أرشيف المقالات

الله لطيف بعباده

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
الله لطيف بعباده
 
بَرٌّ رحيم، يلطف بعباده من حيث لا يعلمون، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويرفق بهم في كل وقت، وهو معهم وهم لا يشعرون، لطف بأوليائه ليعرفوه، ولم يعجل عقوبة أعدائه حين كفروه وأنكروه، يقبل القليل، ويُثِيب عليه الجزاء الجميل والأجر الجزيل، أعطاهم ما لا يخطر على بال، ووهبهم ما لم يدُرْ لهم يومًا بخيال، أعطى أصفياءه سعادةً وانشراح صدرٍ لو علمها أهل الجاه لنافسوهم عليها، ولبذلوا لها كل أموالهم وما يملكون، رزقهم محبته وذكره، وألهمهم معرفته وشكره، ذلَّل لهم الصعاب، وفتح لهم الأبواب، وهيَّأ لهم الأسباب، فسبحانه وفَّقهم للعمل بدايةً؛ ليُجزِلَ لهم ثوابه وقبوله نهايةً.
 
لطيفٌ بعباده أجمعين؛ يعصونه فيسترهم، ويكفرونه فيُمهِلُهم، ويرجونه فلا يخذلهم، وينكسرون له فيجبرهم، غفر لبغيٍّ سقت كلبًا، ورحم إنسانًا جبر قلبًا، فلا يأسَ وهو الرحيم، ولا خوفَ وهو العليم، ولا حزنَ وهو الكريم الحليم.
 
غير أنه لا يرى هذا اللطف ولا يدركه إلا من رزقه الله بصيرةً نافذة؛ فأحسن النظر لحكمته، وعرف رحمته وقيوميته، يجيب المضطر ويكشف الضر، تصمد إليه الخليقة، وتفزع إليه بالفطرة والسليقة.
 
يغيث المنكوب، ويفرِّج كرب المكروب، فأحسِنِ الظنَّ به مهما اشتدت بك النوازل، وتكالبت عليك المحن والخطوب، فهو العليم بكل الخفيات والغيوب.
 
يبتلي عباده أحيانًا بكوارثَ في ظاهرها وهي رحماتٍ في باطنها؛ يختبر بها صبرهم ومحبتهم، ويمتحن ثباتهم وطاعتهم، يعاملهم بمقتضى مصلحتهم لا بحسب رغبتهم ومرادهم، معاناةٌ تدرِّبهم على تحمل المشاق، وتعلِّمهم الاستعلاءَ الحقيقي على شهواتهم؛ فيشتد عودهم وتصلب إرادتهم وتقوى عزيمتهم.
 
إعدادٌ حقيقيٌّ للصبر على الآلام، غير أنها آلامٌ عاجلة لسعادةٍ حقيقيةٍ آجلة؛ درجاتٌ لم يستطيعوا بلوغها بأعمالهم، فتكرَّم بإبلاغهم إياها بابتلائهم، ومع هذا لم يحمِّل نفسًا فوق طاقتها، ولم يبتلِها فوق قوة احتمالها.
 
أحاط علمًا بالأسرار، وما وراء الحجب والستور، يضاعف أجر المؤمنين الصادقين، ويتجاوز عن العصاة المذنبين، ويقبل عذر التائبين، ويستجيب للداعين المخبتين.
 
فإلى من تاه في دهاليز المعاصي، ومن ضلَّ طريقه وأظلم دربه، وحار قلبه واشتد كربه، الله لطيفٌ بعباده؛ فافزع إليه واستند عليه، فلن يخيِّبَ لك مسعًى، ولن يُضلَّ لك مبتغًى، إنه الله بكل جميلٍ كفيل، قد رزقك جنينًا، وكفلك صغيرًا، أفلا يرعاك ويحميك كبيرا؟
 
سبحانك! ما قدرناك حق قدرك، وما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حق معرفتك، لكنَّ عزاءنا أننا نلطف بخلقك فالطُفْ بنا، ونرحم عبادك فارحمنا، ونحاول جبر كسرهم فاجبرنا، يا كريم يا ربنا.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢