختلط بآخر حديثه ثم اختلف حديث العراقيين عن الشاميين فكان حديث البصريين من العراقيين صحيحاً كما نص على هذا غير واحد من الحفاظ وكان حديث الشاميين عنه ضعيفاً، وقد نص على هذا غير واحد من العلماء كالإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أبو حاتم ، بل نص على هذا البخاري رحمه الله و ابن عدي في كتابه: الكامل.

على هذا نقول: إن حديث زهير على نوعين: حديث يرويه العراقيون عن زهير وهذا صحيح، وحديث يرويه شاميون عنه وهو منكر، العلة فيما يظهر لي والله أعلم أن زهير اختلط بآخره فروى من حفظه ولا يروي من كتابه فاختلط حديثه وكان آخر قراراه بالشام، فالأحاديث المفاريد عنه في الشام منكرة حتى إن الإمام أحمد رحمه الله لشدة نكارة أحاديثه التي في الشام قال: كأن زهيراً آخر، يعني: الذي يحدثون به آخر غير زهير الذي يروي عنه البصريون، وهذا الحديث اجتمع فيه علتان من جهة الإسناد في الرواة:

الأولى: حال زهير واختلاطه بآخره.

الأمر الثاني: تفرد زهير عن هشام بن عروة , و هشام بن عروة مثله لا يتفرد عنه إلا الثقات خاصة بأمثال هذه المعاني وذلك أن عروة بن الزبير خالته عائشة و هشام بن عروة بن الزبير ، وهذا الإسناد هو من أشهر الأسانيد المدنية وأصحها، فتفرد مثل زهير بن محمد بمثل هذا الإسناد مما لا يقبل وخاصة ومرد هذا الإسناد إلى عائشة عليها رضوان الله.

ولكن مما يشكل عند البعض أن هذا الحديث قد جاء من وجر آخر من غير رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد قد رواه عنه عبد الملك بن محمد الصنعاني يرويه عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، ولكن عبد الملك الصنعاني ضعيف الحديث، ضعفه غير واحد من العلماء.

وكذلك قد جاء هذا الحديث عند ابن حبان في كتابه الصحيح من حديث ابن أبي السري يرويه عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وهذا الحديث أيضاً تفرد به ابن أبي السري وهو منكر الحديث ضعفه غير واحد من الحفاظ، جاء عند بقي بن مخلد في كتابه المسند من حديث عاصم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وجعله مرفوعاً، وجعل هذا الحديث مرفوعاً، هذه متابعة لـزهير بن محمد ، ولكن الذي تابعه هو عاصم وهو ابن عمر وهو ضعيف الحديث. إذاً هذه المتابعات لا تقوي الحديث ولا تشده بحال.

والحديث معلول أيضاً بعلة أخرى، هي: أن هذا الحديث جاء موقوفاً على عائشة عليها رضوان الله وهو أصح، فقد روى البيهقي في كتابه السنن وروى الحاكم وكذلك الدارقطني من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عليها رضوان الله أنها كانت تسلم في صلاتها واحدة، تسليمة واحدة، هذا الحديث يرويه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة عليها رضوان الله موقوفاً، وهذا الموقوف أصح، صوب الموقوف في ذلك الترمذي كما في كتابه السنن، وكذلك البزار كما في المسند، وكذلك يحيى بن معين ، أعل الحديث المرفوع سائر النقاد، أعله الترمذي رحمه الله فاستغربه فقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه يعني: من حديث عمرو عن زهير عن عائشة عن أبيه من حديث عن هشام عن عروة عن عائشة عليها رضوان الله، وهذا الحديث غريب من هذا الوجه، وقد نص على إعلاله أيضاً يحيى بن معين رحمه الله فإنه لما ذكر له هذا الحديث فقال: عمرو و زهير ضعيفان.

ومن قرائن معرفة سياقات العلماء في كلامهم على الأحاديث أنهم يضعفون راوياً من الرواة في حديث من الأحاديث وهو في ذاته مستقيم ولكن كانت العلة الطارحة لهذا الحديث هو هذا الراوي فيوردونه مضعفين له، وهذا هو سر تنوع قول بعض الأئمة في بعض الأحاديث.

زهير بن محمد ضعفه يحيى بن معين في رواية ووثقه في رواية أخرى، سبب تضعيف يحيى بن معين له هو تفرده بهذا الحديث عن هشام بن عروة وله أحاديث مفاريد لكن هذا من أشهرها، وقد ضعفه في سياق إيراده في هذا الحديث يحيى بن معين تكثر الروايات عنه في الأحاديث وتكثر الروايات عنه أيضاً في الرواة، لابد من معرفة منهجه في النقد حتى نستطيع الجمع بين الروايات التي تتعدد عنه.

فعلى هذا نقول: إذا وجدنا كلاماً لـيحيى بن معين على راو من الرواة لكنه كلام متباين، فقال مرة: ثقة، وقال مرة: ضعيف، فالغالب أن الضعف إنما قصد به رواية من الروايات فطرح الرواية بتضعيف هذا الراوي، والفرق عند العلماء ظاهر إذا سئلوا عن راوي على سبيل العموم يختلف لو جاء في سياقه أمر بعينه، فأنت حينما تسأل عن أحد من الناس في الغالب تميل إلى تعديله إذا ما سئلت عن قضية معينة، لكن لو سئلت عن قضية معينة كالتجارة سألك شخص هل تأتمنه على التجارة أو حاذق في التجارة أو نحو ذلك ربما لمزته بجرح، أما الأصل فأنت تعدله.

ولهذا تجد الغالب في تعديل يحيى بن معين العموم أنه يسأل عن راو عموماً فيقوم بتعديله، فإذا جاء في سياق حديث فيقول: ما رأيك في حديث عائشة ؟ فيقول: زهير ضعيف، إذاً هو سأل عن هذا الراوي بخصوصه فلينه، ولهذا العلماء إذا جاء ذكر راو من الرواة اختلف فيه قول يحيى بن معين يقولون: وثقه يحيى بن معين وقال مرة: ضعيف.

كيف نعرف هذه السياقات؟ نعرف هذه السياقات بالرجوع إلى كتب الغرائب وخاصة كتاب الكامل لـابن عدي في النقل عن يحيى بن معين ، ابن عدي في كتابه الكامل يكثر النقل عن يحيى بن معين ويذكر كلامه على رواة في سياق غرائب الرواة فيأتي بحديث ثم يقول: قال يحيى بن معين : ضعيف في سياقه لهذا الحديث، أو سئل عنه يحيى بن معين فقال: ضعيف.

في كتب الرجال التي تنقل الأقوال مجردة يقولون: قال يحيى بن معين : ثقة، وقال مرة: ضعيف، فالضعيف جاء في سياق معين، والتوثيق جاء بإطلاق كما هنا في حديث زهير بن محمد الأصل فيه هو في ذاته مستقيم ولكن لما تغير حفظه وجاء بأحاديث تستنكر قال العلماء بضعف تلك الروايات؛ ولهذا نقول: إن تعدد أقوال الناقد على راو من الرواة بعينه لابد فيه من النظر إلى السياق، وعلى هذا نقول: إن حديث عائشة عليها رضوان الله هو معلول بعدة علل:

أولها: تفرد زهير .

الثاني: رواية عمرو وهو من رواية الشاميين عن زهير .

الثالث: تفرد زهير بن محمد عن هشام بن عروة وذلك أن الإسناد إسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة هي من الأسانيد التي تشتهر، ولما جاء هذا الحديث ولم يشتهر لم يكن مقبولاً عند الأئمة.

كذلك العلة الرابعة: أن هذا الحديث جاء موقوفاً من وجه أصح، العلماء وهذا أيضاً من قرائن الترجيح إذا تشابهت الطرق وتقاربت من جهة القوة مالوا إلى ترجيح الموقوف على المرفوع، لماذا؟ لأن النفوس تتشوف إلى الرفع فيقومون بقصر الرواية وحملها على أدنى محاملها، فكيف إذا كان الراوي للحديث الموقوف أقوى؟ وذلك أن هذا الحديث هو الذي يرويه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة هو أصح من الحديث المرفوع، ثم أيضاً إن أمثال عبيد الله بن عمر و القاسم لو كان الحديث عندهما مرفوعاً ما جعله موقوفاً على عائشة لأن العصمة للنبي عليه الصلاة والسلام، والوحي يؤخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقصران الحديث عليها وهو عندهما مرفوع.

وكذلك أيضاً من وجوه الإعلال لهذا الحديث: أن أهل المدينة وهذا الإسناد إسناد مدني في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هذا الإسناد إسناد مدني ولو كان الحديث عند المدنيين لصح بمثل هذا الإسناد إما رواة عروة أو رواية القاسم وكذلك عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة عليها رضوان الله، فنقول: إن مثل هذه الأسانيد لما لم يأتيه الحديث مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على نكارته ورده.

الحديث الثاني: هو حديث سهل بن سعد الساعدي عليه رضوان الله أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه تسليمة واحدة ).

الحديث رواه ابن ماجه في كتابه السنن من حديث عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث منكر تفرد به عبد المهيمن عن العباس ، و عبد المهيمن متروك الحديث، ترك حديثه الإمام أحمد وكذلك يحيى بن معين ، ومفاريده مناكير، وهذا الحديث لا يعرف من حديث سهل بن سعد عليه رضوان الله إلا من هذا الوجه.

كذلك من قرائن الإعلال: أن هذا الحديث تفرد بإخراجه مرفوعاً ابن ماجه في كتابه السنن، وهذا الحديث من المسائل المشهورة، وذلك أن التسليم في الصلاة ركن من أركانها، وهذا على قول جماهير العلماء، فعلى هذا ما يرد في أمثال هذه المسألة ولم يرد عند البخاري و مسلم ولم يرد في الأصول مما هي أشهر من سنن ابن ماجه فإن هذا من قرائن النكارة.

ولهذا نستطيع أن نقول: إن ابن ماجه لم يتفرد بشيء من الأصول ويكون صحيحاً، ومعنى الأصول: من الأصول الظاهرة من مسائل الدين وأحكامه مما يتعلق بالأحكام الظاهرة في الصلاة، ليس كل مسألة في الصلاة، ثمة مسائل في الصلاة لا نقول بأن ابن ماجه لو تفرد بها لم يكن ذلك مقبولاً، بل نقول: إن ما كان ظاهراً من المسائل كالأركان كالواجبات وغير ذلك، ذلك أيضاً الشروط نواقض الوضوء ونحو ذلك فإن هذا من المسائل المشهورة وأعلامها ينبغي أن يرد فيها حديث أصح خاصة في الدواوين المشهورة.

الحديث الثالث في هذا: هو حديث سلمة بن الأكوع عليه رضوان الله بنفس حديث سهل بن سعد : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم- يعني: من صلاته- تسليمة واحدة ).

هذا الحديث رواه ابن ماجه أيضاً في سننه و البيهقي في السنن من حديث يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث حديث منكر أيضاً تفرد به يحيى بن راشد وقد تركه الأئمة، لينه أحمد و يحيى بن معين و أبو حاتم وغيرهم، وهذا الحديث فيه من العلل أيضاً تفرد ابن ماجه بإخراجه من هذا الوجه، وابن ماجه مفاريده على نوعين: مفاريد رواة، ومفاريد روايات، مفاريد الرواة هم الرجال الذين يخرج لهم ابن ماجه الروايات هي الأحاديث التي يخرج ابن ماجه منها شيئاً.

نقول: إن مفاريد ابن ماجه للرواة أظهر في الضعف من الروايات، ولهذا نقول: قل ما ينفرد ابن ماجه براو عن بقية الكتب الستة ويكون صحيحاً، ويكون ثقة. أما بالنسبة لمفاريد الروايات فإن ابن ماجه قد يتفرد بأحاديث وتكون صحيحة لكنها قليلة، ويندر أن يتفرد براوي ويكون ثقة.