Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

الأحاديث المعلة في الطهارة [11]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

فتكلمنا في المجلس الماضي على جملة من الأحاديث المعلة، وسنكمل ما يناسبه في هذا المجلس:

الحديث الأول: هو حديث الحسن ، قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو هريرة و عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله و أنس بن مالك و عمران بن حصين و معقل و عبد الله بن عمرو و أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يزيد بعضهم على بعض: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل قائماً، وأن يحتبي بثوب واحد، وأن ينتعل قائماً، وأن يبول في الماء الراكد، وأن يستقبل ببوله الشمس والقمر والقبلة ) .

هذا الحديث قد رواه الحكيم الترمذي في جزء له من حديث عباد بن كثير عن عثمان الأعرج عن الحسن عن هؤلاء الصحابة، وهذا الخبر منكر، بل هو باطل؛ وذلك لأنه من مفاريد عباد بن كثير ، و عباد بن كثير منكر الحديث جداً.

ثم هذا الحديث يظهر في تركيبه وإسناده الاختلاق والوضع، وعلامة ذلك وأمارته: أن هذه الألفاظ التي جاءت في هذا الحديث متنوعة متباينة ليست في سياق واحد، فمسألة الانتعال، ومسألة قضاء الحاجة، واشتمال الصماء متفاوتة، وهي قضايا متباينة ليست في باب واحد ولا في نسق واحد، وهذا لا يمكن أن يأتي بمثل هذا الإسناد .

الأمر الآخر أيضاً: أن هذا الحديث جاء عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحتمل جمعهم في مثل هذا المتن، وذلك أن عبد الله بن عمر و أبا هريرة و جابر بن عبد الله و أنس بن مالك و عبد الله بن عمرو و عمران بن حصين و معقل ، لا يمكن لهؤلاء أن يجتمعوا في رواية حديث، والذي يروي عنهم الحسن ويروي عن الحسن عثمان الأعرج ويتفرد بهذا عباد بن كثير ، فهذا من الأمور المنكرة، ولو كان الإسناد أمثل من هذا عن هؤلاء الصحابة جميعاً بهذا المتن لقلنا ببطلانه، لأن مثل هذا التركيب لا يأتي على نسق المرويات عند السلف .

ثم أيضاً إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعهد عنه أمثال هذه التراكيب على هذا الجمع، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينهى أو يأمر بأوامر ومنهيات على سياق واحد قد تكون في باب واحد، إما من أمور الآداب أو من أمور التنزه، أو من الأمور الواجبة على الإنسان بعينه، أو فضائل الأعمال وغير ذلك، وهذه خليط بين هذا وهذا، والحديث في هذا أيضاً أطول منه .

وأما بالنسبة لجمع هؤلاء الصحابة فلا يحتمل أن يتفرد بمثل هذا الجمع عثمان الأعرج ، ولا يعرف عن الحسن أنه جمع أمثال هؤلاء الرواة في غير هذا الحديث، بل ولا نصفهم، فضلاً أن يتفرد في هذا عنه عباد بن كثير ، ونستثني من ذلك أن يجمع الراوي المكثر بين راويين وثلاثة ونحو ذلك، فهذا من الأمور المتسعة التي لا حرج فيها، فلهذا نقول: إن جمع الراوي للشيوخ في إسناد واحد ليس من طرائق الأئمة التي يعتادونها، وإنما يفردون في كل موضع شيخاً، ولو جمعوا في بعض الطرق فيجمعون شيخين وإن تجاوزوا فإلى ثلاثة، ويندر جداً أن يتجاوزوا ذلك، أما أن يجمع أمثال هؤلاء الصحابة بمثل هذه الألفاظ، فإن هذا مما يستنكر .

الحديث الثاني: هو زيد بن ثابت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في مسجده ) ، قيل لـعبد الله بن لهيعة وهو راوي الخبر: في مسجد بيته أو في مسجده؟ قال: في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذا الخبر جاء عند الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عبد الله بن لهيعة ، قال: كتب إلي موسى بن عقبة يخبرني عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في مسجده ) ، وجاء هذا الحديث من وجه آخر مرسلاً: رواه ابن سعد في كتابه الطبقات من حديث عبد الله بن لهيعة من غير وجه الإمام أحمد عن موسى بن عقبة عن سعيد بن المسيب مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله مرسلاً، وجعله من غير طريق بسر بن سعيد، وجعله من حديث سعيد بن المسيب ، وهذه علة .

والعلة الأكبر في هذا: أن متن الحديث مصحف، وهو بهذا اللفظ باطل بل يقال: إنه مختلق، وهذا يدور في كتب الفقه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، والصواب في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجز، وفي لفظ: احتجر، أي: اتخذ مكاناً عليه حصير في مسجده، فانقلبت هذه اللفظة على عبد الله بن لهيعة ، والدليل على هذا: أن الحديث قد رواه الإمام مسلم في كتابه التمييز من حديث وهيب عن عبد الله بن لهيعة عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتحز مكاناً في مسجده ) ، وهذه هي الرواية الصحيحة .

وقد وصف الإمام مسلم في كتابه التمييز رواية: احتجم، الواردة في مسند الإمام أحمد ، بأنها: خطأ فاحش، والوهم والغلط في ذلك من عبد الله بن لهيعة ؛ وذلك أن موسى بن عقبة كتب إليه فقرأ المكتوب على وجه خاطئ، واللفظ الخاطئ في ذلك: أنه (احتجم) وهذا غلط، والعلماء يتكلمون في مسألة الحجامة في المسجد، فيتكلمون عليها في مسألة إطارة الدم، وكون الأولى أن يتوضأ الإنسان في المسجد إذا كان يحتجم، وهذا من هذا الوجه يدخل في أبواب الطهارة وليس فيه دلالة في هذا الباب .

ويؤكد ذلك ويعضده أيضاً ما رواه الإمام أحمد و أبو داود في كتابه السنن من حديث عبد الله بن لهيعة عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر عن بسر عن زيد بن ثابت ، وهذا قد رواه غير واحد عن عبد الله بن لهيعة بلفظ: ( احتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا الحديث ضعيف بجميع وجوهه .

أما بالنسبة للفظ: احتجز، فهو ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة في هذا الخبر، وأما ضعفه بلفظ: احتجم، فإن هذا ظاهر الضعف من وجه التصحيف الذي ورد على عبد الله بن لهيعة .

ومعلوم أن تغيير اللفظ على نحوين في المتون، وفي الأسانيد: منها ما هو تحريف: وهو ما اختلف معه الرسم، فإذا اختلف الرسم فإنه يسمى: تحريفاً، سواءً كان تعمداً أو غير تعمد، وإنما سموه تحريفاً؛ لأن اختلاف الرسوم؟ في الغالب يكون عن قصد، فالذي يقلب اسم محمد إلى سالم، أو يقلب اسم سالم إلى زيد، فهذا من جهة الكتابة تختلف، ويسميها العلماء: تحريفاً .

وأما إذا اشتبهت من جهة الرسم واختلفت من جهة النطق أو النقط، فهذا يسمى: تصحيفاً، هذا كمسألة احتجم واحتجز فإنها متقاربة خاصةً في زمن الرواية، فإنه لم تكن الأسانيد تنقط وكذلك المتون، وكذلك بعض الأسماء كحبان وحيان، وزيد وزييد، وعمر ومحمد، وإن اختلفت من جهة النطق لكنها تتشابه من جهة الرسم، فعمر ومحمد تتشابه من جهة الرسم، إذا كتبها الإنسان وليس هناك نقط في عمر ولا في محمد، وكثيراً من الكتابات تتشابه، فلهذا ينبغي أن يفرق ويدقق في روايات الأسانيد والمتون .

و عبد الله بن لهيعة في ذاته ضعيف الحفظ بإجمال، وذلك لأنه سيء الحفظ في ذاته، ولكن إذا روى عنه قدماء أصحابه قبل اختلاطه فإن روايته أحسن حالاً، وهل تقبل أم لا؟ يقال: تقبل عند المتابعة فقط، وأمثل رواياته ما يرويها في أبواب الأقضية، والعلة في ذلك: أن عبد الله بن لهيعة من القضاة وإن كان سيء الحفظ إلا أن الشخص إذا كان يعمل عملاً وصاحب حرفة فإنه يضبط الألفاظ، وكذلك يضبط المتون التي تعتني بمهنته وحرفته، فإنه كان قاضياً، فما يرد عليه فيما يتعلق بقضائه من الحدود والمواريث ونحو ذلك، فإن الإنسان غالباً يعتني بأمثال هذه الأحكام، وأما ما لا عناية للإنسان به فإنه أبعد عن ضبطه، وهذا أمر معتاد، فالإنسان الذي له حرفة يتقن الحرفة أكثر من غيرها، ويعرف أخبار الناس وحكايتهم فيها أكثر من غيرها .

وعلى هذا فنقول: إن الحديث بجميع ألفاظه ووجوهه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتبار أنه ضعيف، وقد تقدم معنا الإشارة أيضاً إلى روايات عبد الله بن لهيعة .

الحديث الثالث: حديث عبد الله بن سرجس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه نهى عن البول في الجحر ) ، هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن سرجس.

وهو حديث ضعيف على قول بعض العلماء، ومن العلماء من يصححه باعتبار الاتصال، وقد اختلف في إسناده من جهة اتصاله ووصله، فمن قال: إن قتادة قد سمع من عبد الله بن سرجس اتصل إسناده فإنه يقول بالصحة، وقد قال بسماع قتادة من عبد الله سرجس غير واحد كـعلي بن المديني و أبي حاتم وغيرهم، وهو قول لـأبي زرعة أيضاً، ورواية عن الإمام أحمد كما في رواية ابنه عبد الله .

ومن العلماء من شكك في سماع قتادة من عبد الله بن سرجس، وقد نص على هذا الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى وكأنه توقف أو شك، وذلك أنه جاء في رواية حرب بن إسماعيل أنه قال: ما أعلم قتادة سمع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنساً ، قيل له: فـعبد الله بن سرجس؟ قال: لا أعلم له سماعاً، وهذا كأنه توقف أو شبيه بالنفي، وأكثر العلماء يثبتون السماع، وهذا قد أشار إليه الحاكم .

أما الرواية التي يثبت فيها النص بالتحديث واللقي صراحةً فإنه لا يثبت في ذلك شيء .

وأما من جهة الإدراك فإن قتادة قد أدرك عبد الله من سرجس عليه رضوان الله تعالى، وبهذا نقول: إن تحسين الحديث أو تصحيحه محتمل، وهو ضعيف على قول بعضهم .

وأما ما يتعلق بمعناه وهو النهي عن البول في الجحر فقد جاء من وجه آخر موقوفاً في قصة سعد بن عبادة لما بال في جحر، وجاء في رواية قتادة في المسند وفي السنن أيضاً، أنه سئل قال: ما بال الجحر؟ قال: هي مساكن الجن، ويظهر والله أعلم أن كون الجحر مساكن الجن ، وأن الجن يتصورون بدواب الأرض بالحيات والعقارب ونحو ذلك، فيكون هذا من مواضعهم، فلهذا يتحاشى الإنسان الأذية فيها، سواء كان من بول أو الرمي فيها حتى لا يرتد إليه الأذى .

وقد جاء له شاهد من حديث قتادة كما رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف عن قتادة عن سعد بن عبادة أنه بال قائماً فخر صريعاً، فسمع منشداً ينشد:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة نحن رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وهذا إسناد منقطع، وذلك أن قتادة لم يسمع من سعد بن عبادة ، بل لم يدركه أيضاً، ولكن قد جاء هذا الخبر من وجوه أخرى مرسلة، منها ما رواه الطبراني و البيهقي و ابن عدي من حديث ابن عون عن ابن سيرين عن سعد بن عبادة بنحو هذا اللفظ، و ابن سيرين لم يدرك سعد بن عبادة .

وقد جاء من وجه آخر رواه الواقدي من حديث عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ، وهذه الرواية أيضاً جاءت من طريق الواقدي محمد بن عمر ، وقد رواه ابن سعد من حديث محمد بن عمر الواقدي وفيها ضعف وإرسال، وقد جاء من وجه آخر رواه ابن عبد البر معلقاً من حديث ابن جريج عن عطاء عن سعد بن عبادة ، وكذلك فإن عطاء لم يدرك سعد بن عبادة ، وعليه فإن هذه الرواية منقطعة أيضاً، وقد جاء أيضاً من وجه آخر من حديث أبي رجاء عن سعد بن عبادة ، و أبو رجاء أيضاً لم يدرك سعد بن عبادة عليه رضوان الله تعالى .

وبهذا نعلم أن الحديث قد جاء من وجوه متعددة عن سعد بن عبادة وكلها منقطعة، وهذه الأسانيد المنقطعة هل يعضد بعضها بعضاً، وهي في أحكام المرسلة؟ من العلماء من قال: إنها يعضد بعضها بعضاً، وذلك لتعدد المخارج، ولثبوت الأصل .

ولكن الذي جاء في هذا الحديث كما عند ابن أبي شيبة من حديث أبي عاصم عن ابن عون عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة بال قائماً، وما ذكروا أنه بال في جحر وإنما بال قائماً، فقد يكون بال على جحر أو على شجرة أو على حجر أو نحو ذلك فجاء اللفظ عام، ولكن جاء في بعض الروايات أنه بال في جحر فخر صريعاً صرعته الجن، والروايات أكثرها لا تذكر الجحر وإنما تذكر البول قائماً، ولكن اشتهرت قصة سعد بن عبادة أن صرعه إنما كان بسبب بوله في جحر .

وبالنسبة للروايات المرسلة، سواءً كانت عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عن المتقدمين من الصحابة كـسعد بن عبادة وهو من المتقدمين كما لا يخفى، أمثال هذه الروايات هل يعضد بعضها بعضاً؟ نقول: إن الأحاديث المرسلة إذا تعددت من جهة المخارج، فإن هذا يدل على أن لها أصلاً، وهذا يرجع إلى قوة السابر والناظر والناقد، والنقد في ذلك يحتاج أموراً:

أن ينظر في شيوخ هؤلاء الذين أرسلوا، قتادة و ابن سيرين و عطاء و عبد العزيز بن سعيد ، هؤلاء الذين أرسلوا أمثال هذه الروايات عن سعد بن عبادة ، هل يتفقوا في شيوخ ضعفاء؟ فإن اتفقوا في شيوخ ضعفاء ولو واحداً أو اثنين ولو كانت نادراً، فإن هذا مما يعلل تلك الرواية، ويجعل هذه لا يعضد بعضها بعضاً، وأما إذا كان كل واحد منهم له شيوخ منفردون فإن هذا يعضد ذاك، شريطة ألا يكون في شيوخ هؤلاء أحد وضاع أو متروك، لاحتمال أن يكون هذا الطريق جاء مرسلاً من حديث ذلك الوضاع، فيكون وجود هذه الطريق المرسلة كعدمها ولا يحفل بها .

ومعلوم أن الروايات التي يعضد بعضها بعضاً عند العلماء، وما يسمى بتحسين أو تصحيح الأحاديث بالشواهد، أنها ينظر إليها بحسب ورود الضعف في الواحد منها، فالشديدة الضعف من الروايات لا تقبل كالتي فيها مطروح أو متهم أو مجهول العين أو نحو ذلك، أو بعض مجهولين الحالة من الطبقات المتأخرة، فمجهول الحال وقليل الرواية مما لا تقبل روايته .

وعلى هذا فنقول: إن هذا الحديث حديث عبد الله بن سرجس حديث جيد صحيح، وأما ما جاء في هذه المراسيل فإنه يدل على ورود أصل القصة، وهو أنه مات صريعاً بعد بوله، أما تحقق ذلك بكونه في جحر أو كان قائماً فهذا محتمل، ولا يثبت بإسناد صحيح، باعتبار أن أكثر الطرق أثبتت القيام ولم تثبت أنه بال في جحر، ويغني في هذا الباب حديث عبد الله بن سرجس .

الحديث الرابع: حديث عقبة عليه رضوان الله تعالى أنه قال: ( ما أبالي قضيت حاجتي بين القبور أو في السوق ) .

هذا الحديث حديث عقبة بن عامر يرويه ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، رفعه المحاربي عن ليث بن سعد كما رواه ابن ماجه في كتابه السنن فجعله مرفوعاً، وجاء هذا الحديث موقوفاً على عقبة ، فرواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث شبابة عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة من قوله، وهذا هو الصواب، وبهذا نعلم أنه لم يثبت نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء الحاجة بين القبور، وإنما هذا يكون من نهي الآداب العام، وإن دلت عليه الأدلة العامة باعتبار أن ما كان بين القبور يعتبر طريق الناس الذين يزورون القبور أو يدفنون الموتى أو يرعون شأنها ويصلحونها، فقضاء الحاجة فيها مما هو منهي عنه من هذا الوجه، وأما ورود حديث بخصوصه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يثبت، ويظهر في قول عقبة موقوفاً عليه في هذا، قال: ( لا أبالي أقضيت حاجتي بين القبور أو في السوق ) ، إشارة إلى الطرقات، فالمراد بالسوق هي الطرقات وليست مواضع التجارة كما هو المصطلح عندنا،

فالعرب يريدون بالسوق الطريق، فقولهم: ذهب فلان إلى السوق أو وجدت فلاناً في السوق، المراد بذلك الطرقات والسكك التي نمشي فيها، وأما الأسواق وهي المتاجر ونحو ذلك فإن هذا لم يكن مصطلحاً لازماً إلا في الأزمنة التي كانت بعد الصدر الأول، فأصبحت علماً عليها وأصبحت الطرق تسمى: الطرق، وتسمى الصغيرة: الزقاق وغير ذلك، وكما تقدم أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء .

الحديث الخامس: حديث سهل بن سعد عليه رضوان الله تعالى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيعجز أحدكم أن يتخذ ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين وحجراً للمسربة ) ، وهي: السبيل .

هذا الحديث رواه الدارقطني في كتابه السنن من حديث عتيق عن أبي بن العباس بن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده، وقد تفرد به أبي بن العباس على هذا الوجه، وقد تكلم فيه غير واحد، فقد طعن فيه الإمام أحمد عليه رحمة الله فقال: منكر الحديث، وضعفه النسائي و البخاري فقالا: ليس بالقوي، وطعن فيه غيرهم .

فهذا الحديث حديث منكر لم يرد إلا من هذا الوجه كما نص على ذلك أبو بكر الحازمي و العقيلي عليه رحمة الله في كتابه الضعفاء وأن أبي بن العباس له أحاديث يتفرد فيها لا يتابع عليها منها هذا الحديث، وقد بين تفرده في هذا الذهبي عليه رحمة الله كما في كتابه السير .

فهذا الحديث منكر باعتبار أن المعنى لم يأت مفصلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الخبر في طريقة الاستنجاء، فهو خبر منكر.

معنى قول الدارقطني في حديث: (أيعجز أحدكم أن يتخذ ثلاثة أحجار..) أنه حسن

ولكن الغرابة في هذا: أن الدارقطني في كتابه السنن قال: إسناده حسن، وموضع الغرابة وهي عند التحقيق والتأمل ليست بغريبة: أن البعض يظن أن الدارقطني في إطلاقه هنا قوله: إسناده حسن، أنه يريد بذلك الحسن الاصطلاحي وليس كذلك، وإنما أراد الدارقطني بذلك الغرابة وهذا من أماراتها؛ لأنه لا يمكن للدارقطني أن يقوي حديثاً ويحكم عليه بالحسن وهو من طريق أبي بن العباس لأنه منكر الحديث وله مفاريد لا يقبلها، وهو من هو فقد استدرك على الشيخين بعض الأحاديث التي يتفرد فيها بعض الرواة، أو لا يتابعون عليها، ولو كانت المتون مستقيمة أو دلت على معانيها الأصول العامة .

وبهذا نعلم أن الدارقطني في ألفاظه التي يطلقها في كتابه السنن ينبغي أن يرجع في تفصيلها إلى منهجه، ومنهجه يتضح من خلال طريقته في هذا الكتاب، ومعلوم أن الدارقطني في كتابه السنن إنما قصد إيراد الأحاديث المنكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الذهبي : كتاب السنن للدارقطني بيت المنكرات، يعني: أنه يجمع فيها الأحاديث المنكرة، وطريقته في ذلك ليست كطرائق أصحاب السنن الأربع أو سنن الدارمي أو غير ذلك، فله طريقة خاصة في ذلك، فأراد أن يجمع العلل في الباب، وهي طريقة الأئمة في كتب العلل، فيوردون في ترجمة الراوي ما يعل من حديثه، و الدارقطني يورد في ترجمة الباب الأحاديث المعلة، ومنها المفاريد والتفرد علة قد تقدح وقد لا تقدح .

وبعض العلماء ينصف مصنفات كـالبخاري في كتابه التاريخ و ابن عدي و العقيلي و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وغيرهم، فيوردون في ترجمة الراوي الحديث الذي أخذ عليه وتفرد به .

الأمر الثاني: أن كلام الدارقطني يفسره مصنفاته الأخرى ككتابه العلل، فإنه صريح في علل الأحاديث، ومن استشكل موضعاً من المواضع في كتابه السنن فعليه أن يرجع إلى كتاب العلل، فإنه هو الحكم والفيصل في هذا .

بل يقال: إن طالب العلم إذا وجد حديثاً في سنن الدارقطني أو وجده معزواً إليها وتفرد به الدارقطني هناك، فإن هذا علامة على وجود علة، ولهذا من أعظم ما يخدم طالب العلم في مسألة معرفة نقد الأحاديث أن يعرف طرائق المصنفين في إيراده، وبعض المصنفين يختلف في المصنف الواحد في إيراده ما كان في أصل الباب وما كان في أثنائه ونحو ذلك، وكذلك ما يورده بحسب شيوخه، وكذلك الصيغ التي يورده في بعض الأبواب، ومن العلماء من بعض كتبه يعل الآخر كـأبي داود عليه رحمة الله فله كتاب السنن وله كتاب المراسيل، فما أورده من الأحاديث في كتابه السنن وأورده وأخرجه في كتابه المراسيل، فيعد الذي في كتاب السنن حديثاً معلولاً، وهذا في الأغلب .

وأما بالنسبة للألفاظ التي يطلقها الدارقطني وعلى الأخص التي ترد في سنن الدارقطني بلفظ الجزم بالتصحيح كأن يقول: حديث صحيح، أو إسناده صحيح، أو في سننه كقوله: إسناد حسن، أو رواته ثقات، أو إسناده صحيح، أو حديث صحيح ونحو ذلك، فأمثال هذه الألفاظ ففي بعضها يقع في النفس منها شيء، هل هي من كلام الدارقطني أو من كلام بعض أصحابه، أو بعض النساخ؟ وذلك أن الدارقطني إذا عرفنا المقصد من إيراده الأحاديث هو التعليل، فلا يلزم من التعليل التضعيف، ولهذا نقول: إنه لا ضير أن يحسن أو يصحح حديثاً في كتابه السنن، لكن أن يحكم على حديث بصحة وقد حكم عليه بعلة قادحة في كتابه العلل، فهذا لا يستقيم .

وعليه فنقول: إن الحديث إذا وجد مصححاً في كتاب السنن للدارقطني ثم وجدناه معلاً بعلة قادحة في كتابه العلل، فإن ما في كتابه السنن يخالف الأرجح من وجهين:

الوجه الأول: أن طريقة الدارقطني في كتابه السنن هو التعليل وأن الأصل فيه أنه معلول، فالنقل بهذه اللفظة هو نقل عن الأصل، ونقول: بثبوتها باعتبار وجودها في كتابه، وكذلك اعتماد العلماء على قبول أمثال هذه الألفاظ من المتأخرين من الأئمة كـابن الملقن و ابن حجر وغيرهم .

الأمر الثاني: مخالفته لما جاء في كتابه العلل، فما في كتاب العلل أصرح في هذا الأمر .

ومن الوجوه التي يعرف فيها كلام الدارقطني وتفسير كلامه، خاصة في إطلاق لفظ الحسن على بعض الأسانيد، كقوله في هذا الحديث: إسناده حسن: أن يرجع إلى كتابه: الأفراد والغرائب، فـالدارقطني من الأئمة المكثرين في التصنيف في أبواب الأفراد، وهي تفردات الرواة وبالأخص الثقات فإنه يعتني بمفاريدهم، وعنايته بذلك معلومة، ويكفي في ذلك كتابه الكبير في هذا: وهو الأفراد والغرائب التي رتبها ابن القيسراني في كتاب سماه: أطراف الأفراد والغرائب، فما يورده في هذا الكتاب الأصل فيه الإعلال، فإن اعتضد بإيراده في كتابه السنن، ثم اعتضد أيضاً بإيراده في العلل فإن هذا شبيه بالقطع بعلة هذا الحديث بعلة قادحة، وهذا على الأغلب وليس على الاطراد .

وأما إذا حكم على الحديث بالصحة ولم نجده قد أعله في كتابه العلل، فإن هذا محتمل القبول، وأيضاً فإن مما يعضد هذا من جهة القبول والرد: أن ينظر إلى كلام العلماء، فنجد أنه في هذا الحديث في حديث سهل بن سعد قد حكم عليه بالحسن، ونجد أن الأئمة يطبقون على تفرد أبي بن العباس في هذا الحديث ويحكمون عليه بالنكارة أيضاً، كالإمام أحمد عليه رحمة الله وحكمه على أبي بن العباس وتضعيف جماعة له، وكذلك إعلال بعض الأئمة لهذا الحديث بكونه تفرد به كـالحازمي و العقيلي و الذهبي هذا من القرائن التي تعضد أن إطلاق الدارقطني على بعض الأحاديث أنه حسن أنه يريد بذلك الغرابة والتفرد، ولا يريد بذلك المعنى الاصطلاحي في كتب علوم الحديث بأن هذا الحديث حديث حسن، أي: فوق مرتبة الحديث الضعيف.

نكتفي بهذا القدر، والله أعلم .

ولكن الغرابة في هذا: أن الدارقطني في كتابه السنن قال: إسناده حسن، وموضع الغرابة وهي عند التحقيق والتأمل ليست بغريبة: أن البعض يظن أن الدارقطني في إطلاقه هنا قوله: إسناده حسن، أنه يريد بذلك الحسن الاصطلاحي وليس كذلك، وإنما أراد الدارقطني بذلك الغرابة وهذا من أماراتها؛ لأنه لا يمكن للدارقطني أن يقوي حديثاً ويحكم عليه بالحسن وهو من طريق أبي بن العباس لأنه منكر الحديث وله مفاريد لا يقبلها، وهو من هو فقد استدرك على الشيخين بعض الأحاديث التي يتفرد فيها بعض الرواة، أو لا يتابعون عليها، ولو كانت المتون مستقيمة أو دلت على معانيها الأصول العامة .

وبهذا نعلم أن الدارقطني في ألفاظه التي يطلقها في كتابه السنن ينبغي أن يرجع في تفصيلها إلى منهجه، ومنهجه يتضح من خلال طريقته في هذا الكتاب، ومعلوم أن الدارقطني في كتابه السنن إنما قصد إيراد الأحاديث المنكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الذهبي : كتاب السنن للدارقطني بيت المنكرات، يعني: أنه يجمع فيها الأحاديث المنكرة، وطريقته في ذلك ليست كطرائق أصحاب السنن الأربع أو سنن الدارمي أو غير ذلك، فله طريقة خاصة في ذلك، فأراد أن يجمع العلل في الباب، وهي طريقة الأئمة في كتب العلل، فيوردون في ترجمة الراوي ما يعل من حديثه، و الدارقطني يورد في ترجمة الباب الأحاديث المعلة، ومنها المفاريد والتفرد علة قد تقدح وقد لا تقدح .

وبعض العلماء ينصف مصنفات كـالبخاري في كتابه التاريخ و ابن عدي و العقيلي و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وغيرهم، فيوردون في ترجمة الراوي الحديث الذي أخذ عليه وتفرد به .

الأمر الثاني: أن كلام الدارقطني يفسره مصنفاته الأخرى ككتابه العلل، فإنه صريح في علل الأحاديث، ومن استشكل موضعاً من المواضع في كتابه السنن فعليه أن يرجع إلى كتاب العلل، فإنه هو الحكم والفيصل في هذا .

بل يقال: إن طالب العلم إذا وجد حديثاً في سنن الدارقطني أو وجده معزواً إليها وتفرد به الدارقطني هناك، فإن هذا علامة على وجود علة، ولهذا من أعظم ما يخدم طالب العلم في مسألة معرفة نقد الأحاديث أن يعرف طرائق المصنفين في إيراده، وبعض المصنفين يختلف في المصنف الواحد في إيراده ما كان في أصل الباب وما كان في أثنائه ونحو ذلك، وكذلك ما يورده بحسب شيوخه، وكذلك الصيغ التي يورده في بعض الأبواب، ومن العلماء من بعض كتبه يعل الآخر كـأبي داود عليه رحمة الله فله كتاب السنن وله كتاب المراسيل، فما أورده من الأحاديث في كتابه السنن وأورده وأخرجه في كتابه المراسيل، فيعد الذي في كتاب السنن حديثاً معلولاً، وهذا في الأغلب .

وأما بالنسبة للألفاظ التي يطلقها الدارقطني وعلى الأخص التي ترد في سنن الدارقطني بلفظ الجزم بالتصحيح كأن يقول: حديث صحيح، أو إسناده صحيح، أو في سننه كقوله: إسناد حسن، أو رواته ثقات، أو إسناده صحيح، أو حديث صحيح ونحو ذلك، فأمثال هذه الألفاظ ففي بعضها يقع في النفس منها شيء، هل هي من كلام الدارقطني أو من كلام بعض أصحابه، أو بعض النساخ؟ وذلك أن الدارقطني إذا عرفنا المقصد من إيراده الأحاديث هو التعليل، فلا يلزم من التعليل التضعيف، ولهذا نقول: إنه لا ضير أن يحسن أو يصحح حديثاً في كتابه السنن، لكن أن يحكم على حديث بصحة وقد حكم عليه بعلة قادحة في كتابه العلل، فهذا لا يستقيم .

وعليه فنقول: إن الحديث إذا وجد مصححاً في كتاب السنن للدارقطني ثم وجدناه معلاً بعلة قادحة في كتابه العلل، فإن ما في كتابه السنن يخالف الأرجح من وجهين:

الوجه الأول: أن طريقة الدارقطني في كتابه السنن هو التعليل وأن الأصل فيه أنه معلول، فالنقل بهذه اللفظة هو نقل عن الأصل، ونقول: بثبوتها باعتبار وجودها في كتابه، وكذلك اعتماد العلماء على قبول أمثال هذه الألفاظ من المتأخرين من الأئمة كـابن الملقن و ابن حجر وغيرهم .

الأمر الثاني: مخالفته لما جاء في كتابه العلل، فما في كتاب العلل أصرح في هذا الأمر .

ومن الوجوه التي يعرف فيها كلام الدارقطني وتفسير كلامه، خاصة في إطلاق لفظ الحسن على بعض الأسانيد، كقوله في هذا الحديث: إسناده حسن: أن يرجع إلى كتابه: الأفراد والغرائب، فـالدارقطني من الأئمة المكثرين في التصنيف في أبواب الأفراد، وهي تفردات الرواة وبالأخص الثقات فإنه يعتني بمفاريدهم، وعنايته بذلك معلومة، ويكفي في ذلك كتابه الكبير في هذا: وهو الأفراد والغرائب التي رتبها ابن القيسراني في كتاب سماه: أطراف الأفراد والغرائب، فما يورده في هذا الكتاب الأصل فيه الإعلال، فإن اعتضد بإيراده في كتابه السنن، ثم اعتضد أيضاً بإيراده في العلل فإن هذا شبيه بالقطع بعلة هذا الحديث بعلة قادحة، وهذا على الأغلب وليس على الاطراد .

وأما إذا حكم على الحديث بالصحة ولم نجده قد أعله في كتابه العلل، فإن هذا محتمل القبول، وأيضاً فإن مما يعضد هذا من جهة القبول والرد: أن ينظر إلى كلام العلماء، فنجد أنه في هذا الحديث في حديث سهل بن سعد قد حكم عليه بالحسن، ونجد أن الأئمة يطبقون على تفرد أبي بن العباس في هذا الحديث ويحكمون عليه بالنكارة أيضاً، كالإمام أحمد عليه رحمة الله وحكمه على أبي بن العباس وتضعيف جماعة له، وكذلك إعلال بعض الأئمة لهذا الحديث بكونه تفرد به كـالحازمي و العقيلي و الذهبي هذا من القرائن التي تعضد أن إطلاق الدارقطني على بعض الأحاديث أنه حسن أنه يريد بذلك الغرابة والتفرد، ولا يريد بذلك المعنى الاصطلاحي في كتب علوم الحديث بأن هذا الحديث حديث حسن، أي: فوق مرتبة الحديث الضعيف.

نكتفي بهذا القدر، والله أعلم .