الأحاديث المعلة في الصلاة [7]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على شيء من الأحاديث المعلة في الصلاة في هذا المجلس.

وأول هذه الأحاديث: هو حديث جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى قال: ( سافرنا في سرية فأصابنا غيم فتحرينا القبلة ولم نجدها فصلى كل واحد منا وحده, ووضع كل واحد خطاً فلما أصبحنا رأينا أنا صلينا إلى غير القبلة فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجزت صلاتكم ) .

هذا الحديث حديث جابر بن عبد الله روي بألفاظ متعددة، أخرجه الدارقطني و البيهقي ، وكذلك الحاكم في كتابه المستدرك من حديث محمد بن سالم أبي سهل عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث معلول بعدة علل:

أولها: أن هذا الحديث جاء من حديث محمد بن سالم أبي سهل وهو واهي الحديث، كذلك أيضاً: فإن محمد بن سالم كوفي ويروي عن عطاء عن جابر بن عبد الله هذا الحديث وتفرد به، ومفاريد الكوفيين عن الحجازيين من المتون الثقيلة التي يحترز فيها العلماء، يحترز في قبولها العلماء خاصة إذا كان الراوي مما يستنكر حديثه.

ولهذا نقول: إن مفاريد أصحاب الآفاق إذا تفردوا بشيء من المعاني الجليلة فإن هذا مما يستنكر غالباً ويسميه العلماء بالمنكر، وهذا تفرد به محمد بن سالم أبو سهل وهو ممن ضعف في حديثه، وجاء هذا الحديث من وجه آخر رواه الدارقطني ، وكذلك البيهقي من حديث أحمد بن عبيد الله بن الحسن قال: وجدت في كتاب أبي عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة بنحوها.

وهذا الحديث أيضاً معلول بعدة علل، منها: أن أحمد راوي هذا الحديث لا تعرف حاله، وكذلك يروي عن محمد بن عبيد الله العرزمي وجادة فيقول: وجدت في كتاب أبي، وما يجده الإنسان في كتاب غيره نقول: إذا كان صاحب الكتاب ليس بضابط وكذلك الناقل ليس بضابط فإن هذا مما يرد؛ وذلك أن الأئمة وكذلك الرواة إذا حدثوا بحديث من الأحاديث ربما يكتبونها وهماً تحتاج إلى مراجعة بعد ذلك فتكون هذه من التقييدات التي تحتاج إلى مذاكرة وضبط، فما يوجد وجادة في بعض كتب الرواة فهذا مما ينبغي أن يحترز فيه الراوي.

ومنها رواية أحمد بن عبيد الله هنا وهو مجهول ووجد في كتاب أبيه، وهذه الوجادة أصلاً مما يتحفظ فيها العلماء فكيف وراويها مجهول؟ كذلك أيضاً محمد بن عبيد الله العرزمي ضعيف الحديث جداً بل قد تركه غير واحد من الأئمة. وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر رواه الحارث بن أبي أسامة في كتابه المسند من حديث الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر بن عبد الله وهو معلول بـالعرزمي فالعلة باقية.

إذاً: هذا الحديث من جهة الإسناد جاء من وجهين:

الوجه الأول: من حديث محمد بن سالم وهو أبو سهل عن عطاء عن جابر بن عبد الله .

الوجه الثاني: من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر بن عبد الله .

إذاً: يرويه عن جابر رجلان: محمد بن سالم ، و محمد بن عبيد الله ، وكلهم لا يحتج به، وقد ضعف هذا الحديث غير واحد من الحفاظ، ضعفه الدارقطني ، و البيهقي ، و أبو الفرج بن الجوزي ، وغيرهم على أن هذا الحديث مما لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وأما بالنسبة للحديث الذي جاء فيه معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( أصبتم، أو أجزت صلاتكم )، ونحو ذلك حال تحيرهم في القبلة نقول: إن هذا لا يثبت فيه شيء، والآية في ذلك صريحة: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، يعني: على العموم، وإن كانت هذه آية نزلت في موضع آخر يأتي الكلام عليه بإذن الله.

إذاً: في حال جهل الإنسان للقبلة وصلاته إليها فإنه لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام حكم في هذه المسألة، وإنما جاءت فيها العمومات من التيسير وعدم التشديد؛ ولهذا نقول: إن الإنسان إذا صلى إلى غير القبلة وتحرى فإن صلاته صحيحة لظاهر القرآن، وأما ما جاء في هذا الحديث فإنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثاني: وهو حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة وهو بمعنى هذا الحديث أنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة فأدركتنا ليلة مظلمة فلم نجد القبلة فصلينا إلى غيرها, فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:115] ) .

هذا الحديث حديث منكر أيضاً، وقد رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وغيره من حديث أشعث بن سعيد السمان يرويه عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث حكمنا عليه بالنكارة لوجوه:

منها: أن هذا الآية ثبت نزولها في الصحيح في غير هذا الموضع, وذلك ما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله: ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وهو يصلي ووجهه إليها يومئ إيماء، قال: فأنزل الله: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:115] )، وهذا الحديث حديث ثابت وهو في الصحيح، وهذا من أمارات نكارة الحديث.

ثم أيضاً يؤيد القول بالنكارة وإن كان هذا لا يقوى منفرداً على الإنكار باعتبار أن الآية قد تثبت نزولاً في موضعين، ولكن يؤيد ذلك: أن هذا الحديث تفرد به أشعث بن سعيد وهو ضعيف الحديث، بل قال بعض العلماء: إنه يكذب، كما قال ذلك هشيم .

وأشعث بن سعيد تفرد بهذا الحديث عن عاصم بن عبيد الله ، و أشعث بن سعيد تركه غير واحد من الرواة من الأئمة من النقاد كالإمام أحمد وغيره وهو ضعيف عند عامتهم، وله ابن يصدقه بعض الأئمة وهو سعيد بن أشعث بن سعيد السمان يتكلم عليه بعض العلماء بالتعديل، ولكن أشعث بن سعيد السمان وولده وهو ممن لا يحتج به وحديثه مطروح.

كذلك فإن له مفاريد يتفرد بها مما لا يحتج بها، بل إن الإنسان لو سبر حديث أشعث بن سعيد فإنه يقف على الأحاديث ولا يمكن أن يقول بصدق أشعث فهو قريب من الطرح والاتهام، وكذلك فإنه يروي هذا الحديث عن عاصم بن عبيد الله ، و عاصم بن عبيد الله ضعيف الحديث وقد لينه وحكم عليه بسوء حفظه غير واحد من الأئمة.

وكذلك أيضاً: فإن هذا الحديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وقد قال غير واحد: إنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، كما قال ذلك البيهقي رحمه الله في كتابه السنن، قال: و محمد بن سالم أبو سهل ، و محمد بن عبيد الله العرزمي ضعيفان، و أشعث بن سعيد لا يحتج به، قال: وليس في هذا الحديث إسناد ثابت.

وقد أعل هذا الحديث أيضاً العقيلي في كتابه الضعفاء، وقال: ليس يروى من وجه يثبت يعني: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا نقول: إنه لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في مسألة جهالة القبلة والصلاة إلى غيرها خبر، وهذا الحكم إنما فيه جملة من النصوص المروية من آثار السلف من الصحابة وغيرهم وأقوال الأئمة والاعتماد في ذلك الأصل هو على ما جاء من التوسعة في كلام الله سبحانه وتعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ، وقد تقدم معنا الإشارة إلى حديث: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة )، والصواب فيه الوقف، ولا يثبت رفعه.

الحديث الثالث: هو حديث وائل بن حجر عليه رضوان الله قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره ).

هذا الحديث أخرجه ابن خزيمة في كتابه الصحيح من حديث مؤمل بن إسماعيل عن سفيان بن سعيد الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به بهذا اللفظ مؤمل بن إسماعيل وهو الذي ذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره.

وحديث وائل بن حجر جاء من طرق متعددة ليس فيها وضع اليدين على الصدر وإنما فيها القبض، وهو وضع اليمنى على اليسرى، أما موضع وضع الكفين أو وضع اليد: هل هي على الصدر أم على السرة أم فوق السرة أو دونها؟ هذا لا يثبت فيه شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وسنتكلم بإذن الله عز وجل عن الأحاديث الواردة في هذا الباب.

حديث وائل بن حجر هو أشهر هذه الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع اليدين على الصدر، وينبغي أن ينبه أن لدينا مسألتين:

المسألة الأولى: هي القبض أي: وضع اليمنى على اليسرى، فهذا لا إشكال في ثبوته.

المسألة الثانية: هو موضع القبض، أين توضع؟ فهذا هو الذي نتكلم عليه وهو الذي لا يثبت في تحديده شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

مؤمل بن إسماعيل تفرد بهذا الحديث عن سفيان الثوري , وهذا الحديث منكر بل هو شديد النكارة لمن تأمله وسبر وجوه الرواية لحديث وائل ، فلا يشك أن ذكر وضع اليدين على الصدر أن هذا منكر وغير محفوظ في حديث وائل عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشهر هذه الأحاديث، وقد أخرجه ابن خزيمة في كتابه الصحيح.

هذا الحديث جاء من حديث وائل بن حجر ورواه عن وائل بن حجر جماعة، رواه أهل بيته، ورواه زوجته، ورواه عقبة بن وائل بن حجر ، ورواه عبد الجبار بن وائل بن حجر ، رواه علقمة و عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيهما، ووائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يثبت في هذه الطرق كلها أن وضع اليدين يكون على الصدر إلا من طريق عاصم بن كليب فقط، من طريق عاصم بن كليب وليس في جميع الطرق أيضاً، وإنما جاء من حديث مؤمل بن إسماعيل عن سفيان به فذكر ذلك، والذين يروون هذا الحديث عن سفيان الثوري جميعهم من الحفاظ الثقات لا يذكرون وضع اليدين على الصدر، بل إن مؤمل بن إسماعيل وإن كان ثقة في نفسه إلا أنه يروي هذا الحديث من وجوه أخرى ولا يذكره أيضاً أي: وضع اليدين على الصدر، كما أخرج هذا الطحاوي في شرح معاني الآثار.

ومؤمل بن إسماعيل ثقة في ذاته إلا أنه يروي من كتب، وذكر المؤرخون أنه دفن كتبه فضعف حفظه بعد ذلك واختل، وقال أبو حاتم رحمه الله: يخطئ، يعني: كثيراً في مروياته وخاصة فيما يرويه ويتفرد به في روايته عن سفيان ؛ لأن سفيان له أصحاب كثر يروون عنه، فتفرده في مروياته عن سفيان مما يتحفظ به الأئمة.

روى هذا الحديث عن سفيان الثوري جماعة من الحفاظ من الثقات، رواه عبد الله بن الوليد ، و محمد بن يوسف الفريابي ، وكذلك وكيع بن الجراح ، و عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، و يحيى بن آدم ، وغيرهم من الأئمة يروونه عن سفيان الثوري ولا يذكرون فيه كلمة الصدر وإنما يقولون: وضع يده اليمنى على اليسرى.

كذلك أيضاً: فإن هذا الحديث توبع عليه سفيان من غير ذكر الصدر، رواه شعبة بن الحجاج ، و سفيان بن عيينة ، و أبو الأحوص سلام بن سليم ، و محمد بن فضيل ، وغيرهم يروونه متابعين لـسفيان ولا يذكرون وضع اليمنى على اليسرى على الصدر، عن عاصم بن كليب عن أبيه كليب بن شهاب عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: هذه الزيادة في جميع الطبقات سواء في طبقة أصحاب وائل بن حجر وهم الذين يروون عنه: علقمة ، و عبد الجبار بن وائل ، وزوجة وائل بن حجر وأهل بيته، كذلك أيضاً جاء من بعض الوجوه مواليه عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت من هذا شيء إلا ما جاء من حديث عاصم ببعض الوجوه أيضاً وليس بكلها. يرويه أيضاً في الطبقة التي تلي الطبقة التي تروي عن عاصم يرويه خلق في هذا الباب لا يذكرون فيه هذه الزيادة.

ولهذا نقول: اجتنب الأئمة ذكر الصدر، وحديث وائل في الصحيح وليس فيه ذكر الصدر، وهذا من قرائن الإعلال أيضاً أن حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح, وقد أخرجه الإمام مسلم من حديث عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه ولم يذكر فيه الصدر.

ويدل على أن مؤملاً وهم مع مخالفته لهذا الجمع في جميع الطبقات أنه رواه بوجهين: تارة يرويه عن سفيان بذكر الصدر، وتارة يرويه بغير ذكر الصدر، وهذا من أمارات النكارة التي يرد بها الحديث.

وكذلك من القرائن أيضاً: أن هذه الزيادة جاءت في طبقة متأخرة، والطبقة المتأخرة يحترز فيها العلماء ويشددون في مفاريد الرواة بخلاف الطبقات المتقدمة، ولو كانت هذه الزيادة في طبقة متقدمة من التابعين أو نحو ذلك لاحتمل القول بقبولها ولكن جاءت متأخرة وعن من؟ عن سفيان الثوري .

و سفيان الثوري هو إمام حافظ، وهذا أيضاً: قرينة أخرى على الإعلال، سفيان الثوري من الأئمة الكبار الذين ينبغي ألا ينفرد عنه إلا إمام كبير ملازم له لا كحال مؤمل بن إسماعيل وإن كان من الثقات الذين يخطئون، ينبغي أن يروي عنه من له اختصاص به.

ونحن نقول: إن الرواية عن سفيان الثوري في أي حديث من الأحاديث يرويه راوٍ من الرواة عن سفيان الثوري لا نقبله إذا تفرد عن سفيان ولو لم يخالفه غيره ما دام أنه تفرد عن الآخرين بمعنى ثقيل، فكيف في صفة الصلاة في أمر ظاهر للناس ينفرد راوٍ من الرواة عن سفيان الثوري بحديث جاء واشتهر واستفاض حتى قيل: إنه بلغ حد التواتر في كثير من طبقاته؛ لأنه رواه جماعات في طبقة التابعين وأتباع التابعين وغيرهم يروونه فاستفاض واشتهر، مع ذلك يتفرد بهذا مؤمل بن إسماعيل .

وينبغي أن نعلم: أن الرواة الذين يتفرد الراوي عنهم بلفظ من الألفاظ أن الواحد منهم يتباين عن الآخر، فلو أن مؤمل بن إسماعيل تفرد بحديث عن غير سفيان ولم يخالفه غيره لاحتمل القبول في حال عدم وجود المخالفة، ولكن عن مثل سفيان فهذا لا يقال به.

من القرائن أيضاً للإعلال: أن سفيان الثوري من أهل الرأي، وأهل الرأي.. أهل الكوفة و سفيان منهم حكي عنه هذا القول أنه لا يرى وضع اليدين على الصدر، و سفيان الثوري لو ثبت عنده هذا الحديث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر لقال به، ولم يثبت عن سفيان الثوري من وجه أنه قال بأن اليدين توضعان على الصدر، وإنما يقول: إن اليدين توضعان تحت السرة، وهذا يدل على ضعف هذا الحديث بل ونكارته، بل إن الإنسان في مثل هذه الطرق ومثل هذه التفردات يكاد يقطع أن هذا الحديث لم يجر على لسان وائل بن حجر ولا أحد من أبنائه وإنما هو شيء من تركيب من الوهم الذي طرأ على مؤمل بن إسماعيل ، إذ لو وجد لنقل ولو في أحد هذه الطبقات.

وهذا الحديث أخرج في الدواوين المشهورة في الصحيح، وكذلك أيضاً في السنن ولم يخرج أحد منهم هذه الزيادة من حديث مؤمل مع إخراجهم للحديث من وجوه أخرى، وهذا من قرائن الإعلال أيضاً: أن حديث وائل بن حجر مع ظاهر سلامة إسناده الذي يرويه مؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر هذا ظاهره السلام منفرداً من غير جمع الطرق، مع ذلك تنكبوه وأوردوا مراسيل وأسانيد فيها مجاهيل في حكم وضع اليدين على الصدر، وهذا أيضاً من قرائن الإعلال.

وينبغي أن نعلم أيضاً: أن الأئمة رحمهم الله خاصة أصحاب الدواوين المشهورة من الصحيحين والسنن وكذلك المسند يوردون من الأحاديث ما يحتج به مما لم يقطع بأنه وهم وغلط، ولو قال بعض الأئمة من المصنفين: إن هذا ضعيف، أو مرجوح، أو وهم فلان ونحو ذلك، فإن هذا في أبواب يسيرة، وإيراد الأئمة لغير هذا الحديث في بابه مع ظهوره وجلائه عندهم وتنكبهم لهذا دليل على عدم قبولهم له، أنهم يجزمون أن هذا الحديث من الأوهام التي طرأت على مؤمل بن إسماعيل .

كذلك أيضاً: ربما أن بعض الرواة يحمل بعض الأحاديث على عمل ورثه فيزيد في الحديث فيظن أن هذا العمل كان عن النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة أن حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام هو حديث طويل فيه مسائل، وفيه أحكام صلاة النبي عليه الصلاة والسلام وكيفيتها، فبعضهم ربما يضيف بعض الألفاظ فيه ويوردها الأئمة مختصرة في أبوابها كما أورد ابن خزيمة في كتابه الصحيح هذا الحديث ومال إليه وفيه نظر.

الحديث الرابع: هو حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد وضع يده اليمنى على اليسرى على صدره ) .

هذا الحديث أخرجه أبو داود في كتابه السنن، وأخرجه البيهقي أيضاً عنه، وهذا الحديث معلول بتفرد قبيصة بن هلب به، و قبيصة بن هلب لا تعرف حاله.

ثم أيضاً: إن هذا الحديث مما ينبغي أن يشتهر ولا يتفرد به مجهول عن أبيه، وذلك أن صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تستفيض وتشتهر، وقد نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ما هو أخفى من ذلك بأسانيد مشهورة من الإشارة بالسبابة في التشهد، كذلك في صفة سلامه عليه الصلاة والسلام وتوركه وافتراشه وأذكاره مما يقع أقل من وضع اليدين على الصدر، وضع اليدين على الصدر في حال استدامة يفعلها الإنسان في كل ركعة وهو قائم يراه الجميع بخلاف فعله في حال السجود، كذلك في حال التسليم ليس كل أحد يراه، ثم إن التسليم مرة واحدة بخلاف القيام فإنه في كل ركعة يضع.

ولهذا نقول: إن الحديث في وضع اليدين على الصدر ينبغي أن يرد بما هو أقوى من المسائل التي جاءت في صفة الصلاة وهي دونه، وينبغي أن يقع الإسناد في ذلك أشهر، ولما لم يقع في هذا دل على رده وعدم قبوله، وأنه ربما يكون من الأوهام التي يتوهمها بعض الرواة فيظنونها من صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كذلك.

الحديث الخامس: هو حديث طاوس بن كيسان قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره ) .

هذا الحديث أخرجه أبو داود في كتابه المراسيل وكذلك في كتابه السنن، وعنه البيهقي من حديث سليمان بن موسى عن طاوس بن كيسان مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و سليمان بن موسى عن طاوس بن كيسان تفرد به, وسليمان لين الحديث، وقد ضعفه بعض الأئمة، ثم إن هذا الحديث مرسل، ومراسيل غير الحجازيين في الغالب فيها لين.

يستثنى من ذلك قلة كمراسيل محمد بن سيرين فبعض الأئمة يقويها وذلك لشدة احترازه، كما قال ذلك أحمد وكذلك أبو حاتم وكذلك حكى الإجماع على احترازه وقوة مراسيله ابن عبد البر رحمه الله، ولكن هذا قليل في غير الحجازيين وإن كانوا متقدمين، فـطاوس بن كيسان يماني قدم مكة ولكن مراسيله في ذلك لينة.

ومن قرائن إعلال ذلك: أن أبا داود أورد هذا الحديث في كتابه المراسيل لأن أبا داود رحمه الله لا يورده في كتابه المراسيل مرسلاً وهو يرى أن الإرسال وهم، بل إنه يرى إن هذا الحديث مرسل وجاء هكذا.

ثم أيضاً: إن هذا الحديث عن طاوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد موصولاً من وجه، ومما يدل على أن هذا الحديث إرساله إنما هو من وجه واحد ولا يقال بأنه يعتضد بغيره.

الحديث السادس: هو حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله أنه قال في قول الله عز وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ، قال: هو وضع اليمنى على اليسرى على النحر.

هذا الحديث يرويه عاصم بن الحجاج عن أبيه وقد تفرد به من هذا الوجه وهو مجهول، وهذا الحديث أنكره غير واحد، وقال ابن كثير رحمه الله في كتابه التفسير: لا يصح. وقد جاء معناه من حديث أبي الجوزاء عن عبد الله بن عباس موقوفاً عليه ولا يصح أيضاً، وجاء عن أنس بن مالك وفي إسناده جهالة ولا يصح، وهذه الآثار منكرة وذلك من وجوه:

أولها: نكارة هذه الأسانيد وعدم قوتها لتحمل مثل هذا المعنى.

الأمر الثاني: إن القرآن ومعانيه يرد في الأمور الكلية العامة، ولا يرد غالباً في مثل ذلك خاصة إذا اقترن بركن عظيم كالصلاة، فالأولى أن يعطف على الصلاة ما هو أعلى منها لا ما هو من آدابها، ومعلوم أن وضع اليدين على الصدر هو من آداب الصلاة وسننها وهديها، وليس من واجباتها ولا من أركانها، وعطفه على الصلاة فيه نكارة مع نكارة إسناده، ومعلوم أن تفسير الصحابي للحديث -كما قال غير واحد- له حكم الرفع، كما نص على هذا الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك فإنه يقول: تفسير الصحابي المسند مرفوع, وذلك أن الله عز وجل جعل البيان لنبيه: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] ، وهذا البيان هو الذي أخذه الصحابة.

والاختلاف الذي يرد عن الصحابة في التفسير إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ومثل هذا المعنى في الخلاف الفقهي في قوله جل وعلا: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ، أن هذا لا يستقيم في هذه الآية حتى في عطف النحر على قوله: (( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ))؛ لأن الصلاة كلها بأفعالها هي لله، فتخصيص ذلك على هذا المعنى فيه نظر.

ثم أيضاً من وجوه الإعلال: إن المستفيض في كلام المفسرين من السلف من الصحابة والتابعين على خلاف هذا المعنى أن المراد بقوله: (( وَانْحَرْ )): هو الذبح لله سبحانه وتعالى، وقيل: إن المراد بذلك هو الذبح بمكة خاصة، ومثل هذا المعنى هو الأليق أن يحمل عليه هذا المعنى.

ومن علامات إعلال ذلك: أن مثل هذا المعنى المستفيض عملاً في الصلاة لو كان متواتراً من جهة العمل لما كان موضع خلاف، يتفق السلف من الصحابة والتابعين على أعمال دون وضع اليدين على الصدر في الصلاة، ولا خلاف عندهم في ذلك، وهذا يدل على أن هذا ليس لديهم فيه نقل، وإنما الذي يرد في ذلك هو العموم إما أن يضع الإنسان ذلك على الصدر، وإما أن يضعها على السرة، بل إن بعض الأئمة يرى إن الوضع تحت السرة أفضل وأولى، لماذا؟ قال: لأنه أظهر في الأدب والتواضع والسكينة, وذلك أن الإنسان الذي يضع يديه تحت سرته مستعد لإرخاء جسده وانحنائه لله عز وجل بخلاف الذي يضع ذلك على صدره.

وهذا مال إليه غير واحد، وقد نص عليه الإمام أحمد رحمه الله و إسحاق بن راهويه ، ولا يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بوضع اليدين على الصدر، وهذا من قرائن الإعلال أيضاً، وأثر علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى هذا أخرجه ابن أبي شيبه في كتابه المصنف، و البخاري في كتابه التاريخ، و البيهقي في السنن، وغيرهم.

من قرائن إعلاله: أن البخاري رحمه الله أخرجه في كتابه التاريخ، والغالب أن البخاري لا يخرجه في كتابه التاريخ إلا ما يستنكر على الراوي، وذلك أن كتاب التاريخ للبخاري هو كتاب علل, وإن كان اسمه كتاب تاريخ إلا أنه كتاب علل فما يورد فيه من الرواة إلا وفيه مغمز غالباً، ويورد في ترجمته من حديثه ما يستنكر عليه غالباً.

ومن قرائن الإعلال أيضاً: إن البخاري و مسلم رحمهم الله أخرجا في صحيحيهما في صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ما دق وما جل في حديث أبي حميد الساعدي ، وفي حديث وائل بن حجر ، وفي حديث المسيء صلاته حديث أبي هريرة ، وغيرها من الأحاديث ولم يرد عندهما تحديد وضع اليدين على الصدر، مما يدل على أنه ليس في الباب شيء يثبت، وهذا ما قاله ابن المنذر رحمه الله في كتابه الأوسط، قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه الأوسط: ذلك يعني: أنه ليس في الباب شيء يثبت في موضع اليدين على الصدر أو على السرة أو فوق السرة، يقال: إن كل ما جاء في هذا الباب لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الصلاة [20] 2595 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [28] 2447 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [14] 2376 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [39] 2285 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [25] 2234 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [41] 2103 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [32] 2102 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [33] 2059 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [43] 2029 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [12] 1996 استماع