خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب إزالة النجاسة وبيانها - حديث 33
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وعن أبي السمح رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام )، أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم.
ترجمة راوي الحديث
وكذلك قال البزار وغيره من أهل العلم، وقيل: إن اسمه إياد، وفي بعض طبعات الإصابة : أبو إياد، ولعله -والله أعلم- خطأ مطبعي، ولا يعرف لـأبي السمح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، وبإسناد واحد من طريق محل بن خليفة، فهو الراوي الوحيد الذي روى عن أبي السمح رضي الله عنه وأرضاه، وذكر أبو عمر بن عبد البر أنه لعله قتل شهيداً رضي الله عنه، وكان أبو السمح خادماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبب ورود الحديث
الحسن
أوالحسين
فبال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ناولني ثوبك أغسله، فقال صلى الله عليه وسلم: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام )، فهذا سبب الحديث.تخريج الحديث
شواهد الحديث
هم الشيخان صاحبا الصحيحين، وأصحاب السنن الأربع.
ومن شواهد الحديث: ما روته عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي يحنكه، فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه )، وحديث عائشة أيضاً متفق عليه، وزاد مسلم في أوله من قولها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيحنكهم ويبرك عليهم )، أما معنى التحنيك فهو أن يمضغ التمرة ثم يضعها على حنك الصبي، وأما التبريك فهو أن يدعو له بالبركة: بارك الله عليك، أو بارك الله فيك، أو ما أشبه ذلك.
ومن شواهده: حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت: ( جاء الحسن بن علي
ومن شواهد الحديث أيضاً: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنحوه، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الغلام الرضيع: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام )، وحديث علي رواه أيضاً الأئمة السابقون الذين رووا حديث أم الفضل، ورواه أيضاً ابن حبان .
إذاً: من الذين روى حديث علي بن أبي طالب؟
نعدهم، رواه أبو داود، كذا؟ حديث علي رواه أبو داود، ورواه ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة والإمام أحمد وابن حبان .
ومن شواهد الحديث: حديث أم كرز الخزاعية : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء بغلام فبال في حجره فرشه، وجيء بجارية فبالت في حجره صلى الله عليه وسلم فغسله )، والحديث رواه ابن ماجه وأحمد، وفي إسناده ضعف.
ومن شواهد الحديث: حديث أم سلمة قالت: ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بـ الحسن الحسين
وللحديث أيضاً شواهد أخرى كثيرة، ذكر كثيراً منها الحافظ ابن حجر في كتابه تلخيص الحبير .
هذه بعض شواهد الحديث ونعدها إجمالاً:
حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث .
حديث أم سلمة .
حديث علي .
حديث الباب.
حديث أم قيس بنت محصن.
وحديث عائشة.
هذه سبعة شواهد لهذا الحديث، وغالبها إما حسن أو صحيح، وبناءً على ذلك يتبين أن الحكم الوارد في هذا الحديث حكم ثابت بنصوص كثيرة.
الفرق بين الغسل والنضح
حكم بول الجارية والغلام
لأهل العلم في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو قول الشافعي وأحمد وأهل الحديث وداود الظاهري، وكثير من الصحابة نقل عنهم هذا القول، وكذلك التابعين، قالوا بما يقتضيه ظاهر الحديث من التفريق بين بول الجارية وبول الغلام، فقالوا: بول الجارية يغسل، أما بول الغلام فيكتفى بنضحه أو رشه. ولأصحاب هذا القول أدلة كثيرة هي ما سبق، أو ما سبق بعضه من حديث الباب، وحديث عائشة، وأم سلمة، وأم الفضل، وأم كرز، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم، فكلها أدلة على الفرق بين بول الجارية وبول الغلام، وهذا القول هو القول الصحيح؛ لقوة هذه الأدلة وظهورها، وأنها خاصة في هذه المسألة. هذا القول الأول.
القول الثاني وقد نسبه بعض العلماء للإمام الأوزاعي، ونسبه الإمام ابن حزم في المحلى لبعض الأئمة كـالحسن وسفيان وغيرهما، قالوا بأن الحكم واحد سواءً كان بول غلام أو بول جارية، فإنه يكتفى برش بول الغلام والجارية ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعاً.
لاحظوا القول الثاني أنه يقول: إن الحكم هذا وهو الاكتفاء بالنضح أو الرش ليس خاصاً بالغلام، بل هو عام للغلام والجارية بالقيد المذكور الذي سيأتي بيانه، وهذا القول كما ذكرت أنه نسب للأوزاعي، لكن بمراجعة كتاب فقه الإمام الأوزاعي الذي جمعه الأستاذ عبد الله الجبوري، يتبين أن الأوزاعي له رأيان في هذه المسألة:
الرأي الأول كرأي الجمهور، وهو أنه يفرق.
والرأي الثاني هو: أنه لا يفرق ويقول: حكمهما واحد، يكتفى برشهما جميعاً. ما هو وجه هذا القول أو ما هي حجته؟ الذي وقفت عليه من حجة أصحاب هذا القول هو أنهم قالوا: كما أن حكم الجارية والغلام بعد أن يطعما واحد، وما حكمهما بعد أن يطعما؟
الغسل، قالوا: فكذلك حكمهما قبل أن يطعما واحد، وهو الاكتفاء بالنضح أو الرش، وماذا نقول عن هذا الاستدلال؟
مرة ثانية، وجه أو حجة هذا القول قالوا: كما أن بول الغلام أو الجارية بعد أن يطعما الحكم فيه واحد، وهو وجوب غسله كما هو معروف، فكذلك قبل أن يطعما حكمهما واحد وهو الاكتفاء بالرش أو النضح وعدم الحاجة إلى الغسل، هذه هي الحجة، وماذا يمكن أن نقول في هذا؟
نقول: إن هذا قياس فاسد الاعتبار كما سبق مراراً، والقياس فاسد الاعتبار هو ما كان قياساً في مقابلة نص شرعي، فالقياس في مقابلة النص الشرعي يسمى قياساً فاسد الاعتبار، وهذا نموذج آخر له، فهم قاسوا بول الجارية على بول الغلام، مع أن النص ثبت في أحاديث كثيرة صحيحة بالتفريق بين بول الجارية وبول الغلام، فهذا القول إذاً قول ضعيف.
القول الثالث: هو قول أبي حنيفة ومالك، قالوا بوجوب غسلهما معاً، سواءً طعما أو لم يطعما. وماذا يمكن أن تكون حجة أصحاب هذا القول؟
استدلوا بعمومات الأدلة الواردة في نجاسة البول، مثل:
حديث القبرين المتفق عليه: ( أنه مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان -وفي آخره قال- : أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ).
ومثله الحديث المروي من طرق: ( إن عامة عذاب القبر من البول ).
ومثله حديث الأعرابي عن أنس وسبق: ( أنه دعا بماء فصبه عليه )، وما أشبه ذلك من الأدلة الواردة في نجاسة البول ووجوب التنزه منه.
ونجاسة البول هل فيها خلاف؟ لا خلاف فيها، وقد سبق في حديث الأعرابي فيما أظن ذكر اتفاق أهل العلم على نجاسة البول، فهم قالوا: إن بول الجارية وبول الغلام يسمى بولاً أو لا يسمى؟ يسمى، إذاً فحكمه حكم بول الكبير في أنه يجب غسله.
يجاب عن هذه الأدلة بأن يقال لهم: الأدلة الواردة في نجاسة البول عموماً عامة، والأدلة الواردة في استثناء بول الغلام خاصة، والقاعدة: أن الخاص مقدم على العام، ولماذا يقدم الخاص على العام؟
الآن عندنا دليلان:
أحدهما خاص في المسألة المبحوث فيها، وهي بول الغلام وأنه يكتفى بنضحه.
والدليل الثاني دليل عام، وهو أن البول عموماً نجس، هذا العموم ألا يدخل فيه في الأصل بول الغلام.
مرة ثانية، نجاسة البول عموماً ألا يدخل فيه بول الغلام في الأصل؟ يدخل فيه بلا شك في الأصل، فالآن أمامنا دليلان: أحدهما عام، ويدخل في هذه المسألة، والثاني دليل خاص في المسألة ذاتها، فأيهما أولى بالتقديم؟
الأولى بالتقديم الخاص؛ لأننا لو قدمنا الدليل العام ماذا يكون موقفنا من الدليل الخاص؟
لأن الدليل الخاص أصلاً ما يدل إلا على هذه المسألة، فإذا أبطلنا دلالته عليها أصبح هذا الدليل لا قيمة له، هذا بالنسبة للدليل الخاص، لكن الدليل العام إذا استثنينا منه هذه الحالة التي ورد فيها دليل خاص هل نكون أبطلناه؟ لا. متى يعمل؟ يعمل في كل مسألة إلا هذه المسألة المستثناة.
هذه فائدة أصولية أن الخاص مقدم على العام، وهذا مثال لها الذي نحن بصدده، فنقدم الدليل الوارد في استثناء بول الغلام؛ لأننا إذا قدمناه حينئذ نكون أعملنا جميع الأدلة، فأما الدليل الوارد في بول الغلام فأعملناه في حالة استثنائية وهي بول الغلام، وأما ما عدا هذه الحالة الاستثنائية من بول الجارية .. من بول الرجل الكبير فإنه يعمل فيه الأدلة الأخرى الدالة على نجاسة البول عموماً، فيبقى العام يعمل في مجال واسع، والخاص يعمل في هذا المجال الضيق المستثنى.
إذاً: القول الراجح في هذه المسألة هو القول الأول بالتفريق بين بول الجارية وبول الغلام، وأنه يكتفى في بول الغلام برشه أو نضحه.
المقصود بالغلام والجارية الواردان في الحديث
لو تأملنا الأحاديث التي مرت -حديث الباب وشواهده- لوجدنا أن الأحاديث ورد فيها الألفاظ التالية:
ورد فيها لفظ الجارية ولفظ الغلام، الجارية والغلام، وورد فيها ذكر الرضيع، وهذا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: في الغلام الرضيع. وورد في حديث أم قيس بنت محصن : أنها أتت بابن لها لم يأكل الطعام، فوصفت هذا الصبي بأنه لم يأكل الطعام، وفي حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي، فوصفته بأنه صبي: أتي بصبي يحنكه، والتحنيك كما سبق تعريفه، وهو عادة إنما يكون يفعل بالصبي بعد أن يولد وقبل أن يأكل أو يشرب شيئاً حتى اللبن، فهو بعد ولادة الطفل مباشرة، بحيث يكون أول ما يصل .. كانوا يأتون به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول ما يصل إلى حلقه وجوفه هو ريق النبي صلى الله عليه وسلم، وورد في أحاديث أن هذا الصبي الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الحسن بن علي أو الحسين في رواية أم سلمة، وقال قتادة أحد رواة حديث علي رضي الله عنه قال: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعاً. ويلاحظ في كلمة قتادة رحمه الله أنه قال: هذا ما لم يطعما.
ونحن في الحقيقة بحاجة إلى معرفة حكم بول الصبي، أما الجارية فلا يحتاج، لماذا؟ لأنه تبين الآن أن الجارية بولها حكمه واحد في وجوب الغسل، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة، إذاً الآن الاستثناء خاص ببول الغلام فقط، هذا صحيح؟ إذاً نقول: هذا ما لم يطعم، يعني الغلام، وإلا فالجارية يغسل بولها سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فـقتادة يقول: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعاً. وهذه الكلمة عنه رواها أبو داود والترمذي بسند صحيح.
هذه الألفاظ الواردة في حديث الباب وشواهده تحدد لنا من المقصود بالجارية أو الغلام الذي ورد فيه الاستثناء، وقد اختلف العلماء في حد الجارية أو الغلام على خمسة آراء لبعض الفقهاء وليست منسوبة لمذاهب معينة، فـابن حزم في المحلى يقول .. وهذا من غرائبه رحمه الله، وطالب العلم دائماً مأمور باتقاء الشاذ من العلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذ من العلم. وقال عبد الرحمن بن مهدي نحو ذلك أيضاً، فطالب العلم عليه أن يعرف الشواذ ليتجنبها، ويعرف أن البشر من طبيعته الخطأ والنقص، وأن عليه أن يعرف هذه الأخطاء ليتجنبها ويتقي زلة العالم، وأيضاً يبحث عن عذر لهذا العالم فلا يقع فيه.
فـابن حزم يقول: إن هذا الحكم عام للذكر صغيراً كان أو كبيراً، وذلك لأنه ساق في المحلى حديث الباب الذي هو حديث إياد رضي الله عنه أبي السمح من طريق، وفيها ذكر: يرش من بول الذكر، ما قال: ويرش من بول الغلام كما هنا، قال: ويرش من بول الذكر.
وهذه الرواية عند ابن حزم إسنادها ضعيف، ولكن قد يستدل لـابن حزم بحديث آخر، فيه ذكر: يرش من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى، وهو حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث ذكرته ضمن الشواهد، رواه أبو داود وغيره، ولفظ حديث أم الفضل : ( يغسل من بول الأنثى، ويرش من بول الذكر )، فقد يستدل لـابن حزم بهذا الحديث، وهذا الحديث إسناده حسن، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنثى وقال: الذكر، فقد يفهم منه عموم الأنثى وعموم الذكر، لكن هل هذا الاستدلال مسلَّم؟ الجواب: لا ليس بمسلم، لكن لماذا لا يسلم؟
لأن قوله: (الأنثى والذكر) في حديث أم الفضل يفهم على ضوء النصوص الأخرى: صبي لم يأكل الطعام .. يحنكه، إلى آخر النصوص الواردة في تحديد من المقصود بالأنثى ومن المقصود بالذكر، فنحن دائماً يجب ألا نضرب النصوص بعضها ببعض، وإنما نجمع النصوص ونفهم بعضها على ضوء البعض الآخر، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث أم الفضل : ( يغسل من بول الأنثى، ويرش من بول الذكر ) يفهم على ضوء النصوص الأخرى المصرحة بأن المقصود من لم يأكل الطعام، أو أن المقصود الصبي الذي لم يأكل الطعام أو الرضيع أو ما أشبه ذلك، فمذهب ابن حزم في هذا مذهب ضعيف لا يصح.
القول الثاني قالوا: إن المقصود بالصبي هو من لم يأكل أو يشرب شيئاً قط حتى اللبن ولا غيره، وقالوا: إن عموم قوله: لم يأكل الطعام وكذلك أتي بصبي يحنكه يدل على ذلك، وهذان القولان متقابلان، يعني: قول ابن حزم في الطرف، وهذا القول في الطرف الآخر.
وقيل: إن المقصود بالصبي الذي لم يأكل الطعام هو من لم يأكل إلا اللبن الذي يرضعه أو العسل أو الدواء الذي يعالج به، وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم كـابن حجر وابن قدامة وغيرهما، وهو أقرب الأقوال إلى الصحة؛ لأن عموم الأدلة السابقة والألفاظ التي أشير إليها تدل عليه.
وقيل: إن المقصود بقوله: (لم يأكل الطعام) أي: لم يستقل بأكل الطعام، يعني: بيده، بل إنه يلقم الطعام من قبل غيره.
وقيل: إن المقصود بقوله: (لم يأكل الطعام) يعني: لم يكن الطعام غذاء مستقلاً له، بل يأكل الطعام ويرضع معه اللبن.
فهذه خمسة أقوال في تحديد من المقصود بالصبي، أصحها فيما يظهر والله أعلم القول الثالث: أن المقصود من لم يأكل شيئاً من الطعام إلا ما يرضعه من اللبن، وإلا العسل وما يلعقه من علاج ونحوه، فمثل هذا الذكر يكتفى برشه ونضحه ولا يلزم غسله.
الحكمة من التفريق بين بول الجارية وبول الغلام
تكلم كثير من الفقهاء والمصنفين في الحكمة واختلفوا فيها، فمنهم من حاول أن يستخرج الحكمة من طبيعة بول الأنثى، وأنه يختلف عن بول الذكر، وحاول أن يجعل الحكمة راجعة إلى أن طبيعة بول الأنثى يختلف عن بول الذكر، فبعضهم مثلاً يقول: إن بول الأنثى أنتن رائحة وأخبث وأثقل من بول الذكر، ولذلك أمر بغسله في جميع الأحوال، بخلاف بول الذكر، فهو أخف وأقل نتناً وخبثاً من بول الأنثى.
ويقرب من ذلك والله وأعلم ما روي عن الشافعي كما قال أبو الحسن بن سلمة فيما يرويه عن أبي اليمان المصري قال: [ سألت الشافعي رحمه الله: ما السبب في التفريق بين بول الجارية وبين بول الغلام؟ فقال الإمام الشافعي : لأن الغلام خلق من الماء والطين، أو قال: لأن بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم. قال الشافعي رحمه الله لـأبي اليمان المصري السائل: أفهمت؟ أو قال: ألقنت؟ قال: قلت: لا. ]
فـالشافعي قال للسائل: أفهمت أو قال: ألقنت؟ قال: قلت: لا، [ فقال له: إن آدم عليه الصلاة والسلام خلق من الطين، أما حواء فإنها خلقت من ضلعه، فكان خلق آدم من الماء والطين، وخلق حواء من اللحم والدم ]، بهذا المعنى.
وهذه الرواية موجودة في سنن ابن ماجه المطبوع في الجزء الأول في كتاب الطهارة باب بول الجارية والغلام، ولكن ليست من رواية ابن ماجه، وإنما قال أبو الحسن بن سلمة، والذي أعلمه -والله تعالى أعلم بالصواب- أن هذه زيادة من أحد رواة السنن أثبتت في سنن ابن ماجه، وإنما أنبه على هذا؛ لأن بعض الطلبة يقرأ مثل هذه الرواية فيقول: رواه ابن ماجه، لماذا؟ لأنه موجود في سنن ابن ماجه المطبوع، والذي أظنه وأعلمه أن هذه الرواية لا تعتبر من رواية ابن ماجه وإن وجدت في سننه ؛ لأن هذه تعتبر من الزوائد، حيث قال أبو الحسن بن سلمة، كذا قال أبو الحسن بن سلمة وساق بالإسناد إلى أبي اليمان المصري أنه سأل الشافعي عن هذه المسألة، فهذا الاتجاه الأول إلى التماس الحكمة في هذا الحكم، وهو محاولة تعليل الحكم أو التماس الحكمة فيه بأنه يرجع إلى طبيعة بول الجارية.
والاتجاه الثاني عند بعض الفقهاء: يحاولون أن يلتمسوا الحكمة في طبيعة خروج البول، حيث قالوا: إن بول الغلام يجتمع فيكتفى برشه، أما بول الجارية فيتفرق ولابد من غسله.
والاتجاه الثالث: يلتمسون علة خارج قضية البول ونوعية البول أو طبيعته، وإنما يعللون أو يلتمسون الحكمة في أن كثيراً من الآباء والرجال يكثر حملهم لأطفالهم من الذكور أكثر من حملهم للإناث، فكثيراً ما يبول الصبي في حجر أبيه، فمن باب التيسير على الناس خفف عنهم في هذا الحكم بالاكتفاء برشه أو نضحه، وهذا القول هو الذي اختاره كثير من العلماء، خاصة أنه قد يشهد له ويؤيده ما ورد في الروايات السابقة في حديث الباب وشواهده من أن معظم القصص الواردة التي سيق الحديث بسببها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل صبياً، أو جيء له بابن لم يأكل الطعام، أو ما أشبه ذلك، فبال في حجره فاكتفى بنضحه صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلكثرة حمل الآباء للأطفال الذكور تسومح في هذا الحكم واكتفي برشه، وقد تكون الحكمة الثالثة لها بعض الوجاهة خاصة إذا أضيف إليها -والله أعلم- أن طبيعة بول الغلام وربما الجارية أيضاً في هذا السن أن بوله أخف؛ لأنه لم يأكل الطعام، ولا شك أن التقييد بكونه لم يأكل الطعام يدل على أن البول يكون أخف نتناً ونجاسة في مثل هذه المرحلة وهذا السن، فلذلك خفف هذا الحكم، وسواءً كانت هذه العلة صحيحة أو مقبولة أو غير مقبولة؛ لأن الكلام فيها قد يطول، وكثير من الناس قد ينازع في هذه العلة أو هذه الحكمة؛ لأنها لم تثبت بالنص، وإنما هي نوع من الالتماس.
فأقول: سواءً ثبتت هذه الحكمة أو ثبت ما قبلها، فإن المقصود هو أن الحكم الشرعي ثابت بالنص الصحيح، وإذا ثبت الحكم بالنص الشرعي فإننا نقول: إن المقصود بالتطبيق هو امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، سواءً عرفنا الحكمة في ذلك أو لم نعلمها. هذه بعض المسائل المهمة المتعلقة بحديث الباب.
عن أبي السمح، أبو السمح رضي الله عنه قال أبو زرعة الرازي وغيره: لا يعرف اسمه، ولا يعرف له غير هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال البزار وغيره من أهل العلم، وقيل: إن اسمه إياد، وفي بعض طبعات الإصابة : أبو إياد، ولعله -والله أعلم- خطأ مطبعي، ولا يعرف لـأبي السمح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، وبإسناد واحد من طريق محل بن خليفة، فهو الراوي الوحيد الذي روى عن أبي السمح رضي الله عنه وأرضاه، وذكر أبو عمر بن عبد البر أنه لعله قتل شهيداً رضي الله عنه، وكان أبو السمح خادماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |