خطب ومحاضرات
عرض كتاب الإتقان (19) - النوع السادس عشر في كيفية إنزاله [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فقد وقفنا في اللقاء السابق فيما يتعلق في كتاب الإتقان على التنبيهات.
الحكمة من إنزال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا
التنبيهات التي ذكرها السيوطي في هذا الموضوع تتعلق بسر الإنزال الجملة، يعني: ما حكمة إنزال القرآن جملةً واحدة إلى السماء الدنيا؟
ذكر من الحكم هو تفخيم أمر هذا الكتاب وأمر من نزل عليه, وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم, وهذا الكلام من حيث هو صحيح, لا شك أن رسالة بهذه الطريقة وتخصيص القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة لا شك أن فيه تنبيهاً على شرف هذه الأمة، وشرف نبيها صلى الله عليه وسلم.
وذكر عن الحكيم الترمذي قال: أنزل القرآن جملةً واحدة إلى السماء الدنيا تسليماً منه للأمة ما كان أبرز لهم إلى الحظ, لماذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم؟ وذلك أن بعثته كانت رحمة, ولما خرجت رحمته بفتح الباب جاء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا, ووضعت النبوة في قلب محمد، وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي, كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله إلى الأمة, وهذا فيه كلام من الطرائق المتصوف والحكيم رحمه الله كان معدوداً فيهم.
أيضاً ذكر عن السخاوي أن في نزوله إلى السماء الدنيا تكريماً لبني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم, لكن هذا التكريم إنما هو مخصوص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأصل أن القرآن هو الوحيد الذي نزل بهذه الطريقة؛ إذ لم يذكر كتاب قبله, ولهذا ذكر في آخره، قال: (وفيه أيضاً تسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام في إنزاله كتابه جملة, والتفضيل لمحمدٍ في إنزاله عليه منجماً ليحفظه), يعني: كأنه يقول: أنزل جملةً موافقةً لنزول الكتب السابقة على الأنبياء, ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول المفرق.
وذكر هنا عن أبي شامة في قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: من جملة القرآن الذي نزل جملةً أم لا, قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: فإن لم يكن منه فما نزل جملة, وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة.
وهذه يمكن أن ندخلها في الكلام السابق، في أن الأصل في هذا الأمر أنه غيبي, فيحكم بغيبيته ويتوقف فيه؛ لأن إدراك تفاصيل هذا الغيب غير ممكنة, فيؤمن به إيماناً مطلقاً؛ لأن هذا الكلام إنما يأتي على سبيل ما لو كان معروفاً تفاصيل هذه الأشياء, سواء كانت فيه أم لم تكن فيه, فليس هناك شيء غير ممكن, يعني: ممكن أن تكون فيه وتكون نزلت في ليلة القدر.
وهنا نلاحظ أنه حاكم هذه القضية إلى مسألة متعلقة بشيءٍ مشاهد, فالأولى في مثل هذا البقاء على الإجمال كما وردت به الرواية.
التنبيهات التي ذكرها السيوطي في هذا الموضوع تتعلق بسر الإنزال الجملة، يعني: ما حكمة إنزال القرآن جملةً واحدة إلى السماء الدنيا؟
ذكر من الحكم هو تفخيم أمر هذا الكتاب وأمر من نزل عليه, وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم, وهذا الكلام من حيث هو صحيح, لا شك أن رسالة بهذه الطريقة وتخصيص القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة لا شك أن فيه تنبيهاً على شرف هذه الأمة، وشرف نبيها صلى الله عليه وسلم.
وذكر عن الحكيم الترمذي قال: أنزل القرآن جملةً واحدة إلى السماء الدنيا تسليماً منه للأمة ما كان أبرز لهم إلى الحظ, لماذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم؟ وذلك أن بعثته كانت رحمة, ولما خرجت رحمته بفتح الباب جاء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا, ووضعت النبوة في قلب محمد، وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي, كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله إلى الأمة, وهذا فيه كلام من الطرائق المتصوف والحكيم رحمه الله كان معدوداً فيهم.
أيضاً ذكر عن السخاوي أن في نزوله إلى السماء الدنيا تكريماً لبني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم, لكن هذا التكريم إنما هو مخصوص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأصل أن القرآن هو الوحيد الذي نزل بهذه الطريقة؛ إذ لم يذكر كتاب قبله, ولهذا ذكر في آخره، قال: (وفيه أيضاً تسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام في إنزاله كتابه جملة, والتفضيل لمحمدٍ في إنزاله عليه منجماً ليحفظه), يعني: كأنه يقول: أنزل جملةً موافقةً لنزول الكتب السابقة على الأنبياء, ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول المفرق.
وذكر هنا عن أبي شامة في قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: من جملة القرآن الذي نزل جملةً أم لا, قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: فإن لم يكن منه فما نزل جملة, وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة.
وهذه يمكن أن ندخلها في الكلام السابق، في أن الأصل في هذا الأمر أنه غيبي, فيحكم بغيبيته ويتوقف فيه؛ لأن إدراك تفاصيل هذا الغيب غير ممكنة, فيؤمن به إيماناً مطلقاً؛ لأن هذا الكلام إنما يأتي على سبيل ما لو كان معروفاً تفاصيل هذه الأشياء, سواء كانت فيه أم لم تكن فيه, فليس هناك شيء غير ممكن, يعني: ممكن أن تكون فيه وتكون نزلت في ليلة القدر.
وهنا نلاحظ أنه حاكم هذه القضية إلى مسألة متعلقة بشيءٍ مشاهد, فالأولى في مثل هذا البقاء على الإجمال كما وردت به الرواية.
كذلك أورد أيضاً بعد ذلك بعض الآثار وفيها ضعف، عن أوقات نزول كتب الله سبحانه وتعالى، فذكر عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزلت التوراة لست مضين من رمضان, والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه, والزبور لثمان عشرة خلت منه, والقرآن لأربع وعشرين خلت منه ), وفي رواية: ( وصحف إبراهيم لأول ليلة).
ثم قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ[البقرة:185], ولقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملةً إلى السماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين للأرض أول: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق:1], كأنه يقول: في ليلة الثالث والعشرين كأنه نزل جملة ثم ليلة الرابع والعشرين نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا ليس فيه شيء يصح، إلا الإجمال الموجود في آية: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], وكما سبق أنه يحكم بأن المنزل في السماء الدنيا نزل في ليلة القدر, والمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم نزل بليلة القدر, سواء كان في ليلة واحدة، أو كان في ليلة من سنة، ثم السنة التي بعدها.
المقصد من ذلك: أننا نبقي هذا الإجمال؛ لأن هذه التفاصيل ليس هناك ما يدل عليها دلالة مباشرة من آثار صحيحة, لكن نثبت أنه نزل بليلة القدر في السماء الدنيا، وكذلك نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة قدر كذلك.
ثم ذكر ما اشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في شهر ربيع، وأجاب عن هذا بما ذكروه أنه نبئ أولاً بالرؤيا في شهر مولده, ثم كان مدتها ستة أشهر، ثم أوحي إليه في اليقظة, والحديث عن متى نبئ الرسول صلى الله عليه وسلم الآثار الواردة فيها ليس فيها ما يصح, ولهذا كل الذي قيل في أنه كان في غار حراء في شهر فلان أو غيره، ليس فيها ما يصح, وأقواها دلالةً ما يوافق الإجمال الموجود، في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], فيكون تعبده صلى الله عليه وسلم وتحنثه موافقاً لليلة القدر.
وبعضهم يذكر في نزول القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل ليلة سبعة عشر من رمضان, يعني: في خلاف في متى نزل, لكن نقول: إن الصواب أنه نزل في رمضان في ليلة القدر؛ لأنه موافق لقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1].
المسألة الثالثة: في السر في نزوله منجماً, قال: وهلا نزلت في سائر الكتب جملة.
طبعاً المعتمد عندنا قوله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا[الفرقان:32].
ثم أورد مسألة قال: لو اعترض معترض: إن هذا من كلام الكفار، أي قوله: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً[الفرقان:32], فكيف نحتج بكلامهم على أنه بالفعل نزل جملةً واحدة؟
عندنا قاعدة في القرآن مهمة ننتبه لها: أنه إذا ورد في القرآن كلام للمخلوقين، ولم يقع عليه رد من الله سبحانه وتعالى فإنه يدل على صحته بذاته.
فما الذي يجعلنا نقول: إن كتب السابقين نزلت جملة, هذه الآية نستدل بها بناءً على هذه القاعدة, ولم أجد إلى الآن أحداً نقض هذه القاعدة.
مثلاً لما قال: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا[البقرة:116], ماذا قال؟ سُبْحَانَهُ[البقرة:116], رد عليه؛ لأنه خطأ, وهناك أمثلة كثيرة مما رد الله سبحانه وتعالى سواء من أقوال أو أفعال أو معتقدات, وهناك أقوال ذكرها ولم يرد عليها, مثل: الهدهد لما جاء إلى سليمان قال: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ[النمل:23], فوصفه بالعظمة ولم يرد الله سبحانه وتعالى على هذا، كذلك العزيز لما قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ[يوسف:28].
فإذاً: المقصد من هذا بما أن هذا القول وارد في القرآن ولم يقع عليه أي استغراب أو اعتراض، فإنه يدل على صحته بذاته، فتكون بالفعل كتب السابقين كانت تنزل جملة.
ومن الدلائل أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى أنزل على موسى الألواح جملةً, وكتبها بيده كما ثبت في الآثار, فهذا من الأدلة التي تدل على نزولها جملةً، وهو دليل تفصيلي, لكن أيضاً يستدل بهذه الآية على أنها نزلت جملةً واحدة.
تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول أبو شامة في لماذا نزل مفصلاً؟ قال: لنقوي به قلبك فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب، حيث قال عنه الله سبحانه وتعالى: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ[الفرقان:32], فإذاً: أول فائدة تذكر هي تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا شك أن نزول الوحي مرةً بعد مرة فيه تثبيت لفؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد بعد ذلك المعنى، قال: وقيل معنى: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ[الفرقان:32], أي: لنحفظه, فإنه عليه السلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب, ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء، فإنه كان كاتباً قارئاً فيمكنه حفظ الجميع, وهذا الكلام من حيث التخريج فيه نظر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل نبيه حافظاً من دون التثبيت, بمعنى: أنه التثبيت ليس من لوازم الحفظ عند النبي صلى الله عليه وسلم, إنما ذكر الله سبحانه وتعالى بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم تثبيت الفؤاد.
وقال ابن فورك : قيل: أنزلت التوراة جملة؛ لأنها نزلت على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى , وأنزل الله القرآن مفرقاً؛ لأنه أنزل غير مكتوبٍ على نبي أمّي, وهذا تابع للكلام الذي قبله, وأيضاً فيه نفس النظر السابق.
وقال غيره: إنما لم ينزل جملةً واحدة؛ لأن منه الناسخ والمنسوخ، ولا يتأتى ذلك فيما أنزل، إلا فيما أنزل مفرقاً, ومنه ما هو جواب للسؤال, وما هو إنكار على قول قيل أو فعل فُعل, وقد تقدم قول ابن عباس : ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم، وفسره به قوله: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا[الفرقان:33], وهذا هو الصحيح؛ لأن كتب الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام كانت تنزل جملةً واحدة فيها الشريعة والآداب والأحكام والأخلاق متكاملة, ولم يكن ارتباط كلام الله منزلاً عليه من هذه الجهة بأعمال العباد, أي: أنه ما كان هناك ارتباط بين ما يحدث للعباد وبين ما ينزل من الشريعة, فما يحدث للعباد كان ينزل بطريقة الوحي الذي هو السنة, لكن حال النبي صلى الله عليه وسلم غير, فالرسول صلى الله عليه وسلم عنده الكتاب المنزل الذي يساير الأحداث.
ولهذا على سبيل المثال التصور العقلي: لو نزل جملةً واحدة، قطعاً سيكون مخالفاً للحكمة؛ لأن فيه: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ[النور:11], ينزل في العهد المكي, وهذا فيه كشف الغيب، وهذا لا يكون متناسباً مع النزول التفصيلي.
فإذاً من حكمة الله سبحانه وتعالى: أن يكون نزوله تفصيلياً لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
مسايرة نزول القرآن منجماً للأحداث
وكذلك لكي يكون مسايراً للأحداث؛ لأنه سيكون كلاماً يتلى.
والسنة وهي النوع الثاني الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف نزل على الأنبياء, أيضاً كانت تغطي أيضاً جانباً من الوحي, ولهذا بعض أحكام الله تنزل عن طريق السنة, وبعض أحكام الله تكون في الكتاب, وبعض الأحداث يجيب الله سبحانه وتعالى عنها بكلامه ويكون من القرآن, وبعضها يجيب عنها وتكون من السنة.
فإذاً المقصد من هذا أن هناك تنوعاً في الوحي, لكن كان من حكمة الله للقرآن أن يكون مسايراً للأحداث التي كانت تقع للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة وهي ما يقع حولهم, فنزل بهذه الصورة التي أرادها الله، ولا يتناسب معه إلا هذه الصورة.
حصول القبول عند التدرج في إنزال القرآن
ثم أضاف حكمة أخرى وهي قريبة من الحكمة التي قبلها, يقول: فهذه آثار صحيحة في إنزال التوراة جملةً, ويؤخذ من الأثر الأخير منها حكمة أخرى لإنزال القرآن مفرقاً, فإنه أدعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج، بخلاف ما أنه نزل جملةً واحدة فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس؛ لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي, ثم ذكر حديث عائشة المشهور السابق الذي أخذناه، قالت: ( إنما أنزل أول ما أنزل منه سورة فصل, فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب إلى الإسلام نزل على الحلال والحرام, ولو أنزل أول شيء: لا تشربوا الخمر, لقالوا: لا ندع الخمر أبداً ).
وهذه فائدة أيضاً جيدة، كأنه أيضاً لو كانت الشريعة كلها نزلت مرةً واحدة لكان أصعب في القبول, يعني: صعب على الناس أن يتقبلوه، خاصة وأنها تنزل على قوم ليس لهم عهد كتاب، وليس كذلك لهم عهد بنظام, الذي سيأمر وينهى واحد، وكلهم سيتبعونه, فما كان لهم عهد بهذا، وكونه نزل على التدريج لا شك أن ما ذكره السيوطي من هذه الفائدة أيضا ًيضاف إلى ما ذكره في هذا الموطن.
فإذاً: عندنا ثلاث فوائد معتبرة:
الفائدة الأولى: ما نصت عليه الآية: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ[الفرقان:32].
والفائدة الثانية: أنه مسايرة للحوادث.
والفائدة الثالثة: أن نزوله مفرقاً أدعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج, بخلاف أنه نزل جملةً واحدة.
هذه ثلاثة فوائد من فوائد النزول منجماً.
فإن قال قائل: إن مسايرة الحوادث فيه لكشف الغيب, وهذا حدث في عهد موسى لما نزلت في جملة واحدة.
فالجواب: ما كان النص المنزل فيه علاقة بأحداث الناس, بل كان أوامر ونواهي، افعلوا ولا تفعلوا، وآداباً وأحكاماً فقط.
ولذلك نفر الناس منها في عهد موسى ، ولهذا قال: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ[البقرة:63], وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ[البقرة:63], والذي يقرأ تاريخ بني إسرائيل يعرف أنه حصل عندهم ردة من هذا الموضوع, وإن كان هذا الطبع فيهم، لكنه على العموم كان حصل شيء من هذا.
وهناك نصوص متفرقة مثل خبر الألواح التي نزلت على موسى عليه السلام، التي هي التوراة حيث كتبها الله سبحانه وتعالى بيده لهم, فهذه دلالة على جملية التوراة.
ثم يقول: ما تقدم في كلام هؤلاء من سائر الكتب أنزلت جملةً هو مشهور في كلام العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد يكون إجماعاً, وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك، وقال: إنه لا دليل عليه بين الصواب أنها نزلت مفرقة في القرآن, قال: وأقول الصواب الأول، ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة.
ثم ذكر آثاراً عن بعض الصحابة في نزول الكتب جملةً واحدة, منها حديث أورده عن ابن عباس قال: ( قالت اليهودية: يا أبا القاسم! لولا أنزل هذا القرآن جملةً واحدة، كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت ), قال: وأخرجه من وجه آخر بلفظ: قال المشركون.
وأخرج نحوه عن قتادة و السدي , قال: فإن قلت: ليس في القرآن التصريح بذلك، وإنما هو على تقدير ثبوته قول الكفار، قلت: سكوته تعالى عن الرد عليه في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته, ولو كانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول: إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على السابقين, كما أجاب بمثل ذلك قولهم: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ[الفرقان:7], وقوله: أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا[الإسراء:94], فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ[يوسف:109].. إلى آخره.
المقصد من ذلك أنه كان هناك شيء من الخطأ لا بد من بيانه وتوضيحه.
وأنت لو تأملت وجدت القرآن ارتبط بمسايرة الحوادث بالذات، فنزل بالتفصيل, لكن هذه الكتب لو تأملتها فستجد أنها كتب إما أن تكون أحكاماً وشرائع, وإما أن تكون آداباً، وإما أن تكون دعاء, ومحارم لله سبحانه وتعالى, فهذه لا يضر فيها نزولها جملة, إنما يضر فيها نزولها جملة, وبما أنه لم يذكر أن كتاباً من الكتب نزل مفرقاً، وعندنا هذه الآية فحمل هذا عليها أولى, يعني: لا شك أنه اجتهاد, لكن هل يقال: أنه هؤلاء من أن يقال غير ذلك, ما دام جاء النص عاماً ومطلقاً ما قيد، فيبقى على هذا الإطلاق, أنهم قرروه أو وزنوه بما سمعوا من الكتب السابقة.
والمشهور عندنا الآن أن صحف إبراهيم وصحف موسى التي هي التوراة، والإنجيل والزبور، هذه أربعة كتب مذكورة, فهذه الكتب الأربعة لو تأملتها فستجد أنها إنما هي أخبار أو أحكام أو أدعية ومحارم لله سبحانه وتعالى.
ثم أورد آثاراً كلها مرتبطة بنزول التوراة في هذا التذنيب، وانتهى منها بالفائدة التي ذكرها قبل قليل وهي التدرج.
استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عرض كتاب الإتقان (45) - النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصه | 3938 استماع |
عرض كتاب الإتقان (77) - النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته [1] | 3816 استماع |
عرض كتاب الإتقان (47) - النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه | 3597 استماع |
عرض كتاب الإتقان (79) - النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه | 3588 استماع |
عرض كتاب الإتقان (69) - النوع السابع والستون في أقسام القرآن | 3545 استماع |
عرض كتاب الإتقان (49) - النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده | 3540 استماع |
عرض كتاب الإتقان (74) - النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله | 3482 استماع |
عرض كتاب الإتقان (34) - النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه [1] | 3480 استماع |
عرض كتاب الإتقان (7) - النوع الرابع - النوع الخامس - النوع السادس | 3444 استماع |
عرض كتاب الإتقان (53) - النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته | 3422 استماع |