أرشيف المقالات

تساؤلات محرجة لمتبرجة! - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور، وبأمره تصريف الأحوال، وهو على كلِّ شيء قدير، وبكلِّ شيء عليم، والصلاة والسلام على رسول الله، سيد ولد آدم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فهذه تساؤلات محرجة لمتبرجة، أردت من خلالها أن تنتبه الغافلة، وتتعلم الجاهلة، وتثبت على طريقها كلُّ فاضلة عاقلة، فأقول، وبالله أصول وأجول:

* أختاه!
هل تتبرجين ليراك الناس بهذا اللباس، والتبرج المزعج؟ وتفرحين إذا التفتت إليك الأبصار وتابعتك الأنظار؟
فأين أنت عن الله!

أين أنت عمن يراك تلبسين ما نهاك عنه وحذرك منه؟
أما تخافين عذابه؟ وتخشين عقابه؟ وتهابين حسابه؟
أم أنَّ الدنيا أغرتك؟ وفي أوديتها أردتك؟ وبحبالها أوثقتك؟
هل ركنت للدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة الباقية؟
هل طمعت فيما يزول؟ وانشغلت بما يحول؟ ونسيت يومًا سيطول؟
أعيذك بالله من كلِّ ما يؤذيك!
قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْ‌جَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].
 
* أختاه!
هل تحبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا أشكُّ في ذلك طرفة عين.
فهل يرضيك لو أنه بُعث من قبره أن يراك على هذا الوضع المزري والواقع المخزي؟!
تصوَّري هذا بخيالك، ثم افعلي ما بدا لك!
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا يا رسول الله ‍! ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» [1].
ألا تخشين أنك ممن أحدثوا بعده، وصنعوا ما لم يشرع لهم، وفعلوا ما لم يأذن لهم فيه، فيطردون عنه، ويُحرمون من حوضه، ويُذادون عن الشراب من يده المباركة في يوم يطول فيه الموقف ويعظم فيه الهول؟! وهو ينادي ويقول: «أمتي! أمتي!» فيرد عليه: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك!!
 
* أختاه!
أيسرُّك لو أن ملك الموت نزل إليك، وهجم عليك، ليستلَّ الروح من الجسد السافر والبدن الظاهر؛ أن تلقي الله تعالى وأنت بلباسك المتهتِّك، وحجابك المتبرج؟ أما تخافين من سوء الخاتمة وقبح العاقبة؟ والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، ثم يحاسب على ما قدمته يداه بين يديه.
فيا لهف نفسي! كم من مفضوح في يوم لقاء الله!
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّ‌ونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَ‌دُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [ الجمعة :8].
 
* أختاه!
لو أن شقيقك طلب منك أن تختاري له زوجة صالحة ممن تعرفين من الفتيات، وجعل لك القرار في الاختيار...
فهل ستختارين له تلك المتبرجة السامجة؟! أم أنَّك ستنصرفين عنها لتختاري له تلك اللؤلؤة المصونة والدُّرَّة المكنونة التي تلفعت بلباسها، وتسربلت بعباءتها، وحفظت نفسها من تلك النظرات الخائنة التي يرسل بها زمرة شيطانية من الذئاب البشرية التي تحوم حول كلِّ فريسة بلهاء زجَّت بنفسها بين أنياب الذئاب ومخالب المخربين من الشباب ؟
أنا زعيم بأنَّك ستختارين الأخرى على الأولى! أرأيت لمن يكون الاحترام؟ وبمن تكون الثقة؟ وإلى من تنصرف القلوب والعقول؟ وتلك عاجل البشرى، وما عند الله خيرٌ وأبقى.

* أختاه!
هل تقتدين في هذا التبرج بالمؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين أو بزوجات أصحاب خير المرسلين؟ أو بنساء أتقياء التابعين؟ أو بالحافظات لما أمر به ربُّ العالمين؟ أم أنَّك تتأسين بالفاسقات العاصيات من الكافرات الفاجرات أو بالممثلات المنحرفات أو بالمغنيات المائلات أو بالضائعات الحائرات؟! ولا يخفاك ـ رُزقت هُداك ـ أنَّ التشبُّه في الظاهر دليل التعلُّق في الباطن، ومن تشبه بقوم فهو منهم، والمرء يُحشر مع من أحبّ..
فاختاري الرفيق في الطريق، والموعد يوم القيامة !
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لمَّا نزلت: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية [3].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمَّا أنزل الله: {وَلْيَضْرِ‌بْنَ بِخُمُرِ‌هِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] شققن أكنف ـ وفي رواية؛ أكثف ـ مروطهنَّ فاختمرن بها [4].
فهل تستوي المستترة مع المستهترة؟! والمحجبة مع المتفرنجة؟! والتقيَّة مع الشقيَّة؟! تالله لا تستويان، لا في الدنيا، ولا يوم يبعثان!

* أختاه!
هل تعلمين أن المتبرجة السافرة مهزومة من داخلها؟ لأنها مهزوزة الشخصية، مطموسة الهوية، مسلوبة الإرادة، لا تعتزُّ بدينها، ولا تفخر بعقيدتها..
فهي تشعر بدناءة نفسها، وتحس بضعف ثقتها بذاتها، فتحاول ستر هذه السوءة، بسوءةِ التبرُّج والسفور وحبّ الظهور، وكم قُصمت بهذا ظُهور؟! فأين هي ـأسفًا عليهاـ من تلك الواثقة بطريقها، المُعتزَّة بدينها، والمستمسكة بأمر ربِّها..
فواسعدًا لها!
لقد جعلت الحجاب مبدأ تعيش عليه، لا يمكنها التنازل عنه، وقضية تناظل من أجلها، فكيف تتساوى مع من تتهاوى في كلِّ يوم تحت أقدام أعدائها، يحرفونها عن مسارها كيفما أرادوا، وهي سامعة مطيعة، خاضعة ذليلة، لا رأي لها أو قرار، ولا فكر لها أو خيار؟‍‍! قال تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك:22].

* أختاه!
هل تعتقدين أن التبرج حضارة، ومواكبة للتطور، ومسايرة لركب التقدم؟ الحقيقة أنها خدعة لا أظنها تنطلي عليك، ولا أحسب أنك من ضحاياها، فالتبرج عودة للعصور الهمجية، ورجوع لأسن الجاهلية، ولهذا جاء النهي الصريح في كتاب الله تعالى عن النكوص على الأعقاب، والرجوع لزمن الوحش والغاب.
قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّ‌جْنَ تَبَرُّ‌جَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ} [الأحزاب:33].
فهل ترضين بأن توصفي بالجاهلية؟ أو تنسبين إلى العصور الحجرية؟ انتبهي من مكر الأعداء، واحذري من كيد الشيطان ، فالرقي والتقدم تستلزم التمسُّك بالآداب الشرعية، والقيم الإيمانية، وإلا فإنها الجاهلية الأولى، واللوثة الكبرى، والنكسة الأخرى!
 
* أختاه!
هل تحتملين الحرمان من الجنة العالية لنزوة زائلة، ولنشوة عاجلة؟ تمضي سريعًا كومض البرق، ثم يبقى الذنب في الصحيفة، وقد يكون سببًا للحرمان من الجنة، فيا له من حرمان موجع وغبنٍ مفجع!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «صِنفانِ مِن أهلِ النار لم أرَهُما.
قومٌ معهُم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُونَ بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رُؤسُهنَّ كأسنةِ البُختِ المائلةِ لا يدخلنَ الجنةَ، ولا يجدنَ ريحهَا، وإنَّ ريحها ليُوجدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا»
[5].
وعن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله قال: «خير نسائكم الودُودُ الولودُ، المواتية، المواسية؛ إذا اتَّقينَ اللهَ، وشرُّ نسائكم المُتبرِّجاتُ المتخيلات، وهنَّ المنافقات، لا يدخل الجنة منهنَّ إلا مثلُ الغراب الأعصم» [6].
وهذا الغراب في رجله ومنقاره لون أحمر، وهو نادر في الغربان.
 
* أختاه!
لماذا تتبرجين؟! أليس ليراك الناس، فيعجبون بك، وينظرون إليك، ويثنون عليك، ويرضون عنك؟! فأين أنت عن البحث الدؤوب عن رضى الرب سبحانه! أيعقل أن رضى الله تعالى آخر ما تفكرين به، وتبحثين عنه؟! أليست قلوب العباد بين يديه يقلِّبها كيف يشاء؟! بلى! فلماذا لا تجعلين الهم َّ همًّا واحدًا؟!
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التَمس رضا الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس» [6].

فأفيقي يا أخيَّة من هذا السبات العميق، واحذري من آفات الطريق، واعلمي أن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، وأنك راجعة إلى الله، وواقفة بين يديه، فخذي للموقف أهبته، وللموقف عدته، وللسؤال إجابته، فلا يغرنَّك بالله الغرور، فإلى الله ترجع الأمور.
 
 
________________
[1]- صحيح البخاري (6/2655)، (6851).
[2]- صحيح سنن أبي داود (2/773)، (3456).
[3]- صحيح سنن أبي داود (2/773)، (3457).
[4]- صحيح مسلم (3/1339)، (2128).
[5]- أخرجه البيهقي في السنن، انظر: السلسلة الصحيحة (4/464)، (1849).
[6]- رواه ابن حبان في صحيحه، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/547)، (2250) وهو في الترمذي بلفظ قريب منه.
 
موقع هاجس
19/4/2007
 

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن